مضيفة قطار أوكرانية تعمل مع كبار الشخصيات الغربية

تيتيانا كوغوت أنشأت «متحفاً صغيراً» للهدايا التذكارية التي قدّمها لها الركّاب

مضيفة القطار الأوكرانية تيتيانا كوغوت على متن قطار كييف - لفيف (أ.ف.ب)
مضيفة القطار الأوكرانية تيتيانا كوغوت على متن قطار كييف - لفيف (أ.ف.ب)
TT

مضيفة قطار أوكرانية تعمل مع كبار الشخصيات الغربية

مضيفة القطار الأوكرانية تيتيانا كوغوت على متن قطار كييف - لفيف (أ.ف.ب)
مضيفة القطار الأوكرانية تيتيانا كوغوت على متن قطار كييف - لفيف (أ.ف.ب)

في بلدة نائية في أوكرانيا تعيش تيتيانا كوغوت، امرأة تبلغ من العمر 36 عاماً، تعمل مضيفة في قطار منذ نحو 19 عاماً. لم تكن تعلم أبداً أنها ستقابل مشاهير أو رؤساء دول العالم.

تيتيانا كوغوت تتحقق من التذاكر (أ.ف.ب)

وهي اليوم تملك مجموعة مثيرة للإعجاب من الصور التي تجمعها بقادة غربيين التقتهم خلالها عملها في قطار ينقل كبار الشخصيات التي تأتي لدعم الأوكرانيين في مواجهة الغزو الروسي.

وتظهر كوغوت في صور مع رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيسة السلوفاكية سوزانا كابوتوفا؛ وهذا عدد قليل من الصور الكثيرة التي تتصفّحها على جوالها.

تيتيانا كوغوت ورئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك (أ.ف.ب)

وتقول كوغوت لوكالة الصحافة الفرنسية: «رافقت عشرات الركّاب: رؤساء، ورؤساء وزراء، وأمراء وغيرهم من الشخصيات المهمة».

تعيش تيتيانا مع زوجها وابنهما المراهق في قريتها غولوفيتسكو، التي تبعد ساعتين عن لفيف المدينة الكبيرة في غرب أوكرانيا. ومنذ بداية الغزو الروسي في 24 فبراير (شباط) 2022، لأكبر بلد في أوروبا، توقّف عمل الطائرات التجارية ولم تبقَ سوى القطارات المسائية لتنقّل الأوكرانيين داخل البلاد ونحو الخارج. وكلّ ذلك بأسعار رخيصة نسبياً، وبدقّة في المواعيد في زمن الحرب.

بناء عليه، لا يملك داعمو أوكرانيا خياراً، فهم مضطرّون إلى السفر على متن هذه القطارات، من بولندا في أغلب الأحيان. ويخدم مضيف واحد أو اثنان كلّ مقطورة، حيث يتحقّقان من التذاكر ويقدّمان الشاي والقهوة والبسكويت، مع ضمان الأمن والنظافة. مع بداية الغزو الروسي، كانت تيتيانا تعمل لأسابيع على طرق إجلاء المدنيين، تحت القصف أحياناً.

مضيفة القطار تيتيانا كوغوت ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ف.ب)

كُلّف عشرات المضيفين والمضيفات مهمّة مرافقة الوفود القادمة إلى أوكرانيا، عندما اضطرّت القوات الروسية إلى التراجع في ربيع عام 2022 بعدما فشلت في الاستيلاء على كييف، الأمر الذي تزامن مع توافُد المسؤولين الغربيين.

كانت أوّل مهمّة تقوم بها تيتيانا مرافقة رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في بداية أبريل (نيسان) 2022، حينها، أدرك طاقم القطار أنّه سيرافق أحد كبار الأشخاص عندما شاهد حرّاس أمن في المحطّة في بولندا.

بعد عام ونصف العام، لم تعد تيتيانا تَعدُّ الشخصيات المعروفة التي ترافقها. لقد تعلّمت كيفية التعامل مع هؤلاء الركّاب باللغة الإنجليزية «لتقديم الشاي أو القهوة» و«فهم الأسئلة» التي يطرحونها.

في المجمل، نقلت القطارات الأوكرانية أكثر من 500 وفد رسمي خلال 21 شهراً من الحرب. وتُنظّم هذه الرحلات في سرّية تامّة لأسباب أمنية، لكن في بعض الأحيان تتسرّب تفاصيل لاحقاً، مثل مقطع فيديو نُشر على موقع «بوليتيكو» يظهر فيه المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الإيطالي آنذاك ماريو دراغي ممازحَين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال سفرهم إلى كييف في يونيو (حزيران) 2022.

تيتيانا كوغوت ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون (أ.ب.ف)

أمّا المسافر الذي رافقته تيتيانا في أغلب الأحيان، فهو رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، الذي سافر على متن القطار نفسه 4 مرّات عندما كان لا يزال في منصبه وبعد مغادرته. وقدّم لها قبّعته التي تحمل شعار مترو أنفاق لندن.

كان جونسون هو من واسى تيتيانا خلال «أسوأ رحلاتها» في 24 أغسطس (آب) 2022، عندما أدّت غارة روسية على تقاطع للسكك الحديد إلى مقتل ما لا يقل عن 25 مدنياً، من بينهم اثنان من زملائها.

مضيفة القطار الأوكرانية تيتيانا كوغوت تتحقق من تذاكر الركاب (أ.ف.ب)

من ناحية أخرى، أبدى فريق وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك «إعجاباً شديداً» بدقّة مواعيد القطار الذي وصل إلى كييف في الوقت المحدّد. وتقول تيتيانا: «قالوا إنّ هذا الأمر غير موجود عندهم في ألمانيا»، حيث يتعرّض القطار للسخرية بسبب الخدمة السيئة نسبياً التي يقدّمها.

أخيراً، تشير تيتيانا إلى أنّها أنشأت «متحفاً صغيراً» للهدايا التذكارية التي قدّمها لها الركّاب، مثل الشارات، وعبارات الشكر المكتوبة، والأقلام، والدفاتر وغيرها؛ وتقول: «لم أتخيّل أبداً أنني سأتمكّن من لقاء رؤساء دول أخرى والتحدّث معهم، لكنني كنت أفضّل السلام وألا أراهم إلّا عبر شاشة التلفزيون».


مقالات ذات صلة

الأديب ميخائيل نعيمة استقبل زواره وكأنه لا يزال حياً

يوميات الشرق سهى نعيمة تستقبل الزوار وتروي الذكريات (الشرق الأوسط)

الأديب ميخائيل نعيمة استقبل زواره وكأنه لا يزال حياً

تعنى سهى حداد بإرث ميخائيل نعيمة، برموش العين. تعيش مع أغراضه كأنه لا يزال حياً، تحيط نفسها بلوحاته وصوره وكتبه ومخطوطاته ورسومه وأقلامه، وتستقبل زواره وتحدثهم.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)

مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

يملك مارك أبو ضاهر مجموعة كبيرة من الملصقات القديمة، بينها ما يعود إلى ملصقات (بوستر أفلام)، وبطلها الممثل اللبناني صلاح تيزاني المشهور بـ«أبو سليم».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق امتهانُ التحكُّم من اللحظة الأولى (غيتي)

الأجنَّة تتحكَّم في الأمهات بـ«الريموت كونترول»

آلية مدهشة يستطيع الجنين من خلالها التحكُّم في طبيعة المغذّيات التي يحصل عليها من الأم خلال فترة الحمل اعتماداً على جين معيَّن ينتقل إليه عن طريق الأب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كارين ميلر نسل ضحية جاك السفاح كاثرين أيدوس (نورث نيوز)

أحفاد ضحايا «السفاح جاك» في بريطانيا يطالبون بتحقيق جديد

رغم مرور أكثر من 130 عاماً على أحداث هذه القضية الغامضة في بريطانيا، يأمل أحفاد ضحايا «السفاح جاك» في أن يتمكنوا أخيراً من كشف الحقيقة بشأن واحدة من أشهر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجد العلماء نهجاً جديداً واعداً لإضعاف الذكريات السلبية وتنشيط الذكريات الإيجابية (أرشيفية - رويترز)

علماء يتوصلون لطريقة لـ«محو الذكريات السيئة»

وجد العلماء نهجاً جديداً واعداً لإضعاف الذكريات السلبية وتنشيط الذكريات الإيجابية بحسب ما نقله موقع «ساينس آليرت» العلمي

«الشرق الأوسط» (لندن)

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.