الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها

46 ألف حساب تويتري استخدمها «داعش».. وثلاثة أرباع الحسابات المؤيدة للتنظيم ناطقة بالعربية

الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها
TT

الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها

الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها

46 ألف حساب تويتري استخدمها «داعش»، في الفترة بين إعلان خلافتها وخليفتها المزعوم أبو بكر البغدادي في 29 يونيو (حزيران) سنة 2014 - بخمس لغات - وديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، حسبما أفادت دراسة صدرت عن معهد بروكينغز بالولايات المتحدة صدرت في 11 مارس (آذار) الماضي، أن «داعش» امتلك حتى ديسمبر من نفس العام ما لا يقل عن 46 ألف حساب تويتري، وأن ثلاثة أرباع الحسابات المؤيدة للتنظيم كانت ناطقة بالعربية، و20 في المائة بالإنجليزية، و6 في المائة بالفرنسية. ويتبع الحسابات المؤيدة للتنظيم ألف مشترك في المعدل، مما يعني أنها أكثر من حساب عادي، هذا رغم حجب ألف من حساباتها في ديسمبر سنة 2014، وحظر أخرى، وهو ما تكرر أيضا في أغسطس (آب) الماضي.
باتت حقيقة، شغف عناصر «داعش» بـ«تويتر»، وتدرب كثير من عناصره عليه فيستخدمون عامل السرعة لتجنب الرقابة على «تويتر» وكذلك على «يوتيوب»، كما يستخدمون أكثر من حساب احتياطي على «تويتر»، وينشرون دون اسم في بعض الأحيان، واتضح هذا في نشاط شركة «الفرقان» التي تمثل الذراع الإعلامية لـ«داعش»، حيث وضعت لقطات فيديو للصحافي جيمس فولي، ثم في وقت لاحق وضعوا لقطات تصور الرهينة البريطاني جون كانتلي، خلال ساعات من شن غارات التحالف الدولي ضدهم في سوريا والعراق، وهو ما يكشف الرسالة المرغوبة زمنيا من تصدير الخوف وزرع الثقة في عناصرهم والمتعاطفين معهم في آن واحد.
يساعد «داعش» على تأكيده حضوره الإعلامي، اهتمام النشطاء التواصليين بتغريداتهم وإعادة تغريداتها، رغم عدم دقة معلوماتهم أحيانا، فقد ترافقت عمليات إطلاق النار التي وقعت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 في أوتاوا الكندية مع ظهور عدد من التغريدات الخاطئة، التي زعمت أن الكثير من المسلّحين كانوا متورطين في الهجمات، كما قد تسهم التصريحات الحكومية أيضًا في تضخيم تأثير الأساليب الإرهابية، وهذا ينطبق، مثلاً، على إصدار الحكومات تحذيرات خاطئة بشأن الإرهاب أو عندما يحاول بعض السياسيين الترويج لسيناريوهات تهديدات وهمية، لتحقيق مكاسب سياسية، كالتهديد المستبعد تمامًا والمتمثل في التعاون بين عصابات المخدّرات المكسيكية والتنظيمات الجهادية في الولايات المتحدة الذي كان قبل شهور.
يقارن البعض بين صناعة صورة «داعش» تويتريا، وما كان من تضخيم خطر إيبولا وبث الرعب منه، حيث كان التركيز المكثّف لشبكة «سي إن إن» وشبكات إخبارية أخرى على الإيبولا، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي على هذا الفيروس، كما أن السياسيين يشجعون هذه الحالة، وهناك حكومات اتخذت بشأن هذا الفيروس قرارات تفتقر إلى أي أساس علمي، حسب الرؤية الأميركية حينئذ.
وهناك أزمة راهنة تعانيها حسابات «داعش» ونشطائها على «تويتر» إذ اختفى بعض أبرز ممثليها وشرعييها كتركي البنعلي، ولجأ المنظر الثاني أبو الحسن الأزدي لحساب جديد باسمه الحقيقي، بعد حظر حسابه القديم، كما أغلقت إدارة «تويتر» في 6 مارس من العام الحالي ما لا يقل عن ألفي حساب لتنظيم داعش ومناصريه، كما أعلنت إدارة «تويتر» في 17 أغسطس الماضي، أنها سلمت المملكة العربية السعودية معلومات 65 مستخدما مطلوبا لديها، كما أعلنت أنها تلقت هذا العام، 2015، أكثر عدد من الطلبات للكشف عن هويات مشتبه بهم.
نعم، حقيقة وواقعا، يلاحظ إقبال عناصر «داعش» خاصة، على موقع «تويتر» المفتتح في 6 يوليو (تموز) سنة 2006 منذ صحوته وصعوده في يونيو سنة 2014، وتفضيله له على غيره من المواقع التواصلية، شأن موقع «فيسبوك» المفتتح في 4 فبراير (شباط) سنة 2004 أو موقع «يوتيوب» المفتتح في 14 فبراير سنة 2005.
وهو ما يرجعه البعض لما يتمتع به «تويتر» من سرعة وانتشار لمختلف الفئات، من صانع القرار للمواطن العادي، على العكس من «فيسبوك» الذي يمثل تفاعلا اختياريا في كثير من الأحيان يدور في فلك الصداقة وقبولها، ولما يوفره من خصوصية أكبر لمستخدميه، وإن استجاب أحيانا للضغوط الرسمية عليه.
لكننا نرى أن استخدامه الأبرز هو كوسيط وليس كحامل أو منبر رئيسي، حيث إمكانية وضع الفيديوهات المصورة سريعا أو الإحالة عبر الروابط لمواد في مواقع أو مدونات أخرى مثل «justpase» أو الدولة أو غيرها أو مواقع أخرى للتحميل، ويقول بعض الخبراء إن من يرد الوصول لزملائه القدامى في المدرسة فعليه بـ«فيسبوك»، لوجود طلب وإجابة للصداقة، بينما من يرد الوصول لقادة العالم فعليه استخدام «تويتر»، حيث تكفيه المتابعة «follow».
بلغ عدد المواقع التي استثمرتها «القاعدة» في نشر خطابها وأدبياتها خلال الفترة الممتدة من عام 1998 إلى عام 2007 أكثر من 5 آلاف من المواقع والمنابر وغرف المحادثة الإلكترونية التابعة للإرهابيين، كما امتلك بعض قادة ومنظري السلفية الجهادية و«القاعدة» وفروعها مواقع إلكترونية خاصة بهم، فظهرت شبكات «السحاب» و«الفرقان» و«القاعدون» و«الملاحم» وغيرها منابر إعلامية لها ولفروعها، كما ظهرت مواقع فكرية لعدد من شيوخها مثل أبي محمد المقدسي وأبي بصير الطرسوسي، وأبي قتادة الفلسطيني الذي حُجب موقعه فيما بعد، وتحول الأخيران لموقع «تويتر» الآن.
كما كانت ثمة مواقع أخرى للشرعي الجهادي المصري عبد الحكيم حسان، و«البتار» للراحل يوسف العييري قائد ومؤسس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، المقتول في مايو (أيار) عام 2003، والذي أسس عددا من المواقع الإلكترونية وكان دائم الدخول إلى غرف موقع «بالتوك» التفاعلي باسم عزام.
وقد نشطت العناصر الجهادية الوسيطة عبر ساحات الإنترنت خلال هذه الفترة في غرف المحادثة، حيث يتم التبرير والاختلاء والتجنيد للعناصر الجديدة، لصالح تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة، وهو ما زال بعيدا عن اهتمام وتركيز كثير من الدعاة الرسميين والتقليديين، ربما باستثناء تجربة وحيدة هي تجربة «حملة السكينة» وبرامج «المناصحة» التي تقوم بها وزارة الداخلية السعودية للجدل مع هذه الأفكار في المملكة العربية السعودية.
من هنا كان قول الظواهري في رسالته «التبرئة» (ص 57): «من الواضح أن قوى الحملة الصليبية اليهودية قد ضاقت ذرعا بالإنترنت، الذين رجوا من إنشائه أن ينشروا به ثقافتهم وفجورهم، فإذا بالمجاهدين يقلبون عليهم الطاولة».
في السابق قبل ظهور «داعش» نجحت «القاعدة» في التفوق على سواها من التنظيمات الراديكالية والإسلامية المعتدلة على السواء، في الاستفادة من شبكة الإنترنت، هذا المنتج ما بعد الحداثي بشكل كبير، رغم رفضها سائر صنوف الحداثة وما بعدها، ويكفي للتمثيل على أهمية شبكة الإنترنت وكونها حامل خطابها الحالي، أن أحد الموقوفين أمنيا، من الذين تم القبض عليهم في السعودية، وكان لا يزال ابن عشرين عاما فقط، حكى أنه كان «يترك الصلاة لأجل بث بيان الخلية على (بالتوك)».
لكن من المهم ملاحظة أن اللجوء والاضطرار للمواقع التواصلية والتفاعلية الحالية لم يكن إلا اضطرارا بعد استهداف المواقع والصفحات الرئيسية، ويقظة الانتباه لخطر استخدام الإرهاب للإنترنت وساحاته، وهو ما لم يكن متوقعا في البداية، كونه منجزا ومنتجا ما بعد حداثي لم يتوقع إدمان وشغف أعداء الحداثة به، ولكن كما استخدم سلبيا في نشر كل الممنوعات والمحظورات استخدم من قبل الإرهاب كذلك.
ويمكننا تفسير اتجاه جماعات العنف، كـ«القاعدة» و«داعش»، دون الجماعات الأكثر اعتدالا منها إلى للمواقع التواصلية كنتيجة طبيعية لغلق منصاتها الرئيسية، وشبكاتها الإعلامية وأزمتها، ومع اعتمادها المكثف على مقولة الجهاد الفردي والإلكتروني، فكان انتقالها وتطورها من مراحل موقع «منبر التوحيد والجهاد» و«القاعدون» و«شبكة المجاهدين» وموقع «دولة العراق الإسلامية» إلى المواقع التفاعلية أو التواصلية، من قبيل موقع «فيسبوك» الذي تم افتتاحه في 4 فبراير سنة 2004 أو موقع «يوتيوب» المفتتح في 14 فبراير سنة 2005 أو موقع «تويتر»، الذين تقع مقار شركاتهم في مناطق مختلفة في ولاية كاليفورنيا الأميركية بديلا عن توقف المنصات الرئيسية.
وكان تركيز «القاعدة» الأهم على موقع «يوتيوب»، الذي نشطت فيه شبكة «السحاب» الذراع الإعلامية لـ«القاعدة»، وكانت تقدم عبره قبل عامين لقاء مفتوحا مع أيمن الظواهري يمتد لساعات، يتلقى فيه الأسئلة من عناصره وأنصاره، ولكن اتجه تركيز «داعش» الأهم إلى موقع «تويتر» بعد غلق سائر الساحات.
ولنا هنا ملاحظات ثلاث تفسيرية ومنهجية قد تضئ علاقة «داعش» بموقع «تويتر» تحديدا الذي نظن أن ثمة مبالغة كبيرة في أهميته في التجنيد، والتي لا نراها تصح إلا في الإعلان والإعلام وليس التعليم، الذي هو التجنيد هي كما يلي:
تلجأ مختلف التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، إلى وسائط بديلة للوسائط الإعلامية الرسمية والمعروفة المحظورة عليها، وهو ما وجدت مبتغاه في أجيال الإنترنت المختلفة، وصولا للمواقع التواصلية، بمنصاتها المختلفة، من «بالتوك» إلى «تويتر» الذي يمثل منبرها الأهم الآن.
رغم الجنوح الماضوي والمتخيل لدى الحركات الأصولية، على اختلافها، يبدو ميل شديد لدى تنظيماتها وعناصرها، للاهتمام والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، كجزء من أدوات وأسلحة معركتهم مع آخريهم، العالم والدول والمجتمعات والجماعات المنافسة لهم، فاستثمروا مبكرا في شركات الكومبيوتر في مصر أثناء فترة التسعينات، وبرعوا بدرجة ما في برامج التجسس، وكان أغلب عناصرهم من خريجي كليات علمية تطبيقية وليسوا خريجي علوم شرعية أو إنسانية.
كان الشغف الأصولي بالتقنية والوسائط تحديدا مبكرا، منذ السبعينات من القرن الماضي، في اهتمامهم بالمحاضرات والخطب المسجلة لنقل دعواتهم وتناقلهم لها وتجنيد المتعاطفين معهم، ثم منذ أوائل التسعينات في تطور علاقتهم بالإنترنت والمواقع التفاعلية، وهو يعبر عن احتياجات الأصولية المقيدة لوسائط غير تقليدية باستمرار لانتشارها، بعيدا عن حائط ومنابر التوجهات الرسمية الممنوعة عليه.
لكن يحمل هذا الشغف تناقضا بنيويا لدى الأصوليين والجهاديين منهم خاصة، في رفضهم قيم الحداثة والغرب كلية واستخدامهم لمنتجاتهما والشغف بها، حربا عليهما، وهو ما يكشف جانبا براغماتيا وميكافيليا حاضرا دائما في سلوك هذه الجماعات، انطلاقا من فكر الحرب والمغالبة، ولو خادعة، الذي يمثل مرجعية لهم، وصولا إلى أهدافهم البعيدة والمتخيلة.
كانت بداية علاقة الإرهاب بالإنترنت عبر المدونات والمواقع غير المباشرة ثم المواقع الفكرية والشخصية، ثم عبر مواقع التحميل المختلفة، التي تنشر فيها المواد الشرعية والتجنيدية والتدريبية أحيانا، ولم يكن التركيز على المواقع التواصلية المتأخر نسبيا إلا مع استهداف المواقع السابقة، وبحثا وتأكيدا للحضور وصعود معارك الخلاف الجهادي - الجهادي مع ظهور «داعش»، ولكن تظل المواقع التنظيمية هي الأهم بالنسبة لها، وليست الحسابات أو الصفحات الشخصية، التي تمثل جزءا من فكر الجهاد الفردي والسجالي، ولكن لضيق وقيود الإنترنت على التنظيمات كان نشاط الأفراد التويتري كما هو نشاطها انتحاريا عبر الذئاب المنفردة.
إذا اعتبرنا أن اللجوء لـ«تويتر» كان اضطرارا وأنه يمثل وسيطا يحيل لمواقع ومساحات أخرى في العالم المختلط الافتراضي والحقيقي، فيصعب التجنيد عبر مسافة (140 حرفا)، والذي ربما كان أيسر عبر غرف المحادثة في «بالتوك» وغيره أواخر التسعينات، وأنه يصعب أن يتم من غير حوار وحديث مباشر، قد لا يتيحه «تويتر» الذي يبدو منبرا إعلاميا وخبريا وإعلانيا أكثر منه إقناعيا تجنيديا بامتياز.
كما أن الحواجز التويترية قائمة عبر الحسابات ذات الأسماء الوهمية وعدم إمكانية التلاحم الشخصي المباشر، وأنه لا يبين إلا عبر الإحالة وتكرار التغريدات في نفس الموضوع، ولغته التي يرجى لها المباشرة وتضطر كثيرا من ممارسيه ونشطائه للنزول للعاميات، ومناسبة السجال لا التأسيس له.
لذا نرى أن التضخيم من أهمية «تويتر» في استخدامه منصة للتجنيد تهويل قد لا يكون دقيقا دائما، إلا باعتباره وسيطا وليس المكان الأصلي أو المنصة الرئيسية للتجنيد، لحدود إمكانياته تعبيرا وطبيعته الإعلانية والسجالية، وتظل الأدبيات ومتابعتها إذا أردنا الأفكار التي هي واسطة التجنيد هي الأهم، أما إذا أردنا الأخبار والإعلام فـ«تويتر» هو المنبر المثالي.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.