الجيش السوداني يقتحم «مسيد الأمين» ويصيب أتباعه بالرصاص

جعل منه مخيماً آوى الآلاف من سكان المنطقة ووفّر لهم الغذاء والدواء

الأمين عمر الأمين بين بعض أتباعه (فيسبوك)
الأمين عمر الأمين بين بعض أتباعه (فيسبوك)
TT

الجيش السوداني يقتحم «مسيد الأمين» ويصيب أتباعه بالرصاص

الأمين عمر الأمين بين بعض أتباعه (فيسبوك)
الأمين عمر الأمين بين بعض أتباعه (فيسبوك)

اقتحمت قوة تابعة للجيش السوداني «مسيداً» بأم درمان فجر الاثنين، وأطلقت الرصاص على أتباع الأمين عمر الأمين، والمواطنين المتحصنين بالمكان، وأصابت اثنين منهم بإصابات بالغة، وذلك بعد أيام قليلة من قتل ثلاثة من أتباع الأمين بعد استعادة المنطقة من «قوات الدعم السريع».

وقال عمر الأمين في فيديو قصير بثّه بعد الاعتداء على «مسيده»، إن اثنين من أتباعه أُصيبا بالرصاص بعد خروجهما من المكان بعد صلاة الصبح عندما فاجأتهم قوة من الجيش، بإطلاق الرصاص. وأضاف: «أن قائد القوة التي اقتحمت المسيد، اعتذر عما حدث»، وأوضح أن «القوة فوجئت بوجود أشخاص خارجين من المسيد، فارتبكت وأطلقت الرصاص» ... مؤكداً: «إن المنطقة محاطة تماماً بالجيش، ولا توجد بها قوات أخرى، ونحن ليس لدينا سلاح، بل عندنا أكل وشراب ودواء وخدمة للمواطن».

الأمين عمر الأمين (فيسبوك)

و«المسيد» هو مصطلح محلي لمكان تحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية عند رجال الدين المتصوفة، ويقول البعض إن المصطلح مأخوذ من كلمة «مسجد»... والأمين رفض مغادرة المنطقة، وبقي في مسيده ومسجده وحوله أتباعه ليقدموا الخدمات للمواطنين.

ويعد الأمين أحد أكثر رجال الطرق الصوفية إثارةً للجدل، فهو إلى جانب انتمائه إلى «الطريقة القادرية المكاشفية»، وهي طريقة صوفية مشهورة في السودان، فإن له تصوفه الخاص الذي يقول عنه إنه يسعى لـ«تحديث وتمدين» التصوف.

واشتهر الأمين بأناقته اللافتة وأزيائه الملونة وتخليه عن «الجبة المرقعة» المشهورة عند المتصوفة، في حين ينتمي أغلب مريديه للطبقات العليا والوسطى، وبينهم مهندسون وأطباء ومحامون ونساء، وغيرهم من رموز المجتمع، وهم يدينون له بالولاء الكامل.

وحوّل الأمين «مسيده» وداره الواقعين في منطقة ود البنا بحي بيت المال الأم درماني الشهير، مخيماً لإيواء النازحين والفارين من الحرب، ووفرّ لهم فيه، الأمان والغذاء والدواء ومياه الشرب على نفقته الخاصة، في وقت نزح – أو لجأ خارج البلاد - كل «رجال الدين» ومشايخ الطرق الصوفية الأخرى.

وإلى جانب الإطعام والإيواء، توجد بـ«المسيد» مستشفى وأطباء من أتباع الشيخ، وصيدلية تقدم الدواء المجاني للمحتاجين، وهم سكان الأحياء المجاورة للمكان أو اللائذين به من ضحايا الحرب، إلى جانب مدرسة للأطفال يدرس فيها مدرسون اختاروا البقاء مع الشيخ رغم المخاطر، وتبادل الرصاص والقذائف – بل وسقوطها أحياناً – على المكان. وقد قال الشيخ مرة إن دانة هدمت المطبخ المخصص لإعداد الوجبات وكادت تقتل ابنته الطبيبة.

وظلت «قوات الدعم السريع» تسيطر على مدينة أم درمان القديمة التي يقع فيها «المسيد» منذ بدء الحرب، ولم تمس المجمع والمقيمين به بسوء، بل زوّدته ببعض المؤن الغذائية؛ ما أثار حفيظة مؤيدي الجيش، فنظموا حملات «شيطنة» منسقة للتحريض ضد الرجل، واتهامه بأنه «داعم لـ(قوات الدعم السريع) في حربها، وأنه يوفّر لها الحماية والغذاء والدواء»، بيد أن الرجل نفى في تصريحات عدة، دعمه لأي من طرفي الحرب، مؤكداً أن جهوده موجهة لتوفير «الأكل والشرب والعلاج» لمن حرمتهم الحرب منها.

ولقيت مبادرة الرجل إعجاباً واسعاً من المواطنين، وانتشرت فيديوهات لآلاف المواطنين الذين أفقرتهم الحرب يتحلقون حول الرجل، ويقيمون في «المسيد» والدار والمسجد الملحق بهما، وهو يقدم لهم الطعام والشراب بيديه، وشوهد الكثير من مريديه وهم يقومون بدفن الجثث المتحللة ويداوون الجرحى، ويوزعون الطعام ومياه الشرب للعجزة في منازلهم.

وإثر ذلك، تعالت أصوات من «صف الجيش» طالبت علناً بقتله واغتياله، لكن الرجل لم يهتم لتلك الأصوات، وكان يردد دائماً أنه «لن يغادر ويترك هؤلاء المشردين والضحايا وحدهم، وإنه سيقدم لهم خدمات ولو أدى ذلك إلى فقدانه حياته».

وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي فيديو لمسلح بزي الجيش السوداني، وهو يتوعد الأمين بـ«البل»، وهي مفردة محلية تعني «القتل»، بينما تناقلت فيديوهات لصحافيين ونشطاء موالين للجيش تطالب بقصف «المسيد» وقتل الشيخ، في حملة تشويه و«شيطنة» ناتجة من أن وجوده وعدم فراره أسوة برجال الطرق الصوفية الآخرين مسألة «مستفزة» للجيش وأنصاره.

وتعرض «المسيد» للقصف أكثر من مرة، وسقطت عليه دانات عدة أثناء سيطرة «الدعم السريع» على المنطقة، أحدثت إصابات بالمواطنين المحتمين به... وكان الشيخ كشف عن تلقيه تهديدات بالتصفية الجسدية، من قِبل أفراد من الجيش، بيد أن ذلك، طال ثلاثة من أقرب أتباعه ومريديه إليه، وقال إن مرافقه الأقرب، حسام حسن، قُتل بعشر رصاصات أُطلقت عليه الأربعاء الماضي إثر توغل الجيش في المنطقة.

وقُتل بالرصاص أيضاً مريد الأمين المقرب، خالد محمد المصطفى أبو شيبة، وهو في طريقه لإيصال الدواء لأحد المرضى في 15 فبراير (شباط) الحالي، في شارع الأربعين، وهو أحد أذرعه في إيصال المياه والطعام والدواء للعجزة في منازلهم، إضافة إلى دفن الجثامين، في حين قُتل ابن عمر جابر في 19 فبراير الحالي، ليبلغ عدد القتلى ثلاثة من المقربين.

وصباح الأحد، نُقل عن الأمين، أن الجيش سيطر على منطقة «بيت المال» حيث «مسيده»، وأن «قوات الدعم السريع» خرجت منها، وبينما تناقلت وسائط إعلام موالية السبت، أن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان أصدر أوامره، بإخلاء «المسيد» ونقل المواطنين الموجودين فيه إلى مناطق آمنة، لكن الجميع فُجعوا بالهجوم الصباحي، وإطلاق النار على المصلين.


مقالات ذات صلة

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش البرهان وقائد «الدعم السريع» حميدتي خلال إحدى المناسبات السابقة على الحرب (أرشيفية)

حملات «إسفيرية» وشعبية لحث الجيش السوداني على التفاوض

علت الأصوات المطالبة بوقف الحرب وإحلال السلام في السودان، متحديةً التضييق الذي تفرضه الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن وحلفاؤهما ضد كل من ينادي بـ«لا للحرب».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

«الخارجية السودانية»: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار

تقتصر المحادثات بين طرفي القتال في السودان؛ الجيش و«الدعم السريع»، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، لتمكين وصول المساعدات.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا مسلّحون من «الدعم السريع» في سنار (مواقع التواصل)

«الدعم السريع» يعلن الاستيلاء على السوكي وإحكام الحصار على سنار

تعد مدنية السوكي واحدة من مدن ولاية سنار الاستراتيجية وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس الإريتري آسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

أفورقي يفاجئ الجيش بطرد القائم بأعمال السفارة السودانية في أسمرا

«التحول الراهن في الموقف الإريتري، يمكن أن يكون حافزاً لاستعادة الموقف الإريتري لجانب القوى المدنية، إذا ضربنا على الحديد وهو ساخن».

أحمد يونس (كمبالا)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)
صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)
TT

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)
صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

انعكس النزاع على السلطة في ليبيا على ملف المعتقلين الليبيين في جنوب أفريقيا، فبينما نفت حكومة الوحدة «المؤقتة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أي «علاقة لها بالمجموعة التي اعتقلتها الشرطة في جنوب أفريقيا»، تعهدت حكومة «الاستقرار» التي يرأسها أسامة حماد بـ«تقديم الدعم القانوني اللازم لهم».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الوحدة)

وأكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية، الذين اعتقلتهم سلطات جنوب أفريقيا بعد مداهمة مقر استُخدم قاعدة عسكرية في مدينة وايت ريفر بمقاطعة مبومالانغا، الواقعة على بعد نحو 360 كيلومتراً شمال شرقي جوهانسبرغ، أو تكليفهم بأي مهمة كانت تدريبية أو غيرها».

وأوضحت «الوحدة» أنها كلفت المدعي العام العسكري، وسفارة ليبيا المعتمدة لدى جنوب أفريقيا، بالتواصل مع السلطات المعنية في جوهانسبرغ لمتابعة ملابسات هذه القضية، مؤكدة «استعدادها المشاركة في التحقيقات لكشف ملابساتها، والجهات التي تقف وراءها، مع ضمان سلامة المواطنين المحتجزين، ومعاملتهم وفق الاتفاقات والإجراءات الدولية».

وبعدما شددت «الوحدة» على إدانتها للأعمال كافة، التي من شأنها أن تهدد سلم أو أمن أو سيادة الدول المجاورة أو الصديقة، عدّت أن «مثل هذه التدخلات العابرة للحدود، التي دفع الشعب الليبي ثمنها أمنه وقوته واستقراره، قد تجاوزتها ليبيا منذ زمن»، كما استنكرت «الزج بأبناء البلاد في مثل هذه الأعمال».

أسامة حماد رئيس حكومة الاستقرار الموازية (الاستقرار)

في المقابل، أعلنت حكومة «الاستقرار» على لسان وزير خارجيتها المكلف، عبد الهادي الحويج، أنها بـ«صدد تقديم الدعم القانوني لليبيين المعتقلين في الخارج». وبعدما قال في تصريحات تلفزيونية، مساء الجمعة، إنه يتابع قضية معسكر الليبيين في جنوب أفريقيا، أوضح أن وزارته تسعى لتوفير الدعم القانوني لهم، والتأكد من أن ظروف احتجازهم ملائمة، بما يحفظ حقوقهم الأدبية والقانونية، إضافة إلى عدالة وسلامة الإجراءات القانونية المطبقة عليهم.

صورة لمعسكر تدريب الليبيين المعتقلين (سلطات جنوب أفريقيا)

ونقلت تقارير صحافية، اليوم (السبت)، عن وزير الداخلية بحكومة جنوب أفريقيا، ليون شرايبر، أنه «قرر إلغاء التأشيرات التي حصل عليها الليبيون»، مشيراً إلى أنه «تم الحصول على هذه التأشيرات عن طريق التزوير في دولة أخرى».

إلى ذلك، نفى مجلس زليتن البلدي وقوع خسائر بشرية جراء الانفجار الأخير بالمدينة، مؤكداً أن «الخسائر مادية» فقط. ودعا الجهات الأمنية والعسكرية إلى «سرعة التعامل مع مخازن الذخائر وما شابه، بحيث يتم تطبيق المعايير المتعارف عليها، بما في ذلك إبعادها عن المناطق الآهلة بالسكان، وتوفير اشتراطات الأمن والسلامة بتلك الأماكن». كما طالب بضرورة «فتح تحقيق عاجل من قبل جهات الاختصاص لتحديد أسباب هذه الظاهرة، التي تكررت أكثر من مرة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار ذلك».

وكانت وكالة «الأنباء الليبية» قد نقلت عن مصدر أمني قوله إن انفجارات وقعت بورشة لصيانة السيارات التابعة لقوة الإسناد في منطقة كاوش بمدينة زليتن، ما أسفر عن تضرر بعض المباني المجاورة للورشة، التي كانت تضم مخلفات حرب لم يتم التخلص منها.

موقع الانفجار في زليتن (بلدية زليتن)

في غضون ذلك، قال مكتب النائب العام في العاصمة طرابلس إن سلطة التحقيق أمرت بحبس مدير سابق لإدارة التسويق الدولي في المؤسسة الوطنية للنفط، مشيراً إلى أن «فحص الشأن المالي المرتبط بإدارة تصدير منتوجي النفط والغاز خلال السنوات، الممتدة من سنة 2011 حتى 2017، أوضح خروجه عن مقتضيات المصلحة العامة طوال هذه السنوات».