«تابوت الحب المخمور»... فيلم يرصد آثار بيروت على أضواء الهواتف

لفت الانتباه خلال عرضه الأول في «مهرجان برلين»

جوانا وخليل (تصوير طارق المقدم)
جوانا وخليل (تصوير طارق المقدم)
TT

«تابوت الحب المخمور»... فيلم يرصد آثار بيروت على أضواء الهواتف

جوانا وخليل (تصوير طارق المقدم)
جوانا وخليل (تصوير طارق المقدم)

رؤية الآثار اللبنانية على أضواء الهواتف المحمولة داخل متحف بيروت، هي اللمحة التي ينطلق منها الفيلم اللبناني القصير «تابوت الحب المخمور»، الذي عُرض للمرة الأولى بالدورة الماضية لمهرجان برلين السينمائي الدولي، للثنائي اللبناني جوانا حاجي توما، وخليل جريح.

فكرة الفيلم جاءت خلال زيارة عائلية قام بها الثنائي اللبناني برفقة أبنائهما لمتحف بيروت الوطني، وتفاجأوا بانقطاع التيار الكهربائي عن المتحف خلال وجودهما بداخله، وتعامل الزوار مع الأمر بشكل شبه اعتيادي، فسلطوا أضواء هواتفهم المحمولة على الآثار، واستكملوا جولتهم داخل المتحف، وفق حديث صناع الفيلم لـ«الشرق الأوسط».

لقطة من الفيلم (إدارة مهرجان برلين)

وأوضحا أن «هذا المشهد جعلهما يشرعان في تصوير مشاهد للموجودين بالمتحف وهم يشاهدون الآثار على أضواء التليفونات في الصيف الماضي، خلال وقت كان يشهد فيه لبنان واحدة من أسوأ أزمات نقص الوقود التي زادت من فترات انقطاع التيار الكهربائي».

تقول جوانا إنهم «فوجئوا بانقطاع التيار الكهربائي داخل المتحف، ورغم إدراك مشكلة انقطاع التيار لفترات طويلة في بيروت إلا أن استقبال الزوار بالمتحف خلال انقطاع الكهرباء ورؤية الآثار على أضواء كشافات الهواتف المحمولة جعلتهم يشعرون بأن هذه التجربة تستحق أن تُروى».

وأضافت: «وجدنا زوار المتحف يتعاملون مع الأمر باعتيادية، بالإضافة إلى انشغال المرشد السياحي بالشرح على أضواء كشافات الهواتف، وشرح طريقة تحريكها بالصورة التي تجعل الحضور يشاهدون الآثار بشكل دقيق»، لافتة إلى أن رؤية الآثار على الكشافات تجعل المتفرج يسلط الضوء على ما يريد مشاهدته، وتظهر الآثار البعيدة عن الضوء بشكل مختلف عن صورتها مع الإضاءة الكاملة.

وعزا خليل جريح قرار تصوير الفيلم إلى «احتواء المتحف على الكثير من الآثار المهمة»، لافتاً إلى أنهم صوروا الفيلم على مدار عدة زيارات بمعدات تصوير وأدوات احترافية، واستدرك: «لكن هذا الأمر لم يمنعنا من الاستعانة ببعض اللقطات التي صورت خلال الزيارة الأولى».

واستغرق تصوير الفيلم الذي تصل مدته إلى 8 دقائق، نحو شهر على أيام متقطعة زار خلالها الثنائي اللبناني المتحف وصورا اللقطات الخاصة بالفيلم التي اختارا أن تعكس زوايا مختلفة من أروقته، وفق قولهما.

مشهد من الفيلم (إدارة مهرجان برلين)

ويوضح جريح أن «فكرة تقديم الفيلم جاءت للتأكيد على استمرار الحياة، رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها لبنان من 2019 وحتى اليوم، فما شهده من كوارث وأزمات لم يجعل اللبنانيين يفقدون الأمل أو الشغف بالحياة».

«اختيار اسم الفيلم ارتبط بـ(تابوت) موجود بالفعل داخل المتحف وهو واحد من أربعة توابيت مهمة جرى الحفاظ عليها إبان فترة الحرب الأهلية»، وفق صانعيه.

وعدَّ الناقد الفني السعودي أحمد العياد، الفيلم، يسلط الضوء على جانب آخر يحمل أبعاداً إنسانية وثقافية لأزمة انقطاع التيار الكهربائي في لبنان، فضلاً عن تقديمه الأحداث بإيقاع سريع يناسب الفكرة التي يرغب صناع الفيلم في توصيلها للمشاهد.

ويقول العياد لـ«الشرق الأوسط» إن «الفيلم نجح في نقل أحاسيس ومشاعر مختلطة، ما بين المعاناة التي يواجهها اللبنانيون في حياتهم نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، ورغبتهم في التعرف على حضارتهم».


مقالات ذات صلة

السياحة الألمانية تسجل رقماً قياسياً رغم الركود الاقتصادي

الاقتصاد منظر عام لشاطئ على بحر البلطيق بألمانيا (رويترز)

السياحة الألمانية تسجل رقماً قياسياً رغم الركود الاقتصادي

أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي أنه في نوفمبر سجلت الفنادق والنزل والمخيمات وغيرها من منشآت الإقامة السياحية 32.3 مليون ليلة مبيت بزيادة قدرها 4.8 % عن العام السابق

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

خاص سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

يتردد سوريون مقيمون بألمانيا في اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، وعلى وجه خاص بات أبناء جيل اللجوء أمام قرار صعب بعد اندماجهم في المجتمع.

راغدة بهنام (برلين)
الاقتصاد مقرات بنوك وشركات وسط تجمعات تجارية وسكنية في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

إفلاس الشركات في ألمانيا يصل لمستويات مماثلة للأزمة المالية العالمية

ذكر باحث ألماني بارز أن حالات إفلاس الشركات بألمانيا ارتفعت إلى مستويات مماثلة للأزمة المالية في عام 2009

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)

البرلمان الألماني يسحب الثقة من أولاف شولتس

قرر البرلمان الألماني، اليوم (الاثنين)، سحب الثقة من المستشار أولاف شولتس، مما يمهّد الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة «مبكرة» في 23 فبراير (شباط) المقبل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس في الاستوديو يستعد لمقابلة تلفزيونية (د.ب.أ)

المستشار الألماني: مستعد لإجراء تصويت على الثقة بالحكومة هذا العام

أعرب المستشار الألماني أولاف شولتس عن استعداده لطلب التصويت على الثقة في حكومته هذا العام لتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات مبكرة.

«الشرق الأوسط» (برلين)

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
TT

نشرة أخبار فرنسية على «تلفزيون لبنان» بعد غياب ربع قرن

«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)
«لو جورنال» من «تلفزيون لبنان» بدءاً من 23 الحالي (الشرق الأوسط)

ازدحم المدخل المؤدّي إلى استوديوهات «تلفزيون لبنان» بالمحتفين بالحدث. فالتلفزيون الرسمي الذي ذكَّر وزير الإعلام زياد المكاري، بأنه «أول قناة تلفزيونية في الشرق الأوسط، والشاهد الوحيد على العصر الذهبي للبنان ومهرجان بعلبك الأول عام 1956»، يُحيي في 2025 ما انطفأ منذ 2001. ذلك العام، توقّفت «القناة التاسعة» الناطقة بالفرنسية في «تلفزيون لبنان»، مُعلنةً الانقطاع النهائي للصوت والصورة. بعد انتظار نحو ربع قرن، تعود نشرة الأخبار باللغة الفرنسية بدءاً من 23 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية (المكتب الإعلامي)

تتوقّف مستشارة وزير الإعلام، إليسار نداف، عند ما خطَّ القدر اللبناني منذ تأسيس هذه الخريطة: «التحدّيات والأمل». ففور اكتمال المدعوّين، من بينهم سفير فرنسا هيرفيه ماغرو، وممثل رئيس الجمهورية لدى المنظمة الفرنكوفونية جرجورة حردان، ورئيس الوكالة الجامعية الفرنكوفونية جان نويل باليو، والمسؤولة عن برامج التعاون في المنظمة الفرنكوفونية نتالي ميجان، بجانب سفراء دول وشخصيات؛ شقَّ الحضور طريقهم نحو الطابق السفلي حيث استوديوهات التلفزيون في منطقة تلّة الخياط البيروتية المزدحمة، مارّين بصور لأيقونات الشاشة، عُلّقت على الجدار، منهم رجل المسرح أنطوان كرباج، ورجل الضحكة إبراهيم مرعشلي... اكتمل اتّخاذ الجميع مواقعه، لإطلاق الحدث المُرتقي إلى اللحظة الفارقة، مُفتَتَحاً بكلمتها.

صورة إبراهيم مرعشلي تستقبل زوّار التلفزيون (الشرق الأوسط)

فيها، كما في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تُشدّد نداف على الأمل: «إنه ما يحرِّض دائماً على استعادة ما خسرناه». تُشبه إحدى مقدّمات النشرة، نضال أيوب، في تمسّكها بالثوابت. فالأخيرة أيضاً تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ ميزة الحدث رفضه التفريط بالقيم الفرنكوفونية، من ديمقراطية وتضامن وتنوّع لغوي.

تُعاهد نداف «بقلب ملؤه التفاؤل والعزيمة» مَن سمّته «الجمهور الوفي»، الذي تبلغ نسبته نحو 40 في المائة من سكان لبنان، بالالتزام والوعد بأنْ تحمل هذه الإضافة إلى عائلة الفرنكوفونية ولادة جديدة، بدءاً من 23 الحالي؛ من الاثنين إلى الجمعة الساعة السادسة والنصف مساء مع «لو جورنال» من «تلفزيون لبنان».

كان كلّ شيء فرنسياً: لغة السلام والخطاب، والروح، وبعض الوجوه. في كلمته، رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى «بيت الفنانين اللبنانيين الكبار؛ فيروز، وزكي ناصيف، ووديع الصافي، والإخوة رحباني». وفيما كان الخارج يبعث الأمل لتزامُن الحدث مع يوم الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس للحكومة، ألمح الوزير إلى أنّ اللقاء يجري «غداة فصل جديد من تاريخ لبنان، للاحتفال بإعادة إطلاق أخبارنا التلفزيونية باللغة الفرنسية، بعد مرور 24 عاماً على توقُّف برامج (القناة التاسعة) المُرتبط اسمها بعملاق الإعلام الفرنكوفوني جان كلود بولس». وبأمل أن تلفت هذه النشرة الانتباه وتثير الفضول، أكد التزامها «تقديم رؤية واضحة ودقيقة لموضوعات تمسّنا جميعاً»، متوقفاً عند «رغبة متجدّدة في دعم قيم الانفتاح والتعدّدية وحرّية التعبير تُجسّدها عملية إعادة الإطلاق هذه».

تُشدّد إليسار نداف على الأمل في كلمتها (المكتب الإعلامي)

ليست الأخبار المحلّية والإقليمية والدولية ما ستتضمّنه النشرة فحسب، وإنما ستفسح المجال «للثقافة وصوت الشباب وتطلّعاتهم ورؤيتهم للبنان سيّداً علمانياً متعدّد اللغات؛ يجد كل مواطن فيه مكانه»، بوصف زياد المكاري. تشديده على أهمية الفرنكوفونية في وسائل إعلام القطاع العام مردّه إلى أنّ «الفرنسية ليست مجرّد لغة؛ إنها ثقافة وتاريخ وتراث مشترك؛ فتتيح لنا، في إطار هذه الأخبار، فرصة نقل صوت لبناني قوي ومميّز إلى الساحة الدولية، مع البقاء مُخلصين لجذورنا وثقافتنا وهويتنا».

يعلم أنّ «هذا الحلم لم يكن ليتحقّق من دون شركاء نتشارك معهم الرؤية والقيم»، ويعترف بذلك. ثم يدعو إلى «متابعة نشرة الأخبار الوحيدة باللغة الفرنسية في القطاع العام التي ستشكّل انعكاساً حقيقياً لتنوّع عالم اليوم». وقبل الإصغاء إلى كلمة ممثل المنظمة الفرنكوفونية ليفون أميرجانيان، يُذكّر بأنّ للبنان، بكونه ملتقى الحضارات والثقافات، دوراً أساسياً في تعزيز الفرنكوفونية.

رحَّب زياد المكاري بالآتين إلى بيت الفنانين اللبنانيين الكبار (الشرق الأوسط)

ومنذ افتتاح مكتب المنظمة الفرنكوفونية في بيروت، تراءى ضرورياً النظر في قطاع الإعلام الفرنكوفوني بخضمّ الأزمة الاقتصادية التي تُنهك المؤسّسات ووسائل الإعلام. يستعيد أميرجانيان هذه المشهدية ليؤكد أنّ الحفاظ على اللغة الفرنسية في المؤسّسات الإعلامية مسألة حيوية للحفاظ على التنوّع الثقافي والتعبير الديمقراطي. يتوجّه إلى الإعلاميين الآتين بميكروفونات مؤسّساتهم وكاميراتها وهواتفهم الشخصية: «دوركم نقل القيم الأساسية للفرنكوفونية، مثل التعدّدية اللغوية، وتنوعّ الآراء، والانفتاح على العالم». ثم يتوقّف عند استمرار نموّ عدد الناطقين بالفرنسية في شكل ملحوظ، مع توقّعات بأنْ يصل إلى 600 مليون نسمة في حلول 2050. من هنا، يعدّ الترويج للغة الفرنسية «مسألة ضرورية لتعميق الروابط بين الدول والحكومات الناطقة بها، والسماح لسكانها بالاستفادة الكاملة من العولمة المتميّزة بالحركة الثقافية العابرة للحدود وبالتحدّيات التعليمية العالمية».

إعادة إطلاق النشرة تُعزّز هذا الطموح، وسط أمل جماعي بالنجاح، وأن تُشكّل مثالاً للقنوات الأخرى، فتُخطِّط لزيادة بثّ برامجها بلغة فيكتور هوغو.