حملات تفتيش واعتقال في صنعاء بذريعة مكافحة التسول

اتهامات للحوثيين بتلفيق التهم والاستيلاء على الأموال

نساء وفتيات يتزاحمن للتسول من مالك سيارة في أحد التقاطعات في صنعاء (أ.ف.ب)
نساء وفتيات يتزاحمن للتسول من مالك سيارة في أحد التقاطعات في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

حملات تفتيش واعتقال في صنعاء بذريعة مكافحة التسول

نساء وفتيات يتزاحمن للتسول من مالك سيارة في أحد التقاطعات في صنعاء (أ.ف.ب)
نساء وفتيات يتزاحمن للتسول من مالك سيارة في أحد التقاطعات في صنعاء (أ.ف.ب)

كانت «فوزية أحمد» عائدة من عملها في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء حين تسبب مظهرها الرث بعد يوم عمل شاق باعتقالها بتهمة التسول، وبعد أكثر من أسبوعين تدخل مالك الشركة التي تعمل فيها للإفراج عنها، لكن تلك الواقعة كانت سبباً في خسارة عملها.

اضطرت «فوزية»، وهو اسم مستعار لعاملة نظافة، إلى التخلي عن عملها بعد أن أصبحت «متسولة» في نظر غالبية موظفي الشركة التي كانت تعمل فيها، ولم يشفع لها اجتهادها في العمل، ورفضها قبول أي أموال تمنح لها بدون مقابل، في تغيير تلك النظرة.

أصبح التسول مهنة لملايين اليمنيين وفق إحصائيات لجهات تديرها الجماعة الحوثية (غيتي)

خلال اعتقال «فوزية» جرت محاولات عدة لإجبارها على الإفصاح عن الأموال التي اتهمت بجمعها من التسول قبل تدخل مديرها في العمل للإفراج عنها برشوة مالية وشهادة بعملها لديه، ولا تعلم هل جرى تفتيش منزلها من عناصر الجماعة الحوثية، أم اقتحمه اللصوص، وذلك لأنها وجدته وقد تم العبث بمحتوياته خلال غيابها.

ويذكر ناشطون ومحامون في صنعاء أن الجماعة الحوثية تسعى منذ عدة أسابيع إلى مصادرة أموال المتسولين من منازلهم، بعد أن كانت تكتفي بالاستحواذ على محصولهم اليومي من خلال حملات ميدانية عليهم في الأسواق وتقاطعات شوارع المدن الرئيسية، ضمن توجهاتها المعلنة لمكافحة التسول، التي بدأتها منذ ثلاثة أعوام.

ويفسر الناشطون أسباب هذه الإجراءات الجديدة بوجود قناعات مسبقة لدى القادة الحوثيين، بتحايل المتسولين على أفراد مكافحة التسول، أو اكتنازهم مبالغ وثروات كبيرة في منازلهم، تم جمعها من التسول.

ويربط الناشطون تفسيراتهم تلك بأن الجماعة كانت خلال الأعوام الماضية التي اتبعت فيها نهجاً لمكافحة التسول تصادر ما بحوزة المتسولين من مبالغ مالية وتفرج عنهم مباشرة، تاركةً لهم فرصة جمع مبالغ أخرى والانتفاع من جزء منها قبل اختطافهم والاستيلاء على ما في حوزتهم يومياً، إلا أن المتسولين بدأوا باتباع حيل لمنع مصادرة محصولهم اليومي.

متسولات لجأن إلى شوارع فرعية وجانبية لعدم قدرتهن على منافسة نظرائهن في الأماكن المزدحمة (إعلام محلي)

ومن تلك الحيل، ترك المبالغ التي يجمعونها لدى أصحاب المحلات التجارية الذين يثقون بهم، إلى جانب وسائل أخرى مبتكرة لم يشأ الناشطون الإفصاح عنها استجابة لرغبات المتسولين الذين استعانوا بهم من أجل تقديم المساعدات القانونية لهم ضد ما يتعرضون له من أفراد مكافحة التسول.

مكافحة أم استغلال؟

منذ عامين قدرت دراسة أجراها مركز الدراسات الاجتماعية وبحوث العمل الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية، عدد المتسولين في العاصمة صنعاء وحدها بـ«مليون ونصف المليون شخص»، أغلبهم من النساء والأطفال، في حين يتوقع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الخاضع بدوره لسيطرة الجماعة أن يكون عدد الأطفال الذين يمتهنون التسول أكثر من 10 آلاف طفل وطفلة في مدينة صنعاء وحدها.

يقول «أ.م.ح»، الباحث والأكاديمي في جامعة صنعاء، إن التسول تحول خلال سنوات الحرب إلى سلوك عام، ولم يعد بالإمكان التعاطي معه كظاهرة فقط، حيث لا تتوافر الإمكانات أو المحددات والموجهات العلمية لدراسته وبحثه، مثل غيره من السلوكيات المتفاقمة، بسبب ما تعانيه المؤسسات والجهات العلمية والأكاديمية من تجريف.

وينوه الأكاديمي، الذي طلب من «الشرق الأوسط» الإشارة إلى اسمه بالأحرف الأولى، إلى أن ما يجري من تعامل مع هذا السلوك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تعاطياً مجدياً يؤدي إلى مواجهته والحد منه والوصول إلى حلول جذرية وعملية له، لأن تلك الإجراءات تتسم بالابتزاز والاستغلال، وتفتقر إلى مواجهة الأسباب والتشجيع على مزاولة مهن بديلة ومشروعة.

تضاعفت أعداد الفقراء في اليمن خلال الأعوام الأخيرة بفعل الحرب (رويترز)

ففي ظل انقطاع رواتب الموظفين العموميين وتردي الأوضاع المعيشية وانتشار البطالة والإضرار المتلاحق بمنظومات الحماية الاجتماعية، وانتشار مظاهر الثراء غير المشروع من خلال الفساد أو تجارة الحروب، وتحويل قطاع واسع من المؤهلين أكاديمياً وعلمياً إلى مجاميع من الجوعى، أدى كل ذلك إلى تدمير القيم المجتمعية، وعزز من تفشي السلوكيات الإجرامية، حسب الأكاديمي نفسه.

وسبق لـ«الشرق الأوسط» أن كشفت في مايو (أيار) الماضي عن استغلال الأطفال المتسولين لتجنيدهم للقتال في صفوف الحوثيين، كما كشفت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن معاودة الجماعة نشاط تجنيد هؤلاء الأطفال تحت مزاعم نصرة غزة، مستغلة مراكز أنشأتها بمسمى «مكافحة التسول».

مصادرة وترهيب

مثل «فوزية»، اعتقلت فتاة أخرى نازحة من الحديدة من الشارع بعد أن ساهم مظهرها في الإيحاء بمزاولتها التسول، رغم عدم وجود دليل ضدها؛ ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد أن دفعت عائلتها مبلغاً مالياً.

لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فبعد يوم فقط من الإفراج عنها داهمت قوة مسلحة مأوى عائلتها في منزل صغير غرب العاصمة صنعاء، وعملت على تفتيشه بدقة والعبث بمحتوياته.

وطالب أفراد القوة العائلة بالكشف عن مكان إخفاء الأموال التي اتهموا الفتاة بجمعها من التسول الذي جرى اتهامها به.

صورة منقولة عن إعلام حوثي لأحذية ضحايا حادثة تدافع فقراء في صنعاء كانوا في انتظار مساعدات مالية من أحد البيوت التجارية (أ.ف.ب)

وطبقاً لشهادة الناشطين العاملين في مناصرة الفئات المجتمعية المعروفة بـ«المهمشين»، فإن عناصر تابعين لمراكز مكافحة التسول الحوثية يتجولون غالبية أوقات اليوم على حافلات بأرقام سيارات أجرة يتم اعتقال المتسولين فيها وتفتيشهم ومصادرة ما بحوزتهم قبل إطلاق سراحهم والسماح لهم بمواصلة التسول.

ويتعرض المتسولون على تلك الحافلات لمعاملة قاسية كالتفتيش الدقيق والضرب وتهديدهم بإحالتهم للسجون وتلفيق التهم الخطرة لهم.

ومنذ ما يزيد عن العامين أعلنت الجماعة الحوثية عن إنشاء مراكز لمكافحة التسول، وزعمت تحديث بيانات صندوق الرعاية الاجتماعية، وتفعيل قانونَي العمل والتأمينات والمعاشات الاجتماعية والصحية، واتخاذ إجراءات رادعة ضد المتسولين، وتوسيع مظلة المستفيدين من الضمان الاجتماعي، وإلزام التجار والشركات بالاعتماد على العمالة المحلية، وإحياء قيم التكافل الاجتماعي.

كما أقرت الجماعة بتشكيل لجنة أمنية بتوجيهات من زعيمها عبد الملك الحوثي لمكافحة التسول، وإعداد مصفوفة عمل حول التطبيق العملي لمكافحة التسول، واتخاذ إجراءات ضبط وتحرٍّ وتحقيق ضد العصابات المنظمة التي تمارس هذا النشاط، مستغلة حاجة الأفراد ومعاناتهم، وفق ما تزعمه الجماعة.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون قصف أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة وصاروخ

شؤون إقليمية ضابط إسرائيلي يزيل جزءاً من صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن بعد أن أصاب منزلاً في قرية ميفو بيتار الإسرائيلية 14 يناير 2025 (أ.ب)

الحوثيون يعلنون قصف أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة وصاروخ

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، اليوم (الثلاثاء)، تنفيذ هجومين على أهداف في تل أبيب بوسط إسرائيل وإيلات في الجنوب، في خامس هجوم خلال يومين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص وزير النفط والمعادن اليمني الدكتور سعيد الشماسي في «مؤتمر التعدين الدولي» (الشرق الأوسط) play-circle 01:21

خاص وزير المعادن اليمني: نسعى لاستثمار مخزون الليثيوم لدعم الطاقة المتجددة

كشف وزير النفط والمعادن اليمني، سعيد الشماسي، عن امتلاك اليمن لمخزون من معدن الليثيوم المستخدم في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، وأنه بحاجة للاستثمارات.

زينب علي (الرياض)
العالم العربي الحوثيون عينوا الآلاف من أتباعهم في قطاع التربية والتعليم (إعلام محلي)

الحوثيون يحرمون آلاف الموظفين من «نصف الراتب»

 نفّذ الحوثيون «مذبحة» غير مسبوقة في حق المعلمين والموظفين العموميين بمناطق سيطرتهم واستبعدوا الآلاف من قوائم صرف نصف الراتب الذي قررت الجماعة صرفه أخيراً.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي جانب من استحداثات حوثية في وسط أحد الشوارع بمدينة إب (الشرق الأوسط)

اليمن: تنافس ميليشياوي على مصادرة الأملاك العامة في إب

اشتدت حدة التنافس بين قادة الجماعة الحوثية في محافظة إب اليمنية على العقارات المملوكة للدولة والسكان، وصولاً إلى الاستيلاء بالقوة على شوارع رئيسية وفرعية.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي جنود إسرائيليون يعملون في مبنى تضرر بعد سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

انقلابيو اليمن يتبنون 3 هجمات باتجاه إسرائيل خلال 12 ساعة

صعَّد الحوثيون هجماتهم باتجاه إسرائيل على الرغم من الضربات التي تلقوها إذ تبنت الجماعة 3 عمليات باستخدام صاروخَين باليستيَّين فرط صوتيين و4 مسيرات خلال 12 ساعة.

علي ربيع (عدن)

مقتل عشرات الفلسطينيين بقصف إسرائيلي على جنين ودير البلح

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
TT

مقتل عشرات الفلسطينيين بقصف إسرائيلي على جنين ودير البلح

جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)
جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (د.ب.أ)

قُتل 6 فلسطينيين، اليوم الثلاثاء، في قصف جوي إسرائيلي استهدف مخيّم جنين في شمال الضفّة الغربية المحتلّة، وفق ما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية.

وأعلنت الوزارة في بيان سقوط «6 شهداء وعدد من الإصابات جراء قصف الاحتلال على مخيم جنين»، مشيرةً إلى أنّ حالة الجرحى «مستقرة».

بدوره، أكّد محافظ جنين كمال أبو الرُب لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ «المخيم تعرض لقصف بثلاثة صواريخ إسرائيلية».

يأتي هذا القصف الجوي الإسرائيلي بعد حوالي شهر من محاولات قامت بها السلطة الفلسطينية للسيطرة على مخيم جنين واعتقال مسلحين داخله وصفتهم بـ«الخارجين عن القانون».

وفي سياق متصل، أعلنت وسائل إعلام فلسطينية قصفاً إسرائيلياً على منزل في دير البلح بوسط قطاع غزة تسبب في مقتل 11 شخصاً وإصابة آخرين في الهجوم.

وقتل خلال الاشتباكات بين أجهزة السلطة الفلسطينية والمسلحين في المخيم أكثر من 14 فلسطينياً، من بينهم 6 من أفراد الأجهزة الأمنية ومسلّح.

وأعلن الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنور رجب، في مؤتمر صحافي قبل يومين، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت خلال حملتها 246 مطلوباً «خارجاً عن القانون».

وكانت العمليات العسكرية الإسرائيلية توقفت في المخيم منذ أن بدأت السلطة الفلسطينية حملتها عليه قبل أكثر من شهر.