أولمرت يحذّر من عواقب حرب ثالثة مع لبنان

في مواجهة تهديدات اليمين وتأييد 72 % من المواطنين

عناصر في الدفاع المدني فوق ركام مبنى تهدم عقب غارة إسرائيلية على قرية سرعين قرب بعلبك في شرق لبنان يوم 12 مارس الحالي (أ.ف.ب)
عناصر في الدفاع المدني فوق ركام مبنى تهدم عقب غارة إسرائيلية على قرية سرعين قرب بعلبك في شرق لبنان يوم 12 مارس الحالي (أ.ف.ب)
TT

أولمرت يحذّر من عواقب حرب ثالثة مع لبنان

عناصر في الدفاع المدني فوق ركام مبنى تهدم عقب غارة إسرائيلية على قرية سرعين قرب بعلبك في شرق لبنان يوم 12 مارس الحالي (أ.ف.ب)
عناصر في الدفاع المدني فوق ركام مبنى تهدم عقب غارة إسرائيلية على قرية سرعين قرب بعلبك في شرق لبنان يوم 12 مارس الحالي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تشهد فيه جبهة إسرائيل مع لبنان تصعيداً في القصف الصاروخي والغارات، وترتفع أصوات كثيرة في تل أبيب تطالب بحرب «لإبادة (حزب الله) مثل حرب إبادة حماس»، وتؤكد نتائج استطلاعات الرأي أن أكثر من 70 في المائة من الإسرائيليين يطالبون بهذه الحرب، خرج رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، بتحذير شديد من مغبة الإقدام على ذلك، وقال إن مصلحة إسرائيل ولبنان تقتضي الامتناع عن حرب ستكون الثالثة بعد اجتياح عام 1982 وحرب عام 2006 ضد «حزب الله».

وقال أولمرت إن قادة إسرائيل، خصوصاً رئيس الحكومة ووزير الدفاع والقيادة العليا، يطلقون تهديدات عنيفة لـ«حزب الله»، لا تبث الثقة بالنفس، ولا تبشر بإعادة المواطنين الإسرائيليين الذين جرى إخلاؤهم من بيوتهم في الجليل، بل هناك احتمالية معقولة أن تؤدي هذه التهديدات والظهور المتكرر للمتحدثين بلسان الحكومة في وسائل الإعلام، فقط إلى تشجيع «حزب الله» على الاستمرار في إطلاق الصواريخ على أهداف كثيرة في منطقة الشمال، وإطلاق النار المتبادل هذا «يمكن أن يجرنا إلى معركة شاملة، يمكن تجنبها».

وكانت هذه التصريحات قد أثارت تجاوباً من الجمهور الواسع، وراح القادة المحليون يطالبون بحرب فوراً مع لبنان، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة الصريحة. وصرح قادة اليمين الإسرائيلي بأن «الحرب على غزة وتجنيد قوات الاحتياط هي فرصة لتوجيه ضربة ماحقة لـ(حزب الله)». وأجرت «قناة 14» اليمينية المتطرفة للتلفزيون استطلاع رأي بيّن أن 72 في المائة من الجمهور يؤيد شن مثل هذه الحرب، نحو ثلثهم يطالب بها فوراً، والبقية يطالبون بشنها بعد وقف الحرب في غزة. وميدانياً بدا أن التصعيد يمكن أن يجر الطرفين إلى هذه الحرب رغم أنهما لا يريدانها.

جنديان لبنانيان في موقع قصفته إسرائيل في سهل البقاع يوم الثلاثاء الماضي (رويترز)

وتحذيرات أولمرت تُعد ذات وزن خاص، لأنه كان رئيس حكومة عندما شنت إسرائيل حربها التي عُرفت باسم حرب لبنان الثانية. ففي يوم 12 يوليو (تموز) 2006، قامت خلية تابعة لـ«حزب الله» بمهاجمة دورية إسرائيلية على الحدود، وقتل 3 جنود، واختطاف اثنين منهم، هما إيهود (أودي) غولدفاسر وإلداد ريغيف، ورد الجيش بملاحقة عناصر «حزب الله» داخل لبنان فانفجرت عبوة ناسفة بدبابة «مركافا» أدت إلى مقتل 5 جنود آخرين، وجرح 4 جنود، فقررت الحكومة الإسرائيلية شن عملية عسكرية واسعة استمرت 34 يوماً، وتوقفت في 14 أغسطس (آب)، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.

ويروي أولمرت، في مقال مطول في صحيفة «هآرتس»، الجمعة، أن حكومته اتخذت قرارها بقيادته، بعد أن أجرت نقاشاً طويلاً، ووضعت هدفاً هو «تحديد قواعد اللعب على الحدود الشمالية، وينهي الهجمات التي لا تنقطع لـ(حزب الله)، التي شوشت فترة طويلة على روتين الحياة في المنطقة».

عناصر من «حزب الله» يشاركون في تشييع 4 من عناصر الحزب قُتلوا في قصف إسرائيلي على بليدا في جنوب لبنان يوم 11 مارس الحالي (أ.ف.ب)

وتابع: «حرب لبنان الثانية، كما تقررت تسميتها، أثارت في حينه نقاشاً شديداً في إسرائيل. كثيرون جداً، ومن شبه المؤكد أغلبية الجمهور الإسرائيلي، كانوا على قناعة في حينه بأن الحرب كانت فاشلة، وأضرت بشكل كبير بالردع العسكري. خبراء في الاستراتيجية العسكرية ومحللون سياسيون وجنرالات متقاعدون وخصوم سياسيون لي وللحكومة، وجّهوا انتقاداً شديداً على مواصلة الحرب، وعلى غياب صورة انتصار واضحة في نهايتها». وقال: «عملياً، منذ توقف إطلاق النار في لبنان بعد قرار مجلس الأمن 1701 فإن 15 ألف جندي في الجيش اللبناني قاموا باحتلال منطقة الحدود مع إسرائيل، وأضيف إليهم 12 ألف جندي من قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل). وقام «حزب الله» قام بإخلاء جنوب لبنان، وانسحب إلى ما وراء نهر الليطاني، على مسافة عشرات الكيلومترات عن الحدود مع إسرائيل. منذ تلك الفترة، خلال 17 سنة، كانت حدود إسرائيل الشمالية هي المنطقة الأكثر هدوءاً والأكثر حماية والأكثر ردعاً مقارنة مع كل مناطق التماس في إسرائيل مع سكان معادين، في شمال شرقي سوريا، في شرق المناطق المحتلة من قبل إسرائيل، وبالطبع في قطاع غزة».

طائرة حربية إسرائيلية في سماء الجنوب اللبناني يوم 6 مارس الحالي (أ.ف.ب)

وقال أولمرت إن «(حزب الله) عاد إلى المنطقة الحدودية مع إسرائيل، جنوب لبنان، عندما لمس ضعف حكومات إسرائيل» التي قادها من بعده بنيامين نتنياهو. وأضاف: «الآن نحن نقف أمام قرار له أهمية استراتيجية: هل سننجر إلى مواجهة شاملة مع (حزب الله)، أو سنبحث عن حل بواسطة التفاوض، بهدف التوصل إلى اتفاق يمنع الاحتكاك العسكري العنيف الذي أخذ ينتشر على الحدود الشمالية، وإعادة الهدوء إلى المنطقة التي ساد فيها أكثر من 17 سنة. في عام 2006 كنت قائداً لدولة إسرائيل، وأخذتها إلى حرب لبنان الثانية. الآن في عام 2024 أوصي بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة يمكن تجنبها».

وفسر موقفه قائلاً: «خلافاً لـ(حماس) التي هي منظمة إرهابية من دون غطاء سياسي، فإن (حزب الله) الذي هو أيضاً منظمة إرهابية متعصبة وحقيرة يعمل تحت غطاء دولة لبنان، وهو ملزم بأن يأخذ في الحسبان الخطر الكامن في توسيع جبهة القتال بأنه يمكن أن يتسبب بخراب مناطق عيش عدد كبير من السكان المدنيين الذين يندمج في داخلهم الحزب، وهو بحاجة إلى دعمهم. ليس بالصدفة أن هيئات التقدير العسكرية لدينا تعد نشاطات (حزب الله) حتى الآن دليلاً على عدم الرغبة في استخدام صواريخ بعيدة المدى. عندما ينطلق الصاروخ الأول إلى مركز البلاد، ويجري فتح حرب متوحشة، فهي ستلحق ضرراً كبيراً في مناطق في إسرائيل كانت حتى الآن خارج مرمى النار، لكن بالتأكيد أيضاً ستؤدي إلى دمار كل البنى التحتية الاستراتيجية في لبنان. وستؤدي إلى تدمير حي الضاحية (الجنوبية) الذي جرى تدميره في حرب لبنان الثانية، وستؤدي إلى هروب مئات آلاف سكان منطقة جنوب لبنان إلى داخل الدولة، وستحدث فوضى تؤدي إلى انهيارها. لـ(حزب الله) توجد مصلحة في تجنب توسيع جبهة القتال، وأيضاً لنا توجد مصلحة في ذلك. الطريق لتحقيق ذلك تكون بوقف تبادل التهديدات العنيفة بين الطرفين، وإعادة الحوار إلى جدول الأعمال بيننا وبين لبنان حول حل الخلاف على الحدود بين الدولتين. وهناك أيضاً لإسرائيل مصلحة في تنفيذ القرار 1701. يجب التذكير بأن المنطقة الأمنية في جنوب لبنان ليست جزءاً من أرض الوطن التاريخية لشعب إسرائيل، التي تعهدت حكومة نتنياهو بالحفاظ عليها تحت حكمها إلى الأبد. هذه هي بالضبط «الورقة» التي يمكن استخدامها لتجنب الانجرار إلى حرب أخرى سيكون ثمنها مؤلماً جداً أيضاً بالنسبة لإسرائيل، حرب لا جدوى منها ولا هدف لها ولا حاجة إليها».


مقالات ذات صلة

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

المشرق العربي أقراص من «الكبتاغون» مبعثرة بعد العثور عليها قرب العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي (رويترز) play-circle 02:40

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد تم الكشف عن منشآت تصنيع مخدر «الكبتاغون» على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم العربي فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية بمخزن للأدوية في منطقة السيدة زينب بدمشق (أ.ف.ب)

العثور على جثث مجهولة الهوية في منطقة السيدة زينب بدمشق

أعلن عضو مجلس إدارة في الدفاع المدني السوري، عمار السلمو، اليوم الأربعاء، أن فرق «الخوذ البيضاء» عثرت على نحو 20 جثة ورفات مجهولة الهوية في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جلسة سابقة للبرلمان السويسري في العاصمة برن (أ.ف.ب)

البرلمان السويسري يحظر «حزب الله»

صوّت البرلمان السويسري، اليوم الثلاثاء، لصالح حظر «حزب الله» في خطوة يندر أن تقوم بها الدولة المحايدة.

«الشرق الأوسط» (زيوريخ)
تحليل إخباري رجل يحمل راية «حزب الله» على مبانٍ مدمرة في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ب)

تحليل إخباري الحرب الإسرائيلية وسقوط الأسد أفقدا «حزب الله» معادلة التحكّم بالاستحقاق

فرضت الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط الأسد واقعهما على استحقاق انتخابات الرئاسة اللبنانية وأفقدا «حزب الله» وحلفاء النظام السوري قدرة التحكّم بانتخاب الرئيس.

يوسف دياب
المشرق العربي شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

الدمار والتعويضات يخلقان نقمة في بيئة «حزب الله»

خلقت أزمة الدمار الكبير في جنوب لبنان والالتباس حول تعويض المتضررين نقمة بدأت تخرج إلى العلن في بيئة «حزب الله». وظهرت ملامح تململ في رفض البعض العودة إلى الضاح

كارولين عاكوم (بيروت)

دمشق: بدء عمل مراكز تسوية أوضاع عناصر النظام السابق

عضو سابق في القوات الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد يسلم سلاحاً لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» (رويترز)
عضو سابق في القوات الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد يسلم سلاحاً لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» (رويترز)
TT

دمشق: بدء عمل مراكز تسوية أوضاع عناصر النظام السابق

عضو سابق في القوات الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد يسلم سلاحاً لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» (رويترز)
عضو سابق في القوات الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد يسلم سلاحاً لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» (رويترز)

شهدت المراكز التي فتحتها إدارة العمليات العسكرية لتسوية أوضاع عناصر النظام السوري السابق، من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية في العاصمة دمشق، إقبالاً كبيراً بعد ساعات من بدء عملها السبت.

وفتحت إدارة العمليات مركزين؛ الأول في منطقة المزرعة شرق العاصمة، والثاني في منطقة المِزَّة، وتوافد مئات العسكريين والأمنيين، وبعضهم كان يحمل سلاحاً لتسليمه.

وقال مسؤول في المركز: «إن عمل المركز يقتصر على تسوية أوضاع عناصر النظام السابق من ضباط وعسكريين، ويتم أخذ كل البيانات الخاصة بهم، وتسليمهم بطاقة تسوية بغية عدم التعرض لهم».

وأضاف المسؤول، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «نعمل على تسوية أوضاع عناصر النظام من كل الجهات الشرطية والعسكرية، والبطاقة الممنوحة لهم تخولهم التحرك دون التعرض لهم، وتتم دراسة كل الأسماء».

وقال إبراهيم خالد، ويعمل شرطياً: «قدمت اليوم لإجراء تسوية، كنت أعمل سائقاً في إدارة الهجرة والجوازات. نحن نريد العودة للعمل... لديَّ أسرة أريد أن أؤمن لها الطعام، نخشى أن تطول عملية استدعائنا للعمل... كيف يمكن أن نعيش ونعيل عائلاتنا وسط الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد».

أفراد من جيش النظام السوري السابق يصطفون للتسجيل في أحد المراكز بهدف تسوية أوضاعهم في دمشق (أ.ب)

بدوره، قال إياد محمد: «كنت أخدم جيشنا الإلزامي، وهذا الأمر يسري على جميع السوريين، قدمت اليوم إلى المركز لإجراء تسوية والعودة إلى عملي الذي كنت أعيش منه».

وصرح عبد الله حسن، وهو شرطي مرور، بأننا «نريد العودة للعمل، وإذا لم نعد كيف يمكن لنا العيش، نحن شرطة ولم أحمل سلاحاً طوال خدمتي التي تجاوزت 20 عاماً».

وأوضحت مصادر في إدارة العمليات العسكرية أن «عناصر الشرطة سوف تتم دراسة أوضاعهم، ومن لم يثبت تورطه في أعمال إجرامية ضد الشعب السوري سيعود إلى عمله».

وكانت إدارة العمليات العسكرية قد أعلنت، الجمعة، افتتاح مراكز تسوية لعناصر النظام في محافظة دمشق.

ودعت في بلاغ نشرته على قناتها الرسمية في منصة «تلغرام»، «جميع عناصر النظام السابق لمراجعة المراكز بدمشق في شعبة تجنيد المِزة ومبنى حزب (البعث) بالمزرعة لاستكمال إجراءات التسوية واستلام البطاقة المؤقتة بداية من اليوم».

وفتحت إدارة العمليات العسكرية مراكز تسوية في محافظات حلب وحماة وحمص وطرطوس ودير الزور لتسوية أوضاع العسكريين والأمنيين من النظام السابق.