تتّبع المؤسسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية والإعلامية سياسة تعتيم على كل ما يتعلق بآثار الغارات على المدنيين، وتحجب كل بيانات «حماس» والأشرطة المصورة حول المخطوفين، إلى جانب السياسة الضبابية تجاه مجريات العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة، بوصفها جزءاً من التكتيك الحربي.
وبسبب هذه السياسة، لا يعرف الإسرائيليون تفاصيل عن آلاف الأطفال والنساء من ضحايا الغارات التي يشنها سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح البرية من بعيد، ووسائل الإعلام العبرية تعلن صراحة أنها لا تنشر البيانات التي تصدرها حركة «حماس»، ولا تبث ظهور الناطق الرسمي بلسان الحركة، أبو عبيدة، ولا تنشر إعلانات «حماس» عن عدد الأسرى الذين قُتلوا من جراء الغارات، وأن عددهم ارتفع إلى 60.
وفي ليلة الاثنين - الثلاثاء، عندما أعلنت «حماس» عن مقتل الجندية نوعا مرتسيانو جراء القصف الإسرائيلي، أبلغ الجيش أهلها أنها قُتلت في غزة، وأكد أن معلوماته مأخوذة من معلومات استخبارية (وليس من الشريط الذي بُث لدى «حماس» بهذا الخصوص، ولم تُبَثّ كلماتها قبل موتها). وتبرر وسائل الإعلام هذا القرار بأنها لا تريد أن تكون أداة بأيدي الحملة الدعائية للحركة.
وبسبب هذه السياسة، يُضطر الإسرائيليون إلى اللجوء إلى الشبكات الاجتماعية لمعرفة مصائر أولادهم. وحتى هنا، تتدخل وحدات «السايبر» في المخابرات الإسرائيلية، وتحجب عنهم الرؤية أحياناً، فيشاهدون بيانات «حماس» عن طريق قناة الـ«يوتيوب».
تخلق هذه السياسة تذمراً في صفوف عائلات المخطوفين، لكنها تتقبل الأمر مرغمة. ويزداد لديها الشعور بأن قضية الأسرى ليست في رأس سلم الاهتمام؛ ولذلك يصعّد أفرادها من نشاطهم الاحتجاجي، فقد انطلقوا، الثلاثاء، في مسيرة 5 أيام متواصلة، من «ساحة المخطوفين» في تل أبيب، وفي ظل موجة أمطار غزيرة، وستنتهي المسيرة السبت المقبل أمام بيت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.
وقد شارك فيها 200 شخص فقط، لكنهم دعوا الجمهور للانضمام إليهم، «حتى لا تفهم الحكومة أن الشعب لا يقف إلى جانب هذه المعركة»، كما قال يوفال هران، الذي قُتل والده في هجوم «حماس» وأُسِرت والدته و6 آخرون من أفراد العائلة، تابع: «هذه ليست معركتنا وحدنا، بل إنها معركة شعب إسرائيل. نقول فيها إن الدولة تهتم بأبنائها وبناتها الأسرى؛ لذلك أدعو الجمهور وأعضاء الكنيست وقادة المجتمع المدني إلى مشاركتنا في إطلاق هذه الصرخة».
وقد أغلق المحتجون جانباً من شارع تل أبيب - القدس، ورفعوا شعارات تطالب بإطلاق سراح الأسرى «الآن... الآن وليس غداً».
وقالت شيلي يوم طوف، التي خُطف ابنها الشاب عومر: «ابني يعاني من مرض الربو، ولا أدري كيف حاله، وماذا يفعلون به. هل يأكل؟ هل يتناول الدواء؟ هل يتعرض للضرب؟ لمن أتوجه حتى يفهموا كيف ينبض قلب الأم في مثل هذه الحالة؟ إنني أتهم حكومة إسرائيل بأنها أهملت ابني».
ويطالب أهالي الأسرى قادة مجلس إدارة الحرب، الذي يضم نتنياهو والوزيرين يوآف غالانت وبيني غانتس، بأن يجتمعوا بهم ويخبروهم: أين وصلت المفاوضات؟ ولماذا لم يُطْلَق سراح الأسرى حتى الآن؟
يُذكر أنه في إطار رفض سياسة التعتيم من أوساط إسرائيلية عدة، بدأت وسائل الإعلام تطرح تساؤلات، وتشكك في روايات الجيش الإسرائيلي عن هذه الحرب. وقد ألمح محللون عسكريون إسرائيليون، الثلاثاء، إلى أن ما ينشره الجيش حول «نجاح» عملياته في قطاع غزة، خصوصاً في مدينة غزة، «ليس دقيقاً»، وأن هناك مقاومة شديدة، مشددين على أن «استسلام» «حماس» ليس وارداً حالياً.
ووفقاً للمحلل العسكري في صحيفة «معاريف»، طال ليف رام، فإنه «رغم أن الجيش الإسرائيلي يسيطر عسكرياً على معظم مناطق مدينة غزة وأطرافها، فإن العمل فيها لا يزال طويلاً ومعقداً». والعمل الذي يقصده هو «تطهير الأحياء من البنية التحتية الإرهابية مواقع وشققاً ومخازن أسلحة وفتحات أنفاق. والقتال الآن يتميز بأنه حرب عصابات في منطقة مبنية».
وأشار ليف رام إلى أن «الاعتقاد في الجيش الإسرائيلي هو أن معظم كتائب (حماس) في شمال القطاع لم تعد تعمل، لكن في الأماكن التي هُزمت فيها وقُتل قادة كتائب وسرايا، يستمر القتال؛ ولذلك من السابق لأوانه التحدث عن استسلام».
وأضاف أنه «من خلال محادثات مع ضباط إسرائيليين شاركوا في القتال في الأيام الأخيرة، يتبين أن ثمة إدراكاً عميقاً أن القتال في مدينة غزة سيستغرق أسابيع. وبيت حانون، الخالية كلياً من السكان، ورغم أن قوات الجيش احتلتها، فإنها لا تزال بعيدة عن أن تكون مطهرة، وتدور فيها معارك يومياً، ويطلق على القوات قذائف مضادة للمدرعات ونيران قناصة، وفي بعض الحالات تكون المعارك ضارية».
ووفقاً للمحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، فإن «إسرائيل لا تزال بعيدة عن هزيمة (حماس)». وإن مقاتلي الحركة يواجهون ضغطاً عسكرياً إسرائيلياً شديداً، لكن «تقدم الجيش الإسرائيلي مقرون بإصابات وقتلى إسرائيليين، وأحياناً بمقاومة شديدة من جانب (حماس) التي يبدو الآن أنها غير قادرة على وقف أو عرقلة، لفترة طويلة، الفرق العسكرية الإسرائيلية عندما تدخل إلى منشأة عسكرية (لحماس) أو إلى أحد الأحياء».
وأشار هرئيل إلى أن «إسرائيل فرضت هجرة جماعية لـ900 ألف فلسطيني بالقوة، وسيستغرق الفلسطينيون سنوات كثيرة في محاولة تغيير النتائج. وتدرب الجيش الإسرائيلي على هذه الخطة في الماضي. ومعظم منطقة المعارك في شمال القطاع لن تكون صالحة للسكن أشهراً طويلة، إن لم يكن سنوات».