مسابقات في الروائي والتسجيلي والقصير بعضها معاد وكثير منها مهم

مهرجان مالمو ينطلق غدًا

من فيلم «رسائل من اليرموك»
من فيلم «رسائل من اليرموك»
TT

مسابقات في الروائي والتسجيلي والقصير بعضها معاد وكثير منها مهم

من فيلم «رسائل من اليرموك»
من فيلم «رسائل من اليرموك»

* يتألّف برنامج مهرجان مالمو الذي ينطلق يوم غد السبت وينهي أعماله في السابع من هذا الشهر، من ثلاث مسابقات؛ واحدة للروائي الطويل، والأخرى للتسجيلي الطويل، والثالثة للأفلام القصيرة.
مدينة مالمو التي تحتضن المهرجان السنوي المخصص للسينما العربية تستضيف عددًا كبيرًا من المخرجين بصحبة أفلامهم التي جاءت بدورها من أنحاء عربية شتّى، مثل السعودية والإمارات وتونس ومصر وفلسطين والمغرب وليبيا (من المرّات النادرة)، كما من لبنان والسودان والأردن والجزائر. مع عدد من الأفلام التي قام عرب بإخراجها لكنها من تمويل شركات غربية في مقدّمتها إيطاليا وفرنسا.
مهرجان مالمو تم إنشاؤه قبل خمس سنوات واعتبر يومها، من قبل بعض الحاضرين على الأقل، مجرد محاولة مثقلة بالطموحات غير المنجزة. على مسافة زمنية غير بعيدة، كان مهرجان مماثل أقيم في مدينة روتردام على عدد من السنين، انتهى إلى فساد إداري وضعف في المهام مما تسبب في إغلاقه. وقبل هذا كان مهرجان السينما العربية في باريس، ذلك الذي ترأسته الناقدة ماجدة واصف لعدة سنوات (وهي الآن رئيسة مهرجان القاهرة السينمائي) وصل إلى النهاية المغلقة ذاتها، وإن لأسباب تتعلّق بالمثل المعروف: «العين بصيرة واليد قصيرة»، حيث ارتفعت الطموحات لكن المؤسسة الثقافية العريقة المذكورة لم تستطع توفير التمويل الكفيل لدعم ما أنجزه والانتقال إلى ما بعد ذلك الإنجاز.
لكن مالمو، بجديّة القائمين عليه، بإشراف المهاجر الفلسطيني محمد قبلاوي، استطاع تجاوز العثرات، وحذف الشوائب، ويأتي في سنته الخامسة أقوى مما كان عليه.

* أفلام من دول شتى
هناك 12 فيلمًا متسابقًا على الفوز بجائزة مهرجان مالمو هذا العام، هي «تحت رمال بابل» لمحمد الدراجي (العراق)، و«أحلام بوليوود» لياسين فيناس (المغرب)، و«بتوقيت القاهرة» لأمير رمسيس (مصر)، و«دلافين» لوليد الشحي (الإمارات)، و«غادي» لأمين درة (لبنان)، و«أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» لخديجة السلامي (اليمن)، و«عيون الحرامية» لنجوى نجار (فلسطين)، و«الكعكة الصفراء» لطارق الباجوري (العراق)، و«الشجرة النائمة» لمحمد راشد بوعلي (البحرين)، و«ذيب» لناجي أبو نوار (الأردن)، و«فيلا توما» لسها عرّاف (فلسطين)، و«سكر مر» لهاني خليفة (مصر).
بعض هذه الأفلام شاهدها هذا الناقد، الذي يشترك في لجنة تحكيم الأفلام الروائية هذا العام، وبعضها جديد، لكن من بين المشاهدة سابقًا ما يستحق أن يُشاهد من جديد، كذلك حال بعض تلك الأفلام التسجيلية المشتركة.
في هذا القسم التسجيلي هناك 14 فيلمًا متسابقًا من بينها «رسائل من اليرموك» للفلسطيني رشيد مشهراوي، و«المجلس» للأردني يحيى العبد الله، و«أم الغائب» لنادين صليب (مصر)، و«حكايات ليبية.. نهايات» لأحد أدوب (ليبيا)، و«يوميات كلب طائر» لبسام فايض (لبنان).
والواقع أن هناك أكثر من فيلم فلسطيني واحد، فإلى جانب فيلم رشيد مشهراوي الملهم، نشاهد «روشميا» لسالم أبو جبل.
رشيد مشهراوي، مخرج «رسائل من اليرموك» يقدّم بنبرته الهادئة وغير المفتعلة عملاً حققه في ذروة أحداث معسكر اليرموك الفلسطيني في دمشق. المعسكر الذي وجد نفسه واقعًا وسط اقتتال الأطراف المتحاربة في سوريا.
الفيلم قائم على التواصل عبر الإنترنت بين المخرج نفسه وشاب عالق في محيطه العابق بالموت وبيئته التي لا أمل فيها. يتوقف المخرج لينتقل من تلك المشاهد المبثوثة على شاشته، ومنها إلى الفيلم، إلى مشاهد صوّرها في فلسطين تسبح في غمار هذا التاريخ من الحزن الدائم. أسلوب عمل مشهراوي المنتخب لهذا الفيلم يحمل نبرة بحث صادقة في إثراء العلاقة بين تاريخ الشعب الذي اقتلع عن أرضه في فلسطين، وذلك الذي يعيش اليوم محنة الشتات وخطر الموت الجاثم دائمًا.
أما «روشميا» فهو حول عجوز (يوسف حسان) وزوجته آمنة (آمنة أبو فودة) يعيشان في كوخ تحت الطريق العام ليس بعيدًا عن حيفا. المكان وادٍ باسم روشميا والكوخ يحتل بضعة أمتار من الأرض المهملة. كل منهما لجأ، قبل سنوات كثيرة، مهاجرًا من أرض ما احتلّها الكيان الصهيوني. انتقلا، كزوجين، من بقعة تم احتلالها إلى بقعة أخرى، وهذا الكوخ هو آخر البقاع وهو بدوره آيل للهدم.
ومن الهم الاجتماعي العريض إلى الهم الشخصي المحض ينقلنا «يوميات كلب طائر» لباسم فيّاض حيث يسأل المخرج نفسه ويحيل السؤال إلينا حول ما يجعله قلقًا وخائفًا من محيطه وبيئته. في الثنايا أسئلة حول الوجود والتكوين والتقمّص والإيمان عمومًا، ودخول وخروج من معضلة الحرب الأهلية اللبنانية كون المخرج وُلد في يوم مجزرة السبت الأسود في لبنان في السادس من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1975. مما يجعله يعتبر أن عيد ميلاده أسود بسبب هذه المفارقة. لكن ما يبدو مهمّا له ليس مهمّا للمشاهد. باسم فياض في حديثه عن شجونه يبقى محصورًا بها. تشغله وتقلقه هو ولا يصل منها شيء يُذكر إلى المشاهد. هناك معين أفضل من الأفكار عند والديه وبعض الشخصيات الأخرى مما عنده ليفضي به. العنوان اللافت مستوحى من كلب العائلة «زنزن» الذي يرفض الخروج من البيت، لكن الكلب ليس لديه ما يقوله وينسجم ما ليس لديه مع ما ليس لدى المخرج قوله في النهاية.
الاشتراك السعودي مؤلف من فيلمين قصيرين أحدهما «كارت» للمخرج محمد سلمان، وهو شاب حريص على مستوى حرفته، والثاني «باص: 321» لمخرجه حسين المطلّق. ومن الإمارات عدد من الأعمال من بينها «دلافين» فيلم وليد الشحي الطويل، و«سنترال ماركت» لصالح ناس (مشترك مع البحرين)، و«بلا لون» لشهد الشحي، و«الجار» لنايلة الخاجة التي هي من بين أفضل مواهب السينما الإماراتية.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.