يرى عدد من المتابعين للشأن السياسي في موريتانيا أن برلمان البلاد بنسخته الحالية تراجع تأثيره بشكل ملحوظ في الرأي العام، الذي لم يعد يتابع الجلسات، كما كان في العقود الماضية. وبينما يقول البعض إن البرلمان كان في السابق منبراً للتراشق السياسي، وساحة للصراعات بين المعارضة والأغلبية الحاكمة، يرى آخرون أن الانتخابات التشريعية، التي أُجريت في مايو (أيار) الماضي، أفرزت برلماناً جديداً، أغلب نوابه لا يملكون باعاً كبيراً في مجال السياسة، وفق وصفهم.
ويعتبر معارضون أن أكثر النواب، الذين ينتمي غالبيتهم إلى حزب الإنصاف الحاكم وأحزاب موالية له، ليس لديهم خطاب سياسي يستندون إليه، وأنهم باتوا «أداة» في يد السلطة التنفيذية لتمرير قوانينها.
من بين هؤلاء، النائب المعارض، محمد الأمين ولد سيدي مولود، الذي يرى أن اهتمام الموريتانيين بالبرلمان تراجع بشكل كبير، لعدة أسباب؛ من بينها زيادة عدد مقاعده بحيث أصبحت فيه «ميوعة»، وفق وصفه.
واكتسح حزب الإنصاف انتخابات مايو الماضي، كما تحالف مع أحزاب أخرى، ما جعل الحكومة الحالية قادرة على تمرير أي قانون ترغب في تمريره. ويبلغ عدد مقاعد البرلمان 177 مقعداً، يستحوذ حزب الإنصاف على الحصة الكبرى منها، بواقع 107 مقاعد، في حين تسيطر الأحزاب التي توصف بأنها أحزاب مُوالاة على 43 مقعداً، والمعارضة على 27 مقعداً فقط.
بدوره، يرى النائب عن حزب الإنصاف الحاكم، محمد ولد المصطفى، أنه من الطبيعي أن تؤمّن الأغلبية البرلمانية الداعمة للحكومة اعتماد القوانين المقترحة، كما هي الحال في جميع الديمقراطيات في العالم، وفق وصفه. وقال، في تصريح، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن الفصل بين السلطات في عهد رئيس البلاد الحالي محمد الشيخ الغزواني «أصبح حقيقة ملموسة مكّنت السلطة التشريعية من الاضطلاع بدورها دون تدخل أو مضايقة».
شكوى المعارضة
لكن أعضاء المعارضة داخل البرلمان الموريتاني يشكون، في الوقت نفسه، مما يقولون إنه تضييق عليهم، وعدم منحهم مساحة كبرى في الجلسات العلنية لمناقشة القوانين والتشريعات، ويعتبرون البرلمان قد أُفرغ من مضمونه بوصفه سلطة تشريعية.
وقال ولد سيدي مولود، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن السلطة التنفيذية «لا تريد أن تخلق توازناً حقيقياً في البرلمان، ومناقشة المشاريع والقوانين المقترحة من قبلها، همّها فقط التصديق عليها»، مُبرزاً أن «أكثر من ثلث البرلمان هم من رجال الأعمال، ليس لديهم خطاب سياسي ولا أجندة سياسية؛ ودخلوا البرلمان فقط لأنهم يملكون القدرة على شراء أصوات الناخبين»، على حد تعبيره.
واتهم ولد سيدي مولود السلطات بمنع نواب المعارضة من أداء مهامهم، حيث قال إنهم يتعرضون للطرد حين يقرر فريق برلماني منهم القيام بجولة للاطلاع على مشاكل المواطنين، وفق وصفه. وأرجع النائب المعارض هذا الواقع إلى ما سمّاه «ضعف البرلمان، وعدم صرامته مع الوزراء، واستجوابهم ومحاسبتهم على عملهم».
حماية مصالح الشعب
بينما ترى المعارضة في هذا البرلمان «أداة» في يد السلطة التنفيذية، فإن من يُسمَّون نوّاب الموالاة يرون أنهم يؤدون مهامّهم كسلطة تشريعية تراقب الأداء الحكومي وتحمي مصالح الشعب.
ويقول ولد المصطفى إن أعضاء البرلمان «يؤدّون مهامّهم كما حدّدتها النصوص، وفي أحسن الظروف يتمتعون بصلاحيات السلطة التشريعية كاملة، لحماية وظائف التشريع والرقابة والتقويم والتمثيل، ولحماية مصالح المواطن، وصيانة حقوقه، ويستوي في ذلك نواب الأغلبية والمعارضة»، مضيفاً: «في حزب الإنصاف، نعتبر أننا في مقدمة الصفوف المُحاربة للفساد، ونتبنى كل ما من شأنه القضاء عليه».
ويرى النائب المنتمي للحزب الحاكم أنه من السابق لأوانه محاولة الحكم على هذا البرلمان، الذي ما زال في بدايته، كما يعتبر أن الدورتين البرلمانيتين الماضيتين تميزتا بعمل جيد، من حيث مناقشة القوانين، والإبلاغ بمطالب المواطنين وطرح الأسئلة، والاستفسارات على أعضاء الحكومة، سواء خلال الجلسات الفنية المتخصصة أم من خلال الجلسات العلنية.
ونفى ولد المصطفى أن تكون أحزاب الأغلبية تُقوّض أداء البرلمان بوصفه سلطة تشريعية، قائلاً إن الدورتين الماضيتين كشفتا عن قدرات وكفاءات يصفها بالعالية، «سيكون لها دور كبير في الارتقاء بمستوى الأداء»، ويعتقد أنها ستبرز بشكل أوضح خلال الدورات المقبلة.