هل تؤول إغاثة المدن المنكوبة في ليبيا إلى إدارة دولية؟

شكاوى من «فوضى» توزيع المساعدات... واتهامات «باختفائها» قبل وصولها للمتضررين

جانب من مساعدات المنظمة الدولية للهجرة للمتضررين في درنة (المنظمة)
جانب من مساعدات المنظمة الدولية للهجرة للمتضررين في درنة (المنظمة)
TT

هل تؤول إغاثة المدن المنكوبة في ليبيا إلى إدارة دولية؟

جانب من مساعدات المنظمة الدولية للهجرة للمتضررين في درنة (المنظمة)
جانب من مساعدات المنظمة الدولية للهجرة للمتضررين في درنة (المنظمة)

تصاعدت وتيرة الشكاوى مما عدّه البعض «فوضى» في توزيع مواد الإغاثة على المتضررين من الفيضانات التي ضربت مدينة درنة ومدناً أخرى بشرق ليبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي. وترافقت هذه الشكاوى مع ظهور دعوات لإحداث «إدارة دولية» تنظم توزيع المساعدات على النازحين من كارثة السيول، الذين تقدّر أعدادهم بنحو 250 ألف نازح، وفق بيانات الأمم المتحدة، لكن مسؤولاً بهيئة الإغاثة الليبية رفض هذه الدعوات، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا العمل هو «اختصاص للمؤسسات والهيئات الوطنية الليبية».

أحد سكان درنة ينام خارج منزله الذي دمرته السيول (رويترز)

وفي سبتمبر الماضي، اجتاحت شرق ليبيا فيضانات مدمرة، أودت بحياة 4278 شخصاً، وفق أحدث إحصائية صادرة عن «الجيش الوطني» الليبي في شرق البلاد، مُخلفةً خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة. ومنذ وقوع الكارثة، تدفقت قوافل الإغاثة على المناطق والمدن المنكوبة، من مناطق ليبية، ودول عربية وغربية، كان آخرها وصول قافلة تركية يوم الأحد تحمل 850 طناً إضافياً من مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية.

في هذا السياق، عبّر محمد الزبير، الناشط المدني من مدينة درنة، عن أمله في أن «تتسلم المؤسسات الدولية؛ مثل الصليب الأحمر، والأمم المتحدة، مسؤولية الإدارة والإشراف على هذه القوافل»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى ما وصفه بوجود «فوضى في توزيع المساعدات، وعدم وصولها إلى بعض المناطق، بل واختفاء هذه المساعدات للأسف قبل وصولها إلى المدينة».

وجبات غذائية تبرع بها ليبيون لإطعام الأسر المتضررة من السيول (أ.ف.ب)

ووفق أرقام صادرة عن فريق تابع لحكومة «الوحدة» بغرب ليبيا، فإن رُبع مباني درنة إما محطمة أو مصابة بأضرار جراء الفيضانات، علماً بأن السيول دمرت 900 مبنى كلياً، و200 مبنى جزئياً، بينما غطّى الطين نحو 400 مبنى آخر. وبعد أيام من إعصار «دانيال»، طالبت منظمة «أطباء بلا حدود» بإعطاء الأولوية لتنسيق المساعدات، بعد وصول أعداد كبيرة من المتطوعين من جميع أنحاء ليبيا والخارج، وفق منسقة الرعاية الطبية مانويل كارتون.

من جانبه، يرى رئيس مجلس التطوير الاقتصادي السابق، فضيل الأمين، أن كارثة درنة تتجاوز القدرات الليبية المجزأة والمنقسمة للتعامل معها، داعياً إلى «تنسيق وإدارة دولية - ليبية لفريق عمل موحد، يتكون من جميع لجان الطوارئ العاملة الليبية، وفريق التنسيق التابع للأمم المتحدة»، وذلك في تغريدة عبر موقع «إكس» (تويتر سابقاً)، أوضح فيها أنه «لا تزال هناك كثير من أعمال الإغاثة وتحقيق الاستقرار، خصوصاً فيما يتعلق بالمأوى والرعاية الصحية، واحتياجات التعليم الأساسي للأطفال».

لا يزال سكان درنة ينتظرون المساعدات لإعادة بناء مساكنهم المدمرة (إ.ب.أ)

وحذر الأمين، وهو مرشح رئاسي محتمل في ليبيا، من «آثار كارثية قد تستمر لسنوات أو عقود إذا لم يتم التعامل مع مشكلات الإغاثة في درنة بشكل فعال وشامل على الفور»، موجهاً رسالته عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى البعثة الأممية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من السفارات الغربية.

وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت نداءً إنسانياً للحصول على 71.4 مليون دولار أميركي لمساعدة ربع مليون شخص في ليبيا، مشيرة إلى تمكُن أكثر من 20 منظمة إنسانية من الوصول إلى 146 ألف شخص، ومدهم بالمساعدات المنقذة للحياة. أما الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فقد أطلق نداءً لجمع 10 ملايين فرنك سويسري (11 مليون دولار أميركي) بالتعاون مع الجمعيات، لكنه لم يتمكّن من جمع سوى 3.2 مليون فرنك سويسري (3.5 مليون دولار أميركي).

من جانبه، رفض محمد سعيد الورفلي، الناطق باسم الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، الدعوات إلى هذا الإشراف الدولي، وقال إن أعمال الإغاثة هي اختصاص المؤسسات والهيئات الإغاثية الوطنية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع لا يزال تحت السيطرة مع استمرار صرف التعويضات للأهالي النازحين والسكان بدرنة»، مشيراً إلى أن عناصر الجيش الوطني «وزّعت مساعدات للنازحين خارج درنة، تقدّر بنحو 25 ألف دينار ليبي للأسرة الواحدة، لاستئجار مسكن وتوفير المتطلبات من خلال مشروع (سلة الخير)».

توزيع مساعدات أرسلتها منظمة خيرية من الإمارات للمتضررين من إعصار «دانيال» (رويترز)

بدوره، عبّر مدير عمليات الطوارئ بالاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في ليبيا، رجا عساف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن ثقته بشريكه على الأرض (الهلال الأحمر الليبي)، وقال إنه «مؤسسة تمتلك تاريخاً وخبرة في العمل الإنساني بالمناطق المتضررة، والاتحاد يقدّر جهوده في إجلاء العائلات قبل الفيضانات، وإنقاذها بعد الفيضانات، وتقديم الدعم النفسي للمنكوبين».

وشدد عساف على أن «الحاجة ماسة للاستجابة للنداء الإنساني بتوفير التمويل اللازم لإغاثة المنكوبين مع قرب فصل الشتاء، في ظل الحاجات الضرورية لتوفير مأوى لضحايا الفيضانات، الذين يعانون ظروفاً إنسانية صعبة، ويسكنون في مراكز إيواء أو في ضيافة أقاربهم، وكذلك عودة الطلاب إلى مدارسهم».


مقالات ذات صلة

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

شمال افريقيا صلاة جنازة على اثنين من ضحايا المجازر الجماعية في ترهونة غرب ليبيا) (رابطة ضحايا ترهونة)

​ليبيون يأملون في إخضاع المتورطين بـ«جرائم حرب» للمحاكمة

يرى ليبيون من أسر ضحايا «المقابر الجماعية» في مدينة ترهونة غرب البلاد أن «الإفلات من العقاب يشجع مرتكبي الجرائم الدولية على مواصلة أفعالهم»

شمال افريقيا السايح خلال إعلان نتائج الانتخابات في 58 بلدية ليبية (مفوضية الانتخابات)

«مفوضية الانتخابات» الليبية: نسب التصويت كانت الأعلى في تاريخ «البلديات»

قال عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات إن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية للمجموعة الأولى التي تجاوزت 77.2 % هي الأعلى بتاريخ المحليات

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال فعالية شبابية في مصراتة الليبية (من مقطع فيديو بثته منصة «حكومتنا»)

الدبيبة متحدياً من «يريدون السلطة» في ليبيا: لن تحكمونا

تحدّث عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عن 4 أطراف قال إنها هي «أسباب المشكلة في ليبيا»، وتريد العودة للحكم بالبلاد.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المفوضية العليا للانتخابات حسمت الجدل حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية (أ.ف.ب)

«العليا للانتخابات» الليبية تعلن نتائج «المحليات» الأحد

حسمت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا الجدلَ حول موعد إعلانها نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سيف الإسلام القذافي خلال تقدمه بأوراقه للترشح في الانتخابات الرئاسية في 14 نوفمبر 2021 (رويترز)

«الجنائية الدولية» تعيد سيف الإسلام القذافي إلى واجهة الأحداث في ليبيا

تتهم المحكمة الجنائية سيف الإسلام بالمسؤولية عن عمليات «قتل واضطهاد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية» بحق مدنيين، خلال أحداث «ثورة 17 فبراير».

جاكلين زاهر (القاهرة)

مصر: رفع أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهاب»

مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)
مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)
TT

مصر: رفع أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهاب»

مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)
مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)

قرّرت محكمة الجنايات في مصر «رفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية، والإرهابيين»، ووفق إفادة للنيابة العامة المصرية، الأحد، فإن إجراء رفع أسماء مدرجين بـ«قوائم الإرهاب» يأتي في إطار توجه للحكومة المصرية بـ«مراجعة موقف جميع قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين؛ تمهيداً لرفع كل من يثبت توقف نشاطه الإرهابي من تلك القوائم».

ويحق للأسماء التي تم رفعها من «قوائم الإرهاب» التمتع بكامل حقوقها القانونية، سواء في التصرف في أموالها، أو السفر والانتقال، وفق القانون المصري.

ويقضي قانون أقرّته السلطات المصرية في عام 2015 بفرض عقوبات على الأشخاص المدرجين على «قوائم الإرهاب»، تشمل وضعهم على قوائم ترقب الوصول، ومصادرة جوازات سفرهم، وتجميد أصولهم المالية. وكلفت النيابة العامة المصرية الجهات الأمنية بمراجعة الموقف الأمني للمدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، للوقوف على مدى استمرار نشاطهم الإرهابي؛ تمهيداً لرفع كل من يثبت توقف نشاطه من تلك القوائم، وفق إفادة النيابة العامة، الأحد.

وأشارت «النيابة» إلى أن «تحريات الجهات الأمنية، أسفرت عن توقف 716 شخصاً، من المدرجين بقوائم الإرهاب، عن أنشطتهم غير المشروعة، ضد الدولة ومؤسساتها»، وأضافت أن «محكمة الجنايات، وافقت على الطلب المقدم من النائب العام المصري، المستشار محمد شوقي، برفع أسمائهم من تلك القوائم».

وفي مايو (أيار) الماضي، قضت محكمة النقض المصرية، بإلغاء قرار قضائي، بإدراج نحو 1500 شخص، بينهم لاعب كرة القدم المصري السابق، محمد أبو تريكة، على «قوائم الإرهاب»، وإعادة النظر في قضيتهم.

ويرى عضو لجنة «العفو الرئاسي» في مصر، طارق العوضي، أن إجراء رفع أسماء مدرجين من قوائم الإرهاب «خطوة إيجابية تعزز مناخ الحريات بمصر»، وقال إنه «لأول مرة تقوم السلطات المصرية برفع هذا العدد الكبير من المدرجين على قوائم الإرهابيين»، داعياً الحكومة المصرية «لمواصلة إجراءات مراجعة موقف المدرجين كافة بتلك القوائم».

وأوضح العوضي لـ«الشرق الأوسط» أن «الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجّه بالإفراج عن المحبوسين من الأشخاص الذين تم رفع أسمائهم من قوائم الإرهابيين». وربط بين خطوة رفع أسماء من «قوائم الإرهاب»، وإجراءات الحكومة المصرية لإنهاء ملف المحبوسين احتياطياً، قائلاً إن «تلك الإجراءات تعكس إرادة سياسية لإنهاء تلك الملفات، وتعزيز مناخ الحريات».

واستجاب السيسي لتوصيات «الحوار الوطني» بمصر (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية «الحبس الاحتياطي»، وأكد على «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، وضرورة الحفاظ على طبيعته بوصفه إجراءً وقائياً تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة»، وفق إفادة للرئاسة المصرية في أغسطس (آب) الماضي.

جلسة محاكمة سابقة لعناصر من «الإخوان» بتهمة «الانضمام إلى جماعة على خلاف القانون» (أ.ف.ب)

وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2013، وعدّتها «جماعة إرهابية». ويخضع مئات من قادة وأنصار الجماعة، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا تعلّق معظمها بـ«التحريض على العنف»، وصدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن المشدد والمؤبد.

ورأى رئيس «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، طارق رضوان، أن «مراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية، خطوة نحو تعزيز الأمن والاستقرار الداخلي»، مشيراً إلى أن «توجيه الرئيس المصري بمراجعة المدرجين على قوائم الإرهاب، يعكس التزامه بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان».

وأوضح رضوان، في إفادة، الأحد، أن «ملف الكيانات الإرهابية والمدرجين على قوائم الإرهاب، من القضايا الحساسة التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن والاستقرار الاجتماعي»، ورأى أن مراجعة الحكومة المصرية لهذا الملف «خطوة تعزز قيم التسامح ومصداقيتها في محاربة الإرهاب»، وأشار إلى أن «هذه الخطوة ستسهم في تحسين الصورة العامة لمصر محلياً وخارجياً، وتُظهر التزامها بمبادئ حقوق الإنسان وحكم القانون».