«القرصنة الحوثية» تثير استياءً يمنياً وتعزّز المخاوف في البحر الأحمر

اتهامات لإيران بالمسؤولية... ودعوات لتحييد خطر الجماعة

السفينة التجارية «غلاكسي ليدر» التي قرصنها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ب)
السفينة التجارية «غلاكسي ليدر» التي قرصنها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ب)
TT

«القرصنة الحوثية» تثير استياءً يمنياً وتعزّز المخاوف في البحر الأحمر

السفينة التجارية «غلاكسي ليدر» التي قرصنها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ب)
السفينة التجارية «غلاكسي ليدر» التي قرصنها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ب)

أثارت حادثة قرصنة الجماعة الحوثية لإحدى السفن التجارية الدولية في البحر الأحمر استياءً واسعاً في الأوساط اليمنية؛ لجهة ما يمكن أن يجلبه هذا السلوك من مخاطر على اليمن والجوار الإقليمي، بما في ذلك استغلال هذه التطورات من قِبل الجماعة للتهرب من استحقاقات مساعي السلام.

وإلى جانب انعكاسات الحادثة المتوقعة على الصعيد الاقتصادي، وربما الأمني في البحر الأحمر؛ يعزز المراقبون اليمنيون الاتهامات لإيران بالوقوف خلف سلوك الحوثيين الذي تزعم الجماعة أنه يأتي نصرةً للفلسطينيين في غزة، وهو الشعار الذي يتهكم منه الشارع اليمني لجهة الخراب الذي تسببت فيه الجماعة منذ انقلابها بما في ذلك مقتل نحو 300 ألف يمني.

مسلّحان حوثيان يتطلعان إلى السفينة المقرصنة بعد رسوها في ميناء الصليف (إكس)

وكانت الجماعة الحوثية تبنّت الأحد قيامها بقرصنة سفينة «غلاكسي ليدر» المتجهة من تركيا إلى شرق آسيا، وهي تقلّ شحنة سيارات، واقتادتها إلى ميناء الصليف الخاضع لسيطرتها على البحر الأحمر، وهدّدت بعمليات مماثلة قالت: إنها ستستهدف السفن الإسرائيلية أو أي سفينة على صلة بتل أبيب.

وزعمت الجماعة أنها ستعامل طاقم السفينة وفقاً لتعاليم الإسلام، في حين نفت إسرائيل ملكيتها للسفينة، وقالت: إن ملكيتها بريطانية وإدارتها يابانية، كما نفت وجود أي فرد من مواطنيها على متنها، مع تحذيرها من خطورة الخطوة الحوثية على سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتحذيرات من تهور الحوثيين، مع بيان المخاطر في حال تحول البحر الأحمر ساحةً للصراع المسلح، بما في ذلك الأثر الإنساني المتوقع على تدفق السلع والشحن وارتفاع التأمين، وانعكاس كل ذلك على معيشة اليمنيين المتدهورة في الأساس جراء الصراع الداخلي الذي فجّره الحوثيون.

«شوشرة» متوقعة

تعليقاً على الحادثة، يرى الباحث والمحلل السياسي اليمني عبد الستار الشميري، أنها كانت خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأن إيران لا تريد أن تورّط نفسها مباشرة في الدخول في عمليات حقيقية لدعم غزة.

وانطلاقاً من ذلك، يضيف الشميري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن إيران تحرّك بعض مصداتها في العراق واليمن وغيرها لإحداث «شوشرة» لإسقاط الحجة بأنها تشارك في دعم غزة.

ويشير الشميري إلى ما يصفه بـ«الشوشرة» التي يقوم بها «حزب الله» اللبناني والحوثيون من إطلاق مسيّرات أو صواريخ معظمها وقعت في الأراضي المصرية، ويعتقد أنها ستُكرر، لكنه يجزم أنها «لا تقدم ولا تؤخر في القضية الفلسطينية، بل ستسهم ربما في الإضرار بها» ويؤكد أنها مجرد «رادار للسياسة الإيرانية التي تريد أن تقول إنها موجودة من خلال أذرعها».

كانت السفينة تقلّ شحنة سيارات قبل أن يقتادها الحوثيون إلى ميناء الصليف على البحر الأحمر (أ.ب)

ولا يستبعد أن تكون لهذا السلوك الحوثي نتائج سلبية على الصعيدين المحلي والإقليمي، ويقلل من أهمية عملية اختطاف السفينة، ويقول: «ماذا سيؤثر أن تقرصن سفينة أو سفينتين؛ فقد سبق للقراصنة الصوماليين أن اختطفوا عشرات السفن الغربية والأوروبية».

ويتهم إيران بأنها أرادت أن تدفع بالحوثيين للتنفيس عن الغضب المتصاعد ضد طهران، حيث إنها ورّطت «حماس» في هذه المعركة وأنها تخلت عنها، ويتوقع أن تدفع بالجماعة الحوثية للقيام بعمليات أخرى، سواء خطف سفن أو إطلاق صواريخ أومسيّرات أو تفجير ألغام بحرية، من باب حفظ ماء وجه إيران لا أقل ولا أكثر.

ويتوقع الشميري أن يكون للسلوك الحوثي انعكاسات على أمن البحر الأحمر والمصالح العربية واليمنية، أكثر منه على إسرائيل، التي لا يستبعد أن تستغل مثل هذه الحوادث لتستفيد منها من حيث تعزيز الخطاب القائل بأنها تواجه خطراً وجودياً.

تذكير بخطر الحوثيين

حادثة قرصنة السفينة التجارية من المياه الدولية في البحر الأحمر، يعتقد الباحث والأكاديمي اليمني فارس البيل، أنها جاءت لتذكر بخطر الجماعة الحوثية وتهديدها الملاحة منذ استيلائها على الحديدة، حيث تعاطى المجتمع الدولي مع هذه الحالة بشكل غير مسؤول، بل حالت أطراف دولية - وفق قوله - دون تحرير الحديدة والساحل كله عندما كانت القوات الشرعية قاب قوسين من تحريرها.

أما البعد الآخر، فهو بعد درامي؛ كما يقول البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حيث تريد إيران بعد أن انكشفت في أحداث غزة، وبانت عورة شعاراتها ضد إسرائيل ومع القضية الفلسطينية، القيام «بمناوشات عديمة الجدوى» عبر أذرعها، حيث إنها تتخذ من قضية فلسطين مطية للضحك على الشعوب العربية والمسلمة لتمرير مشروعها التوسعي.

ويضيف البيل: «كلما كانت أذرع إيران أبعد عن مسرح الحدث رفعت وتيرة الدراما أكثر، حيث يقوم الحوثي بهذا الدور بينما من يحيطون بإسرائيل من أذرع إيراني يبقى مستوى مناوشاتهم أقل».

استغل الحوثيون أحداث غزة لتلميع صورتهم محلياً وجمع التبرعات وحشد المجندين (إ.ب.أ)

هذه الحادثة يرى الأكاديمي اليمني، أنها يفترض أن تلفت المجتمع الدولي من جديد لخطر الحوثي على الأمن الدولي، أما ردات الفعل من قِبل إسرائيل أو أميركا فلن تكون عنيفة؛ لأنهما تدركان طبيعة هذا الفعل الإيراني وغاياته.

ويختتم حديثه بالقول: «ربما تحاول ميليشيا الحوثي بتوجيه من إيران أن تزيد من بعض الدراما العسكرية لتكسب الرأي العام، لكنها مكشوفة داخلياً وخارجياً، ولن يغسل جرائمها أي فعل تقوم به، فكيف وهو عديم الفائدة لفلسطين».

تهاون أميركي

في سياق حادثة قرصنة الحوثيين للسفينة الدولية، يرى الصحافي والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أنه أمر ليس بجديد سوى أنهم هذه المرة يتحدثون بذريعة حرب إسرائيل على غزة. ويقول الطاهر لـ«الشرق الأوسط»: «سبق وأن قرصن الحوثيون سفينة إماراتية، وسفناً أخرى، وستطال قرصنتهم سفناً لدول أخرى بسبب تهاون الولايات المتحدة الأميركية مع الحوثي، حيث ترى أنه يمكن أن يكون شريكاً في حكم اليمن رغم استحالة ذلك».

عملية القرصنة - يؤكد الطاهر - أنها تعبر عن حقيقة الجماعة الإرهابية، وأنها لا يمكن أن تلتزم بقوانين دولية أو محلية، ولا يمكن أن تندمج ضمن محيطها العربي، وأنها ستمضي قدماً لتنفيذ خطط إيرانية لإقلاق السلم والأمن الدوليين.

قرصن الحوثيون السفينة الإماراتية «روابي» وأقاموا حفل زواج جماعي لمقاتليهم على متنها (إعلام حوثي)

ولا يتوقع الطاهر أن يكون هناك أي تداعيات دولية إزاء الحادثة، لسبب بسيط وهو - وفق قوله - «أن الولايات المتحدة لا تريد ذلك بحجة أنها تسعى لإحلال السلام، وإحلال نظام بايدن للسلام في اليمن بحسب زعمه يتطلب مهادنة الحوثيين وعدم إزعاجهم أو معاداتهم؛ لذا ما يقوم به الحوثيون هو بتشجيع من نظام بايدن».

وفي حين يتوقع الطاهر أن تستمر جماعة الحوثي وبتوجيهات إيرانية في ارتكاب العمليات الإرهابية في البحر الأحمر وساحل الحديدة، يؤكد أن هذا يتطلب تحركاً من القيادة اليمنية لتحرير الشريط الساحلي بشكل كامل، ويحذّر من أنها إن لم تفعل ذلك «ستجد الحوثيين في باب المندب»، وفق تعبيره.


مقالات ذات صلة

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.