«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

نكأت جراح المسيحيين... وتوجّس من تخطّي «إعلان فلسطين 2008»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
TT

«حماس» تجدد مخاوف لبنان من تحويله «ساحة صراع إقليمي»

قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)
قصف في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية (رويترز)

جدّد إعلان حركة «حماس» عن تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في لبنان الهواجس اللبنانية من تحويل البلاد ساحة صراع إقليمي مرة أخرى، بعد 33 سنة من انتهاء الحرب اللبنانية. وأيضاً نكأ جراح الذاكرة اللبنانية التي استعادت مرحلة المقاومة الفلسطينية في لبنان بعدما شرعنها «اتفاق القاهرة» عام 1969، وأدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال الحرب اللبنانية عام 1975، ولم تنتهِ بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 لإبعاد الفلسطينيين من الحدود، ولاحقاً عام 1982 التي أدت إلى ترحيل منظمة التحرير إلى تونس. الإعلان تراجعت عنه «حماس» في بيان توضيحي، بقولها إنه يسعى لربط الشباب الفلسطيني بالقضية والعمل من أجلها والدفاع عنها، وإنه «لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة». إلا أنه، مع ذلك، لقي رفضاً لبنانياً واسعاً أدى الى وأده قبل أن يولد، ولم يقتصر الرفض على المسيحيين - وهم الاكثر توجساً من إعلان مشابه - بل طال أيضاً المستوى الرسمي، وذلك بإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن «هذا الأمر مرفوض نهائياً ولن نقبل به»، في حين أكدت «حماس»، في المقابل «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونه الداخلية».

 

 

أحدث إعلان حركة «حماس» يوم الاثنين الماضي، خضّة في الأوسط السياسية اللبنانية التي تنقسم مخاوفها إلى مستويين:

المستوى الأول إعادة عقارب الساعة إلى «اتفاق القاهرة» في عام 1969 الذي وقعه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني (يومذاك) العماد إميل البستاني، وضم نقاطاً حول تنظيم العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، والسماح للمقاومة الفلسطينية بإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، وخصوصاً، في منطقة العرقوب والقطاع الأوسط والشرقي وممارسة العمل السياسي داخل المخيمات. وفي ذلك الوقت، تحول الجنوب إلى منطقة عمليات عسكرية، وتضاعفت على أثره الاعتداءات الإسرائيلية بذرائع متصلة بالرد على الفدائيين، وصولاً إلى اجتياح إسرائيل لجنوب الليطاني في 14 مارس (آذار) عام 1978، بذريعة إبعاد الفلسطينيين من الحدود. واليوم يتوجس المستوى السياسي اللبناني من تكرار تلك المرحلة، ما سينهي الهدوء الذي اختبره جنوب لبنان من عام 2006، ويطيل أمد الحرب حتى بعد انتهاء الحرب في غزة.

أما المستوى الثاني، فيتصل بتشريع التسلّح غير اللبناني في البلاد، في وقت لا يحظى سلاح «حزب الله» بإجماع القوى السياسية اللبنانية كافة، ولو أنه مغطى رسمياً في بيانات وزارية متعاقبة. وراهناً يقول خصوم الحزب، الذي يُتهم بأنه سهل وصول «كتائب القسام» وقوى أخرى إلى المنطقة الحدودية خلال الأسابيع الماضية لإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية باتجاه أهداف إسرائيلية، إن تشريع تسليح «حماس» قد يجدد المخاوف من تسليح قوى سياسية أخرى في لبنان. ويكرّر، تالياً، مرحلة الحرب الأهلية، بل ويمكن أن يمثل انقلاباً على «إعلان فلسطين» الصادر في عام 2008، الذي نصّ على:

- «تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه».

- «الالتزام الفلسطيني الكامل بلا تحفظ، بسيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية».

- «رفض جميع أشكال التوطين والتهجير».

- «خضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية».

وينص أيضا على تمسك الفلسطينيين «بحقوقنا الأساسية، بصفتنا لاجئين مقيمين قسراً ومؤقتاً في لبنان، وبصفتنا جزءا من شعب فلسطيني يكافح من أجل حريته واستقلاله على أرضه... وحقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكّر في أي معالجة بأسلوب المبادلة».

مخاطر سيادية

في الحقيقة، تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود. ويرى الوزير الأسبق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس أن إعلان «حماس» هذا «يتضمن طعناً بالشرعية الفلسطينية أيضاً»، شارحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن حدث 7 أكتوبر (تشرين الأول) «دخل على الوجدان العربي العام، وأعاد القضية الفلسطينية إلى عروبتها ورونقها، وهو أمر يسري على اللبنانيين أيضاً»... لكن الشعب اللبناني، وإثر إعلان حماس، بدأ يشعر بأنه مستهدف ومظلوم، بالنظر إلى أن حماس اختارت بلداً لا يتمتع بمقوّمات الصمود لتوسيع نشاطها العسكري فيه.

ويرى درباس في إعلان «حماس» من ناحية ثانية «تبديداً للأرباح بلا سبب... ولذا يُفترَض أن تكون لدينا جرأة وشجاعة لنقول لا حرصاً عليها، ذلك أن عدداً إضافياً من المقاتلين في الجنوب لا يقدّم ولا يؤخر في المعركة». ويضيف أنه «عندما تبدأ بعض التنظيمات بالتأهب للحرب، بما يترتب على الأمر من تسلح وتشكيلات عسكرية، فهذا يعني أن اتفاق الطائف تلاشى... وهذا سيشرّع لكل طائفة التسلح، ومنهم بطبيعة الحال المسيحيون، كما أن كل طائفة ستبحث عن حلف أجنبي ونعيد عقارب الساعة إلى الوراء».

رفض واسع

وفعلاً، لاقت خطوة «حماس» رفضاً سياسياً واسعاً شمل جميع المسيحيين من دون استثناء، وكذلك بعض القوى السياسية من المسلمين، فضلاً عن الموقف الرسمي الرافض. ومما قال رئيس «التيار الوطني الحر» (التيار العوني) النائب جبران باسيل «نرفض في المطلق إعلان حركة حماس في لبنان تأسيس طلائع طوفان الأقصى ودعوتها الشّباب الفلسطيني إلى الالتحاق بها؛ كما نعدّ أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية اعتداء على السيادة الوطنية». وتابع: «نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ90 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين في المخيمات وخارجها وبما أجمعوا عليه من إلغاء اتفاقية القاهرة التي شرّعت منذ 1969 العمل المسلح للفلسطينيين انطلاقاً من لبنان». إن لبنان صاحب حق يقوى «بمقاومته الوطنية» لإسرائيل دفاعاً عن نفسه، ويضعف بإقامة «حماس لاند» في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه.

أيضاً، رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أن «هذا البيان غير مقبول لا شكلاً ولا مضموناً، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة، كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين». وأردف «من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لإمرة (حزب الله) وقراره. ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأي تحرّكاتٍ عسكريّة من دون علم الحزب وموافقته، لا بل إن الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكريّة، ناهيك من أنه لا إمكانية أن تصدر حماس بياناً في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لـ(حزب الله) عليه».

واقع الأمر، أن الرفض اللبناني الواسع ساهم بتراجع حركة «حماس» عن خطوتها، وهنا يقول النائب اللبناني السابق والخبير العسكري الجنرال المتقاعد وهبة قاطيشا إن «شبه الإجماع اللبناني الرافض لهذه الخطوة، دفع الحركة للتراجع»، في إشارة إلى معظم القوى السياسية والأحزاب اللبنانية باستثناء «حزب الله» الذي لم يصدر أي بيان حول الخطوة. ويتابع قاطيشا لـ«الشرق الأوسط» إن «(حزب الله) هو من يتحكم بالساحة الجنوبية، وبإمكانه وحده تكبيرها أو تصغيرها، رغم أنه من الناحية الشعبية، يحاول الإيحاء بأنه ليس حارساً للحدود ولا علاقة له بالساحة»، ويضيف «لكن التهيّب اللبناني من خطوة حماس، والإجماع اللبناني على رفضها، أجهضاها قبل أن تولد».

ومن جهة ثانية، يرى قاطيشا أن هدف «حزب الله» يتمثل في «الحفاظ على سلاحه... وهو ما دفعه لإطلاق معركة مع إسرائيل، وتغطية معركة الفلسطينيين من الداخل اللبناني باتجاه إسرائيل... إنه - تحقيقاً لهدفه - لا يستطيع إلا أن يشارك في المعركة».

الوزير السابق رشيد درباس (الشرق الأوسط)

بين «اتفاق الهدنة» و«اتفاق القاهرة»

ويعود قاطيشا إلى التاريخ، فيذكّر بأن الجيش اللبناني في عام 1948، خاض معارك مع الإسرائيليين ودفع ضريبة الدم في معركة المالكية التي قتل فيها الملازم محمد زغيب وعناصر آخرون، لكن منذ تثبيت اتفاق الهدنة في عام 1949 (الذي اعتمد حدود فلسطين المرسّمة، هي الحدود الدولية)، وحتى «اتفاق القاهرة» في عام 1969، «شهدت المنطقة الحدودية خروقاً ولم تشهد معارك كبيرة؛ حيث لم تترتب على المناوشات عمليات خطيرة، وكانت الأمم المتحدة تتسلم مخترقي الحدود على ضفتي الحدود»، لكنه يضيف أنه «بعدما وصل الفلسطينيون إلى الجنوب وسيطروا على منطقة العرقوب (1969) وبدأوا بالتمدد جنوباً، تضاعفت الاعتداءات مع تراجع دور الدولة اللبنانية». وهنا يرى قاطيشا أن أهل الجنوب الذين تعاونوا مع الفلسطينيين على حساب الجيش اللبناني «أسقطوا الدولة في الجنوب... وانسحب الجيش لاحقاً (بدءاً من عام 1976 مع ظهور (جيش لبنان العربي)، وصارت البلاد فالتة ولم تعد خاضعة للدولة، وهكذا استباح الإسرائيلي المنطقة... وعندما باتت الأرض بلا دولة، تحوّل الجنوب إلى ساحة للفلسطيني والإسرائيلي».

لحظة سياسية دقيقة

في أي حال، جاء إعلان «حماس» في لحظة سياسية دقيقة في لبنان، الذي يعاني من شغور رئاسي منذ أكثر من 13 شهراً، ويتمدد الشغور إلى 50 في المائة من المؤسسات حيث يصعب ملؤها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. وتتباين القوى السياسية حالياً حول آلية تجنب الشغور في موقع قيادة الجيش قبل إحالة قائده العماد جوزيف عون إلى التقاعد في يناير (كانون الثاني) المقبل.

في هذا الجو، لا يحصر درباس الانتقادات بـ«حماس» فحسب، إذ يؤكد أنه قبل إعلان «حزب الله» عن انخراطه في معركة الجنوب: «كان عليه أن ينتخب رئيساً ويجابه بالدولة» القادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وتأمين المساعدات وغيرها، «أما أن يذهب الحزب إلى الحرب في ظل شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال ومجتمع مصاب بالوهن، فإن ذلك لا ينفع، رغم أن كل القلوب مع حماس، والناس معجبة بما فعلته لجهة استعادة القضية لرونقها، وهدم المنظومة الإسرائيلية».

تحرّكات إسرائيل

في المقابل، أنتج انخراط «حزب الله» في المعركة، وإعلان «حماس» في وقت لاحقاً، تحديات كبيرة بالنسبة لإسرائيل في المنطقة الحدودية تتمثل في إخلاء 120 ألف إسرائيلي لمناطق سكنهم في منطقة الجليل، وحسب قاطيشا «هؤلاء لن يعودوا إلا بحلّ مسألة الحدود... لن يكون الحل سوى حل عسكري حاسم عبر تطوير العمليات وتمدّد الحرب، أو اتفاقية ملزمة، لا نعرف ما إذا كان تطبيقها سيحصل على البارد أو تحت النار». ويرى قاطيشا أن «الحزب يفضل ألا تقع معركة عسكرية، لكن رغم ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان سيقبل بفرض الشروط عليه والتقيد بالـ1701، هنا تبدو الحلول غامضة، لكن الجانب الإسرائيلي يصرّ على حل المشكلة... وهناك سيناريوهات واحتمالات، بينها فرض منطقة عازلة في جنوب الليطاني تطبق بعملية عسكرية، أو اتفاق جديد لا نعرف كيف سيصار إلى تنفيذه».

تجنب المخاطر

أخيراً، تترتب على إعلان «حماس» مخاطر كثيرة، حسبما يرى اللبنانيون. وإذ يُعرب درباس عن مخاوفه من «تطيير اتفاق الطائف والدولة والوحدة الوطنية» جراء إعلان كهذا، فإنه يؤكد أن الحل هو «بصدور موقف رسمي رافض لهذا الاتجاه، وموقف ديني من جميع رجال الدين على مختلف أسمائهم لإعلان رفضهم لهذا الإعلان، كما أن الأولى بحزب الله أن يصدر موقفاً بأن الإعلان غير مقبول». ويشير إلى «أننا دولة لم يبقَ لها صاحب، ويدفعون الناس للاعتياد على الفراغ».

ويتابع الوزير السابق بالقول إن أولى إشارات الحل، أن نستبشر بإجراء حوار «حماس» حواراً جدياً مع منظمة التحرير لتوحيد القضية، فيتوقف الجميع عن الكلام عن قطاع غزة والضفة الغربية بشكل منفصل، لافتاً إلى أن «اللعاب السائل على الضفة يقضي على كل الإنجازات». ويختتم: «حماس كيان لا يمكن القضاء عليه، لكونه دخل إلى الوجدان العام، لكن خروجه من الوجدان العام تترتب عليه مخاطر كبيرة، وتسهل القضاء عليه... وأشدد على أنه إذا كانت حماس جزءاً من المعادلة، فهذا سيكون أفضل من أن تكون أشلاء، وهذا كلام جريء علينا أن نقوله».

 

 

تتجاوز تداعيات إعلان «حماس» المسألة السيادية اللبنانية والضوابط المتعلقة بحصرية سلطة الدولة اللبنانية في ضبط أمن الحدود

النائب السابق وهبه قاطيشا (الشرق الأوسط)

قاطيشا يتذكر زيارة عرفات لمركز الجيش اللبناني في مارون الراس

> ينطلق الجنرال المتقاعد من الجيش اللبناني وهبة قاطيشا من إصابته في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، في 25 مايو (أيار) 1970، عندما كان ملازماً يخدم في بلدة ماروس الراس الحدودية، للتذكير بزيارة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى نقطته العسكرية في ذلك الوقت. ويقول: «كنت ضابطاً برتبة ملازم، وأخبرني قائد القطاع أن ضيوفاً من قبله سيصلون إلى مركزنا، وعليّ استقبالهم، من غير الكشف عن هويتهم. وصلت سيارة مرسيدس 190 رصاصية اللون إلى المركز، وعلى متنها أربعة أشخاص. لم تكن السيارة تثير الشبهات؛ لأن نصف سيارات لبنان تقريباً كانت من ذلك الطراز. وخرج منها أربعة شبان، وكانوا فلسطينيين». استقبل قاطيشا ضيوفه لأقل من نصف ساعة، كان بينهم شاب لا يتكلم ولا يسأل ولا يشارك بالحديث، لكنْ بدا له أن وجهه مألوف، من دون أن يتيقن من هويته. وبينما كان الثلاثة الآخرون يسألون عن طبيعة الأرض، في المقابل، من المراكز العسكرية الإسرائيلية في أفيفيم وغيرها، إلى المدن والمستوطنات المقابلة، «كان الرجل الرابع يستمع ويتفرّج، وينظر إلى المناطق الحدودية على الضفة الأخرى من طاقة المراقبة العائدة للجيش اللبناني، ويتغزل بالأرض قبالته». ويضيف قاطيشا: «بعد أقل من نصف ساعة، لاحظتُ أنه غمز الشبان الثلاثة معه، فهَمّ الشبان بالمغادرة، وقدّموا شكرهم لي على استقبالهم، وجولة الأفق التي أجريناها». في تلك اللحظة «عرفتُ أن الرجل الرابع هو قائد المجموعة، وتأكدتُ من أنه ياسر عرفات، مع أنهم غادروا من دون الكشف عن هويتهم». بعد ثلاثة أيام على الحادثة، حصل اشتباك مع القوات الإسرائيلية يوم 25 مايو، وهو اشتباك سبقه آخر بعشرة أيام وقع في بلدة مروَحين (القطاع الغربي)، وقُتل على أثره ضابط بالجيش، بالرصاص الإسرائيلي، تلاه قصف إسرائيلي لأهداف في بلدة بليدا (قريبة من مدينة بنت جبيل)، يوم 10 يونيو (حزيران) 1970، وأسفر عن مقتل ضابط لبناني آخر. ويتابع قاطيشا (انتخب نائباً في البرلمان عام 2018 عن كتلة «القوات اللبنانية») أنه «في 25 مايو 1970، دخلت قوات إسرائيلية الجنوب من جهة يارون وبنت جبيل، وحاولت تطويقي في مركزي بقرية مارون الراس، وكانت القوات الإسرائيلية على بُعد 500 متر عنا في الداخل اللبناني، حين بدأ تبادل القصف بيننا، ما أدى إلى إصابتي وإصابة عناصر آخرين في المركز، واستشهاد ضابط آخر في مارون الراس».


مقالات ذات صلة

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يفحصون أنقاض مسجد شهداء الأقصى في دير البلح بعدما تعرض للتدمير في غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن قواته «تطوق» منطقة جباليا في شمال قطاع غزة بعد تقييم يفيد بأن حركة «حماس» تعيد بناء قدراتها هناك بعد أشهر من القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا فلسطينيون يحملون أعلاماً ولافتات في سيدني بأستراليا خلال مظاهرة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

تظاهر آلاف الأشخاص دعما لغزة في أوروبا وجنوب أفريقيا ومئات في فنزويلا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الأربعاء (أ.ب)

غوتيريش يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت، إلى إنهاء «أعمال العنف المروعة» و«سفك الدماء» في غزة ولبنان، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟