سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)

مع اتساع دائرة التسليح والاستنفار للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة السودانية، في جميع المدن الخاضعة لسيطرة الجيش، في إطار ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية»، تزداد مخاوف سودانيين من اندلاع حرب أهلية.

وقال أيمن الزين الذي التحق بمعسكر للتجنيد في ولاية نهر النيل شمال البلاد، إنه حصل على قطعة سلاح، وبدأ التدّرب على إطلاق النار للدفاع عن أهالي المنطقة؛ خصوصاً النساء والأطفال، مما سمّاها «انتهاكات» قوات «الدعم السريع»، وفقاً لما ذكرته «وكالة أنباء العالم العربي».

تصاعد الدخان جراء اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية- أ.ف.ب)

وأضاف: «نحن الآن جاهزون ومستعدون لأي احتمالات إذا تقدَّم المتمردون إلى منطقتنا؛ وسندافع عن أنفسنا وأعراضنا بكل ما أوتينا من قوة».

وتنشط ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية» في حشد الأهالي وتدريبهم على حمل السلاح في مناطق سيطرة الجيش؛ حيث انضم إلى صفوفها آلاف في ولايتي نهر النيل والشمالية شمال السودان، وفي سنار والقضارف وكسلا وبورتسودان في الشرق، وفي النيل الأبيض وسط البلاد، للمشاركة مع القوات المسلحة في معركتها ضد قوات «الدعم السريع».

وقال الزين: «معظم سكان مدينة شندي (في ولاية نهر النيل) استجابوا لنداء الوطن... الجميع يحملون سلاحهم طوال اليوم، حتى في الأسواق والمحال التجارية. نتوقع هجوم (الدعم السريع) في أي لحظة؛ خصوصاً بعد تمكنهم من دخول مدينة ود مدني بسهولة ودون مقاومة تذكر».

وشهدت مناطق متفرقة من ضواحي العاصمة الخرطوم غارات مكثفة للطيران الحربي للجيش السوداني أمس (السبت)، استهدفت مواقع سيطرة قوات «الدعم السريع».

وقال موقع «راديو دبنقا» الإخباري السوداني: «حلقت الطائرات المُسيَّرة والحربية بأحياء الخرطوم شرق وجنوب الحزام التي استهدفها الطيران بالبراميل المتفجرة... وردت قوات (الدعم السريع) بالمضادات الأرضية، بجانب استخدام مدافع (الهاون) التي استهدفت محيط القيادة العامة وسلاح الإشارة».

سيناريو ود مدني

ويشير الزين إلى أنه قرر حمل السلاح والدفاع عن أهالي منطقته، خشية تكرار سيناريو مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» الشهر الماضي، عقب انسحاب الجيش منها.

وكانت قوات «الدعم السريع» قد سيطرت على ولاية الجزيرة قبل أيام، وأحكمت قبضتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور الواقع غرب السودان، بما في ذلك فِرق ومقرات الجيش، إلى جانب سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم وإقليم كردفان.

الحرب السودانية طالت مناطق عدة من البلاد (رويترز)

وأعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ترحيبه بالمقاومة الشعبية، قائلاً: «سنسلّحهم؛ وأي سلاح عندنا سنعطيه لهم؛ لكن يجب أن يُقنَّن ويُسجَّل عند القوات النظامية، حتى لا يُحدث مشكلة مستقبلاً».

وقال البرهان في كلمة أمام قوات الجيش، في قاعدة جبيت العسكرية شرق السودان، يوم الجمعة: «أي منطقة بها مواجهة أو متوقع أن يذهب إليها العدو لينهب بيوتها، سنعطيهم السلاح، وكان عندهم سلاح يجيبوه (فليحضروه). السودان الآن في معركة يكون أو لا يكون، والشعب في تحدٍّ: أن يعيش بكرامة أو تحت العبودية والاستعمار».

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان توعد بمواصلة القتال (أ.ف.ب)

وأضاف: «الشعب السوداني يقف مع القوات المسلحة، ويريد أن يتسلح ويقاتل ليحمي البلد مع الجيش... الشباب الذين انضموا إلى المقاومة الشعبية، نقول لهم: تعالوا وقاتلوا مع الجيش؛ وأي شخص يستطيع حمل السلاح فليأتِ».

وفي كلمة مصورة نشرها عبر حسابه على منصة «إكس» يوم الاثنين الماضي، في ذكرى استقلال السودان، قال قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن قواته «مصممة وقادرة على ملاحقة الانقلابيين المستنفرين الذين يدقون طبول الحرب، أينما وجدوا في بلادنا».

وأضاف: «بعد 9 أشهر من الانتصارات العسكرية المتواصلة، وهزيمة العدو في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة، يجب عليهم الإقرار علناً بأنهم قد خسروا هذه الحرب وفشلوا فيها؛ وعليهم التوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد، والتمهيد لإنهاء الحرب وبدء العملية السياسية».

وكانت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، وقوات «الدعم السريع» قد وقَّعتا اتفاقاً في أديس أبابا يوم الثلاثاء الماضي، من أجل إنهاء الحرب عبر التفاوض بين طرفي القتال والقوى المدنية.

وقالت «تقدم» في بيان عقب توقيع إعلان أديس أبابا، إن «الدعم السريع» أعلن استعداده التام لوقف غير مشروط للقتال عبر التفاوض المباشر مع القوات المسلحة؛ ووصفت ذلك بأنه «فرصة حقيقية للسلام»، قائلة إنها ستسعى لاغتنامها عبر «تكثيف التواصل مع قيادة القوات المسلحة، لحثها على الجلوس لاجتماع عاجل».

غير أن البرهان أكد في كلمته أمام قوات الجيش بقاعدة جبيت رفضه لاتفاق أديس أبابا، قائلاً: «نقول للسياسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع (الدعم السريع)... أنتم مخطئون... اتفقتم مع جهة متمردة... مع جهة نعتبرها خارجة عن القانون، والعالم يعدها جماعة إرهابية».

تحذيرات من حرب أهلية

ويُحذّر البعض من أن تسليح المدنيين قد يقود إلى حرب أهلية تُدخل البلاد في فوضى يصعب احتواؤها.

من بين هؤلاء إبراهيم عبد المحمود، وهو موظف سوداني؛ حيث قال في حوار أجرته معه «وكالة أنباء العالم العربي»: «ليس هناك أدنى شك في أن عمليات تسليح المدنيين ستقود إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس».

ويرى عبد المحمود أن قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» تقف وراء دعوات تسليح المدنيين «لجر البلاد إلى الفوضى»، حسب وصفه.

وقال: «(كتيبة البراء بن مالك) -وهي إحدى كتائب (الإخوان المسلمين) التي تساند الجيش- بمثابة تغيير جلد لعناصر النظام السابق؛ حيث تتخفى خلف المقاومة الشعبية... وهي خطرة جداً على أمن وسلامة البلد».

أما مرتضى أحمد الذي نزح من الخرطوم إلى مدينة سنار جنوب شرقي البلاد، ومنها إلى بورتسودان شرقاً، فقد عبَّر عن خيبة أمله الشديدة بعد كلمة قائد الجيش الأخيرة، لما تضمنته في رأيه من «مؤشرات سالبة» تجاه عملية السلام.

وقال مرتضى: «بدأت أتحسس جواز سفري تأهباً لمغادرة البلاد، بعد أن كنت متشبثاً بأمل وقف الحرب».

واعتبر أحمد أن مضمون خطاب البرهان واللهجة التي تحدث بها يوحيان باستمرار الحرب لسنوات قادمة؛ خصوصاً بعد تأكيده على مسألة تسليح المواطنين، وانخراطهم فيما تسمى «المقاومة الشعبية»، وهي «مزيد من صب الزيت على النار، ومن شأنها رفع وتيرة العنف في البلاد»، حسب قوله.

جنود من الجيش السوداني خلال دورية في ولاية القضارف بشرق البلاد (أ.ف.ب)

وأضاف: «يريد قادة الجيش أن يُقحِموا المواطنين في صراع عسكري هم ليسوا طرفاً فيه؛ وما يجري الآن من استنفار وتسليح للمدنيين، نخشى أن يتسبب في حرب أهلية شاملة، ويجب أن يتوقف هذا الأمر».

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.

وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 7.2 مليون شخص داخل السودان وخارجه، ومقتل نحو 12 ألف شخص، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
خاص حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)   play-circle

خاص سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

أحيا سودانيون ذكرى 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية» عبر الفضاء الإلكتروني وعلى الأرض، بينما أعلنت «الدعم السريع» الاستيلاء على بلدة برنو قرب كادوقلي جنوب كردفان.

أحمد يونس (كمبالا)
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

TT

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تحدد فيها الإدارة الأميركية مواقيت زمنية أمام طرفي النزاع؛ الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ إعلان تدخل واشنطن بقوة في هذا الملف.

وذكر روبيو في تصريحات صحافية، الجمعة، أن «هدف واشنطن الفوري وقف الأعمال القتالية في السودان قبل بداية العام الجديد». وقال إن بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية عديدة، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في السعودية والإمارات ومصر، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، في إطار الدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وأكد روبيو في مؤتمر صحافي أن «99 في المائة من تركيزنا ينصب على هذه الهدنة الإنسانية والتوصل إليها في أسرع وقت ممكن». وأضاف: «نعتقد أن العام الجديد والأعياد المقبلة تمثل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك، ونحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الصدد».

وقال روبيو إن كلا الجانبين انتهك التزاماته، وأعرب عن قلقه إزاء التقارير الجديدة التي تفيد بتعرض قوافل مساعدات إنسانية لهجمات. وأضاف: «ما يحدث هناك مروع، إنه فظيع». وتابع: «سيأتي يوم تُعرف فيه القصة الحقيقية لما حدث هناك، وسيبدو كل من شارك في الأمر بمظهر سيئ».

ضغوط على السودان

وفي هذا الصدد، قال مصدر سوداني مطلع لــ«الشرق الأوسط»، إن رئيس «مجلس السيادة»، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، اطلع خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض على دعوة عاجلة للامتثال لخريطة الرباعية للموافقة على تهدئة القتال، وإنه طلب أسبوعاً للرد عليها بعد إجراء مشاورات مع حلفائه في الداخل.

وأوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الخطة التي طرحت على البرهان، لا تخرج عن إطار خريطة الرباعية المتفق عليها بين الدول الأربع؛ الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر. وفي حين لم يشر وزير الخارجية الأميركي إلى أي خطة جديدة، لكنه ألمح إلى أن الإدارة الأميركية قد تلجأ لممارسة المزيد من الضغوط من أجل الوصول إلى المرحلة الأولى، التي تشمل الهدنة الإنسانية، وربطها في الوقت نفسه بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مناطق النزاع.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

وربط المصدر السوداني حديث روبيو في هذا التوقيت، بزيارة البرهان إلى السعودية، وتزامنها مع وجود كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، الذي عاد إلى واشنطن بعد جولة طويلة شملت السعودية والإمارات ومصر.

تدخل سعودي حاسم

وصعد ملف الحرب في السودان إلى سلم أولويات الإدارة الأميركية، بعد التدخل السعودي الحاسم، وطلب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان من الرئيس دونالد ترمب التدخل لوقف الحرب. ووفقاً لوزارة الخارجية السودانية، أكد البرهان خلال زيارته إلى الرياض الأسبوع الماضي، حرصه على العمل مع السعودية والرئيس دونالد ترمب ومبعوثه للسلام مسعد بولس لوقف الحرب في السودان.

وبحسب المصدر نفسه، تعكس تصريحات البرهان تحولاً كبيراً في موقف الحكومة السودانية التي سبق أن رفضت مقترح «الآلية الرباعية» بهدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، مشيراً إلى أن دول الرباعية أكدت مراراً وتكراراً التزامها بالعمل في إطار هذه المبادرة لوقف الحرب عبر الحل السلمي المتفاوض عليه.

من جهته، قال مستشار «قوات الدعم السريع»، محمد المختار، إن «موقفنا المبدئي هو الترحيب بأي مبادرة لوقف الحرب ومعالجة جذور الأزمة في السودان». وأضاف أن «الدعم السريع وتحالف تأسيس (المرجعية السياسية لحكومة السلام) في نيالا، على اتفاق تام بالتعاطي مع أي جهود أو تسوية تؤدي إلى إحلال السلام في البلاد... وظللنا منذ اندلاع الحرب نستجيب لكل المساعي الإقليمية والدولية في هذا الصدد».

التحركات الأميركية

وقال دبلوماسي سوداني سابق، إن الإدارة الأميركية لا تلجأ في العادة لتحديد سقف زمني لأي ملف تتحرك فيه دون مؤشرات واضحة أو حصولها على ضوء أخضر، مضيفاً: «صحيح أن القيد الزمني الذي وضعته ضيق جداً، لكنها قد تنجح في اقتلاع موافقة نهائية من طرفي الحرب بخصوص الهدنة الإنسانية في الأيام القليلة المقبلة».

وأشار الدبلوماسي السوداني إلى أن وقف إطلاق النار يتوقف على كلا الجانبين، من حيث الوفاء بالتزاماتهما في تنفيذ المقترح المطروح من قبل «الآلية الرباعية». وأضاف الدبلوماسي، الذي طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، أن إدارة ترمب تركز في الوقت الحالي على جمع الطرفين في مفاوضات مباشرة للاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى للهدنة الإنسانية التي تمهد الانتقال إلى مرحلة إيقاف دائم لإطلاق النار، يعقب ذلك تنفيذ الرؤية المضمنة في خريطة الرباعية بخصوص العملية السياسية والانتقال إلى الحكم المدني.وتوقع الدبلوماسي أن تتسارع وتيرة تحركات الرباعية بكثافة في الأيام المقبلة، بعد حديث روبيو، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع طرفي الصراع للالتزام بتنفيذ الهدنة فوراً دون تأخير.

وتنص خريطة «الرباعية» على التنفيذ السريع لمقترح الهدنة الإنسانية لمدة 3 أشهر، وإيقاف فوري لإطلاق النار دون قيد أو شرط، وتطويره إلى وقف إطلاق نار دائم، ثم البدء في مفاوضات سياسية.

ترحيب إماراتي

من جهته، جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على أن الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وضمان وصول إنساني آمن من دون عوائق إلى المدنيين، يمثلان أولوية قصوى في ظل تفاقم الاحتياجات الإنسانية واتساع دائرة المعاناة في السودان.

ورحّب الشيخ عبد الله بن زايد بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن السودان، التي شدد فيها على أن الهدف العاجل لواشنطن يتمثل في وقف الأعمال العدائية مع دخول العام الجديد بما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات إلى مختلف أنحاء البلاد.

الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي (وام)

وأثنى وزير الخارجية الإماراتي على ما تضمنته التصريحات الأميركية من تركيز على دفع مسار التهدئة الإنسانية والتخفيف من وطأة الأزمة، مؤكداً أن أي تقدم عملي يبدأ بوقف إطلاق النار على نحو عاجل، بما يوفر حماية للمدنيين ويؤسس لتهيئة بيئة سياسية أكثر قابلية للحل.

كما رأى أن تثبيت الهدنة الإنسانية وفتح الممرات أمام الإغاثة «يمهدان الطريق» لمسار سياسي يفضي إلى انتقال مدني مستقل يحقق تطلعات السودانيين إلى الأمن والاستقرار والسلام.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ عبد الله بن زايد التزام دولة الإمارات بالعمل مع المجموعة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة، ضمن جهود تستهدف دعم مسار سياسي مدني مستدام يضع مصلحة الشعب السوداني فوق كل اعتبار.

إدريس إلى نيويورك

من جهة ثانية، توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك، السبت، للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية ووقف محتمل لإطلاق النار، وفق ما أفاد مصدران في الحكومة السودانية.

وتأتي هذه الزيارة في ظلّ احتدام المعارك بين الجيش السوداني و«قوّات الدعم السريع» في جنوب كردفان، ما يثير مخاوف من فظائع جديدة شبيهة بتلك التي ارتكبت في مدينة الفاشر في أواخر أكتوبر (تشرين الأول). وترافقت سيطرة «قوّات الدعم السريع» على آخر معقل للجيش في إقليم دارفور (غرب) مع تقارير عن عمليات قتل جماعي واغتصاب واختطاف.


مصر: رفع اسم علاء عبد الفتاح من قائمة «منع السفر»

علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
TT

مصر: رفع اسم علاء عبد الفتاح من قائمة «منع السفر»

علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)

رفع النائب العام المصري، محمد شوقي عياد، السبت، اسم الناشط علاء عبد الفتاح من قوائم «منع السفر»، استجابةً لطلب قدمه محاميه في وقت سابق.

وبموجب قرار النائب العام الذي ستجري مخاطبة الجهات المختصة به، سيكون من حق علاء عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية بجانب جنسيته المصرية، القدرة على مغادرة البلاد بعد نحو 3 أشهر من الإفراج عنه بعفو رئاسي استجابة لمناشدات عدة قدمتها أسرته، ومخاطبة قدمها «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر.

وصدر حكم قضائي على علاء عبد الفتاح في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بالسجن 5 سنوات بتهمة «الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة داخل وخارج البلاد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها».

وجاء الحكم بعد أكثر من عامين على توقيف الناشط، الذي أُلقي القبض عليه في سبتمبر (أيلول) 2019.

وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قررت رفع اسم علاء عبد الفتاح من «قوائم الإرهاب» في القضية رقم 1781 لسنة 2019 في يوليو (تموز) الماضي، مستندة إلى التحريات التي أفادت بـ«عدم استمراره في أي نشاط لصالح جماعة إرهابية»، وهو القرار الذي ترتّب عليه إنهاء جميع الآثار القانونية المترتبة على الإدراج، بما في ذلك المنع من السفر وتجميد الأموال وغيرهما من العقوبات.

وحصل علاء عبد الفتاح على الجنسية البريطانية خلال وجوده في السجن، بعدما تقدمت شقيقتاه بطلب للسلطات البريطانية على خلفية حصول والدته على الجنسية لولادتها هناك، وهو ما جعل موقفه القانوني محل نقاش مستمر بين المسؤولين المصريين ونظرائهم البريطانيين خلال السنوات الماضية.


مصر وروسيا… «شراكة استراتيجية» تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية

محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وروسيا… «شراكة استراتيجية» تحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية

محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)

استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، السبت، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يزور القاهرة للمشاركة في منتدى الشراكة الروسي– الأفريقي، ما عدّه خبراء تفعيلاً لاتفاقية «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي» الموقعة بين البلدين، ما يعزز تقارب المواقف بين القاهرة وموسكو بشأن عدد من القضايا الإقليمية.

ووقع الرئيس المصري ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018 «اتفاقية بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين»، التي تشمل العلاقات التجارية والصناعية وتستمر لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد.

وأعرب الرئيس المصري خلال لقاء لافروف، السبت، عن «تقديره لمسار العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو، التي تشهد نمواً متواصلاً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية»، مشيراً إلى أهمية «مواصلة تعزيز التعاون المشترك، لا سيما ما يتعلق بمشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروع محطة الضبعة النووية، إلى جانب ملفات التعاون الاستراتيجي الأخرى بين البلدين»، بحسب بيان للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي.

وأعرب وزير الخارجية الروسي عن «تطلع بلاده لمواصلة العمل مع الجانب المصري للارتقاء بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين لآفاق أرحب، ومواصلة البناء على ما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين من تفاهمات لتطوير العلاقات خلال زيارة السيسي لروسيا في مايو (أيار) الماضي»، وفق متحدث الرئاسة المصرية.

وتعمل مصر على إنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شارك الرئيس المصري، ونظيره الروسي عبر تقنية «الفيديو كونفرانس» في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي.

وأكدت عضو مجلس الشيوخ المصري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، الدكتورة نورهان الشيخ، «أهمية زيارة لافروف للقاهرة لا سيما أنها تأتي في إطار اللقاءات الدورية لتفعيل الشراكة الشاملة بين البلدين». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الطاقة تعد أبرز ملامح التعاون الروسي- المصري من خلال مشروع محطة الضبعة النووية».

وأشارت إلى «شراكة متميزة بين البلدين في مختلف المجالات، على رأسها الاقتصاد، الذي يشمل إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بعدّها نقلة في العلاقات، إلى جانب التعاون في مجال الأمن والتكنولوجيا، والتعاون العسكري والأمني بين البلدين والتنسيق بينهما في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، والمناورات العسكرية المتكررة بين البلدين».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أثناء استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في القاهرة السبت (الرئاسة المصرية)

وبحسب مراقبين، فإن مشروع «الضبعة» يعزز التقارب بين مصر وروسيا لسنوات مقبلة، وإن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين يتطور بصورة سريعة وستكون المنطقة الصناعية الروسية محطة مهمة في هذا التعاون.

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد أكد في مؤتمر صحافي مشترك، الجمعة، مع لافروف، على أهمية «تسريع وتيرة التعاون في المنطقة الصناعية الروسية». وعدّ مشروع «الضبعة» «لحظة تاريخيّة تؤكد عمق العلاقات بين البلدين». بينما أوضح لافروف خلال المؤتمر أن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا وصل العام الماضي إلى 9.3 مليار دولار بزيادة 31 في المائة مقارنة بعام 2023.

وأشار متحدث الرئاسة المصرية، السبت، إلى أن لقاء الرئيس السيسي ووزير الخارجية الروسي تناول عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الأوضاع في قطاع غزة والسودان وليبيا، حيث «جرى التأكيد على ضرورة وقف الحرب في غزة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع التصعيد في المنطقة، مع الحفاظ على سيادة الدول وسلامة أراضيها ومقدرات شعوبها».

وفي هذا الإطار «ثمن وزير الخارجية الروسي التنسيق والتشاور السياسي القائم بين القاهرة وموسكو»، مؤكداً أهمية تكثيف هذا التشاور بشأن القضايا محل الاهتمام المشترك، وفق متحدث الرئاسة.

وعلى صعيد الأزمة الروسية - الأوكرانية، أكد السيسي «دعم مصر لكل الجهود الرامية لإنهاء الأزمة عبر الحلول السياسية»، لافتاً إلى «استعداد القاهرة لتقديم كل الدعم اللازم للجهود الدولية في هذا الإطار».

وأوضحت عضو مجلس الشيوخ المصري أن «موقف روسيا قريب من الموقف المصري في كثير من القضايا، ويقترب من التطابق بالنسبة لغزة»، مشيرة إلى أن «الأزمة الأوكرانية لها درجة من الخصوصية، فالتوازن المصري في العلاقات الخارجية أتاح للقاهرة لعب دور وساطة في الإطار العربي والأفريقي، لكن تعقيدات الأزمة لم تسمح لأي جهود وساطة بالنجاح».

وكان لافروف قد أشار في المؤتمر الصحافي مع نظيره المصري، الجمعة، إلى «الاتفاق على توسيع التنسيق السياسي بين مصر وروسيا في المحافل الدولية وفي إطار الحوارات بين روسيا والدول العربية».