في لقاء من المفترض أن يضع الخلافات الألمانية - الفرنسية جانباً، ويظهر جبهة موحدة حول أوكرانيا، تبدو الخلافات بين المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثابتة. فقبيل ساعات على قمة بين المستشار والرئيس في برلين، كرر ماكرون موقفه من نشر قوات غربية في أوكرانيا، الذي تسبب قبل 3 أسابيع برد عنيف من شولتس الذي قال إنه لن يرسل أي جندي ألماني إلى أوكرانيا.
موقف فرنسي ثابت
وفي قمة استضافها حول أوكرانيا في باريس، الشهر الماضي، قال ماكرون إنه لا يمكن استبعاد نشر قوات غربية في أوكرانيا. ووصف الرافضين لتلك الفكرة بأنهم «جبناء». ورغم رد شولتس الغاضب على ماكرون، فإن الرئيس الفرنسي كرر عشية لقائه المستشار الألماني كلامه ذاك. وقال في مقابلة مع قناتي «تي أف 1»، و«فرنس 1» إن «كل الخيارات متاحة» من بينها إرسال قوات غربية لأوكرانيا، مضيفاً: «لكي نحقق السلام في أوكرانيا، لا يمكن أن نكون ضعفاء... وعلينا أن نقول بحزم وإرادة وشجاعة إننا مستعدون لاستخدام السبل الضرورية لتحقيق هدفنا، وهو منع روسيا من الفوز بالحرب».

وفسّرت الصحف الألمانية كلام ماكرون بأنه انتقاد واضح لشولتس لرفضه تزويد أوكرانيا بصواريخ «توروس» بعيدة المدى، وبأن هذا قد يؤدي لتورط ألمانيا بالحرب بسبب اضطرارها لنشر جنود يساعدون الأوكرانيين على تشغيل الصورايخ الألمانية الصنع. وكانت بريطانيا قد حثت ألمانيا على أن تحذو في هذا الاتجاه، بعد أن زوّدت هي نفسها كييف بصواريخ بريطانية بعيدة المدى. وحث وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في زيارة لبرلين قبل أيام، ألمانيا على تسليم كييف صواريخ «توروس». وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته أنالينا بيروبوك، إن إرسال صواريخ توروس لأوكرانيا «لن يؤدي إلى تصعيد النزاع».
جبهة موحدة
ورغم أن شولتس أكد بعد التلاسن بينه وبين ماكرون، أن علاقتهما «ودية للغاية»، فإن الخلافات تخيّم على لقائهما في برلين. وكان المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان هيبشترايت، قد أكد قبل يومين أن شولتس وماكرون أجريا محادثات «مكثفة» عبر الهاتف في الأيام القليلة الماضية، نافياً أي خلافات بارزة بين الرجلين. وقال: «لا أعتقد بأن هناك أي زعيم آخر يلتقيه المستشار بقدر ما يلتقي ويتحدث مع إيمانويل ماكرون». ومن غير الواضح كيف يمكن للمستشار والرئيس أن يتوصلا إلى تفاهم حول نقطة الخلاف الرئيسية بينهما، المتعلقة بنشر جنود غربيين في أوكرانيا، التي أكد شولتس مراراً أن ذلك «خط أحمر» بالنسبة إليه.

وكرر كذلك قبل يومين في البوندستاغ الذي ناقش مرة جديدة مقترحاً قدمته المعارضة لتسليم صواريخ «توروس» لأوكرانيا، صّوت عليه البرلمان بالرفض. وقال شولتس أمام النواب إن التدخل في الصراع بشكل مباشر «هو حدٌّ، بصفتي مستشاراً، لا أريد تخطيه». وربط ذلك بتسليم الصواريخ مباشرة، قائلاً: «إن ذلك سيجبر ألمانيا على إرسال قوة تساعد على تشغيل الصواريخ».
ولكن موقف شولتس لا يلقى تأييداً حتى داخل حكومته. ورغم أن الحزبين المشاركين معه في الحكومة، الخضر والليبراليين، صوّتوا ضد مشروع المعارضة لإرسال صواريخ «توروس»، فهما في الواقع يؤيدان ذلك. وتصويتهما داخل البرلمان يهدف لمنع انفراط الحكومة والبقاء جبهة موحدة ضد حزب المعارضة الأكبر، الاتحاد المسيحي الديمقراطي. وروج حتى نواب حزب الخضر في كلماتهم داخل البرلمان، لإرسال الصواريخ، منتقدين المستشار لرفضه اتخاذ القرار.
مثلث فايمار
وبعد القمة الثنائية بين شولتس وماكرون، تعقد قمة ثلاثية ضمن تركيبة ما يعرف بـ«مثلث فايمار»، بانضمام رئيس الحكومة البولندي دونالد توسك للزعيمين. وتناقش القمة الثلاثية الدعم العسكري لأوكرانيا. ووصل كذلك إلى برلين رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل للمشاركة في اللقاء الثلاثي، والتقى قبل ذلك شولتس في مقر المستشارية.
ورأى بعض المحللين في ألمانيا أن إعادة إحياء «تركيبة فايمار» التي تم تأسيسها عام 1991، أمر إيجابي، وقد تساعد على تقريب وجهات النظر بين ألمانيا وفرنسا. وكانت التركيبة الثلاثية قد دخلت في سبات في السنوات الماضية في ظل حكومة بولندية كانت تنظر إلى برلين بصورة سلبية. ولكن فوز توسك بالانتخابات وتسلمه زعامة الحكومة غيّر من مقاربة بولندا لألمانيا، التي باتت بولندا تنظر إليها شريكاً أساسياً. ومشاركة ميشال في القمة الثلاثية يشير كذلك إلى مساعٍ أوروبية في بروكسل للدفع بالخروج بصورة موحدة بين أكبر شريكين أوروبيين في وجه روسيا.

