«حرب غزة»: تحركات مصرية لإنضاج اتفاق جديد لتبادل الأسرى

مصادر في القاهرة أكدت دخول المشاورات مع الأطراف «مراحل متقدمة»

صورة تم التقاطها تُظهر الدخان يتصاعد فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها تُظهر الدخان يتصاعد فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«حرب غزة»: تحركات مصرية لإنضاج اتفاق جديد لتبادل الأسرى

صورة تم التقاطها تُظهر الدخان يتصاعد فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة تم التقاطها تُظهر الدخان يتصاعد فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تُكثف القاهرة من تحركاتها واتصالاتها مع الأطراف المعنية بالحرب في غزة؛ بهدف «التوصل إلى اتفاق لوقف القتال وتبادل الأسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية». وقالت مصادر مصرية مطلعة على جهود الوساطة المصرية، الجمعة: إن الاتصالات الجارية حالياً «متواصلة مع مختلف الأطراف المعنية»، والمشاورات الراهنة «على وشك التوصل إلى تفاهمات بشأن اتفاق جديد يتضمن هدنة طويلة يتم خلالها تبادل عدد يجري التفاوض عليه من الأسرى في الجانبين».

وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم نشر هويتها، أن الطرح الذي يجري التشاور بشأنه «يراعي مصالح مختلف الأطراف، ويضع في الحسبان الصعوبات الحالية والمواقف المعلنة»، لافتة إلى أن الطرح الجديد «لن يكون بديلاً عن المقترح المصري الشامل لوقف الحرب وترتيبات المرحلة المقبلة، بل سيكون جزءاً من المساعي لتهيئة الأجواء لوقف القتال وتخفيف المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، ومن ثم الانتقال لمرحلة تالية».

وكانت القاهرة قد قدمت مقترحات قبل اغتيال نائب رئيس حركة «حماس»، صالح العاروري ببيروت في الثاني من الشهر الحالي، تتضمن 3 مراحل متتالية ومترابطة تنتهي بوقف إطلاق النار، إلا أن «عملية الوساطة واجهت حالة من الجمود في أعقاب عملية اغتيال العاروري».

وأضافت المصادر المطلعة، أن مصر تلقت «مؤشرات إيجابية رغم صعوبة الموقف الراهن»، إلا أن البلورة النهائية للاتفاق «لا تزال في مرحلة الإنضاج»، مشددة على أن الرسالة المصرية التي أكدها الوسيط المصري لجميع الأطراف تضمنت أهمية التجاوب مع جهود التهدئة، وأنه «لا بديل عن التفاوض للخروج من الأزمة».

مبانٍ مدمرة بشمال غزة خلال وقت سابق بعد القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

اتفاق قيد البلورة

في السياق ذاته، عززت تقارير أميركية إمكانية حدوث انفراجة على مسار الوساطة من أجل تبادل الأسرى والمحتجزين؛ إذ نقلت شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية، مساء الخميس، عن مسؤولين القول: إن «اتفاقاً جديداً لإطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة ربما يكون قيد البلورة». ونسبت الشبكة إلى مسؤول أميركي كبير، ومسؤولين حكوميين إسرائيليين اثنين، ودبلوماسي عربي، القول: إنه «سيتم إطلاق سراح المحتجزين على مراحل»، لكن أحد المسؤولين ذكر أنه «ليس من الواضح مدى جدية المناقشات حول الاتفاق المقترح».

وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن أحد بنود الاتفاق المقترح سيحدد إطاراً زمنياً مدته 90 يوماً للإفراج عن المحتجزين على مراحل، بما يقود إلى وقف دائم لإطلاق النار. وشدد على أن أي اقتراح لإبقاء حركة «حماس» في السلطة بغزة «بآلتها العسكرية هو أمر غير مقبول على الإطلاق».

من جانبها، ترفض حركة «حماس» إطلاق سراح المحتجزين لديها؛ إلا «بشروطها»، وفق ما أعلنه رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، في مناسبات عدة، والذي شدد على أن إسرائيل لن تستعيد المحتجزين في قطاع غزة؛ إلا إذا تم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وأكدت الفصائل الفلسطينية مراراً رفضها التفاوض على هدن مؤقتة، وإصرارها على وقف كامل لإطلاق النار، وتبادل للأسرى وفق مبدأ «الكل مقابل الكل».

في المقابل، ورغم الرفض الإسرائيلي المتكرر للحديث عن وقف دائم لإطلاق النار؛ فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، عضو مجلس الحرب الحالي، غادي إيزنكوت، أبدى موقفاً مختلفاً؛ إذ قال في مقابلة متلفزة: إنه «من المستحيل إعادة المختطفين أحياء في المستقبل القريب دون اتفاق» مع «حماس». ورفض إيزنكوت في مقابلة مع «القناة12» الإسرائيلية، الخميس، تنفيذ عملية عسكرية جديدة لإعادة الأسرى. وقال: «ما زلنا نبذل الجهود ونبحث عن كل فرصة؛ لكن الاحتمال ضئيل». ورداً على سؤال حول ما إذا كان من الضروري تجنب إيذاء الأسرى حتى على حساب «تفويت» فرصة القضاء على قائد «حماس» في غزة، يحيى السنوار. أجاب إيزنكوت بشكل قاطع: «الجواب هو نعم».

مسعفون فلسطينيون مع آخرين يضعون الجثث المغطاة بأغطية بيضاء داخل سيارة إسعاف بعد غارة جوية على مخيم المغازي بغزة (رويترز)

تفكيك الأزمة

من جانبه، أشار أستاذ العلاقات الدولية، مساعد رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، والمتخصص في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، إلى أن مسارات الوساطة تجري حالياً على 3 مسارات، أولها «المسار المصري الذي يركز على الرؤية الشاملة لإنهاء الحرب، ومن بينها تبادل الأسرى، والمسار الثاني الذي تنشط فيه الوساطة القطرية، إضافة إلى مسار أممي برز في الأيام الأخيرة ويركز على البعد الإنساني في غزة».

وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة المصرية سعت خلال الآونة الأخيرة إلى تفكيك أبعاد الأزمة، وتحقيق التزامن بين المسارات السياسية والأمنية، لافتاً إلى أن الرؤية المصرية «باتت تحظى بقبول فلسطيني وتجاوب إسرائيلي»، مضيفاً أن الاتصالات المصرية ركزت أخيراً على «المسارين الأميركي والأممي لتوفير إطار أوسع لتبادل الأسرى، بما يحسن الوضع الإنساني في القطاع، ويدفع باتجاه الدخول في مستويات أعمق بشأن مقاربة إقليمية شاملة في مرحلة ما بعد توقف القتال».

وتوقع فهمي حدوث «انفراجة في الموقف» قريباً، لافتاً إلى أن الفصائل الفلسطينية بطريقها إلى القبول. وأوضح، أن السلطة الفلسطينية بدأت في إجراء اتصالات مُكثفة على هذا المسار في أعقاب القمة الثلاثية المصرية - الأردنية - الفلسطينية الأخيرة في العقبة، وأن هناك مؤشرات على إحراز تقدم في هذا الصدد، لافتاً إلى أن «الخطاب المتشدد» من جانب إسرائيل وحركة «حماس» «سياسي وإعلامي بالدرجة الأولى».

أفراد عائلة نازحة يجلسون بجوار خيام في مخيم بالقرب من مستشفى ناصر في خان يونس (إ.ب.أ)

سيناريو قابل للتطوير

ومنذ انقضاء الهدنة الوحيدة إلى الآن في قطاع غزة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتي دامت أسبوعاً لوساطة مصرية وقطرية، وبتنسيق مع الولايات المتحدة، وتم خلالها إطلاق سراح أكثر من 100 من المحتجزين بالقطاع، تسعى الدول الثلاث إلى إقرار هدنة جديدة، بعد مضي 105 أيام من القتال.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن نحو 130 من الأسرى والمحتجزين لا يزالون تحت سيطرة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بينما قُتل 25 منهم على الأقل، بحسب ما أعلنته حركة «حماس» وفصائل أخرى في أكثر من مناسبة جراء القصف الإسرائيلي للقطاع.

ويرى الباحث المساعد في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مهاب عادل حسن، أن التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، وتمرير صفقة لتبادل الأسرى «يُمثل سيناريو مرحلياً قابلاً للتطوير والبناء عليه للوصول إلى سيناريو مقبول لليوم التالي للحرب فيما يتعلق بمسألة حكم القطاع، وكذلك مسارات حل وتسوية الصراع في صورته الكلية». وأشار حسن، في تحليل منشور على الموقع الإلكتروني للمركز، أخيراً، إلى إمكانية أن تلجأ الفصائل الفلسطينية للقبول بهدنة لإيقاف إطلاق النار، على غرار الهدنة التي تم التوصل إليها في نوفمبر الماضي، وإطلاق سراح الأسرى المدنيين لديها وليس العسكريين، في مقابل إطلاق أعداد من الأسرى الفلسطينيين الأمنيين في السجون الإسرائيلية، مع إمكانية تطوير هذه الهدنة إلى اتفاق لإطلاق سراح باقي الأسرى الإسرائيليين».


مقالات ذات صلة

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

معبر رفح وجبهتها يُسخّنان ملف غزة

أعاد خلاف مصري – إسرائيلي حول فتح معبر رفح وهجوم لمسلحين يُرجح أنهم من «حماس» ضد قوات جيش الاحتلال في الجبهة ذاتها، تسخين ملف غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة – تل أبيب) محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يستدفئون بالنار في خان يونس (رويترز) play-circle 00:36

5 قتلى وعشرات المصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس

قُتل 5 فلسطينيين على الأقل وأصيب آخرون، مساء الأربعاء، في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على جنوب وشرق قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي تركيب فني لصورة للقيادي الفلسطيني المعتقل لدى إسرائيل مروان البرغوثي في مسقط رأسه قرية كوبر في الضفة الغربية شمال رام الله 27 نوفمبر 2025 (أ.ب)

200 من مشاهير العالم يطالبون بالإفراج عن مروان البرغوثي

دعا أكثر من 200 من المشاهير، بينهم كتاب وممثلون وموسيقيون، في رسالة مفتوحة، الأربعاء، إسرائيل إلى إطلاق سراح السياسي المعتقل مروان البرغوثي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز) play-circle

غوتيريش: «أسباب قوية» للاعتقاد بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم الأربعاء، إن هناك «خطأ جوهرياً» في الكيفية التي أدارت بها إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي فلسطينيون أمام معبر رفح من جهة قطاع غزة في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle

مصر تُكذّب مزاعم إسرائيل حول فتح معبر رفح للخروج فقط

كذّبت مصر مزاعم إسرائيلية حول الاتفاق على فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان غزة فقط، في وقت هاجم فيه مقاتلو «حماس» جيش الاحتلال جنوب القطاع.

محمد محمود (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».