الديوبندية في بريطانيا: الفكر السائد في المساجد.. بين المحافظة والتطرف

رئيس جمعية علماء بريطانيا لـ«الشرق الأوسط»: هي مدرسة الإسلام المعتدل ومن التحق بـ«طالبان» منها جرى استغلاله

إحدى حلقات التدريس على المنهج الديوبندي في باكستان (الشرق الاوسط)
إحدى حلقات التدريس على المنهج الديوبندي في باكستان (الشرق الاوسط)
TT

الديوبندية في بريطانيا: الفكر السائد في المساجد.. بين المحافظة والتطرف

إحدى حلقات التدريس على المنهج الديوبندي في باكستان (الشرق الاوسط)
إحدى حلقات التدريس على المنهج الديوبندي في باكستان (الشرق الاوسط)

بعدما عملت الصحافية البريطانية إينيس بوين مع فرانك غاردنر، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) للشؤون الأمنية عام 2003 على برنامج يكشف عن أخطار التطرف التي تهدد بريطانيا، اكتشفت أن المعلومات المتوافرة عن تركيبة المجتمع الإسلامي في البلاد شحيحة. وبعدما ملّت من انتظار صدور كتاب يكشف لها خفايا المجتمع الإسلامي البريطاني، بادرت بوين إلى كتابته بنفسها واختارت له عنوان «المدينة في برمنغهام والنجف في برينت»، وهو يرصد مساجد بريطانيا ويصنفها راسما خريطة للمجتمع الإسلامي في البلاد وكاشفًا عن المدرسة الديوبندية التي تذكر أن لديها أكثر من 44 في المائة من المساجد في البلاد. إلى ذلك، نتعمق في تلك المدرسة «الغامضة والمثيرة للشكوك». وفي مقابلة مع بوين تروي لنا تجربتها في كشف خفايا الديوبندية وتنوّع مساجدها وعلمائها الذين يتراوحون بين «معتدلين» ينددون بالإرهاب ومتطرفين يجنِّدون لحركة «طالبان». ونعود لأصول ونشأة هذه المدرسة من الهند وظهورها في بريطانيا مستعينين بتصريحات من رئيس جمعية علماء بريطانيا الشيخ حافظ رباني. وأخيرا نحاول فهم أسباب انتشار التطرّف في بريطانيا.
الإحصاءات كثيرة عن المسلمين في المملكة المتحدة – أو مجازًا، بريطانيا – وهي تفيد بأنهم يشكلون نحو أربعة في المائة من تعداد سكان البلاد، ويحتلون خمسة ونصفا في المائة من المناصب الإدارية العليا في بريطانيا، ويحمل أكثر من أربعة وعشرين في المائة منهم شهادات جامعية، لكن، قلما تثير تلك الإنجازات فضول وسائل الإعلام والباحثين. ومع أن المجتمع الإسلامي في بريطانيا مركّب ومتنوّع، ما زال كثيرون ينظرون إليه على أنه وحدة متجانسة. وفي محاولة هي الأولى من نوعها لكشف تركيبة هذا المجتمع، رصدت الصحافية إينيس بوين المجموعات المسلمة المختلفة المقيمة في بريطانيا في كتابها «المدينة في برمنغهام والنجف في برينت».
بَنت بوين كتابها على أساس أكثر من ثمانين حوارًا وتحقيقًا أجرتها مع عناصر من مختلف الجماعات والبيئات المسلمة في بريطانيا، خلال سبع سنوات متواصلة وبمساعدة باحثين مسلمين بريطانيين من أصول باكستانية. وفي الكتاب الذي صدر خلال يونيو (حزيران) الماضي استعرضت جميع مساجد بريطانيا وصنفتها، راسمة خريطة تراها معبرة عن واقع المجتمع الإسلامي في البلاد إلى حد بعيد.
وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، قالت بوين «مواطنو بريطانيا ليسوا ملمّين بخلفيات المجتمع الإسلامي في البلاد وواقعه ولا يستوعبون مدى تعقيد تركيبته. ويعود ذلك لنقص المعلومات المتوافرة عن هذا المجتمع». وتابعت: «من المهم أن يستوعب البريطانيون تركيبة المجتمع الإسلامي في البلاد لتفادي تكوين أحكام مسبقة أو أفكار معممة على جميع مكوّناته»، مشيرة إلى أن الجهات الحكومية البريطانية المعنيّة قرأت كتابها واعتبرته «مفيدًا».
الصحافية والباحثة البريطانية كشفت في كتابها أن أكثرية المساجد في بريطانيا تقع تحت إدارة مدرسة فكرية غامضة ومثيرة للشكوك هي الديوبندية. وتشير الإحصاءات التي توصل إليها الباحث محمود نقشبندي، والتي تعتمدها بوين في كتابها حول المساجد في بريطانيا، إلى أن «المساجد الديوبندية في بريطانيا تشكل أكثر من 44 في المائة من العدد الكلي لدور العبادة الإسلامية في البلاد إذ تتعدى السبعمائة مسجد».
ولقد تواصلت بوين مع كبار مفكّري المدارس الإسلامية والبعض رفض أن يقابلها، وعانت من ذلك الرفض مع أفراد المدرسة الديوبندية. إلا أنها – مع ذلك – استطاعت أن تكون الصحافية الوحيدة التي وافق الشيخ الديوبندي أبو يوسف رياض الحق على مقابلتها. وعن هذا الأمر قالت: «تراسلت معه بما كتب عنه، وطلبت توضيحًا مؤكدة له أنه في حال امتناعه عن التعليق، كنت سأذكره في كتابه بحسب المصادر التي اطلعت عليها، ولكنه استاء وقبل مقابلتي لتبرير موقفه».
وحول الجماعة الديوبندية في بريطانيا رأت بوين أنها «جماعة محافظة ومغلقة جدًا وتحمل الكثير من التنوع بداخلها فتتراوح ما بين الاعتدال والتطرف»، واستطردت «إليها تنتمي جماعات شديدة السلمية وكذلك لدى البعض من عناصرها علاقات مباشرة مع حركة طالبان الأفغانية المتطرفة». ويختلف كبار وجوه المدرسة الدربندية من حيث طريقة تعاملهم مع المجتمع البريطاني، فالشيخ إبراهيم موغرا يعتبر من أئمة الديوبنديين المعتدلين، فهو يتابع مباريات كأس العالم لكرة القدم ويحل بصورة شبه دائمة ضيفًا على برامج شبكة الإذاعة «بي بي سي». وفي المقابل، بخلاف موغرا، فإن المفتي محمد بن آدم الكوثري، وهو أيضًا من أئمة المدرسة، وفق كتاب بوين «يوصي في بريطانيا بالابتعاد عن غير المسلمين». هذا، مع أن الإمامين تخرجا من المدرسة ذاتها وهي «دار العلوم العربية الإسلامية» في مقاطعة لانكشاير بشمال غربي بريطانيا. وهنا تلح الحاجة لاستكشاف خفايا فكر المدرسة الديوبندية.

*ما هي الديوبندية؟

يشرح الشيخ حافظ إكرام الحق رباني، رئيس جمعية علماء بريطانيا، لـ«الشرق الأوسط»، تاريخ وتفاصيل الفكر الديوبندي فيقول إن «هذا الفكر يعود إلى مدرسة في بلدة الديوبند في الهند أسستها مجموعة من علماء البلاد الإسلاميين عام 1857. ونمت المدرسة حتى أصبحت أكبر المعاهد الدينية للمذهب الحنفي هناك. ومن ثم أصبحت كل المدارس الدينية بكل أحجامها في كل من الهند وبنغلاديش وباكستان تدرس ذلك الفكر لتصل آثاره حتى إلى أفغانستان وروسيا». وأضاف: «كان تأسيسها في البداية ردًا قويا ومباشرا على الهجمات التي كان يشنها البريطانيون في الهند آنذاك، وبالتالي، كان طريقًا للمقاومة ولوقف الزحف الغربي والمدنية والمادية على شبه القارة الهندية ولإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة أن العاصمة دلهي خربت بعد الثورة بعدما سيطر عليها البريطانيون وخاف العلماء المسلمون على دينهم من أن يتعرض للابتلاع».
وبحسب الشيخ رباني فإن أهم مبادئ المدرسة «المحافظة على التعاليم الإسلامية والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره ونشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية منذ ذلك الزمان وإلى الآن، وأيضًا الاهتمام بنشر اللغة العربية لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية والجمع بين القلب والعقل وبين العلم والروحانية». ويؤكد ذلك أن الديوبنديين «مجموعة محافظين يتمسكون بالتعاليم الإسلامية ويعتبرون الانغماس بالمجتمعات غير الإسلامية ابتلاعًا للدين واستسلاما للزحف الغربي». ويركّز الشيخ رباني أن «الديوبندية حنفية الفقه وماتريدية العقيدة».

*من الهند إلى بريطانيا

يؤكد الشيخ رباني على ما وجد بكتاب بوين حول كثرة انتشار المساجد الديوبندية في بريطانيا، إذ يقول إن: «معظم المسلمين في بريطانيا يتبعون الفكر الديوبندي» ويضيف: «أغلبية المساجد والمراكز الإسلامية في بريطانيا أسسها الباكستانيون والهنود والبنغلاديشيون ومن هنا جاء هذا الفكر». ويستطرد: «مؤخرا بدأ الصوماليون بإنشاء المراكز والمساجد في بريطانيا».
وبحسب كتاب بوين، فإن أهم مجموعتين من الفكر الديوبندي في بريطانيا هما دار العلوم وجماعة التبليغ والدعوة ومعظم قيادات كلا المجموعتين من أصول هندية أو باكستانية. دار العلوم العربية الإسلامية هي أهم وأكبر مدرسة إسلامية في بريطانيا توفر المنهاج المدرسي البريطاني إلى جانب التعليم الإسلامي أيضا للذكور والإناث. وتقع نحو 22 مدرسة تحت مظلة دار العلوم حول المملكة. ومع أن التعليم في تلك المدارس محافظ، إلا أن المناهج معتدلة وبعيدة عن التطرف.
وعلى خلاف ذلك، وثقت صحيفة «التايمز» البريطانية الشهر الماضي في حادثة أخرى أمثلة عن استضافة دعاة اعتبرتهم متطرفين من باكستان كحافظ سعيد ومسعود عازار وغيرهما في المساجد الديوبندية لإلقاء خطب. وحول ذلك تعقب بوين بقولها: «هناك أمثلة استضافت فيها بعض المساجد الديوبندية شخصيات من جنوب آسيا مرتبطة بالجماعات المتطرفة هناك»، وتستطرد بحسب معلومات جمعتها: «وبعد الندوات تم تسهيل تجنيد بعض المسلمين البريطانيين وإرسالهم لمعاقل تدريب المتطرفين في باكستان وتدرب في تلك المعسكرات العناصر التي قامت بتنفيذ هجمات إرهابية في بريطانيا بعد ذلك». وبهذا نتساءل إن كانت أكبر مجموعة إسلامية في بريطانيا على علاقة بالتطرف داخل وخارج البلاد.

* «طالبان» في مساجد البريطانيين

يشير كتاب بوين إلى أنه خلال تسعينات القرن الماضي كانت هناك علاقات مباشرة بين بعض ديوبنديي بريطانيا وحركة طالبان المتطرفة في أفغانستان ويكشف عن زيارة عناصر من الحركة إلى بريطانيا. كما يوثق أن ممثلي الحركة في بريطانيا قاموا بجمع التبرعات لبناء المدارس والمشافي في أفغانستان. وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية، كانت توزع مجلة طالبان في بعض المساجد الديوبندية، لكن المطبوعة اختفت بعدها. ويسرد الكتاب علاقات بعض ديوبنديي بريطانيا مع حركات متطرفة أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة وهما حركتان كشميريتان: جيش محمد وحركة المجاهدين استضافوا دعاة من هناك حضرها أكثر من عشرة آلاف مسلم هندي وبنغلاديشي.
وحول ذلك، تقول بوين: «لم أزر مساجد كافية لأعمم مدى درجة التطرف خلال الخطب ولكن في مسجد في جنوب شرقي لندن زرته مع (بي بي سي) أثناء تصويرنا لتقرير عن التطرف، كانت الخطبة مؤيدة وبشدة لتنظيم القاعدة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر».
وفي سياق متصل، تكشف بوين في كتابها عن جماعة دعوية ديوبندية تحت اسم «جماعة التبليغ والدعوة» ظهرت في بريطانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وعلى علاقة تلك الجماعة بالتطرف. فبحسب معلومات رصدتها بوين، كشفت تحقيقات ما بعد تفجيرات لندن الانتحارية التي استهدفت المواصلات العامة في يوليو (تموز) عام 2005 أن بعض المتورطين في هذه الهجمات إلى جانب هجمات إرهابية أخرى كانوا على علاقة بجماعة التبليغ، وهم: زكريا موساوي الانتحاري رقم عشرين الذي جند لتنفيذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ولكن اعتقلته السلطات قبلها وريتشارد ريد مفجر الحذاء الذي حاول وفشل في تفجير نفسه على متن طائرة من ميامي إلى باريس بعد أسابيع قليلة من تفجيرات نيويورك. إلى جانب ثلاثة من أربعة انتحاريي تفجيرات لندن كانوا يحضرون حلقات نقاش جماعة التبليغ والدعوة. وتنوه بوين أن تلك الحلقات التحريضية على التطرف كان تنظيمها «أسهل قبل هجمات يوليو الإرهابية ولكن بات الأمر أكثر صعوبة الآن». وإلى جانب ذلك، ندد مجموعة من العلماء الديوبنديين في بريطانيا بهجمات لندن الإرهابية وأصدروا فتوى تحرم شن هجمات ضد مواطنين بريئين.

*التطرف في المدارس أو خارجها؟

يشدد رئيس جمعية علماء المسلمين في بريطانيا الشيخ رباني على أن «الديوبندية هي المنهج المعتدل للإسلام والبعيد عن التطرف كل البعد». وعن تفسيره حول السبب أن معظم قياديي حركة طالبان تخرجوا من المدارسة الديوبندية، يقول رباني: «غالبية المدارس الموجودة في الإقليم الشمالي الحدودي مع أفغانستان هي ديوبندية وتخرج من التحقوا فيها هناك»، ويضيف: «لكن هذا لا يعني أن المدارس الديوبندية تنشئهم على التطرف أو على الإرهاب فليس في تلك المدارس مرافق ميدانية أو تدريبات لاستخدام الأسلحة وهي مدارس بسيطة جدا». ويستطرد بقوله إنه: «هناك تيارات أخرى خارج الديوبندية هي التي أخذتهم واستغلتهم وحولتهم إلى درب التطرف». ويختتم قوله: «الجامعات ودور العلم تعطي العلم لكن الشخص نفسه يتجه لجهة معينة بعد ذلك وهذا الأمر يعود له».
وبعد أن أمضت إينيس بوين سبع سنين وهي تكشف خفايا المجتمع الإسلامي في بريطانيا تستنج أنه ذات تركيبة معقدة ومتعددة من الاعتدال إلى بوادر التطرف. وحول أسباب زيادة التطرف بين بعض المسلمين في البلاد تقول الباحثة البريطانية: «مجموعة من العوامل تساهم في نشر التطرف، منها تأثير الدعوة في بعض المساجد على المصلين، والمجتمعات المغلقة التي يعيشون بها بعيدا عن باقي المجتمع، ومشاعرهم بعدم الانتماء جراء عدم تقبل المجتمع الأوسع لهم، والتغيرات العالمية والسياسية أيضا، ويعتمد ذلك على الفرد وتجاربه الشخصية».
وتشير إينيس أخيرا إلى أن التاريخ الحديث أثبت لنا أن «معظم المسلمين البريطانيين الذين تورطوا في هجمات إرهابية أو أعمال متطرفة من نشآت متنوعة فمنهم من ولد في عائلة مسلمة ومنهم من اعتنق الإسلام بعد نشوئه وتتباين حالاتهم الاجتماعية والثقافية أيضا».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.