لبنان في مواجهة موجات الغلاء: التضخّم يتخطى 6000 %

تحذيرات من تفاقمها في حال توسّع توترات الجنوب

متظاهرون يطالبون بصرف ودائعهم المحجوزة في المصارف منذ 2019 (أ.ب)
متظاهرون يطالبون بصرف ودائعهم المحجوزة في المصارف منذ 2019 (أ.ب)
TT

لبنان في مواجهة موجات الغلاء: التضخّم يتخطى 6000 %

متظاهرون يطالبون بصرف ودائعهم المحجوزة في المصارف منذ 2019 (أ.ب)
متظاهرون يطالبون بصرف ودائعهم المحجوزة في المصارف منذ 2019 (أ.ب)

لامس المؤشر التراكمي للتضخم في لبنان، سقف الستة آلاف نقطة مئوية في آخر حصيلة للغلاء منذ خريف عام 2019، وثّقتها إدارة الإحصاء المركزي، وسط تقديرات باستمرار ارتفاع الغلاء لأسباب اقتصادية ونقدية، وتحذيرات من تفاقم التضخم في حال توسع التوترات الأمنية في الجنوب.

وسجل التضخم ارتفاعاً صاروخياً تعدت نسبته 192 في المائة قياساً بمستواه البالغ نحو ألفي نقطة مئوية بنهاية العام الماضي. ووسط توقعات بموجات جديدة ترفع مجمل أبواب الأنفاق، وخصوصاً ما يعود منها للضرائب والرسوم وبدلات الخدمات العامة بعد سريان مفاعيل الموازنة العامة للعام الحالي، والمتوقع إقرارها بنهاية الأسبوع الحالي، تشير تقارير دولية الى الانعكاسات المترتبة على توترات الجنوب، وحتى من دون الانزلاق الى نزاع شامل، ولا سيما لجهة تقييد النشاط الاقتصادي والتأثيرات المحتملة على العملة الوطنية في ظل ضمور مصادر التمويل المحلية واستمرار الصعوبات المانعة لإبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

الغلاء يتضاعف سنوياً

وتُظهِر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي ارتفاعاً صاروخياً في نسب المؤشر التراكمي للغلاء في لبنان، بحيث بلغت حصيلته 5978 نقطة مئوية. في حين بلغ متوسّط الزيادة السنويّة في مؤشّر تضخّم الأسعار نحو 221 في المائة خلال العام الماضي.

وجاء الارتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار؛ نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادات مرتفعة، ربطاً بالتدهور الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي، حيث شهد لبنان تدهوراً حاداً للغاية في الفصل الأول من العام المنصرم، وصولاً إلى سقف تعدى 140 ألف ليرة للدولار الواحد، قبيل مبادرة البنك المركزي الى طرح بيوعات كثيفة ومفتوحة للدولار النقدي من خلال منصة «صيرفة»، لتستعيد الأسواق نمط التهدئة عند مستوى 90 ألف ليرة للدولار الواحد.

وقد ساهم التغيير في قيادة السلطة النقدية، وإصرار الحاكم بالإنابة وسيم منصوري على المضيّ بقراره عدم المسّ بالاحتياطات النقدية لتمويل الاحتياجات التمويلية للدولة، في تكريس الاستقرار النقدي الساري للشهر السابع على التوالي، بينما نجح البنك المركزي بزيادة حجم الاحتياطات بنحو 750 مليون دولار خلال الفترة عينها، رغم تكفله بصرف مخصصات القطاع العام شهرياً بالدولار النقدي.

أما في المعطيات التفصيلية لمؤشر التضخم المحقق في العام المنصرم، فقد برز ارتفاع بند أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة، والتي تعكس نسبة تثقيل من متوسط المؤشر، بنسبة 207.6 في المائة، ورافقها زيادة في أسعار النقل التي تحوز نسبة تثقيل تبلغ 13 في المائة من الإجمالي، بنسبة قاربت 124 في المائة.

وسجل بند أسعار المساكن، والذي يشمل معه أكلاف الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى، ارتفاعاً بنسبة 11.8 في المائة من أبواب الإنفاق الأساسية، ارتفاعات بمتوسط نسبته 106 في المائة. بينما برز الارتفاع غير المسبوق في كلفة الصحّة بنسبة 174 في المائة، ونسبتها في التثقيل 7.7 في المائة. وأيضاً في أكلاف التعليم التي تصدرت نسب الارتفاعات للبنود كافة، بنسبة 595 في المائة، وبحصة تثقيل تبلغ 6.6 في المائة؛ وذلك بنتيجة قرارات المؤسّسات التعليميّة والاستشفائيّة إلى التسعير بالدولار النقدي بشكل جزئي أو كلّي للخدمات التي تقدمها.

وبالمثل، تمدّد التأثير الدولاري إلى كلفة الاتّصالات التي زادت بنسبة 129 في المائة، وبنسبة تثقيل تبلغ 4.5 في المائة من حصيلة المؤشر، كذلك الأمر بالنسبة لأسعار المطاعم والفنادق التي زادت بنسبة 198 في المائة، مع التنويه بمحدودية وزنها التثقيلي البالغ 2.8 في المائة، وارتفعت معها بنود أسعار الاستجمام والتسلية والثقافة بنسبة 134 في المائة، حاملاً نسبة تثقيل تبلغ 2.4 في المائة.

وتُعزى هذه التوقعات إلى استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان وتضخّم أسعار الغذاء، مع التنويه بأنّ هذه التقديرات تستند إلى فرضيّة أنّ التوتّرات في الجنوب لن تتصاعد إلى نزاع شامل. ونوّه إلى أن المؤشر التراكمي ينطلق من ركيزة 100 نقطة في عام 2013، وشهد متوسطات ارتفاعات قاربت 5 في المائة حتى نهاية عام 2018، ليبدأ رحلة الارتفاعات الحادة مع دخول البلاد مرحلة الانهيارات المالية والنقدية الكبيرة وغير المسبوقة بدءاً من خريف عام 2019.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
TT

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي

على الرغم من خلو جدول أعمال جلسة البرلمان العراقي المقررة الاثنين من أي بند يتعلق بالضربة الإسرائيلية المحتملة على العراق، أفادت مصادر برلمانية بأن الجلسة ستشهد مناقشة هذا الموضوع في جلسة سرية.

وتسود الأوساط الرسمية والشعبية العراقية مخاوف متزايدة من احتمال وقوع الضربة في أي لحظة، وسط تداول واسع لعشرات الأهداف المحتملة للقصف، ويتبع معظمها فصائل مسلحة، بما في ذلك محطات فضائية مملوكة لهذه الفصائل.

وفي ظل غياب موقف رسمي حكومي واضح حيال التهديدات الإسرائيلية، خاصة بعد المذكرة التي وجهتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة والتي تضمنت شكوى ضد العراق، هي الأولى منذ قصف مفاعل «تموز» العراقي عام 1981 خلال الحرب العراقية - الإيرانية؛ صرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأن التهديدات الإسرائيلية أصبحت أكثر جدية من أي وقت مضى.

البرلمان العراقي الذي استأنف فصله التشريعي قبل أسبوعين عقب انتخاب رئيس جديد له، فشل في عقد جلسة بسبب الخلافات حول ما يُعرف بـ«القوانين الجدلية»، مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقضية عائدية العقارات إلى أصحابها الأصليين. إلا أن تصاعد مخاطر التهديدات الإسرائيلية ضد العراق دفع البرلمان إلى عقد جلسة يوم الاثنين، تضمنت بنوداً عادية دون التطرق إلى القوانين الخلافية.

وفي حين لم تتضح بعد طبيعة النقاشات التي سيجريها البرلمان، أو ما إذا كانت ستُتخذ قرارات محددة، أكدت رئاسة البرلمان أن أي قرارات تصدر ستكون داعمة لجهود الحكومة.

صمت على جبهة الفصائل

في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتخاذ قرارات صارمة لحفظ سيادة البلاد، التزمت الفصائل المسلحة الموالية لإيران الصمت منذ أيام. وكان السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قد أصدر أوامر صارمة بشأن التعامل مع أي ضربات صاروخية قد تنفذها الفصائل المسلحة التي دأبت على توجيه ضربات من الأراضي العراقية نحو إسرائيل.

ووفقاً لتعليمات السوداني، فإن مسؤولية إطلاق أي صاروخ تقع على عاتق القطعات العسكرية الماسكة للأرض، والتي ستتحمل تبعات ذلك.

وبينما يسود الصمت جبهة الفصائل المسلحة، تشير الأوساط السياسية العراقية إلى أن هذا الصمت يأتي بناء على أوامر إيرانية بالتزام الهدوء، خاصة بعدما وضعت إسرائيل إيران على قائمة أهدافها المحتملة في المستقبل القريب، رغم إشارات السلام التي بدأ كبار المسؤولين الإيرانيين بإصدارها.

وقال الباحث في الشأن السياسي الدكتور سيف السعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الحرب والسلم يجب أن يُتخذ ضمن المؤسسات الدستورية وفق المادة (61) من الدستور، عبر تقديم طلب من رئيس مجلس الوزراء وتصويت أغلبية أعضاء البرلمان ومصادقة رئيس الجمهورية، وبالتالي إعلان حالة الطوارئ».

وأضاف السعدي أن «الخطورة تكمن في أن الفصائل المسلحة غير مكترثة بتحذيرات رئيس الوزراء، وسيؤدي ذلك إلى تداعيات خطيرة على المدى المنظور، منها قد تكون اغتيالات لشخصيات ومعسكرات ومقرات تابعة لفصائل المقاومة».

وتوقع السعدي أن «يشهد العراق عمليات إسرائيلية قبل نهاية العام؛ مما قد يعقّد الوضع، خاصة أن العراق يقع في محيط إقليمي حساس وملتهب؛ مما سيؤدي إلى ارتدادات كبيرة داخل النظام السياسي العراقي».

وفيما يتعلق باتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بحماية النظام السياسي العراقي، أوضح السعدي أن «الاتفاقية تهدف إلى الحفاظ على النظام السياسي وحماية مؤسسات الدولة والديمقراطية في العراق. ومن منظور الولايات المتحدة، تُعتبر الفصائل المسلحة خارج المؤسسات الرسمية؛ مما قد يوفر لإسرائيل مبرراً لضرب العراق بزعم أنها تدافع عن نفسها».

والجدير بالذكر أن فصائل «المقاومة» قد استهدفت إسرائيل خلال شهرَي أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بأكثر من مائة هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة؛ مما دفع الولايات المتحدة للتدخل عدة مرات للوساطة مع الحكومة العراقية بهدف منع الفصائل من توجيه ضربات أخرى إلى إسرائيل.