كل من يزوره يبدي إعجابه بمحتوياته، وتصيبه الحيرة أول الأمر، لأنه لا يشبه المقاهي المعتادة، فقد عمد صاحبه (عبد الرزاق الأطرقجي) أن يحوله إلى بيت للأنتيكات بكل تفاصيله الدقيقة، فهو يحتوي على المئات من التحف والنفائس البغدادية والتراثية النادرة، وكذلك الأثاث المستخدم فيها وزينة الجدران والأبواب وحتى مدخل المقهى المصنوع من خشب البلوط المنقوش، بينما فرشت أرضيته بالسجاد القديم.
مقهى الأطرقجي يتوسط منطقة المنصور وسط العاصمة العراقية بغداد، وهي من المناطق الراقية التي تكثر فيها المقاهي الأنيقة ذات الديكورات الحديثة، لكن الزوار من الشباب خصوصا صاروا يفضلونه على غيره من المقاهي لما يجدونه فيه من رائحة وعبق الماضي العراقي الجميل بمحتوياته التي صارت من النوادر التي لا تتوفر في أماكن كثيرة. وتعد تجارة الأنتيكات من المهن العراقية المهمة لكنها تعرضت للاندثار لأسباب عدة، من أهمها سفر الهواة والعوائل المترفة إلى الخارج وعزوف السياح عن زيارة البلاد بسبب سوء الأوضاع الأمنية وغيرها، الأمر الذي دفع العشرات من أصحاب دور الأنتيكات إلى إغلاق محالهم وبيع موجوداتهم أو خزنها في أماكن آمنة خشية تعرضها للسرقة أو الحريق، وبقيت محال صغيرة متفرقة تتعامل بالقديم والتراث لكنها لا ترتقي إلى المعارض الكبيرة التي كانت تقيمها كبرى دور الأنتيكات الشهيرة في العاصمة بغداد.
يقول صاحبه عبد الرزاق الأطرقجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «افتتح المقهى في عام 2013 لكنه نال شهرة واسعة في فترة قياسية، وكان قبلا عبارة عن محل بقالة، لكن إغلاق الشارع المؤدي إليه والقريب من مقر إحدى السفارات العربية جعل صاحبه يستغني عنه ويعرضه للبيع، فاشتريته وحولته إلى بيت للأنتيكات ومقهى أيضًا كما ترين، وأهدف من خلاله إلى التعريف بالحضارة البغدادية الجميلة وكذلك التراث العربي».
وأضاف: «المقهى يضم أعدادا كبيرة من التحف والأنتيكات التي لا تقدر بثمن، وبعضها نادر وغير موجود في مكان آخر، من بينها السجاد اليدوي وغرامات القديمة والتحف ومسلة حمرورابي المقروءة، والقيثارة السومرية والفضيات وغيرها كثير، وقد حرصنا على أن تكون كل موجودات المقهى من الأنتيكات ولا ندخل أي شيء حديث فيها لأجل التميز فقط».
وعن معنى اسم الأطرقجي وكيفية الحصول على الأنتيكات والمحافظة عليها، قال: «أطلق الاسم على كل من يمتهن تجارة السجاد والفرش في بغداد أيام زمان، وهو اسم موجود في محافظات عراقية أخرى وليس في بغداد وحسب، أما فكرة افتتاح المقهى بهذا الشكل فتعود إلى أني عملت في تجارة التحف، وهي مهنة متوارثة من الأب والجد، ولدينا خزين كاف من تحف وديكورات ومشغولات فضية وخشبية قديمة، وعادة ما أشتريها من عوائل تبيع حاجاتها القديمة، لذلك فكرت في عرضها عن طريق افتتاح المقهى، وهو مشروع متفرد، لذلك استقطب كثيرا من الزوار والعوائل العراقية، إضافة إلى زوار عرب وأجانب ممن يأتون لإنجاز تقاريرهم أو برامجهم الفضائية حتى نال المقهى شهرة واسعة في وقت قصير. أما كيفية الحفاظ على هذا الكم من التحف فأنا أحاول أن أبذل جهدا لأجل الحفاظ عليها، وأوصي العاملين معي أيضا، لكن ذلك لا يعني أنها معرضة لمخاطر الحريق أو السرقة، وذلك مرهون بالقدر وحده، إذ ليس هناك من طريقة للتأمين عليها».
وعن طموحاته يقول: «أطمح إلى إنشاء فرع آخر في جهة رصافة بغداد، بعد النجاح الذي حصده فرع الكرخ، وذلك لأجل الحفاظ على مهنة الأنتيكات التي صارت مهنة نادرة بعد تراجع الإقبال عليها وضعف السياحة في البلاد».
وهل تبيع بعض الأنتيكات لمن يرغب؟ سألته فقال: «أحيانا يلجأ أحدهم إلى الشراء لكن البيع محدود جدا بسبب قلة الهواة والسياح ممن يقبلون على هذا النوع من الأنتيكات العراقية». وأضاف: «قيمة المقهى وموجوداته لا تقدر بثمن، وكلها غالية عندي كونها قديمة».
رفيقه في العمل، سعد سلوم أبو سامر، أكد أن سبب الإقبال على ارتياد المقهى وهو يقدم الشاي والقهوة والأركيلة هو أنهم تعبوا من الحداثة والديكورات الباذخة والأضواء الساطعة ولجأوا إلى الهدوء الذي يوفره لهم المكان وكذلك الأجواء البغدادية القديمة. وأضاف: «في ما سبق قمنا بتنظيم مزادات لبيع الأنتيكات وكانت تحظى بإقبال كبار التجار ونالت شهرة واسعة، عرضنا فيها فضيات نادرة وسجادا وقطعا مختلفة قديمة ونفيسة وصناديق قديمة مرصعة ومشغولة ومصنوعة من خشب الصندل ذي الرائحة الزكية، وقد كانت تستخدمه النساء البغداديات في حفظ الملابس، وأسعارها تتراوح بين 3 - 4 آلاف دولار».
مقهى «الأطرقجي» للأنتيكات في بغداد لا يشبه المقاهي المعتادة
يجذب جمهوره من الشباب وينافس دور التحف العربية
مقهى «الأطرقجي» للأنتيكات في بغداد لا يشبه المقاهي المعتادة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة