سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

«الشرق الأوسط» التقت مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
TT

سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)

أعلن المهندس عبد الرحيم سليمان، مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» سيُعقد في العاصمة العراقية، بغداد، خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل، وستعنى فعالياته بقضايا الساعة، وبينها ملفات التنمية، والبيئة، وموضوعية وسائل الإعلام في تغطية العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني، والمنطقة العربية.

سليمان نوّه بدعم هيئة الإعلام العراقية ورئيسها الوزير كريم حمادي لمشروع تنظيم المؤتمر المقبل في العراق، وسط تعقيدات الأوضاع الطبيعية والبيئية في العراق والمنطقة، خلال العقود الماضية لأسباب عدة، من بينها إلقاء مئات آلاف الأطنان من القنابل على مناطق عمرانية وسكنية وزراعية. وأوضح المهندس سليمان أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها الجمهورية العراقية مؤتمراً إعلامياً عربياً دولياً بهذا الحجم، بدعم من مؤسسات جامعة الدول العربية، ومن مسؤولي هيئة الإعلام العراقية والقائمين عليها وخبرائها.

الإعلام... والعدوان على فلسطين ولبنان

المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية كشف من ناحية ثانية، في كلامه لـ«الشرق الأوسط»، عن أن هذا المؤتمر العربي الكبير سينظَّم بالشراكة مع «شبكة الإعلام العراقي» بعد أسابيع قليلة من تنظيم الاتحاد مؤتمرات إعلامية وسياسية عربية كبيرة في تونس حول الحاجة إلى تطوير دعم «الإعلام المهني» لقضايا الشعبين الفلسطيني واللبناني، وللسلام في المنطقة، إلى جانب مواكبة التحديات الأمنية والجيو-استراتيجية الخطيرة التي تواجه كثيراً من الدول والشعوب العربية، وبينها الحرب المدمّرة الطويلة في السودان. وأوضح أن هذه الحرب تسببت حتى الآن في سقوط نحو 150 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وتشريد ملايين المواطنين وتهجيرهم.

المهندس عبد الرحيم سليمان (الشرق الأوسط)

حرب منسية

وأردف سليمان أن «انشغال الإعلام، سواء العربي أو الدولي، نسبياً بالحرب العدوانية على كل من فلسطين ولبنان همَّش إعلامياً ملفات خطيرة أخرى، من بينها معضلات التلوث، والبيئة، والتنمية، وحروب ونزاعات مسلحة خطيرة في المنطقة، بينها الحرب في السودان».

وتابع قائلاً: «الإعلام الدولي لا يواكب بالقدر الكافي محنة الشعب السوداني» حتى عدّ كثيرون الحرب المدمِّرة الحالية ضده «الحرب المنسية رغم الصبغة الجيو-استراتيجية المهمة جداً لهذا البلد العربي والأفريقي والإسلامي الكبير، الذي يتميّز بثروات بشرية ومادية هائلة، لكنه يعاني منذ عقود من التدخل الأجنبي، ومن أجندات محلية وإقليمية ودولية غير بريئة».

وعلى صعيد موازٍ، نفى سليمان أن تكون الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «أهملت التحديات الأمنية الخطيرة جداً التي تواجه المنطقة؛ بسبب انحياز الإعلام الغربي إلى الروايات الإسرائيلية للتطورات في فلسطين ولبنان والمنطقة». وأفاد بأن مقر الاتحاد استضاف أخيراً في تونس تظاهرات إعلامية وعلمية، قدَّم خلالها مهنيون وخبراء دراسات وتقارير علمية حول قضايا التحرّر الوطني العربية، وعلى رأسها قضايا إنهاء الاحتلال في فلسطين ولبنان، والتعريف بتوظيف أطراف غربية الإعلام الغربي والدولي لتشويه صورة العرب والمسلمين والأفارقة، ومطالبهم المشروعة في التحرّر الوطني والتنمية والتقدم، والشراكة مع كبار الفاعلين دولياً بما في ذلك في قطاعات حوكمة الإدارة والاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا والبيئة والمحيط.

العراق استعاد مجده

من جانب آخر، ورداً على سؤالنا عن خلفيات قرار عقد «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» في بغداد في هذه الظروف تحديداً؟ وهل لم تكن هناك تخوّفات من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة؟ أوضح سليمان أن الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «تتطلع إلى مؤتمر عربي ناجح ينظَّم الربيع المقبل في بغداد»، مضيفاً أن بغداد «عاصمة الحضارة والعروبة التي استردّت مجدها وألقها، واستحقت استضافة المؤتمر المقبل بعد نجاح مئات الخبراء خلال المؤتمرات الثلاثة الماضية في تونس في تقديم دراسات وتوصيات ومقررات مهنية نوعية بمشاركة خبراء من العالم أجمع». ومن ثم، أثنى على التطور الكبير الذي سُجِّل في قطاع الإعلام في العراق، وأورد أن «القفزات الإعلامية التي يشهدها العراق مكَّنته من حصد الجوائز الأوفر في المهرجانات والمسابقات الإذاعية والتلفزيونية التي ننظمها سنوياً».

استقلالية مالية

أيضاً، نوه المدير العام بانعقاد «الجمعية العامة» للاتحاد يومَي 15 و16 يناير (كانون الثاني) الحالي في المنطقة السياحية بالحمّامات، (60 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس). وكان قد حضر هذه الفعالية إعلاميون ومسؤولون رسميون، ومشرفون على مراكز الأبحاث وتدريب الصحافيين وعن جامعات الأخبار والاتصال، ووسائل إعلام عربية ودولية، بجانب الاتحادات الإذاعية والتلفزيونية العربية والإسلامية والأوروبية والآسيوية والصينية والأفريقية، كما كان حاضراً الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية المكلف الإعلام، السفير المغربي أحمد رشيد الخطابي.

وقد انتظم على هامش هذا المؤتمر الإعلامي الكبير موكب رسمي تمَّ خلاله التوقيع على اتفاقية شراكة بين اتحاد إذاعات الدول العربية ومنظمة التحالف الإعلامي لدول أميركا اللاتينية.

وفي هذا الصدد، ثمَّن المهندس عبد الرحيم سليمان كون اتحاد إذاعات الدول العربية «نجح، بفضل شراكاته الدولية في القارات الخمس، والخدمات الاتصالية والتغطيات التلفزية والإذاعية عبر الأقمار الاصطناعية، في تلبية طلبات غالبية الدول ووسائل الإعلام العربية، وفي البلدان الشريكة للاتحاد في أوروبا وآسيا وأميركا، ما أسهم في مضاعفة موارده المالية». وذكر أن هذا «أسهم في الحد من تقديم إعلام عربي بديل عن مضامين إخبارية مكتوبة ومصوّرة عُرفت بالتزييف والتضليل».

وهنا يشار إلى أن الاتحاد هو المنظمة العربية الوحيدة التي تغطي، بفضل استثماراتها، حاجياتها المالية كلها، ولا تحتاج إلى دعم مالي من الدول العربية ومن مؤسسات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

الإعلام في مواجهة التزييف والتضليل

وعلى صعيد متّصل، عدّ جامعيون من كليات الإعلام التونسية والعربية والغربية شاركوا في الجلسات العلمية للمؤتمر أن من بين أولويات المرحلة المقبلة بعد تطورات في المشرق العربي «التصدي إعلامياً بأساليب مهنية» لما وصفه عدد من الخبراء العرب والأجانب بأنه «استفحال ظاهرة التزييف والتضليل» في نشر الأخبار والتقارير المصورة والتوثيقية عن النزاعات والحروب، وبينها الحرب في أوكرانيا، وفي فلسطين ولبنان خلال الفترة الماضية، وفي بلدان عربية وأفريقية وإسلامية عدة تفاقمت فيها معاناة الشعوب وملايين الفارين من القتال، من بينها السودان واليمن وسوريا وليبيا.

ولقد نُظّم على هامش هذا الحدث كذلك، ملتقى حواري حول «مستقبل الإذاعة والتلفزيون في عهد التقارب الرقمي والبث متعدد المنصات»، بمشاركة خبراء من فلسطين، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والصين، وفرنسا، وإسبانيا.



إعلامي سوري يوثق تجربته في «ألغام غرفة الأخبار»

المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
TT

إعلامي سوري يوثق تجربته في «ألغام غرفة الأخبار»

المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)
المؤلف مكرماً في دولة الإمارات العربية المتحدة (الشرق الأوسط)

يتحدّث الصحافي آلجي حسين في كتابه الأول «ألغام غرفة الأخبار»، في تجربته الأولى عن الواقع الإعلامي بشقَيْه: الميداني على الأرض/ والعمل في غرف الأخبار، ونقل تحديات مهنة الصحافة في دول العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.

الكتاب وقّعه كاتبه في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدورته الرابعة والثلاثين، أخيراً. وهو صادر عن «دار تعلّم للنشر والتوزيع» في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتطرّق إلى خفايا غرف الأخبار ومقارنتها مع أكثر أنوع الأسلحة خطورةً مثل النووية.

من جهة ثانية، يتوزّع الكتاب على عشرة فصول، ويتضمّن مقدمة بعنوان «هذا الكتاب لهذا»، ثم تتوالى عناوين الفصول «الكلمة رصاصة في حقل ألغام»، و«الأخبار المروعة»، و«القوة الناعمة للأخبار»، و«فلسفة نظريات الإعلام». ويأتي وسط زحمة أخبار جذابة يصنعها الصحافيون ويتسيّدون أبطالها، وبين مشاهد الرعب والدمار والألغام في العالم. ثم إن الكتاب يدق ناقوس الخطر، محذراً من الاستخدام غير السليم للكلمة؛ إذ يقول حسين إن «الكلمة رصاصة، يجب حسن استخدامها وترتيب توقيتها وانتقائها ووضعها في سياقها الصحيح، إنسانياً ومهنياً».

آلجي حسين (الشرق الأوسط)

السير في حقل الألغام

آلجي حسين، المحرّر الصحافي السوري الكردي الذي عايش وغطى إعلامياً حروباً وأزمات عديدة في سوريا والعراق والصومال، تناول في بداية حواره مع «الشرق الأوسط» عن كتابه الأول، أنه كُتب بعيداً عن غرف الأخبار المكيفة. كما يصف، موثقاً عبر عدسة كاميرته وقلمه مشاهد النزوح القسرية ومآسي المخيمات وأهوال الإرهاب، والأزمات الإنسانية التي عصفت بمسقط رأسه القامشلي وبلده سوريا على مدار 14 سنة مضت.

ويشرح حسين: «الكتاب نبع من تجربة شخصية؛ ليعبّر عن هواجس وتساؤلات عما يدور في ذاكرتي الصحافية اليومية بين ثنايا الأخبار، ولا سيما نقل الهموم والتطورات المتسارعة إلى جمهور القراء». ويضيف أن الشريحة الأكبر من الجمهور يجهلون أن هذه المهنة لا تخلو من المصاعب والتحديات «ولا سيما العمل الميداني».

يعرض آلجي حسين في كتابه «دهاليز» اجتماعات إدارة التحرير وغرف الأخبار وتغطيات المراسلين الميدانيين، التي يشبهها بمذكراتِ جندي نجا من الموت بعد سيره في حقلِ ألغام. ولا ينسى التغطيات الساخنة، وكيف أن كثيرين من الصحافيين والإعلاميين لاقوا حتفهم وهم ينقلون الحقيقة. ويروي أسئلة الموت والحياة في عالمِ الصحافة، وكيفَ تحولت إلى قوة ناعمة، وكلمةِ الفصل في ساحاتِ الحرب.

«ألغام غرفة الأخبار» يقع في 100 صفحة من القطع المتوسط. وحسب كلام مؤلفه، يبيّن أن محرّر الأخبار هو ذاته الذي عليه السير في حقل الألغام أو حتى في منجم فحم. وهنا يوضح المؤلف شارحاً: «قد ينفجر بك لغم في أي لحظة، أما غرفة الأخبار فهي تحدٍّ من نوع آخر!... لأن عالم النشر تحدٍّ في زمن تسارع الأحداث وتعقيدات الوضع الميداني على الأرض».

ثم يقول إن الفرق الوحيد بين «الزرّين» في النشر و«الأسلحة النووية» هو أن الأسلحة تدمر البنية التحتية والبشرية، في حين أن «زر النشر» قادر على تغيير المعارف والاتجاهات الإنسانية، ويؤثّر في السلوك العام، ويلعب دوراً كبيراً في تبنّي المواقف.

بعد ذلك، يسرد حسين: «من تطورات الحرب السورية بعد سقوط النظام المخلوع نهاية العام الماضي، واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، وتقلّبات الحربَيْن السودانية واليمنية، وكوارث الحرب في غزة، والملفات الساخنة في أفريقيا... ومروراً بالانقسامات اللبنانية، فضلاً عن أحداث اللجوء وصعود اليمين المتطرف في أوروبا، إلى أميركا اللاتينية وانتخاباتها، مع تعقيدات آسيا؛ كلها أحداث يلخصها هذا الكتاب كما لو كانت (وجبات سريعة يقتاتها الصحافي في غرفة الأخبار)».

الصحافة مهنة السّير بين الكلمات

وفي فصل «الأخبار لذة وأذى» يعلّق حسين، قائلاً إن «مهنة الإعلام تحرق الأعصاب، وتتطلّب المتابعة الكثيفة ودقة في نقل الأخبار»، مضيفاً: «قدرُنا أن نبقى ساعات طوالاً جالسين وراء شاشات الكمبيوتر نتابع ونرصد ونحرر ونترجم ونصنع ما يصلنا من الأخبار». ويتابع مؤكداً أنه يعيش كل يوم أكثر من عشر ساعات مضنية بين ثنايا الأخبار؛ «لأستكمل المهمة في المنزل على شاشة التلفاز، مروراً بالهاتف المتحرك (بين بين)، وليس انتهاءً بمذياع السيارة، ما يعني أنني وصلت إلى مرحلة من الذروة في تذوّق الأخبار، لا يمكن الانفصال عنها بسهولة».

وفي فصل «الكلمة رصاصة في حقل ألغام» يبدأ المؤلف كاتباً عن الصحافة: «علّمتنا ولا تزال كيفية السير بين الكلمات، فالسير بين الكلمات كالسير بين ألغام، هذا إذا افترضنا أن فريق كشف الألغام الذي يرافقنا هو حسّنا الأمني والإنساني والمهني».

ثم يوصي المؤلف زملاءه في فصل «النداء الأخير للمحرّرين» من الكتاب، بتعزيز مهارة الإيجاز أو الاختصار أو البلاغة في كتاباتهم، من دون إخلال باللغة أو المعنى أو التفاصيل، ناصحاً: «استخدموا اللغة الإعلامية البيضاء البسيطة الفصيحة من دون أخطاء أو بلاغة فجة، واصقلوا مواهبكم بشكل كبير، والبحث عن الملاحظات وليس المديح؛ لأننا تلاميذ إلى الأبد».

في رأي آلجي حسين، يضع الإعلام، وبالذات عالم الأخبار، الصحافي أمام اختبار في كل خبر وتغطية قد لا ينظر إليها محرر آخر بالأهمية نفسها، ثم يقول: «إن الملفات الحساسة التي تهمّ الموقع، حسب سياسة التحرير، هي من القصص التي أضع لها اعتباراً كبيراً، وتشكل معضلة أخلاقية كبيرة، وهذا يتحقق بطبيعة الحال في المواضيع السياسية حسب كل دولة»، وهذا بالطبع، إلى جانب معرفة التشابكات ولغة المصالح بين الدول، وانعكاس ذلك على سياسة الوسيلة الإعلامية.