دخلت الضفة الغربية يوم (الجمعة) على خط التصعيد الحالي في المنطقة، بعد أيام من التسخين الذي فُرض سلفاً على الضفة عبر تصعيد تحركات الجيش الإسرائيلي من جهة، وانفلات أكبر للمستوطنين من جهة ثانية، بعد الهجوم الكبير الذي شنته «كتائب القسام» على إسرائيل يوم السبت الماضي.
ونفذ مقاتلون فلسطينيون هجمات عدة على حواجز عسكرية ومستوطنات في مناطق مختلفة في الضفة التي تبدو وكأنها على صفيح ساخن، وخاضوا اشتباكات بالرصاص في جنين وطولكرم شمال الضفة، في حين اندلعت مواجهات عنيفة بين آلاف المتظاهرين والجيش الإسرائيلي في معظم المدن الفلسطينية بعد تظاهرات ضخمة، خرجت في «جمعة غضب» دعت إليها حركة «حماس» لـ«نصرة غزة».
وقتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 11 فلسطينياً في الضفة، في بيت أولا والخليل وبيت لحم وطوباس ونابلس وطولكرم ورام الله، وأصاب نحو 200 آخرين في مواجهات مفتوحة، ليرتفع عدد الذين قتلتهم إسرائيل في الضفة منذ عملية «طوفان الأقصى» في غزة، إلى 46 فلسطينياً.
وسُجلت أعنف المواجهات في محيط مصانع «جيشوري» الاستيطانية في طولكرم، وقتل الجيش هناك 3 فلسطينيين، كما قتل فلسطينياً في مواجهات في نابلس، وفلسطينياً في بيت لحم، وفلسطينياً في رام الله، وآخر في طوباس، واثنين في الخليل، في حين قُتل اثنان آخران في مواجهات أخرى، وسط توقعات بأن الحصيلة قد ترتفع أكثر.
ودخول ساحة الضفة على خط التصعيد لم يكن مفاجئاً، بل كان متوقعاً لإسرائيل التي عززت فرقة الضفة سلفاً بمئات الجنود استعداداً لموجة من العمليات والمواجهات، ونفذت مئات عمليات الاعتقال لكبار مسؤولي «حماس» وناشطيها وناشطين آخرين منذ السبت الماضي، لكن هذا التصعيد لم تكن ترغب به إسرائيل على الأرجح؛ لكونها متورطة في حرب كبيرة في جبهة غزة، ومتأهبة على جبهة الحدود الشمالية المتوترة مع لبنان.
وكان الجيش الإسرائيلي أحكم قبضته على الضفة الغربية بعد هجوم «حماس» في غزة فوراً، وعزل المدن الفلسطينية بالكامل بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية، في تحرك هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة الثانية. وزاد الجيش هذه الإغلاقات يوم الجمعة، وأعلن الضفة منطقة عسكرية مغلقة، في مؤشر على مرحلة طويلة يستعد لها في المنطقة.
وخشية إسرائيل من تصعيد متدرج في الضفة، ليس مردها أن الأحداث تجر أحداثاً والدم يطلب الدم عادة، لكن بالنظر إلى أنها كانت قبلة التصعيد قبل هجوم «حماس»، ولأن قادة هذه الحركة، السياسيين والعسكريين على حد سواء، دعوا الضفة الغربية إلى الدخول على خط المعركة، وهي دعوة بدأها القائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف الذي دعا بشكل واضح مع إعلانه بداية معركة «طوفان الأقصى» كل فلسطيني في الضفة لحمل بندقيته أو سكينه أو بلطته والانضمام للمعركة، ثم كررها مسؤولون في «حماس» تعهدوا أن تنتقل المواجهة إلى ساحات أخرى.
ويخشى الجيش الإسرائيلي بشكل رئيسي أن تتحرك خلايا «حماس» النائمة في الضفة، خصوصاً أن محمد الضيف أمر بذلك، وهي خلايا استجابت في السابق لدعوات «حماس» إلى إشعال الضفة، إضافة إلى التحرك الشعبي الطبيعي ضد الدمار والقتل الإسرائيلي غير المسبوق في غزة.
وسجلت الضفة الغربية قبل يوم الجمعة عدة هجمات، في بداية تصعيد يُعتقد أنه سيستمر مع استمرار الحرب على غزة، وتغيير إسرائيل قواعد إطلاق النار في الضفة، وتسليح المستوطنين المنفلتين بشكل أكبر.
وإضافة إلى قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيين لم يشكلوا أي خطر حقيقي الأسبوع الماضي، قتل مستوطنون متطرفون 4 فلسطينيين في هجمات على بلدة قصرة قرب نابلس. وأظهرت لقطات فيديو مستوطناً مسلحاً يطلق النار من مسافة قريبة جداً يوم الجمعة على فلسطيني أعزل في قرية «التوانة» القريبة من الخليل، في حين كان الجنود يشاهدون ذلك دون أي اكتراث.
وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أشرف على تسليح المستوطنين في الضفة الغربية. وظهر بن غفير يوم الخميس في نقطة توزّع أسلحة على المستوطنين، قائلاً إن وزارته اشترت نحو 4 آلاف قطعة سلاح من أصل نحو 20 ألف قطعة، وستوزعها تباعاً على عشرات اليهود في المستوطنات.
وينادي بن غفير بعمليات واسعة في الضفة، إحدى الجبهات التي تستعد لها إسرائيل، وكذلك في الداخل ضد العرب، وهي جبهة أخرى تخشى إسرائيل أنها قد تدخل الخط، ما جلب ضده انتقادات إسرائيلية كبيرة. وتعرض بن غفير لهجوم من مختلف الأطياف السياسية لإثارته احتمال تجدد أعمال العنف بين اليهود والعرب في المدن المختلطة في إسرائيل كما حدث قبل عامين، وقال مسؤولون حكوميون إنه «شخص غير مسؤول»، وطالبوه بضبط النفس، في حين اتهمت مصادر في الشرطة الزعيم اليميني المتطرف بنشر الخوف.
ولا تريد إسرائيل التورط في حرب متعددة الجبهات ما أمكن، على الرغم من أنها تقول منذ شهور طويلة إنها مستعدة لحرب قد تندلع على جبهات متعددة (غزة ولبنان وسوريا والضفة والداخل وربما إيران).