انهالت عبارات المديح والثناء على المدير الفني لليفربول يورغن كلوب، بعدما أعلن يوم الجمعة أنه سيرحل عن النادي في نهاية الموسم. لقد أشاد به المشجعون، واعترف المنافسون بإنجازاته الكبيرة، ونشرت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز مقاطع ولقطات لأبرز لحظاته منذ مجيئه إلى إنجلترا. لكن لم يكن هناك على الأرجح ما يعادل تصريحات مارغريت أسبينال - وهي والدة أحد مشجعي نادي ليفربول الذين لقوا حتفهم في حادثة هيلزبرة الشهيرة - التي قالت فيها إن كلوب ليس مجرد مدير فني عظيم فحسب، لكنه «إنسان عظيم وشخصية عظيمة وقيمة إنسانية كبيرة».
كانت أسبينال قد أدلت بهذه التصريحات عندما حصل كلوب على «وسام الحرية» من مدينة ليفربول في عام 2022 (يعد لقب وسام حرية لمدينة ليفربول أحد أقدم الألقاب الفخرية في تاريخ بريطانيا، والذي يمنح لبعض الشخصيات المدنية أو العسكرية تكريماً لهم ولمجهوداتهم للمدينة). وقال كلوب في ذلك الوقت: «لن نعيش هنا إلى الأبد، لأننا في مرحلة ما سنعود إلى ألمانيا، لكننا سنأخذ (مفتاح المدينة)، وسنعتني به، وسنأخذه إلى كل مكان نذهب إليه، لأنه شيء استثنائي للغاية». وخلال مقابلة مع النادي للإعلان عن رحيله، وهي الأخبار التي هزت عالم كرة القدم من دون أدنى شك، أكد كلوب أن الفوز بوسام حرية ليفربول «هو أحد أكثر اللحظات الاستثنائية في حياتي كلها». وبينما كان المدير الفني الألماني البالغ من العمر 56 عاماً يقول لجمهور النادي إن «طاقته تنفد»، ولا يمكنه القيام بالمهمة «مراراً وتكراراً»، كان من الواضح أن شخصية فريدة من نوعها سترحل عن كرة القدم الإنجليزية.
وعلى الرغم من أن كلوب وصف نفسه في أول مؤتمر صحافي له بأنه «المدير الفني العادي»، وهي مزحة تشير إلى المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو الملقب بـ «المدير الفني الاستثنائي»، فإن كلوب أثبت أنه ليس مديراً فنياً عادياً على الإطلاق خلال السنوات الثماني والنصف التي قضاها في ليفربول. لقد قاد «الريدز» للفوز بدوري أبطال أوروبا في عام 2019، ولقب الدوري الإنجليزي الممتاز في العام التالي، وحصل على سبعة ألقاب كبرى بصفة إجمالية. لقد أعاد النادي، الذي ظل يعاني لفترة طويلة، إلى قمة كرة القدم الإنجليزية. وحتى وقت كتابة هذه المقالة، فإن كلوب لديه أعلى نسبة فوز بين جميع المديرين الفنيين لليفربول، بما في ذلك بيل شانكلي وبوب بيزلي والسير كيني دالغليش. لكن صدمة رحيل كلوب عن ليفربول تمتد إلى ما هو أبعد من كرة القدم في حقيقة الأمر!
لقد برز كلوب بشكل كبير في عصر أصبح فيه الدوري الإنجليزي الممتاز واحداً من أكثر المنتجات الترفيهية شعبية في العالم، وفي وقت يتباهى فيه الدوري الإنجليزي بأنه يضم أفضل المواهب في عالم كرة القدم، سواء فيما يتعلق باللاعبين أو المديرين الفنيين. في الحقيقة، يُعد كلوب مديراً فنياً مختلفاً تماماً عن الآخرين، سواء بسبب طوله الفارع وبنيته الجسدية المختلفة، أو ابتسامته العريضة وأسنانه اللامعة، أو علاقته القوية بلاعبيه، أو تصرفاته الحماسية بجوار خط التماس واحتفالاته المثيرة (الإشارة المميزة بقبضة يده إلى الجمهور في المدرجات الذي يهتف بحماس في كل مرة يرفع فيها كلوب يده). لكن في نهاية المطاف، فإن الصفات التي أشارت إليها أسبينال هي تلك التي ميزت كلوب عن الآخرين، حيث لم يكن مجرد مدير فني استثنائي، بل كان يُنظر إليه على أنه رجل ودود يفهم ويقدر القيم الإنسانية تماماً.
ولدى إعلان رحيله بنهاية الموسم الحالي، قال كلوب: «أحب كثيراً جداً كل ما يتعلق بهذا النادي وأحب كل ما يتعلق بالمدينة وأحب كل ما يتعلق بجمهور فريقنا. وأحب الفريق وأحب الطاقم الفني». وكان الشعور متبادلاً، فسرعان ما أدرك كلوب المشاعر التي تحرك النادي وتأثير هيلسبره والمنافسة مع الغريم المحلي إيفرتون والمنافسة الشرسة مع مانشستر يونايتد. وتمكن من كسب ود الجمهور ليحصل على أكبر استفادة من أجواء ملعب أنفيلد الشهيرة. ووصلت هذه العلاقة إلى أوجها في قبل نهائي دوري الأبطال 2019، عندما عوض ليفربول خسارته 3-صفر أمام برشلونة في لقاء الذهاب بفوزه 4-صفر إياباً في أمسية مذهلة على ملعب أنفيلد.
ومضى ليفربول بعدها ليهزم توتنهام هوتسبير في النهائي ليحسم اللقب القاري للمرة السادسة لترفع جماهير ليفربول رأسها عالياً من جديد.
في عام 2017، أي بعد عامين من وصوله إلى ملعب أنفيلد وقبل أن يتمكن من تطبيق فلسفته التدريبية بالكامل داخل الملعب، كتب كلوب رسالة في عيد الميلاد إلى جمهور ليفربول، اعترف فيها بأن النادي «يرغب في تحقيق المزيد من الانتصارات»، لكنه قال إنه «في كرة القدم، كما في الحياة بشكل عام، يمكنك أن تختار أن تكون سعيداً وتستمتع بلحظات رائعة وأوقات رائعة معاً». لقد كانت رسالة كلوب المميزة تتمثل في ضرورة أن تعيش وتلعب وتفعل كل شيء بجدية كبيرة وأنت تبتسم وتستمتع في الوقت نفسه. وبعد فقرتين من هذه الرسالة، انتقد المدير الفني الألماني الحاجة المتزايدة لبنوك الطعام في المدينة، وقال: «أن يكون هذا هو الحال في بلد يمتلك ثروة وموارد مثل هذا البلد، فهذا ببساطة أمر لا يمكن تصديقه»!
وواصل كلوب حديثه علناً عن عدد من الموضوعات، في موقف يختلف كثيراً عما اعتاد عليه الناس في ذلك الوقت. وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان»، انتقد كلوب المعلومات الخاطئة التي اتسمت بها حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودعا إلى إجراء استفتاء ثان. وقال: «دعونا نفكر في الأمر مرة أخرى، ودعونا نصوت مرة أخرى في ظل وجود معلومات صحيحة». وفي عام 2020، أعلن كلوب عن دعمه الشديد لحركة «حياة السود مهمة»، ووصف التحيز العنصري بأنه «غبي للغاية بشكل لا يصدق»، وقال إنه «كان من الصعب حقاً بالنسبة لي أن أفهم كيف يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو، لكن هذا هو الوضع بالفعل، لذا يتعين علينا أن نواجهه، ونقوم بكل ما يتعين علينا القيام به».
قد يكون كلوب سريع الغضب (اعتراضه على قرارات الحكم بول تيرني أدى إلى إيقافه لمباراتين في الصيف الماضي بعد أن شكك في نزاهة الحكم)، لكنه في مثل هذه الأمور لا يختلف كثيراً عن العديد من المديرين الفنيين الآخرين في كرة القدم الحديثة. لكن الصفات الرائعة التي يتحلى بها كلوب، مثل صراحته وطاقته الكبيرة واستعداده لتقديم نفسه إنساناً أولاً ثم مديراً فنياً على مستوى النخبة ثانياً، لاقت صدى كبيراً لدى الكثير من الناس. ومن المؤكد أن رحيل كلوب سيترك فجوة هائلة في كرة القدم الإنجليزية كلها، وليس في نادي ليفربول فقط!
*خدمة «الغارديان»