دمج الذكاء الاصطناعي مع تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية... تحوّل جديد في مراقبة الأرض

مخزونات تمت رؤيتها وقياسها باستخدام تصوير «SAR» عالي الدقة من «ICEYE» في ميناء بايوكوان في الصين (آيسي)
مخزونات تمت رؤيتها وقياسها باستخدام تصوير «SAR» عالي الدقة من «ICEYE» في ميناء بايوكوان في الصين (آيسي)
TT

دمج الذكاء الاصطناعي مع تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية... تحوّل جديد في مراقبة الأرض

مخزونات تمت رؤيتها وقياسها باستخدام تصوير «SAR» عالي الدقة من «ICEYE» في ميناء بايوكوان في الصين (آيسي)
مخزونات تمت رؤيتها وقياسها باستخدام تصوير «SAR» عالي الدقة من «ICEYE» في ميناء بايوكوان في الصين (آيسي)

تشهد مراقبة الأرض وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية تطوراً سريعاً، حيث باتت جزءاً لا يتجزأ من مجالات متنوعة، منها الزراعة والأمن والبيئية والبنى التحتية.

وقد برزت هذه التكنولوجيا كأدوات تحويلية يدفعها التطور التقني والذكاء الاصطناعي، لتحدث ثورةً في فهمنا لكوكبنا وتفاعلنا معه.

ومما لا شك فيه أن تطور تكنولوجيا الأقمار الصناعية أدى إلى تحسين جودة الصور سامحاً بمراقبة الأرض بتفاصيل ودقة استثنائية. وبالتالي مراقبة دقيقة للتغيّرات البيئية والتطورات الزراعية والتوسع الحضري.

صور الأقمار الاصطناعية «ICEYE SAR» تظهر الحقول المغمورة بالمياه حول بحيرة بوفيرا في فالنسيا بإسبانيا، أثناء فيضان في ديسمبر 2018 (آيسي)

دور الذكاء الاصطناعي

من أهم الخطوات في هذا المجال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الأقمار الاصطناعية ما يفتح إمكانات جديدة مقدماً رؤى أعمق ومعالجة أكثر كفاءة للبيانات. ومع ذلك، فإن تحديات التكلفة العالية لبناء وإطلاق الأقمار الاصطناعية، والغطاء السحابي الذي يعيق الرؤية، تشكل عقبات كبيرة. وهنا تبرز تقنيات رائدة تطورها بعض الشركات كحل لهذه المشكلة.

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، يقول جميل قعوار، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «ICEYE»، وهي المالكة والمشغلة لأكبر مجموعة من أقمار الرادار ذات الفتحة الاصطناعية (SAR) في العالم، «إن التقنية الخاصة بـ(ICEYE) تسمح بمراقبة سطح الأرض في أي حالة جوية، ليلاً أو نهاراً» مما يجعلها أداةً لا تقدر بثمن في مجموعة متنوعة من حالات الاستخدام.

جميل قعوار نائب الرئيس للبعثات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «ICEYE» (آيسي)

تكامل التقنيات الأخرى

بالنظر إلى المستقبل، من شأن تكامل التقنيات الناشئة مثل «إنترنت الأشياء» والتطورات الإضافية في الذكاء الاصطناعي تعزيز قدرات مراقبة الأرض. كما أنه من المتوقع أن يؤدي تعزيز التعاون الدولي في تبادل البيانات والمعلومات إلى تعزيز جهود الرصد العالمية.

ومن الأمثلة المتقدمة في هذا المجال، يبرز القمر الاصطناعي «نيسار» (NISAR) الذي أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» عام 2023 المصمم لمراقبة تغيّرات الغطاء النباتي، وارتفاع سطح البحر، وحركة الصفائح التكتونية وغير ذلك. وقد أطلقت «ICEYE»، حتى الآن، 31 قمراً اصطناعياً، مما يتيح المراقبة المستمرة لسطح الأرض والقدرة على اكتشاف التغيرات على مستوى الأرض. ويعدُّ جميل قعوار أنه يمكن الاستفادة من المعلومات المستمدة من صور الأقمار الاصطناعية لدى الشركة على مجموعة واسعة من مجالات الاستخدام، بما فيها الكشف عن التسريبات النفطية والاستجابة لها. وكذلك «مراقبة الأنشطة البحرية كالصيد غير القانوني، ومراقبة الحدود والمواقع الاستراتيجية الحساسة، واكتشاف الأنشطة غير القانونية مثل الاتجار بالمخدرات وتهريب البشر».

حقائق

خصائص القمر الاصطناعي «NISAR»

  • تعاون كل من الولايات المتحدة والهند في تطويره وإطلاقه
  • يستخدم رداراً ذا فتحة اصطناعية متقدمة لجمع بيانات عالية الدقة
  • تبلغ دقة صوره 25 متراً، مما يسمح برصد تغيرات الأرض بمستوى تفصيل غير مسبوق.
  • يدور حول الأرض في مدار قطبي متزامن مع الشمس، مما يسمح بجمع البيانات بشكل مستمر على مدار اليوم

أقمار «ليدار» و«SAR»

تشبه أقمار «ليدار» الاصطناعية أقمار الرادار ذات الفتحة الاصطناعية (SAR)، لكنها تُستخدم لتطبيقات مختلفة، كما أنها تَستخدم موجات الراديو للمراقبة ومراقبة الطقس. وتقوم أقمار «ليدار» (LiDAR)، التي تستخدم أشعة الليزر النبضية لقياس المسافات، بإنشاء تمثيلات دقيقة ثلاثية الأبعاد لسطح الأرض، مما يساعد في إدارة الغابات ورسم الخرائط الطبوغرافية.

ويشرح جميل قعوار، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن شركة «ICEYE» تبني أقماراً اصطناعية أصغر حجماً وبأسعار معقولة وأكثر مرونة من الأنظمة القديمة، مما يمنح الحكومات والمنظمات الفرصة لامتلاك أساطيل أقمار خاصة بها، وامتلاكها مراقبةً مستمرةً وصوراً عالية الجودة في جميع الظروف. ويضيف بأن أقمار «SAR» الاصطناعية تطبق أشعة رادارية قوية ترتد من سطح الأرض على مسافة 550 كيلومتراً تقريباً في الفضاء، وتعود هذه الحزم إلى الأقمار الصناعية لتسجل وتبني صورة دقيقة لما يحدث على الأرض بالأسفل. ويمكن لهذه التقنية رؤية العوائق مثل السحب والدخان وحتى التقاط صور للأرض ليلاً مما يوفر تغطية مستمرة للأحداث السريعة على الأرض في جميع الظروف الجوية. وتبرز أقمار اصطناعية صغيرة أخرى أيضاً مثل «CubeSats» و«SmallSats»، محدثةً ثورة في تكنولوجيا الفضاء بفضل قدرتها على تحمل التكاليف وتعدد استخداماتها لأغراض متنوعة، بما في ذلك مراقبة الأرض.

 

صور القمر الاصطناعي «ICEYE SAR» من نوفا أندرادينا، البرازيل (آيسي)

التأثير على الزراعة والبيئة

في المجال الزراعي، تساعد صور الأقمار الاصطناعية في مراقبة صحة المحاصيل وإدارة الموارد المائية، وكذلك تقييم الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية. وفي القطاع البيئي، تشكل هذه التكنولوجيات أهمية بالغة في تتبع آثار تغير المناخ، بما في ذلك ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستويات سطح البحر، وفي مراقبة صحة الغابات ومستويات التلوث. ويرى جميل قعوار، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن للشركة رؤى قابلةً للتنفيذ في مجال الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وحرائق الغابات. ويضيف بأن «ICEYE» تجمع بين تصوير «SAR» وبين بيانات الطرف الثالث لتقديم تقييمات المخاطر والأضرار في الوقت الفعلي. تتيح هذه القدرة استجابةً أكثر كفاءةً وأسرع لحالات الطوارئ، مما يقلل من تكاليف التشغيل ويحتمل إنقاذ الأرواح.

تقنيات أقمار اصطناعية متقدمة أخرى

تقنية «SAR»، الخاصة بـ«ICEYE»، هي مجرد جزء واحد من مجموعة واسعة من تقنيات الأقمار الصناعية المتقدمة التي تشكل فهمنا وتفاعلنا مع الكوكب. تلتقط أقمار التصوير البصري، التي تستخدمها شركات مثل «Maxar Technologies» و«Planet Labs»، الصور باستخدام الضوء المرئي وتوفر صوراً عاليةَ الدقة حيوية لتطبيقات مثل رسم الخرائط والتخطيط الحضري. كما يلتقط التصوير الفائق الطيفي طيفاً واسعاً من الضوء، ويحدد المواد والمواد الكيميائية المختلفة الموجودة على سطح الأرض، وهو مفيد في الزراعة والتعدين ومراقبة البيئة. أما التصوير بالأشعة تحت الحمراء، المستخدم في برامج مثل «Landsat» التابع لـ«ناسا»، فيكتشف الحرارة، وهو أمر بالغ الأهمية لمراقبة درجة الحرارة، ورسم خرائط صحة الغطاء النباتي، والتصوير الليلي.

لا تعمل مراقبة الأرض وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية على إعادة تشكيل البحث العلمي والرصد البيئي فحسب، بل تؤثر على العديد من القطاعات وعلى الطريقة التي نعيش ونعمل بها. إن التقدم في هذا المجال يعد بمستقبل نفهم فيه كوكبنا ونتفاعل معه بشكل أكثر شمولاً من أي وقت مضى. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع ظهور المزيد من التطبيقات والحلول المبتكرة، مما يزيد من دمج تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية في نسيج حياتنا اليومية والعمليات العالمية.

 

 

 


مقالات ذات صلة

دراسة: تطبيقات التواصل والمواعدة تفسد العلاقات العاطفية الحديثة

يوميات الشرق تطبيقات التواصل والتواعد توفر مجموعة من الاختيارات التي يمكن أن تكون أكثر من اللازم (أ.ف.ب)

دراسة: تطبيقات التواصل والمواعدة تفسد العلاقات العاطفية الحديثة

أظهرت دراسة جديدة أن منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة أصابت الشباب بالارتباك بشأن العلاقة الرومانسية وخلقت لديهم تصورات غير واقعية تجاه الجنس الآخر.

«الشرق الأوسط» (براغ)
الاقتصاد عامل على خط إنتاج في مصنع رقائق إلكترونية صيني (رويترز)

التكنولوجيا الصينية تدخل «حرباً اقتصادية طويلة»

قررت الصين أن تحارب على عدة جبهات اقتصادية، مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً، بعد أن استهدفا مؤخراً قطاعات السيارات والرقائق والتكنولوجيا الصينية

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

تمكّن متسللون من اختراق أنظمة شركة «أوبن إيه آي» التي طورت برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق روبوت ضخم لصيانة السكك الحديدية (رويترز)

روبوت ياباني ضخم لصيانة السكك الحديدية

أعلنت اليابان إطلاق روبوت ضخم بارتفاع 12 متراً صمم خصوصاً لصيانة خطوط السكك الحديدية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)

«مايكروسوفت» لموظفيها في الصين: استخدموا آيفون بدلاً من أندرويد

«مايكروسوفت» لموظفيها في الصين: استخدموا آيفون بدلاً من أندرويد
TT

«مايكروسوفت» لموظفيها في الصين: استخدموا آيفون بدلاً من أندرويد

«مايكروسوفت» لموظفيها في الصين: استخدموا آيفون بدلاً من أندرويد

أصدرت شركة مايكروسوفت تعليماتها لموظفيها في الصين بأنه اعتباراً من سبتمبر (أيلول) المقبل، سيتعين عليهم استخدام أجهزة آيفون في أماكن عملهم والتوقف عن استخدام الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، حسبما أفادت وكالة «بلومبرغ» للأنباء اليوم الاثنين.

وبحسب مذكرة داخلية اطلعت «بلومبرغ» على نسخة منها، ستطلب الشركة الأميركية عما قريب من موظفيها المقيمين في الصين استخدام أجهزة «أبل» للتحقق من هوياتهم عند تسجيل الدخول لأجهزة العمل.

وقالت «بلومبرغ» إن هذا الإجراء، الذي يأتي بوصفه جزءاً من جهود الشركة لتحصين منتجات مايكروسوفت وخدماتها من عمليات القرصنة، سيؤثر على مئات الموظفين في أنحاء البر الرئيسي الصيني ويستهدف ضمان استخدام جميع الموظفين لتطبيق مايكروسوفت للتحقق من الهوية وكلمات المرور.

وأضافت المذكرة، أن مايكروسوفت اختارت حظر وصول هذه الأجهزة إلى موارد الشركة لعدم قدرتها على التواصل مع خدمات «غوغل» الهاتفية في الصين.

ونظراً لأنه من غير المتاح استخدام متجر «غوغل بلاي» في الصين، أصبح متجر تطبيقات «أبل» هو المكان الوحيد الذي يمكن للموظفين في الصين تنزيل تطبيقات الأمان الإلزامية تلك.