وظائف ما قبل الشهرة... «أكل العيش كان مرّاً»

براد بيت مهرّج بزيّ دجاجة... وباراك أوباما بائع مثلّجات

وظائف ما قبل الشهرة... «أكل العيش كان مرّاً»
TT

وظائف ما قبل الشهرة... «أكل العيش كان مرّاً»

وظائف ما قبل الشهرة... «أكل العيش كان مرّاً»

معلّقاً على تجربته الإخراجيّة في فيلم «The Boys in the Boat» (الأولاد في القارب) الذي انطلق عرضه قبل أيام، قال الممثل الأميركي جورج كلوني إنها ذكّرته بعصاميّة بداياته. فقبل أن يسطع نجماً في سماء هوليوود، نشأ كلوني وسط بيئة متواضعة في مزرعة جدَّيه الصغيرة لزراعة التبغ في ولاية كنتاكي.

كلوني الذي تحدّث إلى مجلّة «فانيتي فير»، كشف عن أنه كان مزارع تبغ صغيراً يتقاضى 3 دولارات ونصف دولار عن كل ساعة عمل في الحصاد اليدويّ لأوراق التبغ. «ليست أسهل الوظائف لكن هكذا كنّا نكسب عيشنا. لم نكن نملك المال، وجميع مَن حولنا كانوا مثلنا».

في طريقه إلى تحقيق حلم التمثيل، لم يمانع كلوني القيام بوظائف متواضعة. فبموازاة تخصّصه الجامعيّ في الصحافة بين عامَي 1979 و1981، عمل في ورشٍ للبناء، وفي بيع الأحذية النسائية، والرفوف، وعقود التأمين، متنقّلاً من بابٍ إلى باب كي يسوّق لِما لديه.

جورج كلوني في كواليس تصوير «The Boys in the Boat» وهو أحدث فيلم من إخراجه (منصة إكس)

مثل زميله كلوني، خاض براد بيت وظائف عدّة قبل أن يستقرّ أمام الكاميرا. فخلال سنواته الأولى في لوس أنجليس، عمل الممثل الأميركي سائقاً، كما أمضى شهوراً في توصيل المفروشات إلى المنازل. غير أنّ الوظيفة التي لا ينساها إطلاقاً، فهي في مطعم للدجاج، حيث كان يتنكّر بزيّ دجاجة ويقف أمام باب المطعم ملوّحاً للمارّة داعياً إيّاهم للدخول. كان بيت حينها في الـ22 من عمره، أي قبل سنتَين من حصوله على دوره السينمائي الأوّل.

أما طليقته الممثلة أنجلينا جولي، فكانت تطمح في بداياتها إلى وظيفةٍ أقلّ كوميديّةً؛ إذ إنها تقدّمت بطلب لتصبح مديرة جنازات، متأثّرةً حينذاك بوفاة جدّها.

خططت أنجلينا جولي قبل انطلاقتها الفنية لأن تصبح مديرة جنازات (أ.ف.ب)

من الواضح أنّ بدايات معظم نجوم هوليوود متشابهة من حيث الاتّكال على الذات والسعي وراء لقمة العيش، حتى إن اقتضى الأمر القيام بوظائف متواضعة ومتعبة. تصف الممثلة جنيفر أنيستون عملها ساعية بريد بأنه الأصعب على الإطلاق. ففي سنّ الـ19، كانت نجمة مسلسل «فريندز» تتنقّل على الدرّاجة الهوائيّة في نيويورك، موزّعةً الطرود والرسائل على المنازل والشركات.

في سن الـ19 عملت جنيفر أنيستون ساعية بريد (إنستغرام)

يذكر العالم وجهها الجميل في فيلم «Pretty Woman»، لكنّ أحداً لا يتذكّرها بائعة مثلّجات. جوليا روبرتس، وبالتزامن مع دروس التمثيل التي كانت تأخذها، عملت في سكب البوظة في أحد أشهر محال هوليوود، حتى تتمكّن من تسديد أقساطها الدراسيّة.

عملت جوليا روبرتس في بيع المثلجات قبل أن تدخل عالم التمثيل (فيسبوك)

في سلسلة المحال ذاتها، إنما في فرع هونولولو – هاواي، بدأ باراك أوباما مسيرته المهنيّة في سنّ الـ14. فقبل 33 سنة من دخوله البيت الأبيض رئيساً، عمل أوباما مثل روبرتس في سكب المثلّجات. وقد سبق أن كشف الأمر في منشور على منصة «لينكد إن» قال فيه: «لم تكن وظيفة باهرة، إلا أنها علّمتني دروساً قيّمة كالمسؤوليّة والعمل بجدّ. لكن للأسف، فقدت من بعدها رغبتي في تناول المثلّجات».

خلال مراهقته في هاواي عمل باراك أوباما في بيع المثلجات (رويترز)

في أحد أشهر المقاهي الأميركية، عملت كذلك مادونا خلال بداياتها في نيويورك. لكن سرعان ما طُردت «ملكة البوب» من وظيفتها بعد أن دلقت الحلوى على أحد الزبائن. مثلُها، طُردت مغنية الراب نيكي ميناج من عملها الأول في مطعم سمك، بعد أن أهانت زبونَين سرقا قلمها.

أما ليدي غاغا فقد حالفها الحظ أكثر. في بداياتها، عملت الفنانة الأميركية نادلة في أحد المطاعم اليونانيّة في مانهاتن. تتذكّر تلك التجربة معلّقةً: «كنت جيّدة جداً في هذا العمل. كنت أخبر الزبائن الحكايات وأحصل على إكراميّات كبيرة».

شكّل قطاع المطاعم انطلاقةً لمجموعة من النجوم، قبل أن يصبح المسرح ملعبهم. فالمغنّي البريطاني هاري ستايلز عمل في مخبز، أما «باربي 2023» الممثلة مارغوت روبي، فتفاخر في مقابلاتها بأنها كانت تحضّر أفضل السندويتشات في مطعم معروف للوجبات السريعة. كما أنها، وقبل انطلاقة مسيرتها، عملت في تنظيف المنازل.

استرجعت ليدي غاغا تجربتها كنادلة في كليبها Telephone عام 2009 (إنستغرام)

مقابل 4 دولارات في الساعة، كانت عارضة الأزياء العالميّة سيندي كروفورد تعمل في تقشير الذرة في سنّ الـ17. تقول إنها كانت تشعر بمسؤولية العمل وجني المال طوال الوقت خلال بداياتها. مثلُها، كانت الإعلامية الأميركية أوبرا وينفري مراهِقةً عاملة، لكنها لم تستمتع بتجربة الوظيفة في محل البقالة، إذ كان يُمنع عليها التحدّث مع الزبائن.

وخلال سنوات ما قبل النجوميّة، عمل الممثل توم كروز في فندق. كان يوصل النزلاء إلى غرفهم ويساعدهم في نقل أمتعتهم. أما طليقته الممثلة نيكول كيدمان، فعملت في مجال التدليك بعد أن أخذت دروساً في تقنيّاته. بدأ الأمر مع إصابة والدتها بالسرطان فكانت تدلّكها لتساعدها على الاسترخاء، ثم تحوّل إلى وظيفة تكسب بواسطتها المال. مع العلم بأن كيدمان معتادة العمل منذ سن الـ14، حيث كانت مضيفة في أحد مسارح سيدني.

تعلمت نيكول كيدمان التدليك للتخفيف من آلام أمها المصابة بالسرطان ثم عملت في المجال في سن صغيرة (إنستغرام)

وجدت جنيفر لوبيز وظيفة في مكتب محاماة، قبل أن تدخل مجال الغناء والتمثيل. من جانبه، أمضى كانييه ويست بعض سنوات مراهقته موظف مبيعات في أحد أهمّ متاجر الألبسة الأميركية. يقول إنه وقع هناك في حب الملابس، وبدأ التخطيط لخوض المجال لاحقاً. حتى إنه تطرّق إلى تلك التجربة في أغنيته «Spaceship».

منهم مَن اختار مساراً أكثر مجازفةً، مثل الممثل سيلفستر ستالون الذي كان ينظّف أقفاص الأسود في حديقة حيوانات «سنترال بارك» في نيويورك. وقد تنقّل النجم الأميركي بين وظائف عدّة في بداياته، من بينها دليل في صالة سينما.

عمل سيلفستر ستالون بتنظيف أقفاص الأسود في حديقة حيوانات خلال بداياته (إنستغرام)

أما بيونسيه، وقبل أن تصير رقماً صعباً في عالم الغناء، فصقلت مواهبها في صالون والدتها، حيث كانت تنظّم عروضاً غنائية وراقصة للزبائن ما بين عمر 6 و9 سنوات. كما أنها كانت تنظّف أرض الصالون من الشعر، مقابل بعض الإكراميّات، وفق ما تسرد في إحدى مقابلاتها.

بيونسيه في صالون والدتها عام 1990 (إنستغرام)

لأميرات هذا الزمن تجربة مع الوظائف «العاديّة» كذلك. عملت أميرة ويلز زوجة الأمير ويليام كيت ميدلتون في أحد متاجر الموضة في لندن، فكانت مسؤولة عن شراء الإكسسوارات لذلك المتجر. في حين بدأت ميغان ماركل، مسيرتها خطّاطة في أحد متاجر بيع الورق. بخطّ يدها المميّز، كانت تكتب الدعوات إلى الأعراس والمناسبات. حدث ذلك قبل أن تدخل مجال التمثيل، وقبل أن تصبح لاحقاً زوجة الأمير هاري ودوقة ساسكس.

مهنة ميغان ماركل الأولى كانت خطّاطة (أ.ف.ب)

ولعلّ الأبرز من بين حكايات البدايات المتواضعة لأسماء لمعت في سماء الشهرة والنجاح، حكاية رجل الأعمال الملياردير جيف بيزوس. فالرجل الذي تُقدَّر ثروته بـ172 مليار دولار الذي يُعد ثاني الأثرياء في العالم بعد إيلون ماسك، بدأ مسيرته المهنية في أشهر مطعم للوجبات السريعة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان في الـ16 من عمره، يقلي اللحم والدجاج والبطاطا مقابل 3 دولارات في الساعة. يقول إنه تعلّم هناك حرفة تأمين السلعة بسرعة للزبون، الأمر الذي طبّقه لاحقاً في شركته العالمية «أمازون».


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

يوميات الشرق من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

كلا الفيلمين يقدّمان مرآة لواقعٍ يطغى فيه اليأس على أحلام أبطاله، وسط سياق سياسي لا يتيح حياة طبيعية.

محمد رُضا (جدّة)
يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الخيال أكبر دائماً من المقاييس (ديفيد أ. ليندون)

أصغر تمثال في التاريخ... فنان بريطاني يصنع عملاً بحجم خلية دم

قال فنان متخصّص في الأعمال الميكروسكوبية إنه حطَّم رقمه القياسي العالمي السابق بعد ابتكار أصغر تمثال مصنوع يدوياً في التاريخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق روائح تحكُم قرارات الحياة والموت في عالم الحشرات (غيتي)

النمل يطلب موته بإرادته... اكتشاف رائحة «تعالوا واقتلوني» داخل المستعمرة

أكد علماء أنّ النمل الصغير المريض يُطلق رائحة معيّنة تستدعي النمل العامل للقضاء عليه من أجل حماية المستعمرة من العدوى...

«الشرق الأوسط» (لندن)

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.


أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.