النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

جناحان يساري و «بورقيبي» في قلب المشهد

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟
TT

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

ألقت الأزمة الداخلية التي مرت بها حركة «نداء تونس» الفائزة في انتخابات 2014 بظلالها على المشهد السياسي في تونس، وسرعان ما ظهرت سيناريوهات تطورات الأزمة لتطرح فرضية انقسام الحزب الذي تشكل على عجل سنة 2012 إلى أكثر من حزب سياسي ومن ثم فقدانه للأغلبية البرلمانية، وهو ما يجعل مواصلته لرئاسة الحكومة مطروحة بقوة. وهو كذلك ما جعل عودة حركة «النهضة»، ممثلة التيار الإسلامي، إلى الحكم وتمسكها بحقها الدستوري في تشكيل الحكومة فرضية واردة، وكذلك على الرغم من تأكيدات قيادات «النهضة» على أنها في حل مما يحدث داخل هذا الحزب وأن لا ناقة لها ولا جمل في ما حصل.

لدى متابعة ما جد من جدل سياسي وحزبي في تونس، فإن الأزمة القائمة داخل حركة «نداء تونس» صورت على أساس وجود شقين سياسيين متناقضين في الحزب السياسي الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الباجي قائد السبسي:
الشق الأول شق يساري ونقابي يتبنّى منطق «من فاز في الانتخابات عليه أن يتحمل مشكلات الحكم بوضوح ويتحمل المسؤولية كاملة» مع ما يتطلبه ذلك من تغيير السياسات الحالية التي جعلت «النداء» يبتعد عن أهداف تأسيسه ويتخلى عن جانب كبير من وعوده الانتخابية. ويتمسك هذا الشق باحترام شرعية الحزب الفائز بالحكم وتنفيذ مجموع وعوده، وهذا لن يتم إلاّ بعقد تحالفات قوية داخل البرلمان تسمح لـ«النداء» بالحكم الواضح دون مشاركة «النهضة» المستفيدة من حالة الضعف والوهن الذي ظهر عليها الحزب الفائز في الانتخابات قبل أشهر من إجراء انتخابات بلدية ستكون حاسمة على مستوى الحكم المحلي. وفي هذه الحالة لن يبحث هذا الشق عن شرعية «أغلبية» الأصوات داخل البرلمان لفائدة الحكومة، بل سيكتفي بالنسبة الدنيا المطلوبة، أي 50 في المائة زائد واحد. ولكن هذا التأويل لن يكون واقعيًا إلا إذا قبلت الكتل النيابية المعارضة حاليًا، وخصوصا منها «الجبهة الشعبية» (اليسارية) بزعامة حمّة الهمّامي الانضمام للتشكيل الحكومي، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل خلافات جوهرية حول التوجه الاجتماعي والاقتصادي.
أما الشق الثاني فيرنو إلى توفير كل الحظوظ الممكنة للفوز في المؤتمر التأسيسي للحزب، ويرى أن فوزه في الانتخابات سيضمن له السيطرة على مفاصل الحزب. وهو الذي سيحدد سياسة البلاد بقية الفترة النيابية من خلال البرلمان، وهي فترة كافية للفعل والتأثير على المشهد السياسي والعودة إلى الواجهة. ويرى هذا الشق في المؤتمر التأسيسي المقبل الفرصة الذهبية للتحكم والتأثير في السياسات المستقبلية للبلاد والعمل على البحث عن «أبوة» مشتركة بين الدستوريين (البورقيبيين وبقاياهم) والإسلاميين، بعيدًا عن منطق تقاسم الحكم بأغلبية مريحة بين حركة «نداء تونس» وحركة «النهضة»، وبالتالي التخلّي عن المكوّنات غير الدستورية (اليسارية، بالأساس) في «نداء تونس». وفي هذه الحالة، يكون من المجدي للدستوريين والإسلاميين استعادة الثقة في ما بينهم واستبدال حالة العداء التاريخي بينهما بصيغة حكم متآلفة، وهي فرصة للمحافظة على حالة التوافق السياسي الحاصلة بعد ثورة 2011.

* حركة تحمل بذور انقسامها
ولقد ذهب أكثر من محلل سياسي تونسي إلى القول إن حركة «نداء تونس» كانت تحمل بذور انشطارها وانقسامها إلى أكثر من توجه سياسي منذ نشأتها، إذ إن هذه الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي منتصف عام 2012 جمع سياسيين من مختلف المشارب السياسية والاتجاهات الفكرية لا تجمعهم سوى فكرة «معاداة حركة النهضة والاتفاق على قطع الطريق أمام عودتها إلى السلطة» أكثر مما يجمعها برنامج سياسي ورؤى اقتصادية واجتماعية واضحة.
وإذا حاولنا استعراض ظروف نشأة «نداء تونس» كحزب سياسي، فإن مؤسسه قائد السبسي، السياسي التونسي المحنك المخضرم، اعتبر نفسه منذ البداية «امتدادا للحركة الإصلاحية التونسية التي تعود جذورها لما قبل الاستعمار الفرنسي لتونس». ونادى خلال الحملة الانتخابية التي قادها نهاية السنة الماضية بمواصلة نفس النهج الإصلاحي الذي اعتمده الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة خلال السنوات الأولى لبناء الدولة الحديثة بعد 1956 سنة الاستقلال عن فرنسا، وبالتالي صورت الحركة الجديدة على أنها حزب علماني وسطي ليبرالي يؤمن بمبدأ فصل الدين عن السلطة، كما يتبنى الأفكار المتعلقة بمدنية الدولة وتمسك بتحرير المرأة. ويعتبر الحزب نفسه أيضًا جامعا للقوى السياسية التي تدافع عن النظام الجمهوري في مواجهة النماذج الأخرى، خصوصا منها التيارات الإسلامية.
وما يذكر أن الباجي قائد السبسي، الزعيم المؤسس، نشأ في كنف عائلة قريبة من البايات الحسينيين (حكام تونس من العثمانيين)، ولم يكن مقربا من الزعيم السابق الراحل بورقيبة بسبب قربه من البايات. كما أنه ينتمي إلى عائلة من سكان حي باب الأقواس بتونس العاصمة، وهي منطقة سكن أعيان البلاد، ولقد عاش يتيمًا إذ توفي والده وهو يبلغ من العمر نحو عشر سنوات.
مع هذا أو بسبب هذا، وجّهت إلى قائد السبسي انتقادات كثيرة وهاجمت ماضيه السياسي، لا سيما أنه شغل منصب وزير داخلية أثناء حكم بورقيبة، في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي، والداخلية وزارة ارتبطت بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان والتعذيب، خصوصا لأتباع الزعيم التونسي صالح بن يوسف الذي خالف الحبيب بورقيبة إبان الاستقلال عام 1956. غير أن بن يوسف تعرض للاغتيال السياسي ولوحق أتباعه ومن بينهم عائلة المنصف المرزوقي، أول رؤساء تونس بعد انتفاضة 2011، الذي اضطر إلى الهجرة القسرية والعيش في المغرب.
ولكن عند تأسيس حركة «نداء تونس»، فتح قائد السبسي باب حزبه الجديد أمام وجوه سياسية من مختلف التيارات وكان حلمه الوصول إلى قصر قرطاج الذي منع في فترة تاريخية من دخوله. وضمت الحركة وجوهًا نقابية تنتمي إلى الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر النقابات العمالية في البلاد) ووجوهًا من التيار اليساري وعددًا لا بأس به من الدستوريين - نسبة إلى الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه بورقيبة - واستقبلت مسؤولين سابقين من حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل ممن عرفوا بانتمائهم الصريح إلى نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما ضمت أيضًا مجموعة من ناشطي المجتمع المدني ووجوهًا تدعم الحركة النسوية التونسية.
ونتيجة لهذه التركيبة الشاملة المتآلفة ظاهريا، والمتناقضة المصالح على أرض الواقع، توقع لها كثيرون من الخبراء أن تتعرض للتشتت في أول اختبار سياسي، وأنها وإن كانت ستعمل على الفوز في انتخابات الرئاسية والبرلمانية - التي أجريت بالفعل عام 2014 – فإنها ستتوقف عند أول امتحان حقيقي في مواجهة عدة أحزاب وتيارات سياسية فضلت اختيار المعارضة على دعم حزب سياسي يحمل بذور تشتته من الداخل.
وحقًا، حاولت حركة «نداء تونس» تجاوز الخلاف الذي برزت مؤشراته مبكرًا بين قياداتها، خصوصا في ما يتعلق بإشراك حركة «النهضة» في الحكم. وهكذا انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، ولكن حساسية الوضع السياسي والاضطراب السياسي والأمني دفعا بالرئيس الباجي قائد السبسي إلى التحالف مع راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» إقرارا منه بثقلها السياسي والاجتماعي، وهو تحالف لقي معارضة من معسكري الحركتين «النهضة» و«النداء» في وقت واحد.
كذلك ظهرت بوادر خلاف سياسي في صفوف قيادات «نداء تونس» أثناء عملية تشكيل الحكومة، إذ تمسك الطيّب البكّوش، وزير الخارجية الحالي (الشق النقابي)، بتحمّل مسؤولية الحكم واختيار أحد القيادات السياسية لتولي المسؤولية، إلا أن الاتهامات التي وجهت إلى «نداء تونس» بمحاولة «التغول السياسي»، والسعي لاحتكار الساحة بتولي قياداتها رئاسة الجمهورية (الباجي قائد السبسي) ورئاسة البرلمان (محمد الناصر) ومحاولة الاستحواذ أيضًا على رئاسة الحكومة، جعل المخاوف من عودة النظام السابق واردة، وهو ما جعل الخلافات تؤجل لتظهر من جديد بمناسبة الكلام عن تحديد موعد نهائي لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب.
وفي ظل حسابات انتخابية، في الأساس، وبانتظار حسم موضوع إسقاط «النهضة» وحلفائه وإخراجهم من الحكم، تأجل انعقاد المؤتمر من شهر يونيو (حزيران) 2014 إلى نهاية العام الحالي لتزامن هذه الفترة مع التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2014. ولكن جذور الخلاف بين التيار اليساري على وجه الخصوص ممثلاً في محسن مرزوق الأمين العام لـ«نداء تونس» والتيار الدستوري ممثلاً بحافظ قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي) المسؤول على هياكل الحزب والتعبئة، بقيت على ما هي عليه دون أن يتوصل الطرفان إلى حل يرضيهما ويستجيب لطموحات كل طرف منهما.
ولتقريب الصورة أكثر لنأتِ على السيرة الذاتية لكلا التوجهين الأساسيين اللذين يمثلهما محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي.

* محسن مرزوق
محسن مرزوق، من مواليد 1965 بمنطقة صفاقس (وسط شرقي تونس)، ونشأ في محيط فقير وعائلته من الطبقة العاملة العادية في تونس. ونتيجة نشاطه الطالبي طرد من عدد من معاهد التربوية التونسية التي التحق بها. ومن ثم، عُرف نقابيًا وناشطًا بارزًا في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس، إحدى أقدم المنظمات الطلابية المستقلة التي تسيطر عليها توجهات يسارية. وهو ما نجم عنه التجنيد القسري لمحسن مرزوق في «رجيم معتوق» (المنطقة الصحراوية جنوب تونس) أواسط عقد الثمانينات، وذلك على خلفية نشاطه الطالبي المعارض لتوجهات السلطة في قمع الحريات ومنع ممارسة التعدد السياسي. بعدها حصل مرزوق على الإجازة الجامعية في العربية وشهادة التعمق في البحث العلمي بتخصص علم الاجتماع. ثم تولّى مسؤولية منسق تنفيذي عام لمركز الكواكبي للتحوّلات الديمقراطية الذي يوجد مقره في العاصمة الأردنية عمّان، وهو يشغل منصب الأمانة العامة للمؤسسة العربية للديمقراطية منذ شهر مارس (آذار) 2008.
خلال فترة حكم النظام السابق، لم يُذكَر اسم محسن مرزوق من بين الأسماء السياسية المعارضة لـ«بن علي»، لكنه كان من مؤسسي حركة «نداء تونس». ثم قاد بنجاح الحملة الانتخابية للرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، وتمكن من خلال جولاته في المدن التونسية من الحد من تحرّكات المنصف المرزوقي، منافس الباجي المباشر في الانتخابات الرئاسية، وأسهم بفوزه من خلال خطاب محذّر من «عودة الأصولية الإسلامية إلى قصر قرطاج». وعلى الأثر صار مرزوق رقمًا صعبًا في معادلة الحزب الحاكم وإحدى ركائزه الصلبة. ونتيجة مساهماته في إرساء الحزب ومعرفته بنقاط ضعف خصومه السياسيين، خصوصا من الإسلاميين، فهو يرى أنه أحقّ من غيره بقيادة حركة «نداء تونس»، وأنه صاحب شرعية سياسية تؤهله لتولي أهم المناصب القيادية.

* حافظ قائد السبسي
أما حافظ قائد السبسي فيمثل – كما سبقت الإشارة – التيار أو الشق الدستوري في «نداء تونس». وهو رجل أعمال، ونجل الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي.
ولد عام 1961 في تونس العاصمة، ودرس في العاصمة الفرنسية باريس حيث حصل على شهادة الدراسات العليا في العلاقات الدولية والدبلوماسية. ولم يذكر اسمه خلال فترة حكم الزعيم السابق الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي، لكنه برز بعد انضمامه إلى حركة «نداء تونس» إلى جانب والده مؤسس الحزب. وتولى عضوية المكتب التنفيذي إضافة إلى ترؤسه الإدارة المركزية للهياكل والتعبئة. كذلك عينه المكتب السياسي للحزب نائبا للرئيس، وبعد ظهور مشكلة توريث رئاسة الحزب، اتهمه مرزوق بالاعتماد على «شرعية السلالة» للسيطرة على مقدراته. ونتيجة لهذا الخلاف الحاد تتالت التصريحات والتصريحات المضادة، وبدأ اصطفاف أعضاء المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والكتلة النيابية في البرلمان، قبل تفاقم الأمور وإعلان 32 من نواب «نداء تونس» الاستقالة من كتلة الحزب البرلمانية بعد أسبوع من ظهور الخلاف على العلن.
وفي محاولة لكشف ملابسات هذا الخلاف، قال مهدي عبد الجواد، عضو المكتب التنفيذي لـ«نداء تونس»، في تصريح إعلامي إن «كل مخرجات أزمة نداء تونس ممكنة»، نافيًا «وجود جناح يساري بالمعنى الآيديولوجي للكلمة، شأنه شأن بقية الروافد الفكرية». وتابع موضحًا: «إن من يقفون مع حافظ قائد السبسي لا علاقة لهم بالدستوريين، كما أن الذين يصطفون بجانب محسن مرزوق من بينهم دستوريون».
واعتبر عبد الجواد أن «الصراع في نداء تونس هو في حقيقة الأمر صراع حول المستقبل. وهو يدور بين مشروع وطني عصري يعمل على بناء دولة المواطنة والحوكمة ويقاوم الفساد و(المافيا)، ويضمن دولة الكفاءة والجدارة، وتوجّه آخر يقوم على الانتهازية وحدود تماسّه مع مافيا الفساد غير واضحة وارتباطاته مع حركة الإخوان غير واضحة المعالم كذلك، وفيها كثير من اللبس» على حد تعبيره.

* بديل جاهز ينتظر
من ناحية ثانية، خسرت حركة «نداء تونس» كثيرا في معركتها السياسية الداخلية في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية وتراجع مؤشرات التنمية، وهو ما دفع بكثيرين من القيادات السياسية إلى البحث عن حزب سياسي بديل. واستفاد حزب «المبادرة الدستورية»، الذي يقوده كمال مرجان وزير الخارجية السابق في عهد بن علي من الأزمة، والتحقت عدة قيادات سياسية من الصفوف الأولى في «نداء تونس» بحزب المبادرة.
وفي هذا الشأن، قال عادل الشاوش، النائب البرلماني السابق في عهد بن علي والقيادي في حركة «نداء تونس»، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إنه بالفعل التقى أعضاء المكتب السياسي لحزب «المبادرة الدستورية» بزعامة كمال مرجان، وهو ينتظر «توضيح معالم المشروع السياسي الذي يمكن تبنّيه من قبل الوافدين السياسيين الجدد وعددهم نحو 28 قياديًا».
وعن قرار تخليه عن «نداء تونس» ومدى تأثير هذا الالتحاق على مستقبل الحزب الحاكم، قال الشاوش: «إن الحزب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية لم يقدر على التحول الفعلي إلى حزب سياسي قادر على تجاوز خلافاته الداخلية»، في إشارة إلى الخلاف الحاد الحالي. وتابع: «إن حركة نداء تونس عرفت تعاطفًا سياسيًا هامًا من قبل الفئات الاجتماعية والقاعدة الانتخابية لأنها نادت قبيل الانتخابات بضرورة إنقاذ تونس، ووحدت الصفوف ضد تحالف (الترويكا) بزعامة حركة (النهضة)، وتمكنت من الفوز في انتخابات 2014، غير أنها لم تقدر على تحمّل أعباء الحكم وحل الخلافات الداخلية في نفس الوقت».
وتابع الشاوش أنه كان قد دعا عقب الانتخابات إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تهيمن عليها حركة نداء تونس، وتبقى خارج دائرة الصراعات وأن تسعى إلى تشكيل هياكلها وتحديد ملامح مشروعها المدني التحديثي، لكن هذا المقترح لم يجد آذانا صاغية» على حد قوله. واستطرد قائلاً: «إن نظرة التونسيين تغيرت تجاه الحزب الحاكم، وطغت الخلافات بين قيادات حركة نداء تونس على المشهد العام، ما جعل الخلاف يأخذ شكل النزاع على المصالح. وحوّل بعض المجموعات إلى ما يشبه (المافيات) التي تسعى إلى السيطرة على كل شيء، وهذا لا يفيد في البناء الديمقراطي»، على حد تعبيره.
أما في ما يتعلق بانضمامه إلى حزب «المبادرة الدستورية»، فقال الشاوش: «إن الأفكار التي تجمع بين الحزبين لا تختلف كثيرًا، ولكن حزب المبادرة تمكن من صياغة فكر إصلاحي واضح المعالم، ولم يبقَ سجين الفكر البورقيبي في شكله التقليدي، بل بنى مشروعًا سياسيًا قابلا للتنفيذ بعيدًا عن الخلافات والجدل العقيم».
في مختلف الحالات يرى مراقبون أن الحسم سيكون حتميًا وضروريًا كي لا تُصاب دواليب الدولة بالخمول والتردد، وخصوصا بغياب الرؤية والبرنامج والأهداف الواضحة. فالحكومة التي يقودها رئيس الوزراء الحبيب الصيد، التي عيّنها «نداء تونس» لا تجد تجاوبا من أكثر قياداته السياسية، وهو ما أثر على ظروف عملها وأصاب كثيرا من برامجها بالشلل التام. وهنا، ترى المحللة السياسية التونسية جيهان لغماري أنه «مهما كانت النتيجة بين شقي الصراع في (النداء) فإن تبعاته ستكون كبيرة لتمسّ مكونات (النداء) نفسه، إما بالاستمرار السياسي وإما بالتشظي إلى أكثر من حزب. وهذا ما سيؤثر على التشكيل الحكومي. وقد يكون الحزب الفائز في انتخابات 2014 مطالبًا بإعادة صياغة تحالفات سياسية جديدة تمس كل الأحزاب، بكبيرها وصغيرها، بشكل غير متوقع ما دام المشهد السياسي الجديد قد عوّد التونسيين على المفاجآت التي تتجاوز الآليات التقليدية للتحليل السياسي».
ومع أن أي تهدئة لن تكون إلاّ مُسَكِّنًا وقتيًّا وهدنة لن تطول ما دام الاختلاف جوهريًّا يخصّ هوية الحزب وتصور شكل ومكونات الحكومة التي تستجيب لضرورة المرحلة المقبلة، دون إغفال طبيعة التحالفات السياسية المستوجب حصولها، فإن هذه المسائل الرئيسية هي المحددة لمستقبل «نداء تونس». ويبدو من الصعب في الظروف الحالية إيجاد نقاط التقاء بين شقّي الصراع، ما سيدفع - ولو بعد هدنة مؤقتة - إلى حل الأمور نحو الحسم لمصلحة أحد الطرفين.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».