خمسة أسباب رئيسية تعوق تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن غزة

مصادر سياسية أوروبية: واشنطن لديها القدرة على إلزام إسرائيل ولكن ليس مؤكداً أن لديها الرغبة والإرادة

الرئيس الأميركي جو بادين يستضيف قادة دول مجلس التعاون الآسيوي - الهادي في سان فرنسيسكو الجمعة (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بادين يستضيف قادة دول مجلس التعاون الآسيوي - الهادي في سان فرنسيسكو الجمعة (رويترز)
TT

خمسة أسباب رئيسية تعوق تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن غزة

الرئيس الأميركي جو بادين يستضيف قادة دول مجلس التعاون الآسيوي - الهادي في سان فرنسيسكو الجمعة (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بادين يستضيف قادة دول مجلس التعاون الآسيوي - الهادي في سان فرنسيسكو الجمعة (رويترز)

بعد أربع محاولات فاشلة، نجح مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، في إصدار قرار تقدمت مالطا بمسودته، متضمناً ثلاثة أمور أساسية أولها العمل بـ«هدنات ملحة ومطولة»، وثانيها إنشاء ممرات إنسانية تمكن من إيصال المساعدات المتعددة التي يحتاج إليها «المدنيون» من مياه وأغذية وأدوية ومشتقات الطاقة، وثالثها «الإفراج غير المشروط» عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم «حماس»، ومن غير الإشارة إلى الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وفيما امتنعت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا عن التصويت (تتمتع الدول الثلاث بحق النقض الذي لم تلجأ إليه)، تم تمرير مشروع القرار المالطي بطموحات محدودة وباعتباره، كما يقول مصدر دبلوماسي فرنسي، «أفضل الممكن ويمكن البناء عليه للوصول إلى وقف لإطلاق النار». لكن بعد مرور ثلاثة أيام على صدوره، ما زال القرار الدولي «حبراً على ورق»، رغم كونه «قرار الحد الأدنى»، ولا شيء في الأفق يشي بأنه سيجد طريقه إلى التنفيذ، رغم أن الأسرة الدولية بكليتها وليس فقط مجلس الأمن تريد هذه الهدنات وإن كانت مؤقتة.

الدخان يتصاعد بعد ضربة جوية قامت بها إسرائيل شمال قطاع عزة الجمعة (إ.ب.أ)

الحقيقة أن القرار الأممي ـ كما تصفه مصادر سياسية أوروبية في باريس، «ولد ميتاً» وأن «خمسة أسباب رئيسية تجعله كذلك» رغم أن تنفيذه، من وجهة نظر قانونية وأممية «واجب على الجميع»: الأول، أن إسرائيل ترفضه عملياً وبرز ذلك في تغريدة لمندوبها في الأمم المتحدة جلعاد أردان الذي كتب، عقب التصويت مباشرة، أن «القرار منفصل تماماً عن الواقع الميداني» وأن إسرائيل «مستمرة في العمل على تدمير (حماس) واستعادة الرهائن».

والسبب الثاني والأهم أن القرار الأممي «ولد بلا أنياب» بمعنى أنه يفتقر لأية آلية متابعة ولأية وسائل ضغط من شأنها أن تفرض على إسرائيل وضعه موضع التنفيذ.

والثالث أن دول الاتحاد الأوروبي التي يضاف إليها بريطانيا والتي يقدر أن باستطاعتها الضغط على إسرائيل، لم تنجح بعد في التوصل إلى «موقف موحد وصلب» وهي تتأرجح بين مواقف فردية متقدمة ولكن غير فاعلة فيما موقفها الجماعي ما زال، حتى اليوم، «رخواً».

ورابع الأسباب أن الضغط الشعبي الذي برز أوروبياً وأميركياً لم يصل بعد إلى الحد الذي يفرض على السلطات الأوروبية أخذه على محمل الجد ودفعها إلى «تغيير ملموس» في مواقفها للوصول على الأقل إلى «نقطة توازن» تحدث قطيعة مع الاصطفاف المطلق وراء إسرائيل والولايات المتحدة.

والسبب الخامس ولا شك أنه الأهم أن واشنطن، بحسب تأكيدات المصادر الأوروبية، «لم تبدِ حتى الآن الرغبة في ممارسة ضغوط رئيسية على إسرائيل بالنسبة للبدء بتطبيق القرار الدولي بقبول هدنات إنسانية«، لا بل إن واشنطن «تتلهى بتفاصيل» مثل تنبيه إسرائيل بأنه «لا يجوز استهداف المستشفيات بقصف جوي» أو التنديد بعنف المستوطنين في الضفة الغربية... كما يدور السؤال اليوم حول طبيعة «اليوم التالي».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستعد لمغادرة سويسرا والعودة إلى باريس بعد زيارة رسمية (أ.ف.ب)

تؤكد المصادر المشار إليها أن واشنطن «لديها القدرة على إلزام إسرائيل ولكن ما ليس مؤكداً أن تكون لديها الرغبة والإرادة»، خصوصاً أن إدارة الرئيس بايدن مقبلة على انتخابات رئاسية يعد عام. وبحسب الاستطلاعات المتواترة، يبدو أن بايدن في وضع صعب وبالتالي لن «يغامر» بالوقوف بوجه إسرائيل أو الضغط عليها جدياً. لا بل إنه منذ اليوم الأول، كان بايدن المحامي والمدافع الأول عن إسرائيل وعن سرديتها.

تقوم المواقف الغربية، بغض النظر قليلاً عن الفروقات «التكتيكية» بين أوروبا والولايات المتحدة أو داخل الاتحاد الأوروبي، بعد ستة أسابيع على اندلاع الحرب، على اعتبار أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس. إلا أنها في الوقت عينه، أخذت تشدد أكثر فأكثر على ضرورة أن تحترم إسرائيل، «لكونها دولة ديمقراطية»، القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب، ومنها حماية المدنيين وتجنب استهداف البنى المدنية وعلى رأسها المستشفيات وعلى إيصال المساعدات الإنسانية. بيد أن ما يجري ميدانياً، هو العكس تماماً. فمنذ القرار الدولي، هاجم الجيش الإسرائيلي مستشفى «الشفاء» واحتلها واستهدف مستشفى «القدس» والمستشفى الميداني الأردني والمستشفى الإندونيسي. وواصل تهجير الغزاويين من شمال القطاع إلى جنوبه وهاجم مناطق في الجنوب كانت تعد «مناطق آمنة» وازدادت أعداد القتلى لتقارب الـ12 ألفاً وضعفهم على الأقل من الجرحى.

يقول موريس غوردو مونتاني، السفير والمستشار السابق للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، في حديث الأسبوع الماضي لـ«الشرق الأوسط»، إن «المبادرات الإنسانية، على أهميتها، لا تشكل سياسة»، مما يعني بالنسبة إليه وبالنسبة لكثيرين أن هناك حاجة لدينامية سياسية جديدة تقوم على المحددات الدولية المعروفة منذ عقود للمسار التفاوضي والحل السياسي. وطوال السنوات الأخيرة، كانت الإشارة في نهاية البيانات الخاصة بالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى «أفق حل الدولتين» بمثابة رفع عتب. لكن اليوم، تغيرت المعطيات وحتى من نسي أو تناسى هذا الحل استفاق من غفوته. يبقى أن الأهم ألا يتم تناسي الحل المنشود بعد انتهاء حرب غزة، أو أن تعود العقبات التي حالت سابقاً دون السير به إلى فرض نفسها وأن تتراجع الإدارة الأميركية وتتبنى العبارة القائلة إن واشنطن «غير قادرة على فرض السلام على الطرفين إن هما غير راغبين به»، مما يعني ترك القوي متغطرساً بقوته والضعيف باحثاً عمن يقف إلى جانبه.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
العالم العربي ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

كوريا الجنوبية تصف التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق»

قال ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك، إن الضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت «أدت إلى تعميق مشاغلنا»، واصفا التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يلقي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك (أ.ف.ب)

لافروف: الشرق الأوسط على شفا «حرب شاملة»

حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، من أن الشرق الأوسط على شفا «حرب شاملة» مع قيام إسرائيل بشن هجمات على «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية لقاء بين إردوغان والأسد في 2010 (أرشيفية)

أميركا لا تدعم التطبيع بين أنقرة ودمشق قبل الحل السياسي في سوريا

أحدثت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي كرر فيها استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين ردود فعل متباينة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضر اجتماع غداء في الأمم المتحدة (رويترز)

ماكرون يدعو لتقييد حق استخدام «الفيتو» بمجلس الأمن في حالات «القتل الجماعي»

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأربعاء)، إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي عبر تقييد حقّ استخدام «الفيتو» في حالات «القتل الجماعي».

«الشرق الأوسط» (باريس)

ماذا تتوقع إسرائيل من رد «حزب الله»؟

نصر الله يتحدث عن سلفه عباس الموسوي في فيلم وثائقي يؤرخ مرحلة ثاني الأمناء العامين (إعلام حزب الله)
نصر الله يتحدث عن سلفه عباس الموسوي في فيلم وثائقي يؤرخ مرحلة ثاني الأمناء العامين (إعلام حزب الله)
TT

ماذا تتوقع إسرائيل من رد «حزب الله»؟

نصر الله يتحدث عن سلفه عباس الموسوي في فيلم وثائقي يؤرخ مرحلة ثاني الأمناء العامين (إعلام حزب الله)
نصر الله يتحدث عن سلفه عباس الموسوي في فيلم وثائقي يؤرخ مرحلة ثاني الأمناء العامين (إعلام حزب الله)

تذهب تقديرات إسرائيلية إلى أن «حزب الله» سينتقم لاغتيال أمينه العام، حسن نصر الله، بتفجير مؤسسات إسرائيلية ويهودية في العالم. بينما قررت أجهزة المخابرات رفع حالة التأهب في جميع السفارات والقنصليات وأماكن العبادة اليهودية ومقرات الجمعيات الدينية في جميع أنحاء العالم.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية، لوسائل إعلام عبرية، إنها تتحسب من تكرار «حزب الله» عمليات التفجير التي تمت عام 1992، عندما اغتالت تل أبيب في نفس العام الأمين العام الأسبق للحزب، عباس موسوي، وتركزت ردود الفعل من الحزب على استهدف مقرات دبلوماسية ومنشآت يهودية.

وأكدت المصادر أن «حزب الله» أعلن أن إطلاق الصواريخ القائم حالياً باتجاه إسرائيل ليس هو الرد على الاغتيال، إنما هو رد على الغارات وعلى القصف الصاروخي الروتيني والمتصاعد الذي يقوم به منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لمساندة «حماس» في قطاع غزة، لكن الرد الملائم «سيكون مختلفاً».

وتستهدف الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مواقع «حزب الله» تدمير ترسانته الصاروخية، بينما القرار الإيراني يمنع «حزب الله» من استخدام الصواريخ الباليستية الثقيلة التي زودته بها، غير أن الحزب سيفتش عن وسيلة أخرى.

سيناريو موسوي

ووفق التقديرات الأمنية الإسرائيلية، فإنه «ليس من المستبعد أن يعود الحزب إلى تجربته القديمة قبل 32 عاماً، عندما رد على اغتيال الأمين العام للحزب، عباس موسوي، بتفجير مقرات دبلوماسية في الخارج وأماكن عبادة».

صورة أرشيفية تجمع نصر الله والموسوي في الثمانينات (إعلام حزب الله)

ونفذ «حزب الله» 3 عملياتِ تفجيرٍ ضد أهداف إسرائيلية رداً على اغتيال موسوى عام 1992: ففي 17 مارس (آذار)، أي بعد شهر من اغتيال موسوي، وقع انفجار ضخم في سفارة إسرائيل في عاصمة الأرجنتين، بوينس آيرس، تسبب بمقتل 29 شخصاً، بينهم 4 دبلوماسيين إسرائيليين، والبقية أرجنتينيون بينهم 4 نساء يهوديات يعملن موظفات محليات.

وبعد أيام من الهجوم الأول، قُتل ضابط أمن في السفارة الإسرائيلية في أنقرة بتفجير عبوة في سيارته، وفي 18 يوليو (تموز) 1994، وقع انفجار ضخم في مقر الجالية اليهودية في الأرجنتين، وقُتل فيه 85 شخصاً.

تعليمات جديدة

كانت إسرائيل قررت اتخاذ إجراءات أمنية خاصة في بداية الحرب في أكتوبر الماضي، ثم قررت تشديد هذه الإجراءات، في أواسط أبريل (نيسان) الماضي، في أعقاب قصف إسرائيلي للسفارة الإيرانية في دمشق، واغتيال محمد مهدي زاهدي مع عدد من قادة «فيلق القدس» الذي يعمل خارج إيران، وحينها تم إغلاق 28 مقراً دبلوماسياً لها في مختلف أنحاء العالم، بشكل مؤقت، بعد تحذيرات أمنية ومخاوف من هجمات انتقامية قد تشنها إيران بعد الحادث الذي أسفر عن سقوط قيادات إيرانية رفيعة المستوى.

ومنذ ذلك الوقت أخلت «الخارجية الإسرائيلية» 7 بعثات دبلوماسية لها في كل من مصر والأردن والبحرين والمغرب وتركيا (أنقرة وإسطنبول)، بالإضافة إلى تركمانستان.

وقالت المصادر إنه في بعض الدول، كانت الإرشادات الأمنية الصادرة من السلطات الإسرائيلية صارمة للغاية لدرجة منع الموظفين من مغادرة المنزل، ولو حتى إلى صالة الألعاب الرياضية بالمبنى أو متجر قريب.

عمال إنقاذ يبحثون بين أنقاض مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية بعد يوم من غارة جوية استهدفته بدمشق 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

وأفادت مصادر في «الخارجية الإسرائيلية»: «في أكثر من مرة، نجد أنفسنا مضطرين إلى إبعاد جزء من الدبلوماسيين (الإسرائيليين) إلى خارج الدولة التي يعملون بها بسبب التحذيرات والمخاطر».

ونقل موقع «واللا» الإخباري، عن الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط أوري ساغي، الرئيس السابِق لشعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، والذي أشرف شخصياً على عملية اغتيال موسوي، قبل 32 عاماً، قوله إنّ «كلّ عملية تصفية ممركزة تحمل في طيّاتها الإيجابيات والسلبيات، ومن بين السلبيات التي أعقبت قتل الشيخ موسوي كانت تعيين نصر الله أميناً عاماً لـ(حزب الله)، والذي أعتبره أكثر سوءاً من موسوي، والأيّام أثبتت ذلك» على حدّ تعبيره.

وكشف الجنرال ساغي أن أياً من «أجهزة المخابرات الإسرائيلية لم تتوقّع رداً عنيفاً ومؤلماً وقاسياً من (حزب الله) على اغتيال أمينه العامّ (موسوي)، وأن من أشرف على عمليات الانتقام، عماد مغنية، كان أيضاً شاباً غير معروف لهم، وقد تم وضعه على قائمة الاغتيالات مع 11 قيادياً في (حزب الله)، بينهم نعيم قاسم، الذي يشغل اليوم نائب الأمين العام في (حزب الله)، والقيادي نبيل قاووق».

وأضاف ساغي: «قدَّرنا يومها أن يرد (حزب الله) على عملية اغتيال موسوي بإطلاق (الكاتيوشا) صوب شمال إسرائيل، أو تنفيذ عملية إرهابية في الخارج، وللأسف، فإن السيناريوهين تحققا، فـ(حزب الله) أمطر الجليل بصواريخ (الكاتيوشا)، وقام بتنفيذ عمليتين إرهابيتين في الأرجنتين».