أزعور: القطاع غير النفطي مرتفع في السعودية مقارنة بمجموعة العشرين

أكد لـ«الشرق الأوسط» أن جهود تنويع المداخيل بالمملكة عززت الإيرادات ودعمت الاقتصاد

جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
TT

أزعور: القطاع غير النفطي مرتفع في السعودية مقارنة بمجموعة العشرين

جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)
جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (الشرق الأوسط)

وسط متغيرات عالمية كبيرة، خفّض صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره توقعات النمو العام الحالي في عدد من دول العالم، بينها الصين ومنطقة اليورو، كما امتد الخفض إلى عدد من الدول في الشرق الأوسط نتيجة تطورات واسعة النطاق، وقال إن النمو العالمي ككل لا يزال منخفضاً ومتفاوتاً.

ورغم الإشارة إلى أن اتجاهات النمو المتباينة تعني آفاقاً «متواضعة» على المدى المتوسط، فإن الصندوق توقع أن تحقق السعودية نمواً قدره 4 في المائة في عام 2024، بالمقارنة مع 2.8 في المائة في التقدير السابق، وأن يبلغ النمو في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا 3.4 في المائة في العام المقبل، متعافياً من نمو متوقع يبلغ 2 في المائة هذا العام.

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، للحديث بشكل أوسع عن رؤيته للوضع في المنطقة، وعن أسباب خفض توقعات السعودية لهذا العام ورفعها بنسبة كبيرة في العام المقبل.

في حديثه، أشار أزعور إلى أن «خفض توقعات النمو مبني بالدرجة الأولى على القرار الذي اتخذ في «أوبك بلس» بخفض الإنتاج، يضاف إليه قرار السعودية بالخفض الطوعي. هذا انعكس على القطاع النفطي. وقد عوّض عن هذا التراجع نمو القطاع غير النفطي الذي يتوقع أن ينمو بواقع 5.8 في المائة. وإذا ما قورن القطاع غير النفطي مع دول مجموعة العشرين فإن المستوى مرتفع، ومن المتوقع أن يبقى العام المقبل على مستوى مرتفع أيضاً. إذن، القطاع النفطي هو الذي جرّ مستويات النمو إلى مستويات منخفضة، إنما ديناميكية القطاع غير النفطي لا تزال قائمة، كما أن حجم فرص العمل يتحسن والاستثمار العام يزيد والتنويع الاقتصادي مستمر».

أما عن دوافع التحسن العام المقبل، فيرى أزعور أن «هناك مجموعة من هذه الإجراءات سوف تتوقف»، موضحاً أن «تقييمنا بالنسبة للسعودية هو أنه خلال السنوات الماضية صار هناك مجهود بتنويع مداخيل الدولة، وانتقلت المملكة إلى مقاربة أكثر من متوسطة المدى بإدارة الدولة حيث لديها إطار ماكرو اقتصادي في موضوع النفقات، كما عززت الإيرادات، إضافة إلى أنه كانت هناك إجراءات أخرى كان لها تأثيرها الإيجابي في الاقتصاد».

تأثيرات عالمية

وعلى نطاق منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، يقول أزعور إن هناك تأثيرين على المنطقة من جرَّاء استمرار سياسة التشدد النقدي العالمي وبقاء معدلات الفوائد مرتفعة إلى فترة أطول مما كان مرتقباً، الذي سيؤدي إلى تباطؤ الحركة الاقتصادية وبالتالي على الطلب.

التأثير الأول هو أن بعض الدول في المنطقة لا تزال تشهد معدلات تضخم مرتفعة، علماً أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تبدأ في الانحسار هذا العام، وأن تواصل انخفاضها في العام المقبل، «إنما في حالات معينة، لا تزال نسبة الفوائد الحقيقية سلبية، مما يتطلب التعديل في مستوياتها، وهو ما من شأنه أن يؤثر على الحركة الاقتصادية»، حسبما يقول أزعور.

أما التأثير الثاني، فهو مسألة خدمة الدين، التي ترتفع حكماً بارتفاع الفوائد، بسبب ارتباط اقتصاد المنطقة بالاقتصاد العالمي.

ومن هنا، تأتي أهمية أن تقوم المنطقة بإجراء إصلاحات هيكلية، التي من شأنها أن تحسن آفاق الاقتصاد من دون الاضطرار إلى اللجوء للتصحيح المالي، كما يؤكد أزعور.

الإصلاح الهيكلي

ويطالب صندوق النقد الدولي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإصلاحات هيكلية تكون لبنة لتحقيق النمو وخلق فرص العمل لآلاف الشباب... ولكن هل سوف تكون هذه الدول قادرة على تحقيق هذا الاختراق في ظل استمرار التشدد النقدي الذي سوف تكون له انعكاساته على دول المنطقة، ووسط تنامي الأزمات وارتفاع كتلة الديون فيها؟

يميز أزعور ما بين الإصلاح الهيكلي والتصحيح الهيكلي. فالإصلاح الهيكلي يساعد في تحسين بيئة الأعمال ويحضّر الأرضية لكي يلعب القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد، ويعزز أسواق العمل ما من شأنه أن يساهم في خلق فرص عمل، بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة وإصلاح عمل الدولة.

ومن المتوقع أن تبلغ أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل أكثر من 100 مليون شخص خلال السنوات العشر المقبلة.

وشرح أزعور أن المنطقة العربية تعاني مشكلة مزمنة فيما يتعلق بالبطالة، ولا سيما عند الشباب ومستوى مشاركة المرأة في الحركة الاقتصادية، وهو ما يفرض ضرورة الإسراع في إجراء إصلاحات هيكلية سوف تمنح في نهاية المطاف دوراً أكبر للقطاع الخاص وتخلق بيئة أعمال صحية وتعزز قدرة المبادرين على إطلاق أعمال جديدة وتخفف الهوة بين عمل المرأة والرجل وتعزز فرص العمل في المنطقة.

وبحسب أرقام صندوق النقد الدولي، فإنه من شأن ضمان اضطلاع القطاع الخاص بدور أكثر شمولاً أن يكون عاملاً أساسيّاً لخلق فرص العمل. فالقطاع الخاص يوفر أكثر من 90 في المائة من الوظائف في البلدان النامية. وبالتالي، مع اضطلاع القطاع العام بالعمل على خلق بيئة تمكينية، ينبغي أن تضطلع مؤسسات القطاع الخاص بمسؤولية زيادة الاستثمار والإنتاجية والقدرة التنافسية مع تدريب القوى العاملة للاستفادة من عالمنا التكنولوجي المتغير.

وكنموذج لدول في المنطقة اعتمدت إصلاحات هيكلية، يمكن الإشارة إلى المغرب الذي قدم في خلال السنوات العشرين الماضية مجموعة من البرامج المرتبطة بالإصلاح الهيكلي، التي ساهمت في خلق 350 ألف فرصة عمل. وهذا يعني أن الإصلاح هي عملية طويلة الأجل تحتاج إلى تحضير ومناقشة ودعم من كافة أطراف المجتمع.

هناك قواعد عديدة كفيلة بإنجاح عملية الإصلاح الهيكلي، من أهمها، وفق أزعور، فهم الاقتصاد السياسي لأي عملية إصلاحية، وخلق آليات تساهم في التعويض عن الفئات التي ستتأثر سلباً، ومنح الوقت لتطبيق هذه الإصلاحات، وخلق ديناميكية بين هذه الإصلاحات بهدف الإسراع بها. مثال على ذلك، إصلاح نظام التمويل لرفع مستوى التمويل إلى القطاع الخاص، أو تقليص الفارق مع الدول الناشئة حول مشاركة المرأة ليصل مثلاً إلى 50 في المائة، بحيث يمكن بعد عشر سنوات خلق ألف مليار دولار حركة اقتصادية.

وأعاد أزعور الإشارة مجدداً إلى ما أنجزته المملكة العربية السعودية على صعيد القوانين الخاصة بالمرأة، التي عززت دورها في سوق العمل في خلال فترة لم تتعد الأربع سنوات.

الوضع في مصر

يشير أزعور إلى أن الاقتصاد المصري يتعرض، مثل كل الاقتصادات لصدمات خارجية، وبالتالي أول نقطة هي حماية هذا الاقتصاد منها. وجزء أساسي من الحماية هو نظام سعر صرف مرن ومتحرك ولكي يمنح المصرف المركزي القدرة والإمكانات حتى يحافظ على الاستقرار الاقتصادي. ولهذا السبب فإن مرونة سعر الصرف ضرورية لمصر لحماية الاقتصاد.

ويضيف أزعور: «لكن ليس هذا فقط المطلوب، فالبرنامج الذي تم وضعه مع مصر له عدة ركائز، منها سعر صرف مرن، ومنها منح القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد. هذا لا يعني أن تنتقل الأصول من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ولكن يجب تغيير دور الدولة بحيث يكون مسانداً وليس منافساً، وهذا يتطلب أن يتغير حجم الاقتصاد العام وأن يتقلص دور الدولة بالمشاريع الكبرى. وكل ذلك يساعد على استعادة مصر لنموها والمحافظة على مستويات منخفضة من التضخم، وأن يكون لدى المستثمر شعور بالاستقرار، وبالتالي هذا سوف يساعد مستقبلاً على خلق فرص عمل... هذا هو عنوان البرنامج».

ويوضح أزعور أن «تنفيذ البرنامج له عدة محاور، هناك محاور متقدمة أكثر من أخرى، وعندما يحصل تقدم متكافئ على كل المحاور يصبح هناك إنجاز للمراجعة. الآن المراجعة الأولى والثانية سوف ندمجهما معاً لكي نسرع الأمور».

ووافق صندوق النقد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار في إطار «تسهيل الصندوق الممدد» لمصر. ويخضع تقديم الدفعات ضمن البرنامج الذي تبلغ مدته 46 شهراً لثماني مراجعات. وكان من المقرر إجراء المراجعة الأولى في مارس (آذار).

وتعهدت مصر باعتماد سعر صرف مرن عندما توصلت إلى اتفاق القرض مع الصندوق أواخر العام الماضي، لكن السعر الرسمي ظل دون تغيير تقريباً منذ نحو ستة أشهر عند نحو 30.93 جنيه للدولار.


مقالات ذات صلة

«ستاندرد آند بورز» ترفع تصنيف سلطنة عمان بنظرة مستقبلية «مستقرة»

الاقتصاد حقل لإنتاج الغاز في سلطنة عمان (رويترز)

«ستاندرد آند بورز» ترفع تصنيف سلطنة عمان بنظرة مستقبلية «مستقرة»

رفعت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني تصنيف سلطنة عمان إلى «بي بي بي-» من «بي بي+»، معربة عن أملها في استمرار تعزيز المالية العامة للسلطنة.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
الاقتصاد رجال يحاولون شراء أكياس الدقيق المدعم من شاحنة في كراتشي بباكستان (رويترز)

هل سيتعافى اقتصاد باكستان بعد قرض صندوق النقد الدولي الجديد؟

حصلت باكستان على دفعة قوية لاقتصادها المتداعي، من حزمة إنقاذ جديدة من مُقرِض عالمي، بينما تجد نفسها في تحدٍ كبير لتنفيذ الأهداف الصعبة في موازنتها العامة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد رئيس الوزراء الباكستاني يحضر الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (رويترز)

صندوق النقد الدولي يوافق على قرض بقيمة 7 مليارات دولار لباكستان

وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على قرض جديد بقيمة 7 مليارات دولار لباكستان، التي تعاني من ضائقة مالية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - إسلام آباد)
الاقتصاد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية أمين ماتي (لينكد إن)

صندوق النقد الدولي: النشاط غير النفطي في السعودية سيبقى قوياً

توقع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أمين ماتي، ألا يؤثر أي تراجع في أسعار النفط على نمو الناتج غير النفطي في السعودية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد شخص ينقل صندوق اقتراع إلى مركز فرز في نهاية التصويت بالانتخابات الرئاسية بسريلانكا 21 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

سريلانكا: إعادة فتح المحادثات مع صندوق النقد أكبر تهديد لاقتصاد البلاد

قال رئيس سريلانكا رانيل ويكرميسينج إن إعادة فتح المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ مالي من شأنها أن تشكل تهديداً كبيراً لاقتصاد البلاد.

«الشرق الأوسط» (كولومبو)

السعودية تستعد لبدء جولة صادرات الخدمات الوطنية إلى الكويت

جناح هيئة تنمية الصادرات السعودية في أحد المعارض (الموقع الإلكتروني لهيئة تنمية الصادرات)
جناح هيئة تنمية الصادرات السعودية في أحد المعارض (الموقع الإلكتروني لهيئة تنمية الصادرات)
TT

السعودية تستعد لبدء جولة صادرات الخدمات الوطنية إلى الكويت

جناح هيئة تنمية الصادرات السعودية في أحد المعارض (الموقع الإلكتروني لهيئة تنمية الصادرات)
جناح هيئة تنمية الصادرات السعودية في أحد المعارض (الموقع الإلكتروني لهيئة تنمية الصادرات)

تستعد هيئة تنمية الصادرات السعودية لبدء جولة صادرات الخدمات السعودية إلى دولة الكويت في الفترة من 29 سبتمبر (أيلول) حتى 1 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، التي تعد ضمن جولات النفاذ للأسواق لدعم وتعزيز فرص الصادرات الوطنية من الخدمات.

ووفق بيان للهيئة، تشمل الجولة سلسلة من الزيارات التي تتيح للشركات الوطنية في قطاعات عدة مثل الخدمات اللوجيستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والخدمات الاستشارية والطبية، تقديم واستعراض خدماتها وحلولها للجهات الحكومية والخاصة في الكويت، ما يسهم في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.

كما تدعم الجولة نفاذ الصادرات السعودية غير النفطية إلى السوق الكويتية التي تعد من أبرز الأسواق الخليجية المستوردة للسلع والخدمات السعودية، حيث بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية إلى الكويت خلال النصف الأول من العام الحالي أكثر من 3.7 مليار ريال (986.36 مليون دولار).

وفي هذا السياق، قال المتحدث الرسمي لهيئة تنمية الصادرات السعودية، ثامر المشرافي، إن الهيئة تسعى من خلال جولة صادرات الخدمات السعودية إلى دولة الكويت لإيجاد بيئة تصديرية ممكنة ومدعومة عبر خطط استراتيجية مدروسة، تهدف إلى ربط المصدرين السعوديين بالمستوردين الكويتيين، مع التركيز على مواءمة الأعمال التجارية بين الجانبين، بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للهيئة، حيث تمثّل الجولة جزءاً من جهود الهيئة لفتح آفاق جديدة، وتيسير رحلة الصادرات السعودية غير النفطية إلى السوق الكويتية.

وأضاف المشرافي أن الخدمات السعودية تتميز بقدرات تنافسية عالية في السوق الخليجية والإقليمية والعالمية، حيث بلغت قيمة صادرات الخدمات السعودية 182 مليار ريال في عام 2023، محققة أفضل أداء لها مقارنة بالسنوات السابقة، بزيادة قدرها 40 في المائة على عام 2022، مما يعكس النمو الكبير في قطاع صادرات الخدمات السعودية.

وبحسب البيان، تعكس هذه الجولة الحرص على الترويج للخدمات السعودية وزيادة حصصها السوقية في الأسواق العالمية، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030» المتعلقة بتنويع مصادر الدخل وتنمية الصادرات غير النفطية.

وستشارك في الجولة 4 جهات حكومية؛ وهي هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وهيئة الحكومة الرقمية، والهيئة العامة للنقل، والهيئة السعودية للمقاولين.