الأوبرا المصرية تحتفي بذكرى رحيل النقشبندي

القارئ والمنشد المصري سيد النقشبندي (وزارة الثقافة المصرية)
القارئ والمنشد المصري سيد النقشبندي (وزارة الثقافة المصرية)
TT

الأوبرا المصرية تحتفي بذكرى رحيل النقشبندي

القارئ والمنشد المصري سيد النقشبندي (وزارة الثقافة المصرية)
القارئ والمنشد المصري سيد النقشبندي (وزارة الثقافة المصرية)

تحتفى دار الأوبرا المصرية بذكرى رحيل القارئ والمنشد الشهير سيد النقشبندي، على مسرح سيد درويش بالإسكندرية، الجمعة، بتقديم عدد من أعماله واستعادة تراثه، من خلال فرقة الإنشاد الديني تحت إشراف المايسترو عمر فرحات.

تقدم الفرقة حفلاً بعنوان «النقشبندي في ليلة الإسراء والمعراج»، إذ تحل ذكرى رحيل النقشبندي في 14 فبراير (شباط) 1976، في أسبوع الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج (8 فبراير) نفسه، ويتضمن الحفل أغنية «مولاي» الشهيرة، بالإضافة لعدد من الابتهالات والتواشيح الدينية والتراثية؛ مثل «موسيقى أسماء الله الحسنى، ومدد يا رسول الله، وليلة الإسراء، ويا رسول الله أجرنا، وصلوا عليه، بالإضافة إلى البردة الشريفة».

ويعد سيد النقشبندي (1920 – 1976) من أشهر القراء والمبتهلين والمنشدين في مصر، وجاءت شهرته الكبرى بتعاونه مع الفنان بليغ حمدي في أغنية «مولاي إني ببابك»، من تأليف الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وقد جاء هذا التعاون بطلب من الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بحسب ما ذكر عدد من المصادر.

فرقة الإنشاد الديني بالأوبرا المصرية (مسرح سيد درويش على فيسبوك)

ويعد المنشد المصري سامح علوش إحياء ذكرى النقشبندي «من الأمور الرائعة التي توفيه بعضاً من حقه»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «النقشبندي مدرسة صوتية فريدة من نوعها، ويحتاج إلى كتب ومدونات لترصد تأثيره في الإنشاد الديني والابتهالات»، وأشار إلى أن «أهل التخصص يعدونه من أوسع الناس صوتاً (صوته مفتوح)، وصاحب حنجرة ومساحة صوتية واسعة جداً، وكانت لديه ما بين (القرار والجواب) مساحة كبيرة جداً يعمل فيها دون نشاز».

وأوضح أن «نشأة النقشبندي في أسرة دينية وانتماءه إلى الطريقة النقشبندية، وهي طريقة فارسية قادمة من العراق والنقشبندي معناه (النقش على القلب)، ساعداه في أن يسلك طريق الإنشاد والابتهال وأن يصبح بارعاً ومتمرساً فيه، وترك ميراثاً طيباً جداً وجميعنا ننهل من مدرسته».

ولفت إلى أن أشهر ما قدمه النقشبندي، (أغنية مولاي إني ببابك)، كانت لها قصة واعترض الشيخ في البداية على تقديمها، لكن بليغ حمدي أقنعه أنه سيقدم أغنية للتاريخ، وهو ما حدث بالفعل.

حاز سيد النقشبندي شهرة واسعة وسافر إلى العديد من الدول العربية مثل السعودية وسوريا، وحصل على العديد من التكريمات، منها تكريم الرئيس السادات اسمه عام 1979 (بعد رحيله بعام)، بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، كما منح اسمه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى خلال الاحتفال بليلة القدر عام 1989.

ويرى الناقد الفني المصري كمال القاضي أن «الاحتفال بذكرى المبتهل الشيخ سيد النقشبندي في دار الأوبرا بالإسكندرية خطوة مهمة على طريق العناية بهذا النوع من الإبداع الصوتي، وتقدير خاص لموهبة الرجل الاستثنائية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كما أن هذا الاحتفال يعد توثيقاً لفن الإنشاد والابتهال واعترافاً من دار الأوبرا بعراقته وخصوصيته، ودوره الرائد في مخاطبة الروح والوجدان».

وتابع: «كما يمثل الاحتفال كذلك تقليداً جيداً للاحتفاء والاحتفال بذكرى النوابغ من الراحلين وأصحاب القدرات الخاصة في هذا المجال، بالإضافة إلى كونه تحفيزاً للمواهب الشابة التي تسلك هذا المسلك الإنشادي الراقي بطبيعته وتكوينه الموسيقي الفريد».


مقالات ذات صلة

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

يوميات الشرق بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

فنان الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق موسيقى الشهر: عودة متعثّرة لشيرين... وأحلام تنفي الانفصال بالصور والغناء

موسيقى الشهر: عودة متعثّرة لشيرين... وأحلام تنفي الانفصال بالصور والغناء

بدل أن يصل صدى أغنيات شيرين الجديدة إلى جمهورها العربي، طغى عليها ضجيج المشكلات التي واكبت عودتها. ماذا أيضاً في الجديد الموسيقي لهذا الشهر؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق سمير روحانا خلال حفل بعلبك (المصدر منصة إكس)

شربل روحانا والثلاثي جبران مع محمود درويش يعزفون على «أوتار بعلبك»

الجمهور جاء متعطشاً للفرح وللقاء كبار عازفي العود في العالم العربي، شربل روحانا وفرقته، والثلاثي جبران والعازفين المرافقين.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق لقطات من أغنية محمد رمضان «مش فاضي» (يوتيوب)

محمد رمضان يُجدِّد الجدل حول «الإيحاءات الخادشة» في الأغنيات

أعاد الفنان المصري محمد رمضان الجدل حول «الإيحاءات الخادشة» في الأغنيات بعد طرحه أغنية «مش فاضي» عبر قناته في «يوتيوب» ومنصّات إلكترونية خلال الأيام الماضية.

أحمد عدلي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ أعضاء فرقة «آبا» السويدية الموسيقية يصلون لحضور عرض في لندن ببريطانيا في 26 مايو 2022 (رويترز)

فرقة «آبا» تطلب من ترمب التوقف عن استخدام موسيقاها في التجمعات الانتخابية

طلب أعضاء فرقة «آبا» السويدية، أمس (الخميس)، من المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترمب، التوقف عن استخدام موسيقاهم في التجمعات الانتخابية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».