كل رواد الأدب العربي مروا بـ«القافلة»

لأكثر من 62 عامًا تنشر المعرفة مجانًا

غلاف عدد خاص من مجلة «القافلة»
غلاف عدد خاص من مجلة «القافلة»
TT

كل رواد الأدب العربي مروا بـ«القافلة»

غلاف عدد خاص من مجلة «القافلة»
غلاف عدد خاص من مجلة «القافلة»

ترتبط مجلة «القافلة» التي تصدر عن «أرامكو»، كبرى شركات البترول في العلم، باكتشاف النفط في السعودية، وهي أيضًا تجسد جانبًا من رحلة الصحافة والطباعة في السعودية، تعلقت المجلة بقصة النفط التي بدأت «فعليًا» في عام 1933، عندما وقعت حكومة السعودية مع شركة «ستاندرد أويل أف كاليفورنيا» اتفاقية الامتياز الأساسية. وولدت «أرامكو» في عام 1944 لتحمل اسم شركة الزيت العربية الأميركية «أرامكو»، وفي الأول من مايو (أيار) 1939، احتفلت السعودية بتحميل أول ناقلة زيت من ميناء رأس تنورة، لتبدأ بعدها مسيرة أكبر شركة للنفط، التي تدير ربع احتياطات العالم من الطاقة، وتصبح السعودية أكبر دولة تمتلك مخزونًا من النفط الخام، وأكبر منتج عالمي.
كانت الشركة تضم مزيجًا من العمال الأجانب، ويمثلون الجهاز الإداري والفني ومهندسي الاستكشاف والإنتاج والتكرير، والعمال المحليين الذين كانوا يشقون طريقهم في التدريب والتدرج الوظيفي، وكانت هناك مجلة موجهة للعمال الأجانب، أما فكرة إصدار مجلة عربية، فولدت فكرتها في وقت مبكر من عام 1951، وفي 19 ديسمبر (كانون الأول) 1951 صدر العدد التجريبي لمجلة عرفت باسم «الأحداث» أصدرتها شركة «أرامكو»، وطبع من «الأحداث» ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة. وتقدم الأميركي توماس باركر مدير قسم العلاقات العامة في الشركة آنذاك في 13 فبراير (شباط) 1952 بطلب إلى الحكومة السعودية يتضمن السماح بإصدار نشرة «الأحداث»، مقترحًا أن تكون النشرة مكونة من صفحة واحدة وتحتوي على أخبار وصور على أن تزيد مستقبلاً عدد صفحاتها. وبعد مداولات ومخاطبات كثيرة، تلقت «أرامكو» في 19 يونيو (حزيران) 1952 موافقة الملك عبد العزيز على إصدار المجلة.
وفي أغسطس (آب)، تلقت المجلة اقتراحًا بتغيير اسم المجلة من «الأحداث» إلى «الحوادث» وصدر عدد تجريبي آخر باسم «الحوادث». لكن في أكتوبر (تشرين الأول) 1953 أخذت المجلة هويتها التي استمرت أكثر من ثلاثين عامًا وعُرفت باسم «قافلة الزيت»، وأصبحت منذ ذلك الوقت مجلة شهرية، وفي 28 يونيو (حزيران) 1955 واجهت المجلة أول مشكلة حقيقية مع إدارة المطبوعات (الرقابة) حيث تم منعها من الصدور لأنها غيرت اسمها القديم «الأحداث» إلى أسماء جديدة من دون موافقة مسبقة، ولأسباب أخرى تتعلق برئيس التحرير. لكن إدارة الشركة تمكنت من تذليل الصعاب من جديد وتلقت موافقة الحكومة بإعادة إصدار المجلة من جديد في 28 فبراير 1965. وبعد ثلاثين عامًا من صدورها تحولت «قافلة الزيت» في عدد (مايو - يونيو 1983) إلى اسمها الجديد «القافلة». وفي مجال الطباعة ظلت المجلة تطبع في بيروت حتى يوليو (تموز) 1964. بعدها استمرت تطبع من داخل السعودية. وتطبع مجلة «القافلة» أكثر من 65 ألف نسخة شهريًا توزع مجانًا.
أصبحت مجلة «القافلة» التي تصدر كل شهرين، واحدة من أشهر المشاريع الإعلامية العربية، وخصوصا في السعودية، فمنذ 63 عامًا والمجلة تقدم مادة علمية وثقافية وأدبية ساهمت في رفع المعرفة والثقافة في محيط توزيعها، فهي توزع مجانًا داخل السعودية وخارجها، وتعنى بنشر الموضوعات الأدبية والعلمية والثقافية والصناعية الرامية إلى تثقيف القراء في هذه المجالات. «ومن نهج القافلة الابتعاد عن المواضيع السياسية وعن كل ما هو مثير لخلاف أو جدل ديني أو مذهبي أو طائفي»، حسبما تعرّف المجلة عن نفسها.
تتحدث المجلة عن مساحة توزيعها حيث يطبع من «القافلة» كل شهرين 65 ألف نسخة، توزع على قرائها داخل شركة «أرامكو» وفي السعودية وخارجها. وتبين إحصائية أجرتها «القافلة» في عام 1999 أن معدل الأشخاص الذي يشتركون في قراءة النسخة الواحدة من كل عدد داخل المملكة وخارجها هو 7 أشخاص، وبذلك يكون عدد القراء الذين يطلعون على القافلة نحو 455 ألف قارئ. ونتج عن عملية الإحصاء المذكورة أن 83 في المائة من أعداد القافلة توزع داخل السعودية، بما في ذلك نحو 37 ألف نسخة توزع على موظفي الشركة، وأن 12 في المائة توزع على امتداد العالم العربي بينما يوزع الباقي الذي تبلغ نسبته 5 في المائة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وتختصر «القافلة» رحلة تحديث الإعلام السعودي، وقصة الطباعة، كما شهدت أروقتها ولادة أجيال من الكتاب والأدباء. وارتبطت المجلة بقصة الإعلام السعودي باعتبارها واحدة من أهم المحطات الإعلامية التي استحوذت على اهتمام المثقفين السعوديين، وخصوصا القاطنين في المنطقة الشرقية حاضنة شركة النفط العملاقة. وتتميز «القافلة» برصانة المحتوى واللغة الراقية العلمية، لكنها وعلى مدى تاريخها نجحت في احتضان كبار الكتاب العرب، وعرّفت الجمهور بإنتاجهم الأدبي والثقافي والعلمي، واستطاعت أن تقدم النتاج الأدبي والمعرفي العربي للقارئ السعودي، فكانت تنقل مقالات لطه حسين، والعقاد، والبارودي، والجواهري، وأحمد الصافي النجفي، ومنذر الشعار، وجميل علوش، ويوسف نوفل، والدكتورة نعمات أحمد فؤاد، ونقولا زيادة، جنبًا إلى جنب مع إبداعات الأدباء والكتاب السعوديين. كما كان للمجلة دور كبير في التعريف بالكثير من الحقائق العلمية والأدبية، ورفع مستوى الذائقة المعرفية والثقافية لدى جمهورها.
وعلى صعيد الكتابة والمشاركة، استقطبت «القافلة» أسماء كبيرة في عالم الكتابة، كالعقاد والمازني وجبران والخوري وعبد القدوس الأنصاري وابن إدريس، وحسن قرشي، وعمر أبو ريشة، يضاف لهم أحمد رامي وطاهر زمخشري وبشارة الخوري، وغازي القصيبي في بداية مشواره الأدبي.
وقد تناوب على رئاسة تحرير مجلة القافلة منذ تأسيسها عشرة من رؤساء التحرير هم: الراحل حافظ البارودي (أكتوبر 1953)، شكيب الأموي (مايو 1955)، سيف الدين عاشور (مايو 1959)، منصور مدني (مايو 1967)، عبد الله بن حسين الغامدي (يناير «كانون الثاني» 1978)، عبد الله الخالد (سبتمبر «أيلول» 1989)، عصام زين الدين توفيق (مايو 1999)، محمد طحلاوي (فبراير 1993)، محمد العصيمي (مارس 2003)، ويتولى رئاسة التحرير حاليًا الشاعر محمد الدميني.
حاليًا، فإن المجلة أصبحت تقدم منتجًا علميًا وأدبيًا متصلاً بوسائل التقنية الحديثة، حيث تزاوج بين المادة المقروءة والبصرية والسمعية، وأصبح بإمكان القراء ومتصفحي المجلة عبر موقعها الإلكتروني الاستماع إلى نصوص شعرية سُجّلت بأصوات شعرائها، أو مشاهدة تسجيل بصري للقطة أو تجربة علمية، كما أن المشاهد يتمكن من التجول الافتراضي في عالم الصورة والخيال وهو يقرأ المادة في الموقع الإلكتروني، كما يمكنه التفاعل مباشرة عبر التعليق والتقييم والتبادل والمشاركة لأي جزء أو مادة منشورة.
بهذه المزاوجة بين المادة المقروءة والتقنيات البصرية تجدد المجلة شبابها، لتصبح واحدة من المطبوعات العربية القلائل التي توظف التقنية الحديثة كجزء فعال من المادة الأدبية والعلمية.



سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
TT

سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)

أعلن المهندس عبد الرحيم سليمان، مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» سيُعقد في العاصمة العراقية، بغداد، خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل، وستعنى فعالياته بقضايا الساعة، وبينها ملفات التنمية، والبيئة، وموضوعية وسائل الإعلام في تغطية العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني، والمنطقة العربية.

سليمان نوّه بدعم هيئة الإعلام العراقية ورئيسها الوزير كريم حمادي لمشروع تنظيم المؤتمر المقبل في العراق، وسط تعقيدات الأوضاع الطبيعية والبيئية في العراق والمنطقة، خلال العقود الماضية لأسباب عدة، من بينها إلقاء مئات آلاف الأطنان من القنابل على مناطق عمرانية وسكنية وزراعية. وأوضح المهندس سليمان أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها الجمهورية العراقية مؤتمراً إعلامياً عربياً دولياً بهذا الحجم، بدعم من مؤسسات جامعة الدول العربية، ومن مسؤولي هيئة الإعلام العراقية والقائمين عليها وخبرائها.

الإعلام... والعدوان على فلسطين ولبنان

المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية كشف من ناحية ثانية، في كلامه لـ«الشرق الأوسط»، عن أن هذا المؤتمر العربي الكبير سينظَّم بالشراكة مع «شبكة الإعلام العراقي» بعد أسابيع قليلة من تنظيم الاتحاد مؤتمرات إعلامية وسياسية عربية كبيرة في تونس حول الحاجة إلى تطوير دعم «الإعلام المهني» لقضايا الشعبين الفلسطيني واللبناني، وللسلام في المنطقة، إلى جانب مواكبة التحديات الأمنية والجيو-استراتيجية الخطيرة التي تواجه كثيراً من الدول والشعوب العربية، وبينها الحرب المدمّرة الطويلة في السودان. وأوضح أن هذه الحرب تسببت حتى الآن في سقوط نحو 150 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وتشريد ملايين المواطنين وتهجيرهم.

المهندس عبد الرحيم سليمان (الشرق الأوسط)

حرب منسية

وأردف سليمان أن «انشغال الإعلام، سواء العربي أو الدولي، نسبياً بالحرب العدوانية على كل من فلسطين ولبنان همَّش إعلامياً ملفات خطيرة أخرى، من بينها معضلات التلوث، والبيئة، والتنمية، وحروب ونزاعات مسلحة خطيرة في المنطقة، بينها الحرب في السودان».

وتابع قائلاً: «الإعلام الدولي لا يواكب بالقدر الكافي محنة الشعب السوداني» حتى عدّ كثيرون الحرب المدمِّرة الحالية ضده «الحرب المنسية رغم الصبغة الجيو-استراتيجية المهمة جداً لهذا البلد العربي والأفريقي والإسلامي الكبير، الذي يتميّز بثروات بشرية ومادية هائلة، لكنه يعاني منذ عقود من التدخل الأجنبي، ومن أجندات محلية وإقليمية ودولية غير بريئة».

وعلى صعيد موازٍ، نفى سليمان أن تكون الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «أهملت التحديات الأمنية الخطيرة جداً التي تواجه المنطقة؛ بسبب انحياز الإعلام الغربي إلى الروايات الإسرائيلية للتطورات في فلسطين ولبنان والمنطقة». وأفاد بأن مقر الاتحاد استضاف أخيراً في تونس تظاهرات إعلامية وعلمية، قدَّم خلالها مهنيون وخبراء دراسات وتقارير علمية حول قضايا التحرّر الوطني العربية، وعلى رأسها قضايا إنهاء الاحتلال في فلسطين ولبنان، والتعريف بتوظيف أطراف غربية الإعلام الغربي والدولي لتشويه صورة العرب والمسلمين والأفارقة، ومطالبهم المشروعة في التحرّر الوطني والتنمية والتقدم، والشراكة مع كبار الفاعلين دولياً بما في ذلك في قطاعات حوكمة الإدارة والاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا والبيئة والمحيط.

العراق استعاد مجده

من جانب آخر، ورداً على سؤالنا عن خلفيات قرار عقد «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» في بغداد في هذه الظروف تحديداً؟ وهل لم تكن هناك تخوّفات من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة؟ أوضح سليمان أن الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «تتطلع إلى مؤتمر عربي ناجح ينظَّم الربيع المقبل في بغداد»، مضيفاً أن بغداد «عاصمة الحضارة والعروبة التي استردّت مجدها وألقها، واستحقت استضافة المؤتمر المقبل بعد نجاح مئات الخبراء خلال المؤتمرات الثلاثة الماضية في تونس في تقديم دراسات وتوصيات ومقررات مهنية نوعية بمشاركة خبراء من العالم أجمع». ومن ثم، أثنى على التطور الكبير الذي سُجِّل في قطاع الإعلام في العراق، وأورد أن «القفزات الإعلامية التي يشهدها العراق مكَّنته من حصد الجوائز الأوفر في المهرجانات والمسابقات الإذاعية والتلفزيونية التي ننظمها سنوياً».

استقلالية مالية

أيضاً، نوه المدير العام بانعقاد «الجمعية العامة» للاتحاد يومَي 15 و16 يناير (كانون الثاني) الحالي في المنطقة السياحية بالحمّامات، (60 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس). وكان قد حضر هذه الفعالية إعلاميون ومسؤولون رسميون، ومشرفون على مراكز الأبحاث وتدريب الصحافيين وعن جامعات الأخبار والاتصال، ووسائل إعلام عربية ودولية، بجانب الاتحادات الإذاعية والتلفزيونية العربية والإسلامية والأوروبية والآسيوية والصينية والأفريقية، كما كان حاضراً الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية المكلف الإعلام، السفير المغربي أحمد رشيد الخطابي.

وقد انتظم على هامش هذا المؤتمر الإعلامي الكبير موكب رسمي تمَّ خلاله التوقيع على اتفاقية شراكة بين اتحاد إذاعات الدول العربية ومنظمة التحالف الإعلامي لدول أميركا اللاتينية.

وفي هذا الصدد، ثمَّن المهندس عبد الرحيم سليمان كون اتحاد إذاعات الدول العربية «نجح، بفضل شراكاته الدولية في القارات الخمس، والخدمات الاتصالية والتغطيات التلفزية والإذاعية عبر الأقمار الاصطناعية، في تلبية طلبات غالبية الدول ووسائل الإعلام العربية، وفي البلدان الشريكة للاتحاد في أوروبا وآسيا وأميركا، ما أسهم في مضاعفة موارده المالية». وذكر أن هذا «أسهم في الحد من تقديم إعلام عربي بديل عن مضامين إخبارية مكتوبة ومصوّرة عُرفت بالتزييف والتضليل».

وهنا يشار إلى أن الاتحاد هو المنظمة العربية الوحيدة التي تغطي، بفضل استثماراتها، حاجياتها المالية كلها، ولا تحتاج إلى دعم مالي من الدول العربية ومن مؤسسات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

الإعلام في مواجهة التزييف والتضليل

وعلى صعيد متّصل، عدّ جامعيون من كليات الإعلام التونسية والعربية والغربية شاركوا في الجلسات العلمية للمؤتمر أن من بين أولويات المرحلة المقبلة بعد تطورات في المشرق العربي «التصدي إعلامياً بأساليب مهنية» لما وصفه عدد من الخبراء العرب والأجانب بأنه «استفحال ظاهرة التزييف والتضليل» في نشر الأخبار والتقارير المصورة والتوثيقية عن النزاعات والحروب، وبينها الحرب في أوكرانيا، وفي فلسطين ولبنان خلال الفترة الماضية، وفي بلدان عربية وأفريقية وإسلامية عدة تفاقمت فيها معاناة الشعوب وملايين الفارين من القتال، من بينها السودان واليمن وسوريا وليبيا.

ولقد نُظّم على هامش هذا الحدث كذلك، ملتقى حواري حول «مستقبل الإذاعة والتلفزيون في عهد التقارب الرقمي والبث متعدد المنصات»، بمشاركة خبراء من فلسطين، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والصين، وفرنسا، وإسبانيا.