نزوح عشرات الآلاف من قرى جنوب لبنان وضياع المواسم الزراعية

مع استمرار التوتر واتساع دائرة المناطق التي تتعرض للقصف

قصف إسرائيلي على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

نزوح عشرات الآلاف من قرى جنوب لبنان وضياع المواسم الزراعية

قصف إسرائيلي على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
قصف إسرائيلي على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

تبدلت الحياة في قرى جنوب لبنان منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، مع توسع القصف الإسرائيلي على البلدات، الذي لم يعد مقتصراً على المناطق الحرجية المفتوحة، حيث يُعتقد وجود عناصر من «حزب الله» فيها، إنما صار يطول المنازل والمؤسسات التجارية والمنشآت الزراعية والسيارات المدنية، على ما أوردت «وكالة أنباء العالم العربي» في تقرير لها، الثلاثاء.

وتجاوز عدد القرى المستهدفة 90 قرية، وفق تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بلبنان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأفادت الأرقام الصادرة عن «منظمة الهجرة الدولية» ووزارة الصحة اللبنانية الأسبوع الماضي، بأن عدد النازحين من الجنوب تجاوز 83 ألفاً، فيما بلغ عدد الإصابات 686، والوفيات 151.

وتصاعد التوتر بشدة على الحدود بين لبنان وإسرائيل، حيث تدور اشتباكات شبه يومية بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الجانبين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

دخان يتصاعد خلال غارة جوية إسرائيلية على قرية زبقين في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وقال بلال قشمر، المنسق الإعلامي في «وحدة إدارة الكوارث» باتحاد بلديات صور بجنوب لبنان، إن «عدد المسجلين رسمياً في قضاء صور من النازحين بلغ 23419 نازحاً، موزعين على قرى القضاء الآمنة غير المعرضة للقصف».

وأوضح أن القرى المتاخمة للشريط الحدودي في قضاء صور، هي الناقورة وعلما الشعب والظهيرة والبستان ويارين ومروحين وأم التوت والزلوطية، وقال: «هذه القرى مع المناطق الموزعة في الخطوط الخلفية شهدت نزوح نحو 90 في المائة من أهلها».

وتابع قشمر: «الأهالي توزعوا بين من يملك بيتاً في بيروت أو صور ومن لا يملك بيتاً. وضعنا 5 مراكز إيواء في الخدمة لاستقبالهم، وهناك أيضاً من لديهم القدرة على استقبالهم في منازلهم أو تأجيرها لهم. ولدينا نازحون من قرى قضاء بنت جبيل، تحديداً مدينة بنت جبيل وجزء من قرى مرجعيون».

وأشار إلى أن مراكز الإيواء الخمسة استقبلت 800 نازح تقريباً، تُقدم لهم فيها 3 وجبات يومياً وخدمات أخرى متعددة ما بين خدمات طبية وخدمات تدفئة ونظافة وحصص غذائية.

وتحدث قشمر عن استمرار النزوح وازدياد الضغط على مراكز الإيواء، وقال: «قدرتنا على الاستيعاب في مراكز الإيواء اكتملت، ولا تزال تأتينا عائلات. البعض اختار في بداية الحرب استئجار منزل بدل التوجه إلى المراكز، ولكن بعد 3 أشهر لم يعد يملك القدرة على الدفع».

ولفت إلى توفير خدمات تعليمية للطلبة النازحين سواء عن طريق الإنترنت مع مدرستهم الأساسية، أو بإلحاقهم بمدارس في أماكن نزوحهم، وذلك ضمن خطة وزارة التربية «لتأمين مساحة للطلاب النازحين لإكمال تعليمهم».

ويُقدر عدد الطلاب والمعلمين النازحين بنحو 3800 طالب ونحو 670 معلماً نزحوا من 50 مدرسة من مختلف المراحل في المناطق الحدودية.

وأشار «المجلس الوطني للبحوث العلمية»، إلى ارتفاع وتيرة الاستهداف في مناطق الناقورة وعلما الشعب وعيتا الشعب ومارون الراس وحولا ورامية الواقعة مباشرة على الحدود، تليها في الخطوط الخلفية مناطق، منها بنت جبيل وعين أبل وكونين وطير حرفا.

وأضاف المجلس عبر «منصة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان لعام 2023»، أن عدد حالات القصف والغارات التي شنتها إسرائيل بلغ نحو 3 آلاف ما بين قصف وغارات، بينما استخدمت نحو 140 قنبلة مضيئة وحارقة.

نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (الشرق الأوسط)

من جانبه، يشير شكيب قطيش رئيس بلدية حولا في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إلى تأثير «الأوضاع الصعبة» التي تمر بها البلدة وانعكاسها على حالات النزوح والموسم الزراعي. وتابع: «نسبة النازحين بلغت 80 في المائة»، حيث لم يبقَ في القرية سوى 280 شخصاً من أصل 5 آلاف شخص.

نسب كبيرة من الفسفور في التربة وصلت إلى 40 ألف جزيئية في المليون، مقارنة مع النسبة الطبيعية التي تبلغ نحو 100 جزيئية في المليون، أي بزيادة 400 ضعف.

دراسة

* ضياع الموسم الزراعي

وعن الزراعة، أشار رئيس بلدية حولا إلى أن أضراراً كبيرة لحقت بالمواسم الزراعية في المنطقة جراء الأعمال القتالية والقصف والغارات.

وقال: «الموسم الصيفي هو لزراعة التبغ وحصاده في أكتوبر (تشرين الأول)، ولكن مع بداية المعارك لم نستطع تأمينه، ثم يليه موسم الزيتون لم يستطع المزارعون قطافه. والآن موسم زراعة الحبوب لم يتمكن أحد من زراعتها».

وأثبتت دراسة أجراها فريق خبراء مشترك من وزارة البيئة و«مختبر البيئة والزراعة والغذاء في الجامعة الأميركية» ببيروت، وجود نسب كبيرة من الفسفور في التربة وصلت إلى 40 ألف جزيئية في المليون، مقارنة مع النسبة الطبيعية التي تبلغ نحو 100 جزيئية في المليون، أي بزيادة 400 ضعف.

نساء يمشين أمام أعلام لـ«حزب الله» جنوب لبنان (رويترز)

وشملت الدراسة 8 مواقع في الجنوب اللبناني، واستهدفت معرفة آثار القصف الإسرائيلي باستخدام القنابل الفسفورية.

وبحسب تقرير لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» صدر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، «أدى القصف بقذائف الفسفور إلى زيادة تلوث المحاصيل ومصادر المياه، مما يشكل تهديداً للماشية وصحة الإنسان. وقد عانت المحاصيل الرئيسية مثل الزيتون والخروب والحبوب والمحاصيل الشتوية بشكل كبير».

ولا يختلف الوضع كثيراً في باقي بلدات الجنوب اللبناني، من حيث اضطرار الأهالي لترك بيوتهم وتضرر مواسمهم الزراعية، وهي الحال في بلدة كفر كلا التي تتعرض يومياً لقصف مدفعي وقذائف.

ويقول رئيس بلديتها حسن شيت: «80 في المائة من سكان البلدة نزحوا من بيوتهم جراء القصف الإسرائيلي». ويتجاوز عدد سكان البلدة التابعة لمحافظة النبطية، والواقعة على الحدود الجنوبية، 14 ألف نسمة.

ويضيف: «هناك دمار كبير في المنازل لم نستطع إحصاءه بشكل كامل نتيجة القصف العشوائي من قبل الاحتلال... موسم الزيتون والخضراوات والقمح لم نستفد منه نهائياً، إضافة إلى استهدافنا بشكل كبير بالقنابل الفسفورية».


مقالات ذات صلة

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

المشرق العربي ضابط شرطة يسير في مكان سقوط المقذوف بعد أن أبلغ الجيش الإسرائيلي عن وابل من المقذوفات التي تعبر إلى إسرائيل من لبنان في معالوت ترشيحا بشمال إسرائيل (رويترز)

«حزب الله»: هاجمنا قاعدة أسدود البحرية وقاعدة استخبارات عسكرية قرب تل أبيب

أعلن «حزب الله» اللبناني، في بيان، الأحد، أنه شن هجوماً بطائرات مسيَّرة على قاعدة أسدود البحرية في جنوب إسرائيل للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم...

فيفيان حداد (بيروت)
الاقتصاد صائغ يعرض قطعة من الذهب في متجره بمدينة الكويت (أ.ف.ب)

الذهب يواصل مكاسبه مع احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الخميس، للجلسة الرابعة على التوالي مدعومة بزيادة الطلب على الملاذ الآمن وسط احتدام الحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
شؤون إقليمية آموس هوكستين (أ.ف.ب)

هوكستين يصل إلى تل أبيب قادماً من بيروت: هناك أمل

وصل المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إلى إسرائيل قادماً من لبنان، في إطار جهود الوساطة لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» والدولة العبرية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
TT

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)
عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة، وسط بيروت فجر الجمعة، ذات طابع عسكري فقط، بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثّل في ضرب منطقة أضحت من البيئات الشعبية المؤيدة لـ«حزب الله»، وتماهت معه منذ تأسيسه في عام 1982 يوم انشق عن حركة «أمل» بصفته تنظيماً مسلّحاً حمل اسم «حركة أمل الإسلامية».

يكفي الحديث عن تاريخ هذه المنطقة لإدراك أن استهدافها وتدميرها لا يقفان عند حدود تعقّب قيادات «الحزب» واغتيالهم وترويع بيئته في قلب العاصمة بيروت فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى تدمير أحياء ومبانٍ ما زالت تحفظ على جدرانها وفي ذاكرتها كثيراً من تاريخ بيروت الجميل، رغم تغيّر هويتها، لا سيما شارع المأمون الذي تحمل عقاراته ومبانيه أسماء عائلات بيروتية سنيّة ومسيحية رغم انتقال ملكيتها في السنوات الماضية إلى أسماء أشخاص من الطائفية الشيعية الذين يدورون في فلك «حزب الله»، بعد أن عزز الأخير وجوده ونفوذه في البسطة وامتداداً منها إلى مناطق أخرى، سواء بفعل استملاك العقارات، أو بنقل سجلات قيد عائلات من الجنوب إلى بيروت لغايات سياسية انتخابية وأحياناً أمنية.

لا يختلف اثنان من أبناء بيروت على أن الهوية الطائفية والسياسية لمنطقة البسطة تغيّرت كثيراً، ويشير مختار المصيطبة، صائب كلش، إلى أن «المنطقة التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية، وتحديداً شارع المأمون، ذات غالبية سنيّة بامتياز، وأغلب سكانها من عائلات: عيتاني، وشاتيلا، والنويري، وعيدو، والتنير، ومنيمنة، ومغربل، وسوبرة، وكان فيها عدد لا بأس به من العائلات المسيحية مثل: مجدلاني، وجنحو، ومنيّر، والمطران، وعودة... وغيرها».

وأوضح كلش لـ«الشرق الأوسط» أنه «على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، والتهجير من الجنوب إلى بيروت، استوطنت عائلات شيعية في هذه المنطقة، وآثرت البقاء فيها، واستملكت عقارات وشققاً سكنية، ورفضت مغادرتها حتى بعد انسحاب إسرائيل إلى خلف ما كان يعرف بالشريط العازل في الجنوب».

مجزرة «فتح الله»

اللافت أن دور «حزب الله» ووجوده بدأ يتعزز مع اكتشاف ارتباطه بإيران، واتخذ في بداياته من منطقة البسطة مكاناً لقياداته وتقوية نفوذه، وحوّل ثكنة «فتح الله» الواقعة في شارع المأمون مقراً لقيادته. لكن بعد أشهر قليلة من عام 1987، وفي ظلّ تمدده عسكرياً بالمنطقة، اصطدم مع القوات السورية إثر دخول الأخيرة إلى «بيروت الغربية» على أثر إقدام «الحزب» على قتل جندي سوري، عندها عمد الجيش السوري إلى تصفية 27 عنصراً من مقاتلي «الحزب» داخل هذه الثكنة وسيطر عليها، وعرفت العملية يومها بـ«مجزرة فتح الله»، لينقل على أثرها «الحزب» مركز قيادته إلى الضاحية الجنوبية.

اتخذ «حزب الله» من تلك المجزرة عبرة لإعادة صوغ علاقته بالجيش السوري، خصوصاً في ظلّ العلاقات المتنامية بين إيران وسوريا. وأكد المختار كلش أنه «بعد سيطرته عسكرياً على بيروت، سمح الجيش السوري لـ(الحزب) بأن يتمدد في منطقة البسطة شعبياً، وهذا سهّل عليه وعلى مؤيديه استملاك الشقق والمنازل، خصوصاً بين عامي 1988 و1990عندما أطلق العماد ميشال عون ما سماها (حرب التحرير) ضدّ الجيش السوري، وتسبب ذلك في هجرة المئات من أبناء العائلات البيروتية السنيّة والمسيحية من المنطقة، والخشية من استهداف منطقتهم من الجيش اللبناني الذي كان تحت إمرة ميشال عون، كما شمل التهجير النهائي غالبية المسيحيين، وبقي وجود بعضهم رمزياً».

رجال أمن لبنانيون في وسط بيروت... وتبدو خلفهم صورة الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

صحيح أن شوارع وأحياء المصيطبة، القريبة من البسطة، لا تزال تحمل أسماء شخصيات بيروتية سنيّة، إلّا إن وجهها تبدّل أيضاً، وهذا تظهّر بشكل كبير بعد انخراط «حزب الله» في العمل السياسي؛ بدءاً من الانتخابات النيابية في عام 1992 وحصوله على كتلة وازنة، كما تعزز أكثر بعد تحرير الجنوب في عام 2000، لكنّ التحوّل الأكبر انطلق في عام 2005 على أثر خروج الجيش السوري من لبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتصدّر «الحزب» المشهد السياسي ليأخذ الدور الذي كان يمارسه السوريون في لبنان.

نقل نفوس

ويلفت كلش إلى أن «عدد الشيعة المسجلين في دوائر النفوس ببيروت كان ضئيلاً جداً، لكن بعد عام 2005 نُقلت نفوس آلاف العائلات من الجنوب إلى بيروت، وسُجلوا في مناطق مثل المصيطبة، والباشورة، والمرفأ، امتداداً إلى ميناء الحصن وعين المريسة، والسبب في ذلك تعزيز حضور (الحزب) في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، بدليل أن نائب (الحزب) عن بيروت، أمين شرّي، حصد 33 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، بينها 28 ألف صوت شيعي، مقابل 6 آلاف صوت فقط لنائب حركة (أمل) محمد خواجة».

ذاكرة المصيطبة

لم يُكتب الكثير عن منطقة المصيطبة، إلّا إن أبناءها المتجذرين فيها يحملون في ذاكرتهم ووجدانهم تاريخ منطقتهم، ويشير المحامي مروان سلام، رئيس جمعية «بيروت منارتي»، إلى أن البسطة «مصنّفة ضمن قائمة أشهر المناطق التراثية، لكن العوامل التي دخلت عليها غيّرت كثيراً من مزاياها». ويؤكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة «تميزت بما تحتوي من مراكز إدارية وتعليمية وطبية، بالإضافة إلى عدد من الحدائق والمتنزهات التي جرى تشويه وجهها؛ إما عمداً، وإما تقصيراً»، لافتاً إلى أنها «غنيّة بالمطاعم والمقاهي الواقعة في مبانٍ تراثية قديمة». ويردّ سلام تسمية المنطقة «البسطة» إلى أنها «اعتُمدت مقراً لسلطة المماليك، وحملت هذا الاسم نسبة إلى الكرسي الخشبي التي كان يجلس عليه السلطان».

أكثر من ذلك، حملت المنطقة اسم «البسطة الشريفة»، كما يقول المحامي مروان سلام؛ «ففيها كانت تقام حلقات تلاوة القرآن الكريم ورواية الأحاديث النبوية الشريفة، وكان لأهل بيروت في ذلك الحين مكانان يتحلقون فيهما للغرض المذكور؛ هما (البسطة الفوقا) و(البسطة التحتا)، ويعنون بهما الحلقات الدينية».

محطة القبضايات

ويتحدث عن مزايا أبناء المنطقة؛ «إذ كانت محطة دائمة للقبضايات الذين يرتادون مقاهيها، وكانت معبراً لـ(ترامواي بيروت) الذي ينطلق من البربير إلى النويري ثم البسطتين الفوقا والتحتا، والباشورة، وصولاً إلى محطته في (ساحة رياض الصلح)». ويضيف سلام أن البسطة «رغم صغر مساحتها، فإنها كات تحوي عدداً من المستشفيات منها: (البربير)، و(الإسلامي)، و(مليح سنو) و(مستشفى الدكتور محمد خالد)، إضافة إلى مدارس: (الشيخ نور)، و(عزيز مومنة)، و(شريف خطاب)، و(العلماوي) و(مكارم الأخلاق). كما خرّجت عدداً كبيراً من الفنانين، منهم: نجاح سلام، ومحمد سلمان، وأنطوان كرباج، وشوشو، ومحمد شامل، ومحيي الدين سلام، والرسام مصطفى فروخ... وغيرهم. وهؤلاء جميعاً من أبنائها وكانت تفخر بهم ويفخرون بها وبتاريخها».