الأمن الغذائي العربي بأخطر حالاته في عقدين

الواعر لـ«الشرق الأوسط»: أزمات متوالية على المنطقة منذ 15 عاماً... والحل في «تحويل النُّظم»

المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة الدكتور عبد الحكيم الواعر (الشرق الأوسط)
المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة الدكتور عبد الحكيم الواعر (الشرق الأوسط)
TT

الأمن الغذائي العربي بأخطر حالاته في عقدين

المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة الدكتور عبد الحكيم الواعر (الشرق الأوسط)
المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة الدكتور عبد الحكيم الواعر (الشرق الأوسط)

أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، و«اليونيسيف» و«الإسكوا»، تقرير «نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا لعام 2023». ووفقاً للتقرير؛ بلغ عدد من يعانون من نقص التغذية في المنطقة 59.8 مليون شخص في عام 2022، وهو ما يمثل 12.9 في المائة من عدد السكان، متجاوزاً بكثير المتوسط العالمي البالغ 9.2 في المائة. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 75.9 في المائة منذ عام 2000.

وكان معدل انتشار الجوع هو الأعلى في البلدان منخفضة الدخل والبلدان العربية الأقل نمواً؛ حيث يعاني ثلث السكان تقريباً من الجوع. وكانت معدلات نقص التغذية في البلدان التي تشهد نزاعات أعلى بنحو 4 أضعاف مقارنة مع البلدان التي لا تشهد نزاعات.

وحسب توصيات أممية، فإنه ومن أجل مكافحة الجوع وعكس الاتجاهات المتدهورة في حالة الأمن الغذائي والتغذية، يتعين على المنطقة تحويل نُظم الأغذية الزراعية لديها، وجعلها أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات والأزمات الناشئة، وأكثر كفاءة وشمولية واستدامة لتحقيق مقاصد الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة.

وقال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة، والممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا: «لقد أثرت التحديات الخارجية والداخلية المتزايدة وتواترها الشديد ومداها البعيد، بشدة، على السعي لتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة العربية. نحن بحاجة إلى تسريع عملية تحويل نُظم الأغذية الزراعية، وضمان الاستدامة والقدرة على الصمود، من خلال القيادة والسياسات التعاونية والتحويلية».

وأوضح الواعر لـ«الشرق الأوسط» أن الأمن الغذائي العالمي، والعربي على وجه الخصوص، في حالة توتر، وربما المخيف في الموضوع هو عدم وضوح الرؤية، وذلك نتيجة بعض التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي، بداية من الحالة المزمنة لندرة المياه، مروراً بظهور آثار تغير المناخ بشكل واضح في المنطقة العربية. وتفاقمت هذه العوامل مع بعض الأحداث والأزمات المتعاقبة بشكل متسارع، والتي بدأت مع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2007، ثم تطورات ما يعرف بـ«الربيع العربي»، ثم أزمة «كوفيد-19» التي أدت إلى تباطؤ اقتصادي وانقطاع سلاسل الإمداد العالمية، وتلتها مباشرة الحرب في أوكرانيا، وهي منطقة ممر غذائي مهم جداً للمنطقة العربية على وجه التحديد. كل ذلك أدى لتأثر المنطقة العربية بشكل أكبر من نظيراتها في العالم بمشكلات انعدام الأمن الغذائي.

وتابع الواعر: «وحالياً نرى أزمة غزة - وفلسطين عموماً- التي أثرت على الوضع الداخلي، بينما زادت الطلب خارج نطاق غزة من أجل توفير الإمدادات والمساعدات الإنسانية، ما أثر بدوره على الدول المحيطة ومخزوناتها واحتياجاتها».

وأثر انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد على أكثر من 170 مليون شخص، أي 36.6 في المائة من إجمالي سكان المنطقة عام 2022. ويشير هذا إلى انخفاض طفيف عن عام 2021، عندما كان 173.3 مليون شخص، أو 37.9 في المائة من سكان المنطقة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ولكن عدد الذين كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في عام 2022 بلغ 61 مليون شخص، بزيادة قدرها 3.8 مليون شخص عن الرقم المسجل في عام 2021.

وشكلت الأزمة الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ والنزاعات والتداعيات الاقتصادية لجائحة «كوفيد-19» تهديداً للمنطقة في عام 2022. فقد أدت مواسم الجفاف إلى انخفاض غلات المحاصيل في كثير من البلدان، بينما أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية. وبما أن المنطقة تعتمد اعتماداً كبيراً على استيراد المواد الغذائية من منطقة البحر الأسود، فقد وصل تضخم أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، وسط انخفاض قيمة كثير من العملات المحلية.

ويؤثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية على الفقراء بشكل أكبر؛ لأنهم ينفقون جزءاً أكبر من دخلهم على الغذاء. وظلت المنطقة العربية تعاني من العبء الثلاثي المتمثل في سوء التغذية، ونقص التغذية، وزيادة الوزن بين الأطفال، أو السمنة لدى البالغين، ونقص المغذيات الدقيقة، مثل فقر الدم. وكان معدل انتشار زيادة الوزن بين الأطفال (9.5 في المائة)، وفقر الدم بين النساء (33.2 في المائة) أعلى من المتوسط العالمي. وتباطأ الاتجاه التنازلي لتقزم الأطفال، ويمكن للارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية أن يزيد من هذا التباطؤ أو حتى يعكس هذا الاتجاه. وبلغت نسبة السمنة لدى البالغين 27.6 في المائة في عام 2016، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، أظهر كثير من الاتجاهات الغذائية تدهوراً في الآونة الأخيرة؛ حيث إنه يوجد على سبيل المثال، اتجاهات تصاعدية في زيادة الوزن بين الأطفال، والسمنة لدى البالغين، وفقر الدم بين النساء. وكان تضخم أسعار المواد الغذائية محركاً رئيسياً لانعدام الأمن الغذائي، وحسب التقرير فهو يهدد اليوم قدرة السكان على التمتع بتغذية وصحة جيدة. فمنذ عام 2017، ارتفعت تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في الدول العربية سنوياً، مما جعل تبني مثل هذه الأنماط الغذائية الصحية والمتنوعة أمراً مكلفاً. وارتفعت تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في المنطقة في السنوات الأخيرة، بحيث لم يكن ما نسبته 43.8 في المائة من سكان الدول العربية قادرين على تحمل تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في عام 2021.

وفي سياق البحث عن حلول للأزمة الغذائية العربية بشكل عام، أكد الواعر لـ«الشرق الأوسط» أن الـ«فاو» تعمل ضمن ما يعرف بـ«الإطار الاستراتيجي» الذي يتمثل في تحول النظم الغذائية والزراعية لتكون أكثر شمولاً واستمرارية ومرونة واستدامة، من أجل إنتاج وتغذية وبيئة وحياة أفضل. ويترجم ذلك في شكل برامج إقليمية ومشاريع تنفذ على مستوى الدول، تراعي أن تكون أفضل بيئياً وأقل من حيث الانبعاثات واستهلاك الموارد المائية الشحيحة، مع زيادة قدرة الإنتاج بأقل مساحة زراعية، إضافة إلى تقليص المهدور والفاقد الغذائي، وكل ذلك في إطار أكثر استدامة وأقل تكلفة. وتابع بأن «كل ذلك يهدف إلى زيادة التحول الريفي الذي يحافظ على استقرار الزراعة والإنتاج، ويقلل من الضغوط الغذائية والاقتصادية على الدول الأكثر ضعفاً».


مقالات ذات صلة

كيف تتغير خريطة الزراعة والغذاء عالمياً في العقد المقبل؟

الاقتصاد مزارعون بإقليم كشمير يقومون بتعبئة ثمار الخوخ في صناديق خشبية عقب حصادها من حقل بسرينغار (إ.ب.أ)

كيف تتغير خريطة الزراعة والغذاء عالمياً في العقد المقبل؟

توقعت «فاو» و«منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تحولات إقليمية مرتبطة بالتغيرات الديموغرافية والرخاء في قيادة تطورات السوق الزراعية العالمية خلال العقد المقبل.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد أعضاء اللجنة الوطنية الخاصة للأمن الغذائي (الشرق الأوسط)

تشكيل أول لجنة للأمن الغذائي بالقطاع الخاص في السعودية

أعلن اتحاد الغرف السعودية تشكيل أول لجنة وطنية خاصة من نوعها للأمن الغذائي تحت مظلة القطاع الخاص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا مرشحٌ معارض يخطب في أنصاره بنواكشوط أمس ويعدهم بالتغيير (الشرق الأوسط)

التنافسُ يحتدم عشية الاقتراع الرئاسي في موريتانيا

دخل المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية الموريتانية في سباق الأنفاس الأخيرة من الحملة الدعائية التي تختتم عند منتصف ليل الخميس.

الشيخ محمد (نواكشوط)
صحتك الصيام المتقطع وسيلة شائعة بشكل مزداد لإنقاص الوزن دون حساب السعرات الحرارية (أ.ب)

4 خرافات شائعة عن الصيام المتقطع... والرد عليها

كشف باحثون بجامعة إلينوي في شيكاغو عن 4 خرافات شائعة حول الصيام المتقطع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي امرأة فلسطينية بالقرب من قبر أحد أقاربها الذي قُتل في الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» بالبريج وسط قطاع غزة 16 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

هدوء نسبي في قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي

شنّت إسرائيل، الاثنين، ضربات على شمال قطاع غزة، وأشار شهود إلى انفجارات في الجنوب، لكنّ الوضع هناك يشهد هدوءاً نسبياً لليوم الثاني على التوالي.

«الشرق الأوسط» (غزة)

استمرار نمو التوظيف القوي في الولايات المتحدة

يصطف الناس خارج مركز التوظيف للحصول على المساعدة في مطالبات البطالة الخاصة بهم في كنتاكي (رويترز)
يصطف الناس خارج مركز التوظيف للحصول على المساعدة في مطالبات البطالة الخاصة بهم في كنتاكي (رويترز)
TT

استمرار نمو التوظيف القوي في الولايات المتحدة

يصطف الناس خارج مركز التوظيف للحصول على المساعدة في مطالبات البطالة الخاصة بهم في كنتاكي (رويترز)
يصطف الناس خارج مركز التوظيف للحصول على المساعدة في مطالبات البطالة الخاصة بهم في كنتاكي (رويترز)

حقّق أصحاب العمل في الولايات المتحدة شهراً صحياً آخر من التوظيف في يونيو (حزيران)، حيث أضافوا 206 آلاف وظيفة، وأظهروا مرة أخرى قدرة الاقتصاد الأميركي على تحمل معدلات الفائدة المرتفعة بشكل مستمر.

ويمثل نمو الوظائف الشهر الماضي تراجعاً من 218 ألف وظيفة في مايو (أيار). ولكنه يظل مكسباً قوياً، وهو ما يعكس مرونة الاقتصاد الأميركي القائم على الاستهلاك، والذي يتباطأ ولكنه لا يزال ينمو بشكل مطرد، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وأظهر تقرير، يوم الجمعة الصادر عن وزارة العمل أيضاً، أن معدل البطالة ارتفع من 4 في المائة إلى 4.1 في المائة. وعدّلت الوزارة بشكل حاد تقديراتها لنمو الوظائف لشهرَي مايو ويونيو بمقدار 111 ألف وظيفة.

وتلقي الحالة الاقتصادية بثقلها على أذهان الناخبين مع اشتداد الحملة الانتخابية الرئاسية. وعلى الرغم من التوظيف المستمر، وعمليات تسريح العمال القليلة نسبياً، وتباطؤ التضخم تدريجياً، فإن عديداً من الأميركيين قد شعروا بالغضب من الأسعار التي لا تزال مرتفعة، وألقوا اللوم على الرئيس جو بايدن.

ومن وجهة نظر «الاحتياطي الفيدرالي»، فإن التباطؤ في التوظيف إلى وتيرة لا تزال لائقة سوف يكون مثالياً. وقد يشير ذلك إلى أن سوق العمل تتباطأ بما يكفي لتخفيف الضغط على أصحاب العمل لرفع الأجور بشكل حاد، وهو ما يمكن أن يغذي التضخم، ولكن ليس بالقدر الذي يتسبب في موجات من تسريح العمال.

وقال كبير الاقتصاديين في شركة «أبكاست»، التي تستخدم التكنولوجيا لمساعدة الشركات على توظيف العمال، أندرو فلاورز: «لقد أثبتت سوق العمل خطأ المشككين».

ومع ذلك، أشار فلاورز إلى أن تكاليف الاقتراض المرتفعة، الناجمة عن رفع أسعار الفائدة من قبل «الاحتياطي الفيدرالي» ستؤدي في النهاية إلى إضعاف سوق العمل.

وقال: «في النهاية، سوف تنحني، لكنها لن تنكسر. إن اللدغة البطيئة لأسعار الفائدة المرتفعة ستؤدي إلى اعتدال نمو الوظائف».

وارتفع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل نحو 70 في المائة من إجمالي النشاط الاقتصادي الأميركي، والذي أدى إلى التوسع في السنوات الثلاث الماضية، بمعدل 1.5 في المائة فقط في الرُّبع الأخير بعد نموه بأكثر من 3 في المائة في كل من الرُّبعين السابقين. بالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد الوظائف الشاغرة المعلن عنها بشكل مطرد منذ أن بلغ ذروته عند مستوى قياسي بلغ 12.2 مليون في مارس (آذار) 2022.

ومع ذلك، في حين أن أصحاب العمل قد لا يقومون بالتوظيف بقوة بعد أن كافحوا لملء الوظائف خلال العامين الماضيين، إلا أنهم لا يقومون بتسريح كثير منهم أيضاً.