«الحب والإدمان»... تداخل وتطرف في التأثير

اعتمد مؤلفاه على آراء فلسفية ونفسية وسرديات أدبية

«الحب والإدمان»... تداخل وتطرف في التأثير
TT

«الحب والإدمان»... تداخل وتطرف في التأثير

«الحب والإدمان»... تداخل وتطرف في التأثير

يسعى كتاب «الحب والإدمان» لمؤلفيه ستانتون بيلي وآرتشي برودسكي، بترجمة نيفين بشير «آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة»، إلى فتح نقاش معرفي ونقدي حول الصلة بين عالمي الحب والإدمان، ليس بالصورة المجازية التي ترتبط برومانسية العلاقة بالحبيب، بقدر ما يُقصد بها إدمان علاقات عاطفية اعتمادية رغم ما تتسبب فيه من عواقب غير حميدة، كالوِحدة والعزلة والشعور بعدم الأمان.

يرى مؤلفا الكتاب أن العلاقات الشخصية الوثيقة يمكن أن تسبب الإدمان، وأن هذا النوع من الارتباط هو عكس علاقة الحب تماماً، حيث «الحب الحقيقي عكس التجربة المُقيدة لإدمان الحب»، حسبما يشير المؤلفان.

ويُعد ستانتون بيلي خبيراً ومُحاضراً في مجال الإدمان لما يزيد على 40 عاماً، وعُدَّ رائداً في وضع مجال الإدمان أمام فهم تجريبي وثقافي، أما آرتشي برودسكي فهو المؤلف المشارك لأعمال ستانتون البحثية، وقد ترأس لجنة حقوق الإنسان في «مركز ماساتشوستس للصحة العقلية».

إدمان الحب

حسب الكتاب، الذي يقع في 463 صفحة، فإن إدمان العلاقات الشخصية «إدمان الحب»، يعد أكثر أشكال الإدمان شيوعاً، وإن كان أقلها شهرة، ولعل تسليط الضوء عليه يساعد على كسر الصورة النمطية عن المدمن، والتوّصل لفهم أفضل للطريقة التي يؤثر بها الإدمان علينا جميعاً، حيث نقيض الإدمان هو الارتباط الحقيقي بالعالم.

يُفند الكتاب أوجه التشابه الجوهرية بين العلاقات الاعتمادية وإدمان المخدرات، عبر استكشاف ماهية الإدمان نفسياً واجتماعياً وثقافياً، من خلال طريقتين: الأولى إظهار ما يحدث بالفعل عندما يكون الشخص معتمداً أو يقاوم الاعتماد على عقار ما، وثانياً من خلال إظهار كيف يمكن أن تحدث العملية نفسها في مجالات أخرى من حياتنا اليومية، خصوصاً في علاقاتنا مع أكثر المقربين لنا، فأوجه التشابه بين إدمان الحب وإدمان المخدرات جوهرية، بما فيها ظهور أعراض الانسحاب كنتيجة للانفصال، وهي فكرة بدا للكثيرين أنها من غير المعقول أن يكون لها سند علمي، ولكنها واقعية.

اعتمد الباحثان في بناء عالمهما البحثي على تواشج قصص أفراد عاديين، مع آراء فلسفية ونفسية، وتحليل لسرديات أدبية حول الحب والتعلّق، في محاولة لفهم جوهر الحب ونوازع الارتباط العاطفي، بصورة كشفت عن تناقضات شاسعة في فهم علاقة الذات بالآخر، والتوازن في مقابل الاحتياج، فيشير الكتاب، على سبيل المثال، لمقطع للكاتب البريطاني ديفيد هربرت لورانس ورد في روايته «نساء عاشقات» يقول: «ما أريده هو ارتباط غير مألوف معك، ليس التقاءً أو اختلاطاً، لكنه توازن، وتناغم نقي لكائنين منفردين، كما تتوازن النجوم بعضها مع بعض»، وهو مغزى يختلف عن ماهية الحب التي وردت في قصيدة لوليام غاريت يقول فيها:

«أحتاج إلى حبك من أجل البقاء

من دونه أنا بالكاد أحيا..».

يعد إدمان الحب أكثر أشكال الإدمان شيوعاً وإن كان أقلها شهرة

مبدأ التكامل

يشير الكتاب لتعبير عالِم النفس والفيلسوف إريك فروم، عن مبدأ التكامل في الحب، بما يكفل للطرفين تحقيق الذات وعزة النفس، فالحب بالنسبة لفروم هو نقيض لإدمان الأشخاص، حيث الحب نمو وتوسيع للعالم وليس محض «ارتباط تكافلي أو أنانية مفرطة». ويذكر الباحثان كتاب إريك فروم البارز «فن الحب» الذي يقول فيه إنه لا يمكن للرجل أو المرأة تحقيق الرضا بالحب إلا عندما يدركان نفسيهما إلى الحد الذي يُمكّن كل منهما من الوقوف كشخص كامل وآمن، وهو أمر لا يمكن فهمه دون فهم الفرق بين النهج الإدماني وغير الإدماني في الحياة، ويعدُّ فروم أن جوهر الإدمان هو الإحساس المتضائل بالذات.

حسب الكتاب، فإن الإدمان ليس فقط الصورة النمطية المرتبطة بالإدمان الكيميائي كما هو شائع، بل إن الإدمان «تجربة» تنشأ عن استجابة الفرد الروتينية لشيء له معنى خاص لديه، شيء يجده آمناً ومطمئناً لدرجة لا يمكن الاستغناء عنه «الإدمان ليس شيئاً غامضاً إنما نمو خبيث ومظهر متطرف وغير صحي للميول البشرية الطبيعية».

ومن الناحية النظرية، كما جاء في الكتاب: «لا علاقة للحب بالإدمان على الإطلاق، فهما نقيضان»، حيث لا شيء يمكن اختزاله من الحب الحقيقي المتعارف عليه، سوى التبعية اليائسة المتمركزة حول نفسها، التي نسميها في حالة المخدرات بالإدمان، وعلى الرغم من أن التجاور بين المصطلحين «الحب» و«الإدمان» غريب، إلا أنهما متداخلان، وأحياناً ما نقول «حب» عندما نعنى حقاً «إدمان».

يبقى اللافت في هذا الكتاب أن الباحثين اتكآ في بحثهما على قصص لأفراد «يُحبون من موقع قوة، وليس احتياجاً، مقابل أفراد محاصرين داخل علاقات إدمانية مُؤذية. وتبدو معظم قصص حبهم نتائج لعزلة حياتهم العائلية في مرحلة الطفولة»، حيث «لعائلاتنا تأثير هائل على قدرتنا الإدمانية أو غير الإدمانية، لأنها إما تعلمنا الثقة بالنفس أو العجز أو الاكتفاء الذاتي والتبعية»، وصولاً لعلاقاتنا بالمؤسسات الاجتماعية التي يمكن أن تغرس بداخلنا شكوكاً جدية حول قدرتنا على إدارة حياتنا، أو التفاعل بشكل خلاق مع بقية العالم، ما يجعل من أبرز الطرق لحماية أنفسنا من الإدمان فهم كيفية تأثير بيئتنا الاجتماعية علينا، والوعي الذاتي النقدي، وتعلم طرق أفضل للتعامل مع الأشخاص، ليس فقط في العلاقات الرومانسية، ولكن ينطبق على الروابط العائلية والصداقات.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».