روسيا توسع مظلة الرادارات لمواجهة «حرب المسيرات»

استعدادات في كييف لاستقبال أولى دفعات «إف - 16»

صواريخ روسيا تنطلق من بيلغورود باتجاه خاركيف (أ.ف.ب)
صواريخ روسيا تنطلق من بيلغورود باتجاه خاركيف (أ.ف.ب)
TT

روسيا توسع مظلة الرادارات لمواجهة «حرب المسيرات»

صواريخ روسيا تنطلق من بيلغورود باتجاه خاركيف (أ.ف.ب)
صواريخ روسيا تنطلق من بيلغورود باتجاه خاركيف (أ.ف.ب)

مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من دخول عامها الثالث، وتعثُر الطرفين الروسي والأوكراني في تحقيق اختراقات كبرى على الجبهات، اتجهت موسكو لتعزيز قدراتها الدفاعية على طول المناطق الحدودية المحاذية لخطوط التماس، في مواجهة حرب المسيّرات التي باتت تستهدف بشكل شبه يومي المدن القريبة من الحدود، وامتد نطاق ضرباتها ليشمل مناطق داخل العمق الروسي.

حطام الطائرة العسكرية الروسية من طراز «إيل - 76» التي جرى إسقاطها في روسيا (إ.ب.أ)

ورغم الإعلان الروسي أخيراً عن تحقيق تقدم محدود على بعض المحاور، خصوصاً في منطقة دونيتسك، فإن الحديث ازداد في الآونة الأخيرة عن «جمود الجبهات» بشكل عام، واستعدادات الطرفين لمواصلة حرب استنزاف ما زالت تبدو طويلة الأمد.

في هذا الإطار، بدا أن تهديد المسيّرات المتواصل بات يشكل هاجساً رئيسياً للمجمع الصناعي العسكري الروسي، خصوصاً أنه أقحم في المعركة مدناً بأكملها في المناطق الغربية مثل بيلغورود التي تعرضت، ليلة الثلاثاء، لهجوم واسع جديد، أعلنت موسكو بعده إسقاط 7 مسيرات مفخخة استهدفت المدينة، وتعرضت لهجمات مماثلة مدينتا فورونيج وروستوف القريبتان من خطوط الاشتباك مع أوكرانيا، ومدينة كورسك التي تقع عند تقاطع الحدود مع بيلاروسيا وأوكرانيا.

خدمات الطوارئ الأوكرانية خلال هجوم بالمسيّرات على أبنية في كييف (إ.ب.أ)

وجاء إعلان دميتري سافيتسكي، نائب المدير العام لشركة «ألماز - أنتي» للصناعات العسكرية عن توسيع خطة واسعة لتعزيز شبكة الرادارات لتشمل كل مناطق روسيا مع التركيز مع المناطق الحدودية ليضع تهديد المسيّرات بين أكبر التحديات التي تعمل الصناعات العسكرية لمواجهتها حالياً.

وقال المسؤول في الشركة التي تنتج طرازات متعددة من الأنظمة الصاروخية والمعدات القتالية في مقابلة مع وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية إن المؤسسة تعمل على توسيع مجال الرادار لمراقبة الطائرات من دون طيار على ارتفاعات منخفضة فوق الأراضي الروسية.

أندريه في بيلغورود الروسية المستهدفة بهجمات كثيرة من أوكرانيا (أ.ف.ب)

ووفقاً له فقد «جرى بالفعل توسيع الشبكة بشكل كبير، مقارنة بما كانت عليه قبل بدء العملية العسكرية الخاصة، ويستمر حالياً توسيعها في اتجاهات مختلفة، خصوصاً حيث لا تزال تتواصل التهديدات المباشرة».

وقال المسؤول الروسي إن مجال الرادار الذي نُشر حول العاصمة موسكو بات يتيح اكتشاف وتدمير المسيّرات الخطرة في الوقت المناسب، وزاد: «إنه مبني بشكل أساسي على معدات تعمل بكفاءة عالية».

لقطة من فيلم فيديو تظهر لحظة تحطم الطائرة العسكرية بمنطقة سكنية في بيلغورود الروسية الاثنين (أ.ب)

وأضاف سافيتسكي أن مؤسسة «ألماز - أنتاي» قامت بإنشاء نظام مراقبة متعدد المواقع، فهو يجمع بين المعدات اللاسلكية لمراقبة المجال الجوي وآليات التحكم فيها، مع توفير خادم مشترك لتحديد الإحداثيات، وتحليل الطائرات المكتشفة وسبل مواجهتها.

ووفق نائب المدير العام، فإن «النظام الجديد يخلق مجال معلومات موحداً في الأجواء للارتفاعات المنخفضة، حيث تحلق الطائرات من دون طيار والمروحيات والطائرات الصغيرة، وهذا يضمن السيطرة على الطائرات، وإعادة توجيهها لتتبع بالضبط الطرق الموصوفة لها».

رجال الإطفاء يعملون وسط السيارات المحترقة بعد القصف في بيلغورود بروسيا (أ.ب)

وكان هذا الموضوع عنصر نقاشات كبيرة لدى الأوساط العسكرية والخبراء المتخصصين، وكتبت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» واسعة الانتشار الثلاثاء إن روسيا «باتت بحاجة سريعة إلى وسائل كافية للقضاء على خطر الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة».

وذكرت الصحيفة بمقالة نشرها في وقت سابق القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، الذي ترددت معطيات عن تقديم استقالته أخيراً، حول رؤيته لإطلاق حرب المسيّرات ضد روسيا. وزادت أن «إحدى أطروحات زالوجني الرئيسية هي أن العمليات القتالية الحديثة مستحيلة من دون الاستخدام المكثف للطائرات المسيّرة؛ ما وضع على رأس أولويات القوات المسلحة الأوكرانية امتلاك ترسانة كاملة من الطائرات المسيّرة الرخيصة والحديثة وذات الكفاءة العالية».

وقال للصحيفة العقيد المتقاعد رستم كلوبوف إن «روسيا تتعامل بشكل جدي مع إعلانات العدو». وزاد: «القوات المسلحة الأوكرانية، لا تعاني نقصاً في الطائرات المسيّرة. وبحلول ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، كان لدى القوات المسلحة الأوكرانية 50 ألف طائرة مسيّرة. حتى لو افترضنا أن النصف فقط يصل إلى الهدف، يعني ذلك عملياً إصابة 25 ألف هدف. يمكن أن يكون الهدف دبابة، أو مدفعاً، أو طائرة متوقفة، أو ربما مجرد جندي. تخيلوا الضرر الذي يمكن أن يلحقه بنا هذا الجيش من الطائرات المسيّرة. هذا أمر خطير جداً».

قائد الجيش فاليري زالوجني (الأول من اليسار)

ووفقاً لكلوبوف، فإن مهمة صناعة الدفاع لدينا هي إيجاد «ترياق» ضد خطر المسيّرات، وأضاف: «لدينا نماذج مطورة جيدة، خصوصاً في مجال الحرب الإلكترونية والدفاع الجوي قريب المدى. من المهم الآن أن نضعها في الحسبان، وأن ننتجها بكميات كبيرة».

وفي المقابل، تواصل أوكرانيا بدورها تعزيز قدراتها على كل الأصعدة، ومع تطوير قدرات إنتاج المسيّرات وطرازات عدة أخرى من الأسلحة بشكل مشترك مع بلدان غربية، فإن كييف تستعد في مرحلة قريبة مقبلة لاستقبال مجموعة جديدة من «الأسلحة الاستراتيجية» بينها وفقاً لسكرتير مجلس الأمن الأوكراني أليكسي دانيلوف مقاتلات غربية من طراز «إف - 16»، وقال دانيلوف، الثلاثاء، إن كييف «أنجزت عملياً تجهيز البنية التحتية اللازمة لاستقبال المقاتلات التي وعدها بها «الناتو».

وقال المسؤول الأمني في مقابلة مع قناة تلفزيونية أوكرانية: «يجري إعداد البنية التحتية، ويقدم شركاؤنا كل المساعدات الممكنة. لن نقول أين بالضبط، وما نوع البنية التحتية، ولكن هذا عمل شامل، ويسير كل شيء وفق الجدول الزمني والخطة الموضوعة».

يُعد قرار الرئيس بايدن السماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على الطائرة «إف - 16» تحوّلاً مهماً (أ.ف.ب)

وكانت صحيفة «فاينانشيال تايمز» قد كتبت أخيراً أن تحالفاً يضم 11 دولة يدرب الطيارين الأوكرانيين على استخدام مقاتلات «إف - 16». وأوضحت وزارة الدفاع الأوكرانية أن هذا التحالف يضم الدنمارك وهولندا وبلجيكا وكندا ولوكسمبورغ والنرويج وبولندا والبرتغال ورومانيا والسويد وبريطانيا. وأكد البيت الأبيض، بدوره، أن أوكرانيا سوف تتلقى مقاتلات «إف - 15» من دول ثالثة بعد انتهاء عملية تدريب طياريها.

الرئيس الأوكراني يجلس في مقاتلة «إف - 16» خلال زيارة إلى الدنمارك أغسطس الماضي (رويترز)

كما أعلنت وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونغرين، الاثنين، أن بلادها اقتربت من انتهاء تجهيز 6 مقاتلات جديدة من طراز «إف - 16» سوف يجري تسليمها إلى كييف، مشيرة إلى أنه «وفقاً لذلك سيجري تسليم ما مجمله 24 مقاتلة، كما وعدنا سابقاً».

دعا المستشار الألماني أولاف شولتس الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دعم أوكرانيا هذا العام (أ.ف.ب)

ووصل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى كييف، الثلاثاء، في زيارة تهدف للتأكيد على «دعم الاتحاد الأوروبي الثابت» لأوكرانيا مع اقتراب الحرب هناك من دخول عامها الثالث. وقال بوريل في منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «أنا هنا لأبحث مع أصدقائنا الأوكرانيين دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لأوكرانيا - على الجانب العسكري، وعلى الجانب المالي من خلال التسهيل الجديد الخاص بأوكرانيا، وكذلك على صعيد مسار إصلاح الاتحاد الأوروبي».

المساعدات العسكرية الأوروبية لأوكرانيا تثير جدلاً واسعاً بين الحلفاء

ويذهب المستشار الألماني أولاف شولتس إلى واشنطن، يوم الخميس، وسيجتمع مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، يوم الجمعة. وقال إنه يأمل أن يوافق الكونغرس الأميركي على تقديم الدعم المالي اللازم لأوكرانيا، وحث الدول الغربية على مواصلة الضغط على روسيا.

وقال شولتس، الاثنين، بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الفرنسي الجديد جابرييل أتال في برلين: «آمل بشدة أن تتخذ الولايات المتحدة والكونغرس الأميركي قريباً قراراً بتقديم الدعم المالي اللازم». وأضاف أنه يفضل أن تقدم كل من الولايات المتحدة وأوروبا «مساهمة كبيرة» إلى أن «لا تعمل» خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لانتظار دعم الغرب. وأوضح أن مثل هذه الرسالة «يجب إرسالها إليه (بوتين) بوضوح من كل من الولايات المتحدة وأوروبا: سندعم أوكرانيا». وقال المستشار الألماني إنه «واثق جداً» بنجاح ذلك.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد حذر في وقت سابق، من خطر حدوث صدام مسلح مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، على خلفية تزويد كييف بطائرات «إف - 16» قادرة على حمل أسلحة نووية.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

وأوضح الوزير أن الولايات المتحدة وحلفاءها في «الناتو» يخلقون خطر مواجهة مسلحة مباشرة مع روسيا، وهذا الأمر محفوف بعواقب كارثية، لأن موسكو تعد حقيقة امتلاك كييف طائرات مقاتلة من طراز «إف - 16» قادرة على حمل أسلحة نووية بمثابة تهديد غربي في المجال النووي.

وقال الوزير إن موسكو أبلغت القوى النووية: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أن روسيا لا يمكنها تجاهل قدرة هذه الطائرات على حمل أسلحة نووية، مضيفاً: «لن تساعد أي ضمانات هنا». وبلهجة تحذيرية مباشرة زاد الوزير أن الجيش الروسي «لن يفرق في سياق العمليات العسكرية بين الطائرات المنقولة إلى أوكرانيا، وما إذا كانت قادرة على حمل رؤوس نووية أو غير قادرة على ذلك».

مقاتلة «إف - 16» لدى سلاح الجو النرويجي (أرشيفية - أ.ف.ب)

وعلى صعيد التوترات اليومية وحرب المسيّرات المتبادلة، قالت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 7 طائرات مسيرة أطلقتها أوكرانيا فوق منطقة بيلغورود بجنوب غربي البلاد. وجاء ذلك بعد أن قال حاكم المنطقة فياتشيسلاف جلادكوف إن مدينة جوبكين تعرضت لهجوم بطائرات مسيّرة. وذكرت وزارة الدفاع عبر تطبيق «تلغرام» أن أياً من هذه الطائرات المسيّرة لم تصل إلى هدفها. وقال جلادكوف عبر «تلغرام» إنه لم تقع إصابات جراء الهجوم على جوبكين، لكنه أشار إلى تضرر 4 منازل بسبب حطام الطائرات المسيّرة، ولم يصدر تعليق فوري من أوكرانيا، كما جاء في تقرير «رويترز». وتتعرض بيلغورود وغيرها من المناطق المتاخمة لأوكرانيا لهجمات متكررة تنفذها القوات الأوكرانية في إطار الحرب الدائرة منذ عامين.

وفي المقابل، قال أوليه سينيهوبوف حاكم منطقة خاركيف بشمال شرقي أوكرانيا، الثلاثاء، إن رضيعاً يبلغ من العمر شهرين قُتل، وأصيبت والدته جراء هجوم روسي على قرية في المنطقة خلال الليل. وأشار سينيهوبوف عبر تطبيق «تلغرام» إلى انتشال جثة الرضيع من تحت أنقاض فندق مكون من 3 طوابق قصفته القوات الروسية بصواريخ صباحاً. وأضاف أن امرأتين أخريين أصيبتا بشظايا، ونُقلتا إلى المستشفى. وقالت الشرطة المحلية إن أكثر من 30 مبنى بينها منازل ومقهى ومتاجر وسيارات خاصة تضررت جراء الهجوم. ولم يصدر تعليق فوري من موسكو. وتنفي روسيا وأوكرانيا استهداف مدنيين في هجماتهما، وتقولان إن الهجمات تهدف إلى تدمير البنية التحتية العسكرية وغيرها من البنى التحتية الحيوية لدى الآخر.


مقالات ذات صلة

تكثيف المشاورات الأوروبية وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا

أوروبا ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)

تكثيف المشاورات الأوروبية وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا

عمّق التضارب في التصريحات الأميركية والروسية حول مفاوضات السلام بأوكرانيا من مخاوف الأوروبيين.

ميشال أبونجم (باريس)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومساعده يوري أوشاكوف خلال اجتماع مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب) play-circle

روسيا: المفاوضات مع أميركا بشأن أوكرانيا تستغرق وقتاً لأن الطريق ليست سهلة

أكد مساعد الرئيس الروسي، الأحد، أن الطريق نحو التوصل لتسوية للصراع الأوكراني ليست سهلة؛ ولذلك فالمفاوضات بين بوتين والمبعوث الأميركي ويتكوف «تأخذ وقتاً طويلاً».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (رويترز)

الكرملين يرحب بإنهاء صفة «التهديد المباشر" في الاستراتيجية الأميركية

رحب الكرملين بالخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمراجعة استراتيجية الأمن القومي والتوقف عن وصف روسيا بأنها «تهديد مباشر».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا انفجارات في العاصمة الأوكرانية كييف أثناء هجوم صاروخي روسي يوم أمس (رويترز)

انقطاع الكهرباء والمياه في مدينة كريمنشوك الأوكرانية بعد هجوم روسي

قال فيتالي ماليتسكي، رئيس بلدية كريمنشوك، اليوم (الأحد)، إن القوات الروسية شنت غارة جوية خلال الليل على البنية التحتية في المدينة الواقعة في وسط أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس بوتين محاطاً بيوري أوشاكوف (على يمينه) وكيريل دميترييف خلال المحادثات مع ويتكوف وكوشنر في موسكو الأربعاء (سبوتنيك - أ.ف.ب)

واشنطن وكييف تواصلان محادثات «السلام الصعب»

واصلت الولايات المتحدة وأوكرانيا محادثاتهما الماراثونية الصعبة في ميامي، أمس، لليوم الثالث على التوالي، مؤكدتين أن إحراز أي تقدم نحو السلام يعتمد على موسكو،

إيلي يوسف (واشنطن)

ساركوزي: لن أنضم إلى «جبهة جمهورية» ضد اليمين المتطرف

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
TT

ساركوزي: لن أنضم إلى «جبهة جمهورية» ضد اليمين المتطرف

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أ.ف.ب)

أكّد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي لزعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن أنه لن ينضمّ إلى «جبهة جمهورية» مناوئة لحزبها، داعياً إلى «روحية جامعة بأكبر قدر ممكن»، بحسب مقتطفات من كتابه المرتقب صدوره قريباً.

ويروي ساركوزي في «لو جورنال دان بريزونييه» (يوميّات سجين)، وهو كتاب مخصّص لفترة سجنه لعشرين يوماً، من المرتقب صدوره الأربعاء، نشرت صحيفة «لا تريبون» مقتطفات منه الأحد، تفاصيل مكالمة هاتفية أجراها مع مارين لوبن.

وقد اتصّل ساركوزي بلوبن بعد الحكم عليه بالسجن خمس سنوات على خلفية تمويل ليبي لحملته سنة 2007 كي يشكرها على الدفاع عنه.

وخلال المكالمة، سألته لوبن إن كان ينوي الانضمام إلى «جبهة جمهورية» خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

وأتى الجواب: «قطعاً لا، وأنا سأتحمّل التبعات مع اتّخاذي في الوقت المناسب موقفاً عاماً في هذا الصدد»، وفق ما روى ساركوزي في كتابه. وفي جزء لاحق من الكتاب، اعتبر أن «طريق إعادة بناء صفوف اليمين لن يكون سوى عبر روحية جامعة بأكبر قدر ممكن، من دون حصرية أو إقصاء».

وقال المسؤول عن منطقة أو-دو-فرانس (الشمال) كزافييه برتران، الذي كان وزير العمل في عهد ساركوزي، إنه «يفضّل المواقف السياسية لنيكولا ساركوزي في 2007 على تلك في 2025»، مشيراً إلى أنه كان في تلك الفترة «يتصدّى للتجمّع الوطني (حزب لوبن) فعلاً وقناعة».

واعتمد ساركوزي في كتابه لهجة عالية النبرة إزاء إيمانويل ماكرون الذي اجتمع به قبيل دخوله السجن في 21 أكتوبر (تشرين الأول). وهو كشف «لم يكن لدي ما أقوله له ولم أكن أرغب في محادثة ودّية معه».

في 25 سبتمبر (أيلول)، حُكم على ساركوزي بالسجن خمس سنوات للمشاركة في «عصابة إجرامية» إثر إدانته بالتستّر عمداً على محاولات معاونيه التواصل مع أوساط معمر القذافي في ليبيا للحصول على تمويل للحملة التي فاز بها سنة 2007.

وهو أودع السجن وطعن في القرار الصادر في حقّه وستنظر محكمة الاستئناف في باريس في قضيّته بين 16 مارس (آذار) و3 يونيو (حزيران).

وأخلى القضاء سبيله بعد 20 يوماً في الحبس ومنعه من مغادرة الأراضي الفرنسية والتواصل مع المتّهمين الآخرين في القضيّة وعدد من الأشخاص، من بينهم وزير العدل جيرار دارمانان الذي زاره في السجن في 29 أكتوبر؛ في خطوة أثارت جدلاً.


مصرع 18 مهاجراً في غرق قارب مطاطي جنوب كريت

عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
TT

مصرع 18 مهاجراً في غرق قارب مطاطي جنوب كريت

عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)
عناصر خفر السواحل في اليونان يحملون أكياساً تضم جثث مهاجرين غرقى (رويترز)

لقي ما لا يقل عن 18 مهاجراً حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط في قارب مطاطي، بعدما انقلب جنوب جزيرة كريت، وفق ما أعلنت السلطات اليونانية، السبت.

وقالت السلطات إن سفينة تجارية تركية عابرة عثرت على القارب الذي غمر نصفه في الماء أمس؛ حيث جرى إنقاذ ناجيين اثنين، فيما تتواصل عمليات البحث عن آخرين.

وتُعدّ اليونان إحدى نقاط الدخول الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي للأشخاص الفارين من النزاعات والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وكثيراً ما تشهد هذه الرحلات وقوع حوادث مميتة.

وكانت الرحلة القصيرة، ولكن الخطيرة من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية القريبة، في قوارب مطاطية أو صغيرة غالباً ما تكون في حالة سيئة، تُعدّ الطريق الرئيسي للهجرة. إلا أن تكثيف الدوريات وعمليات إعادة المهاجرين أسهما في تراجع محاولات العبور. وفي الأشهر الأخيرة، تزايدت محاولات الوصول من ليبيا إلى جزيرة كريت.

ولم تُحدد السلطات بعد الجهة التي أتى منها القارب.

وتُشارك سفينة وطائرة من وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) ومروحية تابعة لخفر السواحل اليوناني و3 سفن تجارية في عملية البحث.


​ «الترويكا» الأوروبية تُكثّف مشاوراتها وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا ​

ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
TT

​ «الترويكا» الأوروبية تُكثّف مشاوراتها وسط مخاوف من ضغوط أميركية على أوكرانيا ​

ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)
ستارمر وزيلينسكي وماكرون يحضرون اجتماعاً في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ب)

لا تُوفّر الاتصالات المتسارعة لوضع حد للحرب في أوكرانيا صورة واضحة لما آلت إليه حتى اليوم، نظراً للتصريحات الأخيرة المتضاربة الصادرة عن الأطراف المعنية بالحرب.

فمن جهة، أعلن كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا، في كلمة له السبت في «منتدى ريغان للدفاع الوطني»، أن التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب أصبح «قريباً جداً» وما زالت دونه «الأمتار العشرة النهائية». وبحسب كيلوغ، فإن عقبتين رئيسيتين ما زالتا عالقتين، هما مصير منطقة الدونباس الأوكرانية التي تطالب موسكو بضمها بالكامل، بما في ذلك الأراضي لم تسيطر عليها عسكرياً، ومصير محطة زابوروجيا للطاقة النووية الأكبر في أوروبا. وبرأيه أنه «إذا حللنا هاتين القضيتين، فإن بقية الأمور ستسير بشكل جيد نسبياً»، مُضيفاً: «نحن على وشك الوصول... نحن قريبون جداً، جداً».

روبيو متحدّثاً خلال اللقاء بين الوفدين الأوكراني والأميركي في هالانديل بيتش بفلوريدا يوم 30 نوفمبر (أ.ف.ب)

في المقابل، نقلت وسائل إعلامية روسية عن يوري أوشاكوف، مستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفاوضه الرئيسي في الملف الأوكراني الأحد، أنه يتعين على الولايات المتحدة «أن تجري تغييرات جدية، بل جذرية» في مقترحاتها بشأن أوكرانيا. وقال أوشاكوف لقناة «آر تي» التلفزيونية الروسية إن الجهود المبذولة لصياغة النصوص الخاصة بأوكرانيا ما زالت في «مراحلها المبكرة». وتجدر الإشارة إلى أن أوشاكوف شارك في اجتماع الساعات الخمس في موسكو، الأسبوع الماضي، إلى جانب الرئيس بوتين، مع المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجارد كوشنر. وبحسب مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس، فإن كلام أوشاكوف، إذا كان يعكس حقيقة المفاوضات الروسية - الأميركية، يعني أن الطرفين «ما زالا بعيدين عن التوصل إلى اتفاق، علماً بأن المقترحات الأميركية تميل بشدة إلى جانب موسكو».

زيلينسكي وحيداً

رغم التضارب البيّن في تقدير التقدم الحاصل في المفاوضات، فإن الترويكا الأوروبية؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تستشعر الهلع من التقارب الأميركي - الروسي من جهة، ومن احتمال أن تعمد إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى فرض حل لا يضمن المصالح الأوكرانية.

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعهما في لاهاي على هامش قمة الحلف الأطلسي 25 يونيو الماضي (د.ب.أ)

وهذا التخوف يفسر تداعي واستعجال الترويكا لعقد قمة جديدة في لندن، هذه المرة، بدعوة من رئيس الوزراء كير ستارمر وحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني ميرتس، وبالطبع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. واللافت أن الأربعة تشاوروا مطولاً بداية الشهر الحالي بمناسبة الزيارة التي قام بها الأخير إلى باريس، وما تبعها من جولة اتصالات واسعة مع كبار القادة الأوروبيين ومع الفريق الأميركي المفاوض.

وما يقلق الأوروبيين، بحسب مصدر الإليزيه، استبعادهم من المفاوضات، «ما يعني ترك زيلينسكي وحيداً بمواجهة ضغوط فريق الرئيس دونالد ترمب». كما يعني أن أي اتفاق يتم إبرامه بعيداً عنهم «لن يأخذ بعين الاعتبار أمن الدول الأوروبية ومصالحها». ولخص وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني بات ماكفادن جانباً من المخاوف بوصف ذلك «اللحظة الراهنة» بأنها «محورية للغاية. الجميع يريد انتهاء الحرب، ولكنهم يريدون أن يتم ذلك بطريقة تمنح أوكرانيا حرية الاختيار في المستقبل».

خلفيات مخاوف «الترويكا»

على ضوء هذين العنصرين، يمكن فهم خلفيات ما كشفت عنه مؤخراً صحيفة «دير شبيغل» الألمانية مع فحوى مكالمة هاتفية جرت الأسبوع الماضي بين ماكرون وميرتس بشأن أوكرانيا، حيث قال الأول إن «هناك احتمالية أن تخون الولايات المتحدة أوكرانيا فيما يتعلق بالأراضي، دون وضوح بشأن الضمانات الأمنية».

الرئيسان الفرنسي ماكرون والأوكراني زيلينسكي ورئيس الوزراء البريطاني ستارمر ونظيره البولندي تاسك والمستشار الألماني ميرتس في كييف يوم 10 مايو (إ.ب.أ)

ولما سُئلت مصادر قصر الإليزيه عن صحة ما نشرته «دير شبيغل»، اكتفت بالقول إن ماكرون لم ينطق بهذه الكلمة؛ أي خيانة. لكن الأهم أن الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً «الترويكا»، غير مطمئنة «لمزاجية» ترمب في إدارة الملف الأوكراني. وكان الأوروبيون قد اطمأنوا نسبياً بعدما عدّوا أنهم نجحوا في تعديل الخطة الأميركية الأصلية المكونة من 28 بنداً، بعد اجتماعات جنيف التي حرصوا على الوجود فيها إلى جانب الوفد الأوكراني.

وعدّت «الترويكا» أن إرغام أوكرانيا على التخلي عن كامل مقاطعة دونباس، ومنع كييف من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ورفض موسكو نشر قوات أوروبية - أطلسية على الأراضي الأوكرانية، وامتناع واشنطن عن الالتزام بتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا لجهة ردع روسيا عن مهاجمتها لاحقاً وبعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام، كل ذلك يشكل عوامل تثير القلق.

صورة جماعية في البيت الأبيض تضم الرئيسين دونالد ترمب وفولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين 18 أغسطس 2025 بمناسبة محادثات حول أوكرانيا (رويترز)

بيد أن ما فاقم المخاوف الأوروبية هو ما ورد في وثيقة «الاستراتيجية الأمنية الأميركية» التي نشرت الجمعة، التي تعد أن لأوروبا «توقعات غير واقعية» بالنسبة لنتائج الحرب، وأن واشنطن سوف تعمل على تعزيز «المقاومة السياسية للمسار الحالي» لأوروبا. وما يزيد الطين بلة، أن رؤية الوثيقة لأوروبا ليست من النوع الذي يدعو الأوروبيين إلى الاستكانة لوقوف أميركا إلى جانبهم، أو لمدى قوة الرابط الأطلسي والبند الخامس من معاهدة الحلف التي تنص على الدفاع عن أي عضو فيه يتعرض لاعتداء خارجي.

مصير الأصول الروسية

من هذه الزاوية، يمكن تفهم الاستعجال الأوروبي لمشاورات إضافية.

وتعاني «الترويكا» من وضع غير مريح لها، إذ إنها لا تستطيع، من جهة، الوقوف بشكل واضح وصلب بوجه الرئيس ترمب لتخوفها من ردود فعله، ومن أن ينفض يديه من الملف الأوكراني. كما أنها، من جهة ثانية، لا يمكنها قبول طروحاته والسير بخطته بسبب المخاطر والنتائج المترتبة عليها حاضراً ومستقبلاً.

زيلينسكي وستارمر خلال لقاء «تحالف الراغبين» في لندن يوم 24 أكتوبر (إ.ب.أ)

لذا، فإنها في «منزلة بين المنزلتين»، حيث تؤيد من دون حماسة وتعارض بلطف. ولم يتضح بعدُ أبعاد قول مسؤول أميركي الجمعة إن واشنطن توصلت مع كييف إلى «إطار لترتيبات أمنية». ولا شك أن هذه المسألة ستكون رئيسية في قمة الاثنين في لندن.

ثمة مسألة أخرى ملحة يتعين على الأوروبيين بتّها سريعاً، وتتناول مصير الأصول الروسية المجمدة في مؤسسة «يوروكلير» المالية في لوكسمبورغ، التي يرغب الأوروبيون باستخدام 90 مليار يورو منها لتقديمها، خلال عامي 2026 و2027، بشكل قروض لأوكرانيا لتمويل ماليتها ومجهودها الحربي.

وبالنظر لرفض بارت دي ويفر رئيس وزراء بلجيكا، وفاليري أوبان، المديرة العامة للمؤسسة المالية، المسّ بالأصول الروسية لما يترتب على ذلك من تبعات مالية واقتصادية وقانونية، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وميرتس اجتمعا مطولاً مساء الجمعة مع دي ويفر وأوبان لإقناعهما بقبول استخدام الأصول المذكورة. بيد أن الأخيرين ما زالا يعارضان، رغم الوعود التي أغدقها ميرتس وفون دير لاين. وسيكون ملف الأصول مطروحاً لدى انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي يومي 18 و19 من الشهر الحالي في بروكسل.