سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يخشون حرباً أهلية مدمرة مع زيادة الاستنفار وتسليح المدنيين

سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)
سودانيون يلوحون بالأسلحة ويرددون الشعارات وهم يقودون سياراتهم في أحد الشوارع للتعبير عن دعمهم للجيش في مدينة القضارف في السودان (أ.ف.ب)

مع اتساع دائرة التسليح والاستنفار للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة السودانية، في جميع المدن الخاضعة لسيطرة الجيش، في إطار ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية»، تزداد مخاوف سودانيين من اندلاع حرب أهلية.

وقال أيمن الزين الذي التحق بمعسكر للتجنيد في ولاية نهر النيل شمال البلاد، إنه حصل على قطعة سلاح، وبدأ التدّرب على إطلاق النار للدفاع عن أهالي المنطقة؛ خصوصاً النساء والأطفال، مما سمّاها «انتهاكات» قوات «الدعم السريع»، وفقاً لما ذكرته «وكالة أنباء العالم العربي».

تصاعد الدخان جراء اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في الخرطوم (أرشيفية- أ.ف.ب)

وأضاف: «نحن الآن جاهزون ومستعدون لأي احتمالات إذا تقدَّم المتمردون إلى منطقتنا؛ وسندافع عن أنفسنا وأعراضنا بكل ما أوتينا من قوة».

وتنشط ما تُعرف بـ«المقاومة الشعبية» في حشد الأهالي وتدريبهم على حمل السلاح في مناطق سيطرة الجيش؛ حيث انضم إلى صفوفها آلاف في ولايتي نهر النيل والشمالية شمال السودان، وفي سنار والقضارف وكسلا وبورتسودان في الشرق، وفي النيل الأبيض وسط البلاد، للمشاركة مع القوات المسلحة في معركتها ضد قوات «الدعم السريع».

وقال الزين: «معظم سكان مدينة شندي (في ولاية نهر النيل) استجابوا لنداء الوطن... الجميع يحملون سلاحهم طوال اليوم، حتى في الأسواق والمحال التجارية. نتوقع هجوم (الدعم السريع) في أي لحظة؛ خصوصاً بعد تمكنهم من دخول مدينة ود مدني بسهولة ودون مقاومة تذكر».

وشهدت مناطق متفرقة من ضواحي العاصمة الخرطوم غارات مكثفة للطيران الحربي للجيش السوداني أمس (السبت)، استهدفت مواقع سيطرة قوات «الدعم السريع».

وقال موقع «راديو دبنقا» الإخباري السوداني: «حلقت الطائرات المُسيَّرة والحربية بأحياء الخرطوم شرق وجنوب الحزام التي استهدفها الطيران بالبراميل المتفجرة... وردت قوات (الدعم السريع) بالمضادات الأرضية، بجانب استخدام مدافع (الهاون) التي استهدفت محيط القيادة العامة وسلاح الإشارة».

سيناريو ود مدني

ويشير الزين إلى أنه قرر حمل السلاح والدفاع عن أهالي منطقته، خشية تكرار سيناريو مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» الشهر الماضي، عقب انسحاب الجيش منها.

وكانت قوات «الدعم السريع» قد سيطرت على ولاية الجزيرة قبل أيام، وأحكمت قبضتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور الواقع غرب السودان، بما في ذلك فِرق ومقرات الجيش، إلى جانب سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم وإقليم كردفان.

الحرب السودانية طالت مناطق عدة من البلاد (رويترز)

وأعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ترحيبه بالمقاومة الشعبية، قائلاً: «سنسلّحهم؛ وأي سلاح عندنا سنعطيه لهم؛ لكن يجب أن يُقنَّن ويُسجَّل عند القوات النظامية، حتى لا يُحدث مشكلة مستقبلاً».

وقال البرهان في كلمة أمام قوات الجيش، في قاعدة جبيت العسكرية شرق السودان، يوم الجمعة: «أي منطقة بها مواجهة أو متوقع أن يذهب إليها العدو لينهب بيوتها، سنعطيهم السلاح، وكان عندهم سلاح يجيبوه (فليحضروه). السودان الآن في معركة يكون أو لا يكون، والشعب في تحدٍّ: أن يعيش بكرامة أو تحت العبودية والاستعمار».

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان توعد بمواصلة القتال (أ.ف.ب)

وأضاف: «الشعب السوداني يقف مع القوات المسلحة، ويريد أن يتسلح ويقاتل ليحمي البلد مع الجيش... الشباب الذين انضموا إلى المقاومة الشعبية، نقول لهم: تعالوا وقاتلوا مع الجيش؛ وأي شخص يستطيع حمل السلاح فليأتِ».

وفي كلمة مصورة نشرها عبر حسابه على منصة «إكس» يوم الاثنين الماضي، في ذكرى استقلال السودان، قال قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن قواته «مصممة وقادرة على ملاحقة الانقلابيين المستنفرين الذين يدقون طبول الحرب، أينما وجدوا في بلادنا».

وأضاف: «بعد 9 أشهر من الانتصارات العسكرية المتواصلة، وهزيمة العدو في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة، يجب عليهم الإقرار علناً بأنهم قد خسروا هذه الحرب وفشلوا فيها؛ وعليهم التوقف عن الاستنفار والقتال وتدمير البلاد، والتمهيد لإنهاء الحرب وبدء العملية السياسية».

وكانت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، وقوات «الدعم السريع» قد وقَّعتا اتفاقاً في أديس أبابا يوم الثلاثاء الماضي، من أجل إنهاء الحرب عبر التفاوض بين طرفي القتال والقوى المدنية.

وقالت «تقدم» في بيان عقب توقيع إعلان أديس أبابا، إن «الدعم السريع» أعلن استعداده التام لوقف غير مشروط للقتال عبر التفاوض المباشر مع القوات المسلحة؛ ووصفت ذلك بأنه «فرصة حقيقية للسلام»، قائلة إنها ستسعى لاغتنامها عبر «تكثيف التواصل مع قيادة القوات المسلحة، لحثها على الجلوس لاجتماع عاجل».

غير أن البرهان أكد في كلمته أمام قوات الجيش بقاعدة جبيت رفضه لاتفاق أديس أبابا، قائلاً: «نقول للسياسيين الذين وقَّعوا اتفاقاً مع (الدعم السريع)... أنتم مخطئون... اتفقتم مع جهة متمردة... مع جهة نعتبرها خارجة عن القانون، والعالم يعدها جماعة إرهابية».

تحذيرات من حرب أهلية

ويُحذّر البعض من أن تسليح المدنيين قد يقود إلى حرب أهلية تُدخل البلاد في فوضى يصعب احتواؤها.

من بين هؤلاء إبراهيم عبد المحمود، وهو موظف سوداني؛ حيث قال في حوار أجرته معه «وكالة أنباء العالم العربي»: «ليس هناك أدنى شك في أن عمليات تسليح المدنيين ستقود إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس».

ويرى عبد المحمود أن قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» تقف وراء دعوات تسليح المدنيين «لجر البلاد إلى الفوضى»، حسب وصفه.

وقال: «(كتيبة البراء بن مالك) -وهي إحدى كتائب (الإخوان المسلمين) التي تساند الجيش- بمثابة تغيير جلد لعناصر النظام السابق؛ حيث تتخفى خلف المقاومة الشعبية... وهي خطرة جداً على أمن وسلامة البلد».

أما مرتضى أحمد الذي نزح من الخرطوم إلى مدينة سنار جنوب شرقي البلاد، ومنها إلى بورتسودان شرقاً، فقد عبَّر عن خيبة أمله الشديدة بعد كلمة قائد الجيش الأخيرة، لما تضمنته في رأيه من «مؤشرات سالبة» تجاه عملية السلام.

وقال مرتضى: «بدأت أتحسس جواز سفري تأهباً لمغادرة البلاد، بعد أن كنت متشبثاً بأمل وقف الحرب».

واعتبر أحمد أن مضمون خطاب البرهان واللهجة التي تحدث بها يوحيان باستمرار الحرب لسنوات قادمة؛ خصوصاً بعد تأكيده على مسألة تسليح المواطنين، وانخراطهم فيما تسمى «المقاومة الشعبية»، وهي «مزيد من صب الزيت على النار، ومن شأنها رفع وتيرة العنف في البلاد»، حسب قوله.

جنود من الجيش السوداني خلال دورية في ولاية القضارف بشرق البلاد (أ.ف.ب)

وأضاف: «يريد قادة الجيش أن يُقحِموا المواطنين في صراع عسكري هم ليسوا طرفاً فيه؛ وما يجري الآن من استنفار وتسليح للمدنيين، نخشى أن يتسبب في حرب أهلية شاملة، ويجب أن يتوقف هذا الأمر».

واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي، بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج «الدعم السريع» في الجيش، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.

وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 7.2 مليون شخص داخل السودان وخارجه، ومقتل نحو 12 ألف شخص، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

10 قتلى بضربة مسيّرة استهدفت سوقاً في ولاية شمال دارفور

شمال افريقيا عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب) play-circle

10 قتلى بضربة مسيّرة استهدفت سوقاً في ولاية شمال دارفور

قُتِل 10 أشخاص في نهاية الأسبوع جرّاء ضربة بواسطة طائرة مسيّرة على سوق مزدحمة في ولاية شمال دارفور السودانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

قوى مدنية سودانية تطالب بتصنيف الإسلاميين «جماعة إرهابية»

وزعت قوى مدنية سودانية «خطابات عاجلة» على مسؤولين دوليين وإقليميين، طالبت فيها بتصنيف «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني» وواجهاتهما «منظماتٍ إرهابية».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان في هجليج

استبعدت «قوات الدعم السريع» حدوث اشتباكات مسلحة بينها وبين قوات جنوب السودان، على منطقة هجليج النفطية في ولاية جنوب كردفان.

أحمد يونس (كمبالا )
شمال افريقيا روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تضع فيها واشنطن.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

خاص 10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.


ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)

تستعد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت مؤخراً في مدن شرق البلاد وجنوبها.

وأعلنت المفوضية في بيان، الأحد، أن مركزها للعدّ والإحصاء استكمل إدخال جميع بيانات استمارات النتائج الواردة من المكاتب الانتخابية، في إطار الإجراءات الفنية المعتمدة و«وفق أعلى معايير الدقة والمراجعة»، مشيرة إلى أن «العمل حالياً متوقف عند انتظار أحكام القضاء المختص بشأن الطعون المقدمة؛ التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وضماناً لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية».

ونفت المفوضية ما جرى تداوله بشأن صدور النتائج الأولية لهذه الانتخابات، مؤكدة أن الإعلان عن أي نتائج سيتم فقط عبر القنوات الرسمية للمفوضية، وبعد استكمال جميع المراحل القانونية والإجرائية، مجددة «التزامها بإطلاع الجميع على أي مستجدات في حينها وبكل شفافية».

وتنتظر المفوضية أحكام المحاكم المختصة في 7 طعون بالبلديات التي أجريت بها عملية الاقتراع السبت الماضي؛ لإعلان النتائج الأولية.

من جهة أخرى، أدانت لجنة متابعة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب بشرق ليبيا، الهجوم الذي استهدف مقر «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» في مدينة جنزور بالعاصمة طرابلس، وعدّته «اعتداءً خطيراً على مؤسسات الدولة، ومحاولة لإفشال جهود مكافحة الفساد وتقويض ثقة المواطنين».

وطالبت اللجنة، في بيان مساء السبت، بفتح تحقيق عاجل وشفاف لملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، مع اتخاذ إجراءات لحماية المؤسسات الرقابية، مؤكدة تضامنها الكامل مع العاملين بالهيئة، واستمرار دعمها لمسار الإصلاح وبناء دولة القانون.

وكان مقر هيئة مكافحة الفساد في جنزور بغرب ليبيا، تعرض لهجوم الأسبوع الماضي، أدى إلى أضرار مادية دون إصابات بشرية، وسط تعهدات بتحقيق سريع وإدانات رسمية؛ باعتباره استهدافاً مباشراً لمؤسسة رقابية معنية بحماية المال العام.

وفي شأن يتعلق بالأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، قال رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمّدة بالخارج بمجلس النواب، يوسف العقوري، إنه «يتابع باهتمام بالغ، إحاطة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت الجمعة، وذلك في إطار متابعة ملف الأموال الليبية المجمّدة في الخارج، وما يحيط به من تجاوزات خطيرة».

ونقل العقوري مساء السبت، عن السفير عمار بن جمعة، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، قوله إن «الأرصدة المالية الليبية المجمّدة تتعرض للتآكل وسوء الاستخدام من قبل بعض المؤسسات المالية الأجنبية المودعة لديها، في خرق واضح للقانون الدولي وللقرارات الأممية ذات الصلة».

وقال العقوري إن السفير الجزائري، طالب باسم بلاده وباسم المجموعة الأفريقية، «بضرورة إجراء عملية محاسبة شاملة وشفافة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، مع إلزامها بتعويض الدولة الليبية عن أي خسائر لحقت بهذه الأرصدة».

ورحب العقوري بـ«الدعم الدولي لموقف ليبيا الذي يطالب بتدقيق مالي لجميع الأرصدة، وتعويضها عن أي مخالفات بشأنها»، وأضاف أن «أي تلاعب أو سوء إدارة لهذه الأرصدة، يُعدّ اعتداءً مباشراً على السيادة الليبية وحقوق الأجيال القادمة».

وانتهى إلى أن اللجنة «لن تتهاون في هذا الملف، وستتخذ كل الإجراءات البرلمانية والقانونية والدولية اللازمة لملاحقة المتسببين، وضمان حماية الأموال الليبية واسترداد حقوق الدولة كاملة بالتنسيق الكامل مع الدول الصديقة الأعضاء في مجلس الأمن».


الجزائر تعتزم ملاحقة أموال الفساد في «الملاذات الضريبية»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
TT

الجزائر تعتزم ملاحقة أموال الفساد في «الملاذات الضريبية»

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في افتتاح «معرض الإنتاج الوطني» بالجزائر العاصمة (الرئاسة)

أعاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون طرح ملف «الأموال المنهوبة» إلى الواجهة، مؤكداً أن «معركة استرجاع ممتلكات الشعب لا تزال مستمرة»، وتمر حسبه عبر مسارين: داخلي حقق نتائج ملموسة، وخارجي ينتظر «ساعة الحقيقة». ومنذ سقوط حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2019، أطلقت السلطات حملة في الداخل والخارج، تستهدف وجهاء في النظام محل شبهة اختلاس أو تحويل أموال عامة.

وفي خطوة تهدف إلى جرد حسابات واحدة من أعقد القضايا الاقتصادية في تاريخ الجزائر، تناول الرئيس تبون في تصريحات حديثة «قضية المال المسروق»، لمناسبة حضوره «معرض الإنتاج الوطني» الذي تجري فعالياته بالعاصمة منذ الخميس الماضي، وذلك بحضور الوزير الأول سيفي غريب، وكثير من المسؤولين المدنيين والعسكريين.

رجال أعمال جزائريون في السجن بتهم فساد (الشرق الأوسط)

وأكد الرئيس تبون أنه «تم اختلاس مبالغ ضخمة من قبل أوليغارشيين»، في إشارة ضمناً، إلى رجال أعمال كانوا نافذين في اتخاذ القرار السياسي خلال فترة حكم بوتفليقة (1999 - 2019)، لافتاً إلى أنهم «أخفوا الأموال في الجزر العذراء»، في إشارة إلى البلدان التي يفترض أنها تحتضن شركات وهمية، منشأها أموال عامة جزائرية من عائدات «الفساد»، أو ما يسمى في الإعلام «الملاذات الضريبية».

وجهاء من النظام السابق

وحسب الرئيس تبون، فإن «البلاد عاشت كارثة حقيقية، حيث تعرضت الأموال للسرقة، فضلاً عن تفشي ظاهرة تضخيم الفواتير، واليوم يجب استرجاع أموال الدولة». ويقصد تبون بـ«الكارثة» فترة حكم الرئيس السابق، التي تميّزت، وفق تقدير الفريق المسيّر للبلاد حالياً، بممارسات فساد مالي وأخلاقي غير مسبوقة. ويُطلق على رجال تلك المرحلة وصف «العصابة»، علماً بأن تبون تولّى خلالها مسؤوليات وزارية بارزة، ويؤكد أنه كان شخصياً أحد «ضحايا العصابة»، بعد عزله من رئاسة الوزراء سنة 2017، عقب ثلاثة أشهر فقط من توليه المنصب، مُرجعاً ذلك إلى كونه «شكّل مصدر تهديد لمصالح الأوليغارشية». وقال تبون بهذا الخصوص، في «معرض الإنتاج الوطني»: «بالنسبة للأموال المخفية في الجزر العذراء أو في أي مكان آخر، سيأتي يومها... وفي كل الحالات، بالنسبة للأشياء الظاهرة، سيسمح ذلك للخزينة العامة باسترجاع جزء من آلاف المليارات من الدينارات». يقصد بـ«الأشياء الظاهرة»، الشركات والأموال التي تم حجزها ومصادرتها، بقرارات قضائية، والتي توجد في الجزائر وتعود في الأصل إلى رجال أعمال أدانتهم المحاكم بأحكام ثقيلة بالسجن بين عامي 2020 و2021. وتم ضم هذه الأملاك إلى «الشركات القابضة» المملوكة للدولة.

وأشاد تبون بـ«النفس الجديد الذي نشهده اليوم فيما يخص جهود استرجاع الأموال المنهوبة، بعد التراخي الذي لوحظ في هذا الجانب»، مشدداً على «ضرورة أن يُعطى لقيصر ما هو لقيصر».

وتحدث عن سيفي قائلاً: «منذ أن كان وزيراً للصناعة، هو من استرجع غالبية الشركات»، في إشارة إلى ضم 37 مؤسسة للصناعات الغذائية إلى مجمع عمومي مختص في هذا النشاط، وهي حالياً تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، حسب تصريحات سابقة للوزير الأول. وكانت هذه المؤسسات ملكاً لرجال أعمال متهمين بالفساد. وأوضح المسؤولون للرئيس، في «معرض الإنتاج الوطني»، أن جميع الوظائف في هذه المؤسسات تم الحفاظ عليها، كما تم إجراء توظيفات جديدة، وكذلك تطوير وتحديث هذه المؤسسات. والهدف من ذلك هو تنويع منتجات المجمع الحكومي للصناعة الغذائية، ودعم السوق المحلية بالمنتجات والسلع، والتوجه نحو التصدير. ويعمل في هذا المجمَع حالياً 2234 شخصاً، حسب المسؤولين أنفسهم.

أرقام مجهولة

ولا تُعرف حتى الساعة قيمة «المال المسروق» الموجود في الخارج. أما في الداخل فقد صرّح تبون عام 2023 بأن قيمة الأملاك والأموال التي صادرها القضاء، بعد محاكمات في إطار «الفساد»، تصل إلى 22 مليار دولار. وكتبت الصحافة يومها أن جهاز الأمن اكتشف أموالاً طائلة مخزنة في شقة بالعاصمة، ملك لمسؤول عسكري كبير هارب من القضاء يعيش حالياً في الخارج.

الجنرال غالي بلقصير قائد الدرك سابقاً صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية بتهم فساد (الشرق الأوسط)

وأطلق القضاء الجزائري منذ عام 2021 مذكرات اعتقال دولية بحق عدة مسؤولين مدنيين وعسكريين، بعد إدانتهم غيابياً بتهم فساد، أبرزهم وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب، ووزير الطاقة شكيب خليل، وقائد سلاح الدرك الجنرال غالي بلقصير، وكلهم يقيمون في بلدان مصنفة «ملاذات ضريبية».

رئيس مجموعة «سوناطراك» سابقاً عبد المؤمن ولد قدور (إعلام حكومي)

تعاون دولي متباين

وتتعاون الدول بشكل مختلف مع مذكرات الاعتقال الجزائرية. ففي أغسطس (آب) 2021 تسلمت الجزائر من دولة الإمارات، رئيس شركة «سوناطراك» للمحروقات سابقاً عبد المؤمن ولد قدور، إثر الحكم عليه قضائياً بتهمة «تضخيم فواتير» في صفقة شراء مصفاة نفطية من إيطاليا.

وسبق للرئيس الجزائري أن صرّح، لوسائل إعلام أجنبية، بأن فرنسا «لا تتعاون بالقدر المطلوب» مع الجزائر فيما يخص طلبات التحفظ على أرصدة مالية وممتلكات عقارية تعود لمسؤولين ونافذين، كانوا جزءاً من منظومة الحكم في فترات سابقة.

وزير الصناعة سابقاً عبد السلام بوشوارب (الشرق الأوسط)

ويُعدّ الوزير عبد السلام بوشوارب (2015 - 2017) أبرز هذه الحالات، إذ رفض القضاء الفرنسي، في مارس (آذار) الماضي، طلب تسليمه إلى الجزائر، عاداً أن حكومتها «لم تقدم ضمانات حول تنظيم محاكمة عادلة له». وبخلاف باريس، أظهرت سويسرا استعداداً للتعاون مع الجزائر في هذا المجال. فبعد تسليمها عام 2023 وديعة بقيمة 1.7 مليون يورو تعود لبوشوارب، تعهد وزير العدل والشرطة السويسري خلال زيارته الجزائر في يوليو (تموز) الماضي، بأن برن «ستقدّم كل الدعم للجزائر في مساعيها الرامية إلى استرجاع الأموال التي تعود ملكيتها إلى الشعب الجزائري».