جدل بمصر بعد صورة لاعب الأهلي في «الحسين»

«الإفتاء» أجازت زيارة الأضرحة

اللاعب محمد هاني في مسجد الحسين بالقاهرة (صفحة اللاعب على إنستغرام)
اللاعب محمد هاني في مسجد الحسين بالقاهرة (صفحة اللاعب على إنستغرام)
TT

جدل بمصر بعد صورة لاعب الأهلي في «الحسين»

اللاعب محمد هاني في مسجد الحسين بالقاهرة (صفحة اللاعب على إنستغرام)
اللاعب محمد هاني في مسجد الحسين بالقاهرة (صفحة اللاعب على إنستغرام)

أثارت صورة نشرها لاعب النادي الأهلي والمنتخب المصري محمد هاني داخل مسجد الحسين بوسط القاهرة جدلاً موسعاً بين متابعي اللاعب على «إنستغرام»، وعلى منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، بين من ينكر على اللاعب زيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء، ومن يعدها سُنّة حميدة، ويدعو للاعب بالتوفيق و«المدد».

وكانت دار الإفتاء المصرية قد نشرت أكثر من فتوى حول جواز زيارة أضرحة ومقامات آل البيت، وذكرت أنها «من أحب القربات والطاعات، وأنها مشروعة بالكتاب والسُّنة».

وعلّق صاحب حساب على «إنستغرام» باسْم أحمد على صورة هاني عبر «إنستغرام» وكتب: «التوسل بغير الله شرك، لو بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن إنك تمسح الصور يا هاني».

في حين كتب متابع آخر باسم إبراهيم السوهاجي معلقاً على صورة اللاعب: «صورة ليس بها إلا كل محبة ومودة لسيدنا الحسين وآل البيت رضي الله عنهم، وهذا الأمر هو من صميم السُّنة».

ويرى أستاذ الثقافة الإسلامية، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر الدكتور محمود الصاوي أن «مبدأ زيارة القبور في حد ذاته أمر مشروع ومستحب ومندوب إليه».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الأمر حثت عليه الشريعة المطهرة وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم»، مضيفاً: «وتتأكد الزيارة بطبيعة الحال عندما تكون القبور للصالحين والعلماء والأولياء وأهل الفضل».

وبينما كتب شخص باسم إسلام علي معلقاً على صورة هاني، أن «التوسل لغير الله شرك»، ذكر آخر باسم حسين مكرم أن «مذاهب الأئمة الشافعية والمالكية والحنفية اتفقوا على جواز الصلاة بالمسجد الذي فيه قبر، إلا الإمام أحمد ابن حنبل فإنه يكره الصلاة بالمسجد الذي فيه قبر».

وأضاف: «إنما نقطة التوسل بالصالحين فلا أريد أن أصدمكم لأنها جائزة بالإجماع، سواء كان من يُتوسّل به حياً أو ميتاً». وانتقل الجدل إلى منصة «إكس»، حيث نشر صاحب حساب باسم نصر بشير مقطع فيديو قصيراً للشيخ محمد متولي الشعراوي يتحدث فيه عن مشروعية زيارة الأولياء، وعلّق على منشوره صاحب حساب باسم محمد كيمو، دعاه للبحث أولاً عن الرأي الصحيح قبل النشر، وكتب: «هذا دين وليس أهلي وزمالك».

اللاعب محمد هاني محتفلاً بإحدى البطولات (صفحة اللاعب على إنستغرام)

وكانت دار الإفتاء المصرية قد نشرت على صفحتها الفتوى رقم (6975) للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، ذكر فيها أنه «إذا رأينا المسلم يطلب أو يسأل أو يستعين أو يستغيث أو يرجو نفعاً أو ضراً من غير الله كالأولياء والصالحين، فإنه يجب علينا قطعاً أن نحمل ما يصدر منه على ابتغاء السببية لا على التأثير والخلق»، مضيفاً أن «النفع والضر إنما هما بيد الله وحده، وهناك من المخلوقات من ينفع أو يضر بإذن الله، ويبقى الكلام بعد ذلك في صحة كون هذا المخلوق أو ذاك سبباً من عدمه».

وتابع في نص الفتوى: «وقد تقرر أن هؤلاء المسلمين يزورون هذه الأضرحة والقبور اعتقاداً منهم بصلاح أهلها وقربهم من الله تعالى، وأن قبور الصالحين روضات من رياض الجنة، وأن زيارة القبور عمل صالح يتقرب ويتوسل به المسلم إلى الله تعالى»، مؤكداً أنه «لا مدخل للشرك ولا للكفر في الحكم على أقوال هؤلاء المسلمين وأفعالهم».

وأشار أستاذ الثقافة الإسلامية إلى أن «الهدف الأساسي من زيارة قبور الصالحين والأولياء أن نتذكر سيرتهم الحسنة وأعمالهم الطيبة وآثارهم الصالحة، ونعتبر أيضاً أننا مهما طال عمرنا فحتماً سنرحل من هذه الدنيا كما رحل السابقون؛ فلتكن أيامنا عامرة بالخيرات والصالحات».

يذكر أن اللاعب محمد هاني (28 عاماً) شارك مع المنتخب المصري في نهائيات كأس أمم أفريقيا الأخيرة التي أقيمت بكوت ديفوار، وخرج المنتخب المصري من دور الـ16.



اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».