مصر: وقف إطلاق النار في غزة يحد من تزايد العنف بالمنطقة

القاهرة تُسرع لتجهيز «مخيمات القطاع»... وترفض «سيطرة» إسرائيل على «فيلادلفيا»

منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

مصر: وقف إطلاق النار في غزة يحد من تزايد العنف بالمنطقة

منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

شدّدت مصر على أن «التوصل إلى وقف (شامل وفوري) لإطلاق النار في غزة يظل هو السبيل الأوحد لإنهاء الوضع المتأزم في قطاع غزة، والحد من تزايد العنف في المنطقة». وأكد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، السبت، «التزام بلاده الراسخ منذ بدء الأزمة بمواصلة التحركات السياسية والدبلوماسية، ومع الأطراف الدولية الهامة، لإزالة العوائق التي يضعها الجانب الإسرائيلي أمام عملية دخول المساعدات إلى قطاع غزة».

إلى ذلك، تُسرع القاهرة لتجهيز «مخيمات غزة»، كما تواصل جهودها لتدفق مزيد من المساعدات إلى القطاع، حيث عبرت، السبت، 106 شاحنات مساعدات ووقود إلى قطاع غزة عبر معبر رفح. يأتي هذا في وقت ترفض القاهرة «سيطرة» إسرائيل على «محور فيلادلفيا».

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

رفض «التهجير»

وشدد شكري على «ضرورة اضطلاع الأطراف الدولية الهامة مثل (مجموعة السبع) بمسؤولياتها السياسية والأخلاقية تجاه دعم وقف إطلاق النار إعمالاً بقرار الجمعية العامة في هذا الشأن، وعلى نحو يسمح بالإنفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، فضلاً عن درء أي محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين خارج بلادهم»، جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه شكري، من نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، أنطونيو تاياني، السبت، تناول الأوضاع في غزة، والمستجدات على الساحة الإقليمية، وفق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد.

وذكر متحدث «الخارجية المصرية»، في بيان صحافي، أن الاتصال بين الوزيرين يأتي في إطار حرص الجانب الإيطالي على تبادل التقييمات والرؤى حول مستجدات الأوضاع الإقليمية، خاصة مع بدء الرئاسة الإيطالية لـ«مجموعة السبع»، وكذلك قبيل زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى المنطقة، مشيراً إلى أن مناقشات الوزيرين تركزت على «تناول مختلف جوانب الأوضاع الإنسانية والأمنية المتدهورة في قطاع غزة»، حيث وجّه وزير الخارجية الإيطالي الشكر لمصر عن الدور المحوري الذي تضطلع به لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الإيطالية إلى قطاع غزة.

وأوضح متحدث «الخارجية المصرية» أن مناقشات الوزيرين امتدت لتشمل التوترات الراهنة في المنطقة على خلفية الأوضاع في غزة، ومنها على الساحة اللبنانية، وأمن الملاحة في البحر الأحمر، حيث توافق الوزيران على «استمرار التشاور خلال الفترة المقبلة لتعزيز السبل الكفيلة بالحد من الأزمة في غزة، والدفع بجهود التهدئة لمنع امتداد رقعة الصراع لأجزاء أخرى في المنطقة».

امرأة فلسطينية ترتب الملابس على خط بمخيم قرب مستشفى ناصر في خان يونس (إ.ب.أ)

دعم دولي

وفي اتصال هاتفي آخر، السبت، أكّد شكري ووزير خارجية النرويج، إسبن بارث إيدي، «مواصلة تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة، وكذا حشد الدعم الدولي اللازم، من أجل ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بشكل كامل ومستدام». وبحسب بيان «الخارجية المصرية»، تناول الاتصال الهاتفي «الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، والتحركات الهادفة للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2720 بشأن تسهيل وتنسيق ومراقبة عملية إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع». وتم التوافق بين مصر والنرويج على «تكثيف التنسيق والتعاون من أجل حشد مزيد من الدعم الدولي الإنساني لقطاع غزة».

يأتي هذا في وقت نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصادر مصرية، وصفتها بأنها «رفيعة المستوى»، نفيها لتقارير إسرائيلية عن موافقة مصر على مقترح يسمح لإسرائيل «بالسيطرة» على «محور فيلادلفيا» أو «محور صلاح الدين» الملاصق للحدود.

«الهلال الأحمر المصري» يعمل مع «الهلال الأحمر الفلسطيني» لتوزيع مواد غذائية في ‫مخيم خان يونس (الهلال الأحمر المصري)

«محور فيلادلفيا»

وذكرت «القاهرة الإخبارية»، مساء الجمعة، أن المصادر المصرية أشارت إلى أن المقترح المزعوم «يسمح لإسرائيل بـ(احتلال) محور (فيلادلفيا) مقابل إشراك السلطة الفلسطينية في خطة اليوم التالي للحرب». لكن المصادر أكدت أن «مثل هذه (الادعاءات الإعلامية) أصبحت طقساً يومياً يستهدف صرف الانتباه عن المواقف المصرية المعلنة بضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة»، بحسب القناة.

ويمتد «محور فيلادلفيا» على الشريط الحدودي بين مصر وغزة بطول 14 كيلومتراً، ويدخل ضمن «اتفاقية السلام» الموقَّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويقع ضمن المنطقة (د) في الشريط الحدودي، التي تتضمن أعداداً محدودة من العسكريين والأسلحة. وترفض مصر «سيطرة» إسرائيل على «فيلادلفيا»، متسلحة بمعاهدة السلام الموقعة عام 1979، وكذلك اتفاقية أوسلو الثانية في عام 1995، حيث تم الاتفاق على بقاء المنطقة شريطاً آمناً.

ونقلت وكالة «أنباء العالم العربي» عن مصدر أمني مصري مسؤول، الاثنين الماضي، قوله إن «مصر لن تسمح لإسرائيل بـ(السيطرة) على (محور فيلادلفيا) تحت ذريعة وقف تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة»، مضيفاً أن «ضبط الحدود مع قطاع غزة هو مسؤولية مصر، واتفاقية السلام تمنع إسرائيل من القيام بتحركات عسكرية في (محور فيلادلفيا)، ومصر لن تسمح بذلك». ومطلع الشهر الحالي، نفى مصدر مصري مسؤول «ما زعمته تقارير إعلامية إسرائيلية عن وجود تعاون مصري - إسرائيلي فيما يخص (محور فيلادلفيا)»، مؤكداً حينها أن مثل هذه الأنباء «عارية عن الصحة».

شاحنات تحمل مساعدات تصطف في وقت سابق عند معبر رفح في طريقها إلى غزة (أ.ب)

مساعدات إنسانية

في السياق، تُكثف مصر جهودها لإدخال المساعدات للفلسطينيين. وأفاد رئيس «الهلال الأحمر المصري» في شمال سيناء، خالد زايد، بـ«عبور 100 شاحنة مساعدات طبية وغذائية، و6 شاحنات وقود، و35 سيارة إسعاف مقدمة من تركيا إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح». ووفق ما أوردت وكالة «أنباء العالم العربي»، السبت، أكد زايد أنه «تم تجهيز 90 شاحنة مساعدات أخرى تمهيداً لإرسالها إلى معبري العوجة وكرم أبو سالم لإنهاء إجراءات التفتيش للدخول إلى غزة»، لافتاً إلى أن «27 مصاباً فلسطينياً يرافقهم 27 من أقاربهم عبروا أيضاً معبر رفح، السبت، وتم نقلهم إلى المستشفيات المصرية». كما وصلت، السبت، إلى مطار العريش الدولي 3 طائرات تحمل مساعدات إنسانية وطبية لغزة قادمة من قطر والإمارات وبلجيكا.

من جانبه، يُسرع «الهلال الأحمر المصري» لتجهيز المرحلة الثانية من المخيم الإغاثي في منطقة جنوب غربي خان يونس. ووفق مصدر في «الهلال الأحمر المصري»، «تم إنشاء 600 خيمة في المرحلتين الأولى والثانية، وتجهيزها بمواد الإعاشة وإمدادها بمولدات الطاقة الشمسية والإنارة وتوفير السلع الغذائية للنازحين الفلسطينيين الذين يقدر عددهم بـ3 آلاف نازح». وأكد «الهلال الأحمر المصري»، في بيان، السبت، «استمرار عمله مع (الهلال الأحمر الفلسطيني) لتجهيز المرحلة الثانية من مخيم إيواء النازحين داخل قطاع غزة، والعمل على توفير كافة الاحتياجات الأساسية للمقيمين بالمخيم».


مقالات ذات صلة

«حماس» تعلن استعدادها لتسليم سلاحها لسلطة فلسطينية «إذا انتهى الاحتلال»

المشرق العربي مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز) play-circle

«حماس» تعلن استعدادها لتسليم سلاحها لسلطة فلسطينية «إذا انتهى الاحتلال»

أعلن رئيس «حماس» في غزة خليل الحية، السبت، أن الحركة مستعدة لتسليم سلاحها لـ«الدولة» التي ستدير القطاع مستقبلاً، لكن ذلك مرتبط بانتهاء «الاحتلال» الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي: مقتل فلسطينيَّين حاولا دهس أفراد قوة عسكرية بالخليل

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل فلسطينيين اثنين بالرصاص خلال قيادتهما سيارة بسرعة نحو جنود في مدينة الخليل بالضفة الغربية، فيما تم عدّه «محاولة دهس».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية عسكرية في الضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

الجيش الإسرائيلي يحقق في سلوك جنوده المعتدين على فلسطيني بالضفة الغربية

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه يحقق في سلوك جنود من قوات الاحتياط «زُعم أنهم اعتدوا بالضرب على شاب فلسطيني» في الضفة الغربية، ما تسبّب له في إصابات «مقلقة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح.

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».


تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
TT

تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

تصاعدت حدة القتال مجدداً بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في ولايات كردفان؛ حيث شنت مسيّرات الجانبين هجمات طالت قافلات مساعدات وروضة أطفال، وسط تحذيرات أممية من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع.

وبينما أفادت تقارير بأن مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» قصفت «روضة أطفال» في بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، أدت إلى مقتل 114 شخصاً، بينهم 20 طفلاً، وإصابة العشرات، قالت «قوات الدعم السريع» إن مسيّرة تابعة للجيش قصفت قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان، وذكرت في بيان أن القافلة مكونة من 39 شاحنة «تحمل مساعدات غذائية عاجلة للأسر النازحة التي تعاني انعدام الأمن الغذائي»، وعدّته استمراراً لما أطلقت عليه «الاستهداف الممنهج» للقوافل الإنسانية، ونهجاً خطيراً لتعطيل إيصال المساعدات الضرورية، والاعتداءات المتكررة على المنظمات الدولية العاملة في الإقليم، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية ويضاعف معاناة المدنيين.


كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
TT

كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

يواجه مشروع الجزيرة في السودان (أكبر مشروع زراعي يعمل بالري الانسيابي في العالم، تحت إدارة واحدة) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة التي خرّبته، والحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ودمّرت بنيته التحتية من قنوات الري والسكك الحديدية ونهب الآليات والمعدات الزراعية والمخازن ومحالج القطن والمصانع.

والمشروع الذي أنشأه الإنجليز عام 1925 على مساحة تبلغ 2.2 مليون فدان (نحو مليون هكتار)، ويعمل فيه نحو 140 ألف مزارع، يُعدّ شرياناً حيوياً للإنتاج الزراعي في البلاد، لكنه بات يعاني إهمالاً واضحاً، ما أدّى إلى التوقف الكامل لبعض المواسم الزراعية فيه، وتكبّد المزارعين المرتبطين به خسائر فادحة.

وقدَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي داخل المشروع، وأنه يشكّل مصدر دخل أساسياً لها.

المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

وفي ظل الحرب بات المزارعون يجدون صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لأسباب أمنية، أو الحصول على المواد الأولية للزراعة.

خسائر بالمليارات

ووفقاً لوزير الزراعة السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، فإن خسائر القطاع الزراعي تتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، وأنهم ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.

وشكا المزارع عمر يوسف من الانهيار الكامل جرّاء تدمير البنية التحتية للري ونهب المؤسسات الحكومية والآليات الزراعية والمخازن والمصانع وخطوط السكك الحديدية ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة.

وقال يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة، ونحن نشاهد مسؤولي الإدارة والري في أيام الحصاد فقط، وليس لديهم أي دور سوى جمع الضرائب (الجبايات) وتحصيل الأموال الهائلة دون معرفة أوجه صرفها».

أحد المزارعين يقوم بإصلاح مساحات شاسعة في أرضه يدوياً (الشرق الأوسط)

وأوضح يوسف أن «المزارعين يعتمدون على الجهد الذاتي دون دعم أو عون من الدولة أو من إدارة المشروع».

وأضاف: «التجار والبنوك الزراعية يتحكمون في المزارع البسيط... نتمنى أن تنعكس الضرائب التي تجبى على المزارعين في تطهير قنوات الري وإنشاء الكباري». لافتاً إلى أن «80 في المائة من سكان ولاية الجزيرة يعتمدون على الزراعة، لكن ولاية الجزيرة تعاني استشراء الفساد، ونريد وضع حدٍّ للفساد والنهوض بالزراعة».

فشل حكومي

من جهته، يقول المزارع، فخر الدين يوسف، إن تدمير مشروع الجزيرة ليس مجرد فشل حكومي أو خطأ إداري، بل جريمة منظمة تسببت في فقدان البلاد ثروة اقتصادية كبيرة.

وأوضح يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كبرى المشكلات التي تواجه المزارعين «تتمثّل في توزيع التقاوي والأسمدة منتهية الصلاحية، فيما يعاني الذين يموّلون زراعتهم على نفقتهم الخاصة غلاء الأسعار وجشع التجار، إلى درجة انعدام التوافق بين التكلفة والإنتاج».

وشدّد يوسف على ضرورة تأهيل قنوات الري وعودة السكك الحديدية وتأهيل المخازن والمصانع، ومحاسبة الفاسدين، وإعادة نظام التمويل الحكومي بكل عدالة ومساواة وشفافية للمزارعين، وإرجاع المهندسين والخبراء الزراعيين الذين هجروا المشروع، وتعيين إدارة جديدة مستقلة بعيداً عن السياسة.

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

بدوره، أوضح المزارع أحمد علي أن المشروع، الذي يتمدّد على مساحة شاسعة بوصفه أكبر مشروع ريّ انسيابي تحت إدارة واحدة، ويضم 18 قسماً، ويعتمد على صغار المزارعين الذين يُقدّر عددهم بنحو 140 ألف مزارع، قد تعرّض لأكبر نكسة منذ إنشائه بسبب انهياره كلياً، وأصبح ساحة للنهب والدمار.

وقال علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب دمّرت المشروع، وأصبح ساحة للفوضى، ونُهبت مؤسسات المشروع الإدارية والخدمية والسكنية، واحترق بعضها إبّان سيطرة (قوات الدعم السريع) على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة». لافتاً إلى أن عملية التخريب شملت خطوط السكك الحديدية التي كانت تسير عليها القاطرات لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر، لتغطي كامل منطقة الجزيرة والمناقل بطاقة 34 قاطرة و1100 عربة ترحيل تعمل أساساً في نقل السلع والحبوب، وتبلغ قيمة البنية الأساسية للسكك الحديدية التي بيعت خردة ما يقارب 200 مليون دولار.

امتصاص الصدمة

محافظ مشروع الجزيرة، المهندس إبراهيم مصطفى، سبق أن أقرّ في تصريحات إعلامية بمواجهة مشكلات في عملية الري، فضلاً عن وجود الحشائش والطمي وقنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، وتمثّل هاجساً كبيراً. وأكّد أن إدارة المشروع تسعى، بالتنسيق مع وزارة الري، إلى تجاوز المشكلة، وتوفير كلّ الإمكانات لإصلاح عملية الري.

المزارع علي أحمد في حقله (الشرق الأوسط)

وأوضح المحافظ أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي الماضي بلغت 500 ألف فدان، وأن إدارة المشروع تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين والإسهام في امتصاص الصدمة والعودة إلى العملية الإنتاجية، رغم الضربات القوية الموجعة التي تلقّاها المشروع. وأشار مصطفى إلى سريان حالة من الخوف في المشروع، لكنه أوضح أن الأمور مضت بسلام بفضل مساعي الإدارة والمزارعين.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يقول إن مشروع الجزيرة يُعد ركيزة أساسية للاقتصاد السوداني، ويُعتبر من أكبر المشروعات على مستوى العالم، ويمتلك مساحة كبيرة، ويُروى انسيابياً عبر أنظمة الري المعتمدة. وأوضح الناير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يضم 2.2 مليون فدان، ما يعادل 900 ألف هكتار، الأمر الذي يجعله من أكبر المشروعات الزراعية على مستوى العالم، إذ يمتلك رقعة زراعية في مكان واحد ويُروى انسيابياً، وهي ميزة كبيرة لهذا المشروع الضخم الذي ظل يدعم الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة من خلال زراعة محصولات مهمة مثل محاصيل القطن والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الأخرى.

المزارع فخر الدين يوسف وسط مزرعته (الشرق الأوسط)

وأضاف الناير: «هذا المشروع تراجع أداؤه بصورة كبيرة بسبب قانون 2005، الذي أعطى المزارع حرية مطلقة في زراعة أرضه بما يشاء، وقد أثّر ذلك سلباً بصورة كبيرة. ففي السابق كانت هناك رؤية زراعية متكاملة من قبل الدولة، يتم من خلالها تحديد المساحات المزروعة من القطن والقمح والمحاصيل الأخرى، ما يسهّل مكافحة الآفات الزراعية».

وتابع: «المزارع الآن يقوم بتنويع المحاصيل في رقعة زراعية واحدة، وبالتالي يصعب مكافحة الآفات. وعندما حاولت الدولة التدخل لإصلاحات لم تنجح بسبب فقدان المشروع للسكك الحديدية، ومحالج القطن ومصانع الزيوت التي كانت مكملة له بصورة كبيرة. وتعرض المشروع للنهب والتدمير الممنهج».

وأضاف: «هناك عقبات تواجه المشروع في استزراع المساحات الكبيرة، مثل نظافة قنوات الري، وعمليات تمويل المزارعين، وتوفير التقاوي والأسمدة، وإعادة مؤسسة الأقطان السودانية التي كانت تشتري محصول القطن بأسعار مجزية، وإعادة صيانة المحالج ومعاصر الزيوت الملحقة بالمشروع، لتضيف قيمة مضافة له حتى يعود أفضل مما كان عليه في السابق».