يُعدّ التفجيران، اللذان خلّفا 84 قتيلاً على الأقل، الأربعاء، في جنوب إيران، الاعتداء الأكثر حصداً للأرواح في البلاد، منذ أكثر من أربعة عقود. وتبنّى تنظيم «داعش»، الخميس، التفجيرين، بعدما أثارا مخاوف من توسّع رقعة الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».
وفي ما يلي ما نعرفه عن الهجوم الذي فتحت الحكومة تحقيقاً بشأنه.
ماذا حصل؟
استهدف التفجيران حشداً من أنصار «الحرس الثوري» توجّهوا للمشاركة في الذكرى السنوية الرابعة لمقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، قرب مسجد صاحب الزمان في محافظة كرمان جنوب إيران؛ حيث مسقط رأس الجنرال الإيراني الذي قُتل بضربة أميركية في العراق، خلال يناير (كانون الثاني) 2020.
ويُنسَب إلى سليماني إنشاء ميليشيات مسلَّحة، بعد إرسال قوات لدعم الحكومة السورية ضد المعارضة، في بداية العقد المنصرم، قبل أن يوسع نطاق عملياته في العراق مع ظهور تنظيم «داعش».
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا» عن مصدر مطّلع قوله إن الانفجار الأول في كرمان نفّذه انتحاري تمزّق جسده إلى أشلاء. وما زال التحقيق مستمراً بشأن الانفجار الثاني، لكن من المحتمل جداً أن يكون انتحاري قد نفّذه أيضاً، وفقاً لـ«إرنا».
ووقع الانفجار الأول قرابة الساعة 14.45 بالتوقيت المحلي، على بُعد 700 متر من ضريح سليماني، والثاني بعده بـ15 دقيقة.
تنظيم «داعش»
وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم، الخميس، مؤكداً، عبر قنواته على تطبيق «تلغرام»، أن اثنين من عناصره «فجّرا حزاميهما الناسفين (...) وسط تجمع كبير قرب قبر قاسم سليماني، بمدينة كرمان جنوب إيران».
وتوعّد المرشد الإيراني علي خامنئي بـ«ردّ حازم» على «أعداء الأمة الإيرانية الأشرار والمجرمين» المسؤولين عن الهجوم.
وأعلن القائد الحالي لـ«فيلق القدس» إسماعيل قاآني أن حشد كرمان «تعرَّض لهجوم من أشخاص متعطشين للدماء مموَّلين من الولايات المتحدة والنظام الصهيوني».
ورفضت «الخارجية» الأميركية توجيه أي اتهامات للولايات المتحدة أو لإسرائيل بالتورط في الهجوم، معتبرة أنّه «أمر سخيف»، ولم تُعلّق الحكومة الإسرائيلية على الهجوم.
والتفجيران قُرب مرقد سليماني هما الأكثر حصداً للأرواح في إيران منذ عام 1978، عندما أدّى حريق متعمَّد إلى مقتل 377 شخصاً على الأقل في دُور سينما في عبادان، جنوب غربي البلاد.
وقال وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إن «الجريمة البشِعة في كرمان (...) في ذكرى سليماني مؤلمة جداً، تُظهر أن الإرهاب الأعمى لا يتغاضى عن ارتكاب أي جريمة لبلوغ أهدافه، على خلاف القيم الإنسانية، مثلما أغرق الكيان الصهيوني بصفته رائد ومصدر الإرهاب في المنطقة والعالم، آلاف الرجال والنساء والأطفال في دماء غزة».
وأضاف: «من الضروري أن يدين العالم هذا الهجوم الإرهابي الوحشي لمعاقبة الآمرين والمنفّذين». وقال: «في الوقت نفسه يجب اتخاذ خطوة عملية لوقف إرهاب الدولة وجريمة الحرب الإسرائيلية، وأن يضع الاعتبارات غير المبرَّرة جانباً».
في هذا الصدد، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، قوله إن التفجيرين «ما كانا ليقعا لولا أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية».
هجمات في أوقات حرجة
وخلال العامين الماضيين، أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن هجومين مسلَّحين استهدفا مرقداً في مدينة شيراز، جنوب البلاد. وكان آخِر هجوم مسلَّح تبنّاه تنظيم «داعش» على مرقد شيراز، يعود إلى أغسطس (آب) الماضي، بينما كانت السلطات تتخذ إجراءات أمنية مشدَّدة قبل الذكرى السنوية الأولى من احتجاجات مناهِضة للسلطة، احتجاجاً على وفاة شابة إيرانية كردية أثناء احتجازها بدعوى سوء الحجاب.
وأدى الهجوم، في 13 أغسطس إلى مقتل شخصين، وجرح 7 آخرين، وقالت السلطات إنها أوقفت 9 مشتبهين، وجميعهم أجانب، عقب الهجوم. وأصدرت محكمة إيرانية، في سبتمبر (أيلول) الماضي، حكماً بإعدام رجل طاجيكستاني أُدين بتنفيذ هجوم مسلَّح.
وقبل ذلك بنحو عشرة أشهر، بعد أسابيع من تفجر احتجاجات مهسا أميني، في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، قُتل 13 شخصاً، وأُصيب 30 آخرون بجروح في هجوم مسلح، في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 استهدف مرقد شاه جراغ.
ويومها، قالت السلطات الإيرانية إن تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن الهجوم، لكنّ ناشطين ومنظمات تراقب حالة حقوق الإنسان في إيران أثاروا تساؤلات حول توقيت ودوافع الهجوم الذي تَزامن مع إطلاق حملة لإخماد احتجاجات مهسا أميني. وواجهت السلطات اتهامات بمحاولة صرف الأنظار عما يحدث في البلاد.
وأعدمت إيران شنقاً في ساحة عامة، في 8 يوليو (تموز) الماضي، رجلين، على خلفية هجوم العام الماضي بعد إدانتهما بتُهم «الإفساد في الأرض، والتمرد المسلَّح، والعمل ضد الأمن القومي»، بالإضافة إلى «التآمر على أمن البلاد»، وفق ما ذكر «ميزان».
تداعيات
تخوض إيران حرباً في الظل مع إسرائيل، وتُقاتل أيضاً مجموعات معارضة مختلفة، خصوصاً في جنوب وجنوب شرقي البلاد، أعلنت مسؤوليتها عن هجمات عدة في السنوات الأخيرة.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بـ«تسهيل» الهجمات على القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وبـ«التورط العميق» في هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن ضد سفن تجارية في البحر الأحمر.
ورأى فلاحت بيشه، في تصريحه، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الهجوم يمكن أن يكون «إشارة مرسلة لإجبار إيران على التفاوض ومطالبتها بالتعاون في إدارة التوترات الإقليمية».