الخرطوم... مدينة الأنهار تكابد العطش

المواطنون يشربون من النهر مباشرة لتعطل محطات تنقية المياه

أزمة مياه حادة يعاني منها سكان الخرطوم (إ.ب.أ)
أزمة مياه حادة يعاني منها سكان الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

الخرطوم... مدينة الأنهار تكابد العطش

أزمة مياه حادة يعاني منها سكان الخرطوم (إ.ب.أ)
أزمة مياه حادة يعاني منها سكان الخرطوم (إ.ب.أ)

تستيقظ ربة المنزل، علوية الطيب، الساعة الثانية صباحاً، لتراقب صنبور المياه، علّه يجود عليها ببضع قطرات من الماء تطفئ بها عطش أسرتها في نهارات الخرطوم القائظة، وأثناء قصف المسيرات الحربية والمدفعية. لكن، في الغالب، يضيع انتظارها عبثاً.

علوية، الخمسينية، تقول لـ«الشرق الأوسط» إن سكان الخرطوم لا يدرون أي مصير ينتظرهم، «هل الموت عطشاً، أم جوعاً، أم بالقذائف المتفجرة؟».

تقع العاصمة السودانية على نهرين؛ أبيض وأزرق، ومع ذلك يعاني سكانها العطش الشديد، حتى إن الأشجار فقدت أوراقها، وتحولت إلى مجرد سيقان يابسة، واختفت الأشجار الكثيفة التي كانت تنمو في بعض شوارع المدينة بسبب العطش، وحتى الكلاب والقطط التي تركها أصحابها تلهث من شدة العطش.

رجل يبيع المياه في إحدى أسواق الخرطوم التي مزّقتها الحرب (أ.ف.ب)

والمار في المدينة، يلحظ طوابير طويلة من الأواني المنزلية المتراصة، في انتظار حصتها من الماء من أحد المنازل. أوانٍ تحمل كل الألوان، بعضها قديم متآكل من جنباته، وبعضها الآخر جديد مغلق بإحكام، بينما ينتظر أصحابها في ظلال أشجار النيل، اتقاءً للهيب الشمس الحارق، والعرق يتصبب منهم غزيراً.

عجز في المياه

تعاني مناطق عديدة في الخرطوم العطش منذ أكثر من ستة أشهر، أي منذ اليوم الأول للحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع». فمنطقة بحري انقطعت عنها المياه منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب، ما أجبر معظم سكانها على مغادرتها. وقالت غرفة طوارئ مياه ولاية الخرطوم لـ«الشرق الأوسط»، إن محطة بحري خرجت من الخدمة بعد تعرضها للقصف من قبل قوات «الدعم السريع»، وهي كانت تنتج 300 ألف متر مكعب يومياً، وتغذي منطقة الخرطوم بحري وأجزاء من مدينة أمدرمان.

اللجوء إلى الآبار للحصول على الماء (أ.ف.ب)

كما خرجت محطة مياه المنارة في أمدرمان عن الخدمة، ما خلق أزمة حقيقية لدى المواطنين، فاتجه سكان المناطق التي تغذيها هذه المحطة إلى أحياء أخرى بحثاً عن الماء. وعندما يرفع الأذان لصلاة الصبح، يذهب الناس إلى المساجد وهم يحملون في أيديهم أواني لجلب الماء من خزانات المسجد، لكنهم في كثير من الأحيان يجدون هذه الخزانات فارغة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وأوضحت غرفة الطوارئ لـ«الشرق الأوسط»، أن محطة مياه المنارة توقفت لعدم وجود مواد تنقية، وهي الأخرى تنتج 300 ألف متر مكعب يومياً، وقالت إن العجز في المياه في الولاية يقدر بنحو 500 ألف متر مكعب يومياً، بينما تبلغ الحاجة الكلية للمياه في الخرطوم 3 ملايين متر مكعب، وأن أزمة حادة نشأت بعد تدمير 50 في المائة من محطات المياه. وتابعت الغرفة: «عدم توفر الممرات الآمنة للفرق الفنية لإصلاح محطات المياه، ونقص مواد التنقية، وانقطاع التيار الكهربائي، هي الأسباب الحقيقية للعطش الذي يعانيه المواطنون في الخرطوم».

فتيان يحملون أواني المياه في أحد شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)

ويضطر المواطنون إلى شرب المياه من النيل مباشرة، ما أدى لانتشار الإسهالات المائية، وظهور حالات كوليرا وأمراض أخرى بسبب شرب المياه غير النقية. ويخشى على نطاق واسع من انتشار الأمراض المترتبة على استهلاك مياه الشرب غير النقية، وتحولها إلى أوبئة، إلى جانب انعدام الأدوية وضعف الخدمات الصحية الناتج عن خروج نسبة كبيرة من مراكز تقديم الخدمات الصحية من العمل بسبب الحرب والقتال، وتساقط القذائف والصواريخ العشوائية على مراكز تقديم الخدمات الصحية.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش السوداني استرداد مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، أعلنت «قوات الدعم السريع» تنفيذ ما أسمتها «عملية نوعية» في منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال مدينة أم درمان، ودمّرت عدداً من الطائرات الحربية والمسيّرات والآليات، «واستهدفت خبراء أجانب تابعين للحرس الثوري الإيراني»، يعملون في المنطقة العسكرية المهمة، وذلك من دون تعليق من الجيش على ذلك.

وقال الناطق الرسمي باسم «قوات الدعم السريع»، في نشرة صحافية (الأحد)، إنها نفَّذت فجراً «عملية نوعية ناجحة، استهدفت منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، ودمَّرت خلالها عدداً من الطائرات الحربية من طراز (أنتنوف)، ومقاتلات من طراز (K8) صينية الصنع، وعدداً من المسيّرات والمعدات العسكرية في قاعدة وادي سيدنا الجوية بالمنطقة العسكرية».

ولم يصدر أي تعليق من الجيش على مزاعم «قوات الدعم السريع»، وسط ترحيبه الكبير باسترداده مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، التي كانت قد فقدتها في يونيو (حزيران) الماضي... وعادة لا يشير كلا الطرفين، إلى خسائرهما في المعارك.

وتضم منطقة وادي سيدنا العسكرية التي تقع شمال مدينة أم درمان، أكبر قاعدة جوية عسكرية، وفيها المطار الحربي الرئيس، إلى جانب الكلية الحربية السودانية، وبعد اندلاع الحرب تحوَّلت إلى المركز العسكري الرئيس الذي يستخدمه الجيش ضد «قوات الدعم السريع».

وقال البيان: «إن العملية النوعية التي نفَّذتها القوات الخاصة التابعة للدعم السريع، تأتي تنفيذاً للخطة (ب)، التي أعلن عنها قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) في آخر خطاباته الجماهيرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، عقب خسارة قواته منطقة جبل موية الاستراتيجية بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.

وتوعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المقرات والمواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً في متناولها.

جندي من الجيش السوداني يقوم بدورية خارج مستشفى في أم درمان في 2 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ووعدت بحسب البيان، بأن تكون الحرب الحالية «آخر الحروب» في البلاد، وبإنهاء ما أسمتها «سيطرة الحركة الإسلامية الإرهابية على بلادنا»، و«إعادة بناء وتأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة عادلة، تحقق السلام والاستقرار والعدالة لجميع الفئات السودانية، التي عانت من ظلم واستبداد الدولة القديمة».

وعلى صفحته بمنصة «إكس»، قال مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، إن «خبراء أجانب يعملون مع الجيش في قاعدة وادي سيدنا الجوية، وإن معظمهم تابعون للحرس الثوري الإيراني، استهدفتهم العملية»، وإن ما أُطلق عليه «دك وتجفيف منابع الإرهاب» يعدّ من أولويات الخطة (ب) التي أعلن عنها حميدتي أخيراً.

وفي النيل الأبيض، اقتحمت «قوات الدعم السريع» المناطق الشمالية لمدينة الدويم، بولاية النيل الأبيض، وعند محور الأعوج وقرى المجمع، والسيال، واللقيد، وشمال الأعوج، التي لجأ إليها عددٌ كبيرٌ من الفارين من القتال، وأطلقت الرصاص؛ ما أدى لمقتل شخص واحد على الأقل، وإصابة آخرين.

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واستنكر الناشط المتابع للأحداث محمد خليفة، وفقاً لحسابه على «فيسبوك»، الذي يتابعه مئات الآلاف، «عدم تصدي القوات المسلحة للقوات المهاجمة؛ دفاعاً عن المواطنين». وقال: «إن القرى والبلدات التي اقتحمتها (قوات الدعم السريع)، تبعد عن منطقة تمركز بنحو كيلومترين فقط...قوات الجيش لم تتحرك من مكانها، وقوات الميليشيا لا تزال في تلك المناطق المنتهكة».

وكان الجيش قد أعلن (السبت) استرداد مدينة سنجة، حاضرة ولاية سنار، من قبضة «الدعم السريع»، أسوة باسترداد المدن والبلدات الأخرى جنوب الولاية مثل الدندر، والسوكي. وقال القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي وصل إلى المدينة غداة استردادها، إن قواته عازمة على «تحرير كل شبر دنسه العملاء والخونة، ودحر الميليشيا الإرهابية التي تستهدف وحدة السودان».