العراق: انتخاب رئيس البرلمان بانتظار المحكمة والتوافق الشيعي

مرشح يحتاج إلى إجازة قانونية لإكمال المنافسة و«الإطار التنسيقي» يحاول «لملمة» أطرافه

مجلس النواب العراقي (رويترز)
مجلس النواب العراقي (رويترز)
TT

العراق: انتخاب رئيس البرلمان بانتظار المحكمة والتوافق الشيعي

مجلس النواب العراقي (رويترز)
مجلس النواب العراقي (رويترز)

تتحرك قيادات شيعية بارزة استعداداً للجولة الثانية لاختيار رئيس جديد للبرلمان العراقي، بعدما تعثرت الجولة الأولى الأسبوع الماضي بسبب خلافات سياسية وقانونية.

ومن المفترض أن تسفر هذه الجهود عن توافق القوى المنضوية داخل «الإطار التنسيقي» على مرشح سني، لكن يبدو أن الانقسام الحاد بلغ مستويات أكبر مما كانت قبل جلسة الأسبوع الماضي، وفقاً لسياسيين عراقيين.

وعقد نواب البرلمان جلسة، السبت الماضي، لانتخاب رئيس جديد للمجلس، ورغم أن التصويت لم يحسم اسم الفائز، فإن نتائج الفرز تضمنت حصول المرشح شعلان الكريم من حزب «تقدم» (يرأسه الرئيس السابق للبرلمان محمد الحلبوسي ويُصنف سُنياً) على 152 صوتاً، وحظي محمود المشهداني مرشح تحالف «عزم» (المدعوم من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية) بـ48 صوتاً فقط.

ويعمل البرلمان العراقي بلا رئيس منذ 15 أكتوبر (تشرين الأول)، حين قضت المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية الحلبوسي بعد النظر في دعوى قضائية اتهمته بتزوير تأريخ استقالة النائب ليث الدليمي.

قرار المحكمة

ولن تعقد الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس البرلمان إلا بعد أن تصدر المحكمة الاتحادية قراراً في الدعوى التي رفعها نائبان من «الإطار التنسيقي» طلبا «إلغاء ترشيح شعلان الكريم لرئاسة مجلس النواب العراقي» على خلفية دعمه لحزب «البعث» و«تمجيده» لرئيس النظام السابق، وفقاً لنص الدعوى.

ويعارض نوب من قوى شيعية ترشيح الكريم بدعوى أن رئيس حزب «تقدم» محمد الحلبوسي تدخل بطريقة غير قانونية لحشد أصوات النواب لصالح هذا المرشح.

في المقابل، تقدم نواب يؤيدون ترشيح الكريم بدعوى قضائية لدى المحكمة الاتحادية ضد رئيس البرلمان المؤقت محسن المندلاوي، على خلفية ما يقولون إنه «خالف الدستور والنظام الداخلي بشأن آلية عقد الجلسات».

وكان من المفترض أن تبدأ جولة التصويت الثانية بين أعلى المتنافسين في الجولة الأولى بعد نصف ساعة، لكنها «تأخرت 5 ساعات، قبل أن يفتعل نواب مشادة كلامية أدت إلى رفع الجلسة»، وفقاً لنص الدعوى.

ويعتقد سياسيون من حزب «تقدم» أن «قوى الإطار التنسيقي» تعمدت المماطلة في تسيير أعمال المجلس لانتخاب الرئيس في محاولة لقطع الطريق على مرشحهم الذي حصل على أعلى الأصوات.

الأحزاب العراقية فشلت مرات عديدة في اختيار بديل للرئيس المقال محمد الحلبوسي (رويترز)

الكريم و«الخونة»

كان الشعلان كتب في مجموعات تضم سياسيين ونواباً في «واتساب» عبارة مقتضبة عكست تفاؤله، واستخدم مثلاً بدوياً عراقياً: «تراها تبطي بس ما تخطي»، ويعني أن قرار المحكمة الاتحادية قد يتأخر، لكنه في النهاية سيكون منصفاً أو صائباً.

لكن الشعلان نشر اليوم الجمعة «حديثاً نبوياً» عن «الخونة والكذابين»، وهو ما فسره مراقبون بتراجع حظوظ هذا المرشح قبل صدور القرار.

بالتزامن، شن السياسي العراقي عزت الشابندر، وهو نائب سابق، هجوماً على «النواب الشيعة الذين صوتوا للكريم»، وقال: «إن عدوكم ومن أجل انتزاع الحكم منكم لم يعد يحتاج إلى قواعد عسكرية ولا بوارج ولا ميليشيات (...) لقد منحتم أصواتكم لعودة النظام السابق ولم تكن للنائب شعلان الكريم».

مبادرة العامري

وقبل أن تحسم المحكمة قرارها، قال رئيس منظمة «بدر» هادي العامري، وهو أحد قيادات «الإطار التنسيقي»، إنه التقى نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، وفالح الفياض، رئيس هيئة «الحشد الشعبي»، لبحث التطورات السياسية والميدانية، لكن مصادر مطلعة أبلغت «الشرق الأوسط» أن العامري بدأ «حراكاً سياسياً لتوحيد مواقف الإطار التنسيقي».

وأكدت المصادر أن «العامري يحاول جمع الأطراف الشيعية على رأي توافقي استعداداً لقرار المحكمة الاتحادية، ولعقد جلسة انتخاب الرئيس».

العامري والمالكي والفياض خلال اجتماع تشاوري هذا الأسبوع (فيسبوك)

وقال العامري، في بيان صحافي، إن اجتماعه مع العامري والفياض «بحث في مواضيع الاستقرار الأمني والسياسي، ودعم مسار العملية السياسية بما يخدم البلاد ومصالحها والجهود المؤدية إلى ذلك».

وأكد العامري أن «الاجتماع جدد دعم الحكومة في ملفات الإعمار والخدمات وتعزيز السيادة الوطنية».

وأوضحت المصادر أن اجتماع العامري والمالكي والفياض «بحث الموقف من انتخاب رئيس البرلمان قبل اجتماع مخصص لهذا الغرض بين قوى الإطار التنسيقي يوم الأحد المقبل».

ودعا العامري، الجمعة الماضي، إلى «وحدة الإطار التنسيقي وضرورة تماسكه»، وأشار إلى أن «ما حدث مؤخراً أثناء التصويت لاختيار رئيس مجلس النواب أمر يتفهمه الجميع، وسيحُسم هذا الموضوع داخل الإطار قريباً، وسنتجاوز هذه العقبة كما تجاوزنا العقبات السابقة».

وقال العامري: «قوة (الإطار) تكمن في تعدد وجهات نظر أطرافه قبل الاتفاق على أيٍ من خطواته اللاحقة».

مرشح «مفاجأة»

في السياق، تحدثت النائبة في البرلمان العراقي، عالية نصيف، عن «حراك خلف الكواليس لإعادة تأهيل وزير سابق لترشيحه لرئاسة المجلس».

وتُعرف نصيف، التي تنتمي لائتلاف «دولة القانون» بتصريحاتها المثيرة للجدل، ورغم أنه من الصعب التحقق من دقة معلوماتها، لكن مراقبين يعتقدون أنها «تلعب دوراً في تحريك الرأي العام ضمن توجه أطراف في الإطار التنسيقي».

وقالت نصيف، عبر منشور في منصة «إكس»، إن «هناك محاولات تجري خلف الكواليس لإعادة تأهيل نائب حالي ووزير سابق كان أقيل من البرلمان بتهم فساد ليتم ترشيحه لرئاسة البرلمان».

ومع أن نصيف لم تكشف اسم النائب الحالي والوزير السابق، لكن مراقبين يعتقدون أنها تشير إلى وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي الذي كانت استجوبته عام 2016 قبل أن يصوت البرلمان على سحب الثقة عنه.


مقالات ذات صلة

العراق يحتفل بذكرى «النصر على داعش» مع بدء العد التنازلي لتشكيل الحكومة

المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال استقباله الأربعاء جرحى قوات الأمن في «يوم النصر» على تنظيم «داعش» (رئاسة الحكومة العراقية)

العراق يحتفل بذكرى «النصر على داعش» مع بدء العد التنازلي لتشكيل الحكومة

حسمت «المفوضية العليا للانتخابات» أمر الطعون في الانتخابات التشريعية العراقية، لكن اعتماد النتائج النهائية تنتظر مصادقة المحكمة الاتحادية العليا عليها.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي  رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يدلي بصوته في مركز اقتراع بالمنطقة الخضراء ببغداد يوم 11 نوفمبر 2025 (رويترز)

حسم جميع طعون الانتخابات البرلمانية بالعراق

أعلنت الهيئة القضائية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق الأحد أنها حسمت جميع الطعون المقدمة على نتائج الانتخابات والبالغ عددها 853 طعناً.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال صورة تذكارية على هامش «قمة شرم الشيخ» يوم 13 أكتوبر 2025 (إعلام حكومي)

ضغوط أميركية تواصل إرباك «التنسيقي» العراقي

نأت المرجعية الدينية في النجف عن أي حراك بشأن حسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء، في حين تحدثت مصادر عن ارتباك في خطط «الإطار التنسيقي».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي أعضاء مبادرة «عراقيون» بعد اجتماعهم في بغداد يوم 26 أبريل 2025 (الشرق الأوسط)

نخب عراقية تحذر من عودة «ظاهرة سجناء الرأي»

حذر العشرات من الناشطين والمثقفين العراقيين من تصاعد ظاهرة الدعاوى التي يقيمها في الآونة الأخيرة «مقربون من السلطة أو يحركها مخبرون سريون ضد أصحاب الرأي».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يتمسك بترشحه لرئاسة الحكومة العراقية

تتجه مفاوضات القوى الشيعية إلى مزيد من التعقيد لجهة الاتفاق على مرشح وحيد لرئاسة الوزراء، مع استمرار التنافس بين محمد السوداني ونوري المالكي.

فاضل النشمي (بغداد)

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
TT

سوريا: العثور على مستودع أسلحة يحتوي على صواريخ معدة للتهريب

صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)
صواريخ معدّة للتهريب عثرت عليها القوات السورية (حساب وزارة الداخلية السورية على إكس)

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم (الأربعاء)، أن قواتها عثرت على مستودع في ريف درعا يحتوي على صواريخ، قالت إنها كانت معدة للتهريب إلى «مجموعات خارجة عن القانون».

ونقلت «الداخلية السورية»، في بيان عن قائد الأمن الداخلي في محافظة درعا محمد إبراهيم السخني، قوله: «وردت معلومات دقيقة من مصادر موثوقة حول وجود مستودع داخل إحدى المزارع في ريف درعا الشرقي، يحوي صواريخ معدة للتهريب إلى مجموعات خارجة عن القانون».

وأضاف: «باشرت الوحدات المختصة عمليات الرصد والمتابعة الدقيقة، ونفذت عملية أمنية أسفرت عن ضبط المستودع. وقد عُثر بداخله على 42 صاروخاً من نوع (مالوتكا) و4 صواريخ من نوع (ميتيس) مزوّدة بقاعدة إطلاق».

ولم تكشف «الداخلية السورية» عن المزيد من التفاصيل حول المجموعات التي كان سيتم تهريب الصواريخ إليها. وقالت الوزارة إن الجهات المختصة تواصل تحقيقاتها «لكشف جميع المتورطين تمهيداً لتقديمهم إلى القضاء».


خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
TT

خلاف أميركي - إسرائيلي يتعمّق حول «سوريا الجديدة»

قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)
قوات الجيش الإسرائيلي تتوغل في قرية صيدا الحانوت وتعتقل مواطناً من عين القاضي بريف القنيطرة الجنوبي الأربعاء (سانا)

يشهد الملف السوري تحولاً لافتاً في المقاربة الأميركية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث باتت واشنطن تدفع نحو توسيع التعاون الأمني مع دمشق الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. هذا المسار، الذي يهدف إلى مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة وتحقيق الاستقرار، يتصادم حالياً مع نهج إسرائيل الميداني المندفع؛ ما يكشف عن خلاف آخذ في الاتساع بين الحليفين التقليديين حول مستقبل الدولة السورية.

جانب من لقاء ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض يوليو 2025 (أ.ف.ب)

وخلال مؤتمر خُصّص لتقييم المرحلة الجديدة في سوريا، وضع قائد القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم) الأدميرال براد كوبر، مستقبل التعاون مع دمشق في صدارة النقاش حول السياسة الأميركية تجاه «سوريا ما بعد الأسد».

وشدد كوبر على أن واشنطن تعمل «بشكل متزايد» مع الجيش السوري لمواجهة تهديدات أمنية مشتركة، مؤكداً، أن دمج «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) داخل الجيش السوري سيعزّز الاستقرار الداخلي، ويُحسّن قدرات الدولة على ضبط الحدود وملاحقة تنظيم «داعش».

الرئيس الشرع مستقبلاً قائد «سنتكوم» الأدميرال براد كوبر والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس برّاك (الرئاسة السورية)

وأشار كوبر إلى أن القوات الأميركية قدّمت منذ أكتوبر (تشرين أول) الماضي «المشورة والمساعدة والتمكين» للسلطات السورية في أكثر من 20 عملية ضد (داعش)، وإحباط شحنات أسلحة متجهة إلى (حزب الله)»، لافتاً إلى أن هذه المكاسب «لا تتحقق إلا عبر تنسيق وثيق مع القوات الحكومية السورية».

لكن هذا المسار الذي تتبنّاه واشنطن يتقاطع حالياً مع خلاف آخذ في الاتساع بينها وبين تل أبيب حول ملامح «سوريا الجديدة»، وفق ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال». فقد رصدت تناقضاً نادراً بين البلدين حول مستقبل الدولة السورية بعد عام من سقوط نظام بشار الأسد، في وقت يدفع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب نحو مسار منفتح على دمشق، بدعم سعودي - تركي. فقد رفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع، واصفاً إياه بأنه «شاب مقاتل يقوم بعمل جيد»، في إشارة إلى استعداد واشنطن لتغيير جذري في سياستها.

ترمب والشرع في البيت الأبيض 10 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وأشارت الصحيفة إلى أنه على النقيض من التوجه الأميركي، سارعت إسرائيل بعد الانهيار السريع للنظام السابق إلى تثبيت وجود عسكري في جنوب سوريا، مسيطرة على مساحة تُقدّر بـ250 كيلومتراً مربعاً. وتحولت هذه المنطقة نقطة انطلاق لسياسة توسّع أمني شملت اعتقالات، ومصادرة أسلحة، وتنفيذ غارات داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى استهداف مقر القيادة العسكرية في دمشق بذريعة حماية الطائفة الدرزية.

وتُرجِع الصحيفة هذا النهج الميداني المندفع إلى تحوّل في العقلية الأمنية الإسرائيلية بعد هجمات 7 أكتوبر 2023. فصانعو القرار في تل أبيب باتوا مقتنعين بأن أي تنازل أمني قد يشكّل ثغرة خطيرة.

ويشير يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إلى أن «اتخاذ القرارات من واشنطن أسهل بكثير من اتخاذها من مرتفعات الجولان»؛ ما يعكس رغبة إسرائيل في تأمين مصالحها بشكل أحادي.

القوات الإسرائيلية في بيت جن بريف دمشق الجمعة الماضي (الجيش الإسرائيلي)

وبينما تعمل الإدارة الأميركية على رعاية مفاوضات أمنية بين دمشق وتل أبيب بهدف إنهاء الخلاف السوري - الإسرائيلي بالتوازي مع محاولات التهدئة في غزة وأوكرانيا، يدعو ترمب تل أبيب إلى «حوار قوي وصادق» مع دمشق.

لكن هذه الجهود اصطدمت بعقبات أساسية، أبرزها، رفض الشرع المطالب الإسرائيلية بإقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من جنوب دمشق حتى الحدود؛ لما قد تسببه من فراغ أمني كبير.

وتُحذّر أصوات مؤثّرة داخل إسرائيل من الإفراط في استخدام القوة؛ خشية أن تصطدم سياسات الحكومة برغبة واشنطن في إعادة تأهيل الدولة السورية الجديدة وتقريبها من منظومة «اتفاقات إبراهيم».

ويقترح بعض الخبراء الإسرائيليين قبول صيغة أمنية تسمح بانتشار الجيش السوري بالقرب من الحدود مقابل منع الأسلحة الثقيلة والقوات التركية، والانتقال من «استعراض القوة العسكرية إلى بناء القوة الدبلوماسية». ويتوقع دبلوماسيون أن يشبه أي اتفاق مرتقب صيغة 1974 التي أرست منطقة فصل للقوات، مع تعديلات تناسب المرحلة الجديدة.

الوحدات الأمنية بإدلب تستهدف خلايا تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في منطقة الدانا يوم الاثنين (سانا)

وتضيف الصحيفة أن الخلافات السياسية ترافقت مع توترات ميدانية متزايدة، أبرزها اشتباكات في بلدة بيت جن بعد دخول قوات إسرائيلية لاعتقال مطلوبين؛ ما أدى إلى سقوط قتلى سوريين وجرحى إسرائيليين. وزادت الاحتفالات الشعبية في دمشق بذكرى «سقوط الأسد»، التي شملت حرق أعلام إسرائيل، من حدّة الاحتقان.

وتتهم إسرائيل الحكومة السورية بزيادة «النبرة العدائية»، في حين يتهم الشرع تل أبيب بتوسيع منطقتها العازلة و«الهروب من مسؤولياتها» في غزة. ووفق مسؤولين أميركيين، فإن استمرار النهج الإسرائيلي الحالي يدفع دمشق نحو مزيد من التقارب مع تركيا، الخصم الإقليمي لتل أبيب.

وتؤكد «وول ستريت جورنال» أن الخلاف الأميركي - الإسرائيلي حول سوريا ليس مسألة عابرة، بل هو اختبار لصلابة التحالف التقليدي في منطقة تتشكل ملامحها من جديد. فـ«سوريا الجديدة» تبدو ساحة مفتوحة لإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط، وسط سياسة أميركية تحاول الجمع بين مكافحة الإرهاب، وإعادة بناء الدولة السورية، ورسم صيغة أمنية جديدة بين دمشق وتل أبيب.


سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
TT

سلام: الدولة اللبنانية وحدها يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها

رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)
رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام (رويترز)

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن لبنان يواجه انهياراً شبه كامل بعد عقود من سوء الإدارة والفساد والطائفية والحروب، مشيراً إلى أن حكومته تعمل على انطلاقة وطنية جديدة تقوم على ركيزتي السيادة والإصلاح لإعادة بناء الدولة والاقتصاد.

في مقال رأي كتبه سلام في صحيفة «فايننشال تايمز»، قال: «عندما انتقلت من رئاسة محكمة العدل الدولية لتولي رئاسة وزراء لبنان، كنت أدرك تماماً حجم التحدي. لم أجد دولة مستقرة، بل بلداً أنهار تقريباً بعد عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب. من أولوياتي كان استعادة سلطة الدولة وتعزيز سيادتها، بما يشمل احتكار الدولة للسلاح في كل أراضيها، وضمان سيادة القانون، إلى جانب تعزيز الأمن ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، وإعادة بناء المؤسسات لتعزيز الثقة الوطنية والدولية».

«قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار»

وأشار سلام إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، قائلاً: «فقدت عملتنا الوطنية أكثر من 98 في المائة من قيمتها منذ عام 2019، وانكمش الاقتصاد بنحو 45 في المائة، وتم تجميد أكثر من 124 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ليودي بحياة أكثر من 200 شخص، ويصيب آلافاً، ويدمر أجزاء واسعة من العاصمة، وهو ما كشف عن فشل مؤسساتي فاضح. كما زادت الأحداث الأخيرة مع إسرائيل من تدهور الوضع الأمني والدمار في البلاد».

وأضاف: «لكن قصة لبنان يجب ألا تنتهي بالانهيار. مستقبلنا يمكن ويجب أن تقوده دولة قوية وحديثة، تدعم روح ريادة الأعمال والابتكار والإصرار التي يشتهر بها اللبنانيون منذ زمن طويل. لذلك، فإن حكومتنا مصممة على انطلاقة وطنية جديدة تستند إلى ركيزتين متلازمتين: السيادة والإصلاح».

السيادة أولاً

وأوضح سلام أن الركيزة الأولى، أي السيادة، تمثل مسألة حاسمة. وقال: «نتمسك بشكل قاطع بأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها، وأنها وحدها من تملك السلطة لاتخاذ قرارات الحرب والسلام».

وأضاف أن حكومته أعطت الجيش اللبناني تعليماته في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، لوضع خطة شاملة لضمان احتكار الدولة للسلاح في جميع أنحاء البلاد. وبعد شهر واحد، تم إقرار خطة تحدد، كمرحلة أولى، مهلة ثلاثة أشهر لضمان السيطرة الحصرية للدولة على الأسلحة جنوب نهر الليطاني، مع احتواء الأسلحة في بقية المناطق.

وأشار سلام إلى جهود الحكومة لتعزيز الأمن، بما في ذلك مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، وفكك المئات من مستودعات الأسلحة غير المشروعة وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها من البضائع.

الإصلاح الاقتصادي

أما الركيزة الثانية، أي الإصلاح، فهي ضرورية لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات الداعمة له، بحسب سلام الذي أوضح أننا «أقررنا قانوناً تاريخياً برفع السرية المصرفية، وآخر يضع إطاراً حديثاً لإدارة الأزمات المصرفية، ونحن الآن نعمل على قانون طال انتظاره لضمان العدالة للمودعين وتوزيع عادل وشفاف للخسائر الكبيرة الناجمة عن الانهيار المالي».

وأكد أن هذه الإصلاحات ليست مجرد ضرورة أخلاقية، بل هي شرط أساسي لبرنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، كما ستساعد في تفكيك الاقتصاد النقدي الذي أصبح أرضاً خصبة لغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وتابع أن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لضمان استقلال القضاء، وشكلت هيئات ناظمة مستقلة لإعادة هيكلة قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، كما وضعت معايير للجودة والجدارة في التعيينات العامة. وأكد أن مواجهة هذه التحديات تتطلب دعماً متجدداً من الشركاء الدوليين.

الأمن ومواجهة الانتهاكات

وعلى الصعيد الأمني، أشار سلام إلى استمرار لبنان في الوفاء بالتزاماته وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وإعلان وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. لكنه أضاف أن إسرائيل تواصل انتهاك سيادة لبنان واحتجاز مواطنين لبنانيين، واحتلال خمسة مواقع على الأقل في الجنوب، وهو ما يهدد الاستقرار ويغذي تجدد الصراعات، ويقوض جهود الحكومة لاستعادة سلطة الدولة.

ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، وتعزيز دعم القوات المسلحة اللبنانية، باعتبارها المؤسسة الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار في البلاد.

إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات

وقال سلام: «بينما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي ونسعى لجذب الاستثمارات، لن ندخر جهداً للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار والتنمية. ونحن نحث شركاءنا الدوليين على دعمنا، فدون مساعدتهم ستجد المصالح المتجذرة فرصة لملء الفراغ وإعادة البلاد إلى قبضة الزبائنية والفساد والإفلات من العقاب».

وختم سلام مقاله بالقول: «لبنان مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. نحن لا نطلب من أشقائنا أو شركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا، بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح».