تفتح العاصمة السعودية اليوم ولمدة أسبوعين نافذة ثقافية وفكرية عالمية من خلال انطلاقة معرض الرياض الدولي للكتاب، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بمشاركة 900 دار للنشر من 31 دولة عربية وأجنبية، ستعرض أكثر من 600 ألف عنوان، كما ستقام على هامش المعرض فعاليات ثقافية مختلفة، ويجري تكريم 10 من رواد الخط العربي، وسط ترقب بأن يكون معرض هذا العام حدثا ثقافيا وفكريا يعيد للكتاب وهجه ويجسد واقع الحراك الثقافي محليا وعربيا وعالميا، ويعبر عن صورة المشهد الثقافي في السعودية، وينطق بلسان فكر المعرض ليكون وعاء يستوعب كل الإبداعات والأطروحات الإنسانية، ويترك خيارا للمتلقي للبحث واقتناء ما يريد قراءته بعيدا عن الإملاءات والتفكير بالنيابة عن الآخر، وجعل المعرض فضاء واسعا للفكر، يستوعب التعددية الثقافية والاختلافات الفكرية، واحترام الرأي الآخر، والبعد عن إطلاق الأحكام المسبقة، وثقافة التوجس، والتشكيك، وتجنب الطرح الانفعالي، والعاطفي رفضا أو قبولا.
ومن خلال العناوين التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» والتي ستعرضها دور النشر المشاركة، فإن كتب التاريخ والمذكرات والسير، والمؤلفات التي تتناول المتغيرات التي طرأت على العالم العربي بعد ما يسمى بالربيع العربي، هي الحاضرة في معرض الرياض هذا العام، إضافة إلى حضور قوي لكتب الفكر والفلسفة، في حين سجلت الرواية تراجعا ملحوظا، وغيابا شبه تام للشعر الفصيح.
وفي قراءة لعناوين الكتب التي صدرت من دار «جداول» للنشر والترجمة في بيروت لوحظ تنوع الكتب، فلأول مرة يدخل الشعر الشعبي إلى معرض الكتاب من خلال مقارنة بين شعراء العربية الفصحى واللهجة الشعبية الدارجة، من خلال كتاب «هؤلاء وشعرية المكان» للباحث إبراهيم العميم، حيث يعرض الكتاب لأحداث ووقائع وموضوعات واتجاهات وميولا وشخصيات، بالاستعراض والشرح والتفسير والتحليل بواسطة النثر الفني، وهذا العمل الذي يقدم للقارئ هو من تلك الأعمال الأدبية القليلة في الثقافة العربية المحدثة، الذي صاغه صاحبه بلغة شعرية عذبة رقيقة وفاتنة وباذخة، عانقت اللغة فيها المضمون بوجد صوفي محموم.
ولعل مفتاح هذا العمل هو قول صاحبه عند حديثه عن قيس بن الملوح ومحمد بن عمار «هذه الصحراء حكت قصص الحب قرونا سبقت قيس بن الملوح وما زالت ترويها أساطير أعقبت محمد بن راشد بن عمار. حكايات آخرين غيرهما هاموا تيها على تيه في وديان الحب، فآهات القوافي أزلية لا تتوقف أبدا، فعندما يطل سهيل على أشجار العوسج متلحفا ضوء القمر يبدأ الشجى يبعث الشجن، وتبدأ أحاديث السمر بين الآباء والأبناء والأحفاد: بين قيس بن الملوح ومحمد بن عمار، وبين الحطيئة وحميدان الشويعر، وبين متمم بن نويرة ونمر بن عدوان، وبين عمر أبي ربيعة ومحسن الهزاني، وبين الأعشى ومحمد بن لعبون، وبين زهير بن أبي سلمى وبركات الشريف، وبين الخنساء ومويضي البرازية، وغيرهم من الشعراء والشاعرات. يمضي هذا التلاقي والتلاقح سرمديًا بين الراحلين وبين والآتين.. في فلك الصحراء يتراءى لك طيف عروة بن الورد وفقرائه، والشنفرى ووحوشه، والسليك بن السلكة ومطارديه، والخلاوي ونجوم أفلاكه، وراكان بن حثلين وفرسه الكحلاء.. ولولا هذه الأرواح المتآلفة المتحابة، الغارقة في وجدها، ما كتب للمكان تاريخ».
في هذا العمل البطل بلا منازع هو المكان الذي هو الصحراء، رغم تعدد الشخصيات وتنوع القصص والحكايات والعذابات والأحزان والمباهج والمسرات، وتباعد الأجيال وتنائي المسافات واختلاف الأزمنة. والمكان عند صاحب العمل هو الذي يصنع اللغة الشعرية، وهو وراء توارد الصور والأخيلة والمعاني والأساطير وتكرار القصص والحكايات وتشابه المآسي والأفراح في عصور الفصحى وعصور العامية.
ويعود عبد الله فيلبي إلى الواجهة مجددا عبر المعرض من خلال كتاب «قصة عبد الله فيلبي من وثائق المخابرات البريطانية» ترجمه حسن ساتي إلى اللغة العربية، بعد أن أفرج مكتب السجلات العامة والأرشيف القومي ببريطانيا صباح الخميس 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، ولأول مرة عن 311 ملفا عن العملاء والنشاط الاستخباراتي، كان مقررا الإفراج عنها عام 2005. بين تلك الملفات ملفان عن هاري سانت جون بروجر فيلبي، الذي أصبح الحاج عبد الله فيلبي بعد اعتناقه الإسلام، وفي الملفين 236 وثيقة، يقود مجمل قراءتها إلى الوقوف أمام شخصية خلافية ودرامية في الوقت ذاته.
كما عاد الأديب سعد بن عبد الله الجنيدل إلى الواجهة من خلال كتاب بعنوان «سعد الجنيدل.. عالية نجد ونجدُ العالية» للكاتب والباحث مسعود بن فهد المسردي، يتناول سيرة الجنيدل منذ مولده ونشأته في بلدة الشعراء في عالية نجد، وإلى وفاته، مرورا بانتقاله إلى الرياض لطلب العلم، ووقوفا على نتاجه العلمي ومسيرته الثقافية وما صاحبها من تطورات ومراحل، وإبرازا لجوانب مخفيَّة في حياة هذا الأديب وعلاقته بمجتمعه وبمن حوله، والذي برز في جوانب عدة وحقق ريادة وسبقا علميا في مجال البلدانيات وتحقيق المواضع الجغرافية، وتجلّى ذلك في دقة معلوماته وقدرته على مزج الجغرافيا بالتاريخ، لذا يأتي هذا الكتاب ليُسلط الضوء على هذه الريادة وهذا المُنجز. وقد بذل المؤلف عملا دؤوبا في تتبع مسيرة الجنيدل وجهدا وافيا في محاولة الوصول إلى المعلومة في أراشيف الصحف والمجلات السعودية، إضافةً إلى اعتماده على التاريخ الشفوي بما سُجّل عن الجنيدل من مرويات وأحاديث، ليكون الكتابُ مرجعا شاملا عن حياة الجنيدل وجهوده العلمية.
وأعاد المعرض أجواء الغزو العراقي للكويت، وحضور الدكتور الراحل غازي القصيبي في مناقشة هذا الغزو من خلال مقالات تعد وثيقة تاريخية ذات قيمة، حيث صدر عن دار «جداول» للنشر والترجمة في بيروت كتاب «في عين العاصفة»، الذي ضم المقالات التي كتبها الدكتور غازي القصيبي أثناء الغزو العراقي لدولة الكويت. وقد قدّم للكتاب الأستاذ عثمان العمير، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» حينذاك، وهو يضم المقالات التي كتبها غازي القصيبي في صحيفة «الشرق الأوسط» أثناء غزو صدام حسين لدولة الكويت، والتي ابتدأت من تاريخ 20 أغسطس (آب) 1990 وانتهت بمقالته الأخيرة «حتى نلتقي» التي ختم بها سلسلة مقالاته والمؤرخة بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1991.
على مدى عام تقريبا انتظمت مقالات غازي القصيبي في زاوية شبه يومية، كان اسمها «في عين العاصفة»، وهو الاسم الذي اشتهرت به، ثم مع حرب التحرير غيّر المسمى إلى «بعد هبوب العاصفة»، وبعد التحرير أصبح الاسم «على نار هادئة». وفي مقالاته حاور غازي القصيبي وناقش عددا من السّاسة والمثقفين والكُتّاب مما جعل من مقالاته وثيقة تاريخية ذات قيمة.
سيُطالع القارئ لهذا الكتاب مقالة غازي القصيبي «قضية القضايا وبقية القضايا» التي كتبها بعد قيادة المرأة للسيارة في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي كانت السبب كي يُخرج ناصر العمر شريطه «السكينة السكينة» كما سيقرأ القارئ مقالة غازي القصيبي «يا أيها الأصوليون الصداميون اسمعوا وعوا»، وهي المقالة التي جعلت من عائض القرني أن يخصص خطبة في جامع الملك عبد العزيز في أبها عن غازي القصيبي وعن العلمانيين ليُطالب بقطع رقابهم كما قُطعت رقاب قُطاع الطرق من أمثال رشاش وقاحص! ليرد عليه غازي بكتابه الشهير «أخي عائض القرني.. الله الله في دماء المسلمين». كما سيجد القارئ مقالة غازي «أيها العم نزار: تكلم ليس يوجعك الكلام»، ردا على عمنا المبجل كما يقول غازي نزار قباني.
أيضا هناك مقالة غازي بعنوان «سعاد أعرضي عن هذا السُخف المعاد»، وهي ردا على قصيدة الشاعرة سعاد الصباح «من قتل الكويت؟».
كما تضمن الكتاب مقالات مطولة في الرد على حسن الترابي ومن على شاكلته من الإسلاميين الذين باركوا غزو صدام للكويت.
كما عرض في المعرض كتاب «الصلات الحضارية بين جبل شمر وجنوب العراق» للباحث مشعل بن مهجع المفضلي الشمري، هذا الكتاب دراسة علمية تُسلط الضوء على منطقتين: جبل شمّر وجنوب العراق (البصرة والزبير وكربلاء والنجف وسوق الشيوخ والسماوة وغيرها) عبر الصلات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية الرابطة بين المنطقتين خلال فترة إمارة آل الرشيد (1250 - 1340هـ/ 1835 - 1921م) وهي فترة لها سماتها السياسية التي كان لها تأثير كبير على تلك الصلات الحضارية بين المنطقتين.
وحضر موضوع الفساد الذي لا توجد دولة في العالم تخلو تماما منه سواء كانت غنية أو فقيرة في عصر العولمة من خلال كتاب عن الجهود الوطنية والعربية والدولية في مكافحة الفساد لمؤلفه الدكتور عبد الغفار الدويك، الباحث والمحاضر في جامعة نايف للعلوم الأمنية في الرياض، وصدر عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحافية والمعلومات في القاهرة، مؤكدا فيه أن الفساد ليس مقصورا على العالم العربي، بل إنه متغلغل في الدول الصناعية المتقدمة، فالشركات الكبرى مثلا لا تتورع عن تمويل الانتخابات وشراء الأصوات وغيرها لجني الثمار لاحقا، فالفساد يعيش في أحضان الدول الكبرى، كما يعيش في الدول النامية.
يهدف هذا الكتاب إلى إعلام المجتمعات العربية بضرورة التعريف بخطورة آفة الفساد والجهود الوطنية والعربية والدولية المبذولة لمكافحته، ويدعو الباحث الحكومات والشعوب، حاضرا ومستقبلا، إلى إيلاء موضوع الفساد اهتماما منهجيا بهدف كسر الحلقة المفرغة التي جعلت أي جهد في هذا السبيل مهدرا وبلا طائل. والعمل المطلوب لا بد أن يوجه إلى تعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع بحيث يكون للمجتمع موقف صارم من قضايا الفساد، فيدين الفساد وينبذه.
وأعاد المعرض قصص أبي زيد الهلالي وأمثاله من التراثيات العربية القديمة من خلال رواية عبد الرحمن بن إبراهيم أبو حيمد «بين جزيرتين»، التي خلت من الرمزية، حيث كانت مقاصدها ظاهرة، كما أعاد المؤلف طباعة رواية «نساء في مهب الريح»، وقدم أبو حيمد وصفات للمتقاعدين من خلال كتابه «خذ التقاعد وابدأ الحياة»، كما طرح المؤلف تجربته الطويلة مع العمل الإداري، والمتنوعة من قاع الهرم الإداري إلى قمته في كتابه الإدارة العامة وتطبيقاتها في السعودية، كما حضر الشعر عند المؤلف من خلال ديوان «فيض الخاطر» الذي احتوى على عشرات القصائد الشعبية تجلى فيها عمق الإحساس وحب الوطن، وبمعين لا ينضب من المشاعر.
وطرح عبد العزيز القويعي تجربة ثلاثة عقود من عمره في كتابه «عصرة الثلاثين»، الذي وجه فيه رسائل تضمنت استخدام العقل وحرية التفكير والتحليل، ولامس فيه أطراف ثوب الحكمة. ودعت «الدار العربية للعلوم – ناشرون» التي أصدرت الكتاب إلى مشاركة المؤلف حفل توقيع الكتاب يوم الخميس المقبل.
الرياض تفتح اليوم نافذة ثقافية وفكرية عالمية بتدشين معرضها الدولي للكتاب
الشعر الشعبي وأجواء احتلال الكويت والفساد وتبعات الربيع العربي تتصدر أجندة المعرض
الرياض تفتح اليوم نافذة ثقافية وفكرية عالمية بتدشين معرضها الدولي للكتاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة