دنيس ساسو نغيسو... الزعيم المخضرم للكونغو برازافيل يقاوم «عدوى الانقلابات»

سيتجاوز حكمه الـ40 سنة بنهاية ولايته عام 2026

دنيس ساسو نغيسو... الزعيم المخضرم للكونغو برازافيل يقاوم «عدوى الانقلابات»
TT

دنيس ساسو نغيسو... الزعيم المخضرم للكونغو برازافيل يقاوم «عدوى الانقلابات»

دنيس ساسو نغيسو... الزعيم المخضرم للكونغو برازافيل يقاوم «عدوى الانقلابات»

يبدو أن على رئيس الكونغو برازافيل دينيس ساسو نغيسو أن «يتحسّس حكمه» في ظل عدوى الانقلابات التي تضرب أفريقيا حالياً، ونالت أخيراً من جارته الغابون. فبينما يتأهب نغيسو (79 سنة) لأن يتجاوز 40 سنة في السلطة مع نهاية ولايته الحالية عام 2026، تأتي شائعات الانقلاب لتلاحقه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثناء وجوده خارج البلاد للمشاركة في نيويورك باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. التكهنات التي ظهرت بالتزامن مع مغادرة نغيسو العاصمة الكونغولية برازافيل، التي زعمت سيطرة قوات من الجيش على مؤسسات الدولة، نفتها الحكومة ووصفتها بـ«الشائعات الخيالية»، وطالبت الرأي العام بالهدوء، والمواطنين بممارسة نشاطاتهم المعتادة.

قبل بضعة أيام، وحول الوضع في الكونغو برازافيل، كتب تييري مونغالا، وزير الإعلام، في منشور على صفحته الشخصية بمنصة «إكس» («تويتر» سابقاً): «تنفي الحكومة الشائعات، وتؤكد أنه لم يحدث انقلاب عسكري في برازافيل، وتطالب الرأي العام بالهدوء، والمواطنين بممارسة نشاطاتهم المعتادة». كذلك نشرت الرئاسة الكونغولية، في وقت لاحق، شريط فيديو للرئيس لدى وصوله إلى مقر البعثة الكونغولية للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الغابون، الجارة الغربية للكونغو برازافيل، كانت آخر محطة وصل إليها قطار الانقلابات العسكرية الأفريقية، يوم 30 أغسطس (آب) الماضي، بعد كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا.

النشأة والمسيرة

ولد دينيس ساسو نغيسو عام 1943 في منطقة في وسط المستعمرة الفرنسية السابقة التي تتجاور مع الغابون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وبحسب نغيسو، فإن والده كان زعيماً للقرية ويقود رابطة للصيادين. وهو، بعد إنهائه دراسته الثانوية في مدرسة لوبومو الثانوية المحلية عام 1961، كان ينوي العمل مدرساً، بيد أنه فشل في الالتحاق بكلية تخرج المعلمين في العاصمة برازافيل، لأن ذلك كان يحتاج إلى علاقات سياسية لم تتوفر لديه ولدى أسرته، فالتحق بالجيش الذي أرسله إلى الجزائر وفرنسا لتلقي الإعداد العسكري. وبعد مسيرة في السلك العسكري، عيّن ساسو نغيسو عام 1963 قائداً للقوات المسلحة في برازافيل، وبحلول أوائل السبعينات من القرن الماضي، كان قد ارتقى إلى رتبة عقيد.

الصعود إلى السلطة

خلال هذا الوقت، لعب ساسو نغيسو دوراً نشطاً في السياسة، إذ انضم إلى حزب العمل الكونغولي الذي اعتنق الآيديولوجية الماركسية اللينينية وأصبح الحزب الحاكم والوحيد في البلاد في عام 1970. وغدا ساسو نغيسو مقرّباً من الرئيس اليساري الراحل ماريان نغوابي الذي تولّى الحكم بين عامي 1968 و1977، وعيّنه الرئيس وزيراً للدفاع عام 1975. غير أنه، بعد اغتيال نغوابي عام 1977، وعلى الرغم من نفوذ ساسو نغيسو الكبير داخل الجيش والحزب الحاكم، وصل يواكيم يومبي أوبانغو، منافسه داخل الحزب، إلى السلطة... بينما عيّن ساسو نغيسو نائباً أول لرئيس الجمهورية. ومع هذا، في ضوء فشل يومبي أوبانغو في فرض سيطرته على الجيش والحزب، أجبرته اللجنة العسكرية للحزب على الاستقالة في فبراير (شباط) 1979، وفي الشهر التالي نصّبت ساسو نغيسو رئيساً للجمهورية ورئيساً للحزب.

استقرار نسبي ثم سقوط وحرب

تمتعت البلاد في البداية بفترة من الاستقرار النسبي في عهد الرئيس الجديد، وأعاد الحزب انتخابه للرئاسة في عام 1984، ومرة ثالثة في عام 1989. وخلال تلك الفترة نجح ساسو نغيسو في التخلص من منافسيه وخصومه السياسيين في الحزب والجيش، ونجح في تقوية دعائم حكمه مستفيداً من اكتشاف احتياطات النفط في بلاده، ورواج الآيديولوجيا الماركسية في بلاده والقارة الأفريقية بمساندة الاتحاد السوفياتي والصين له. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التوجه اليساري للبلاد، ساعدته الاستثمارات الفرنسية في مجال النفط على تحقيق استقرار اقتصادي لا بأس له. غير أن انخفاض أسعار النفط في الثمانينات أدى إلى تعثر الاقتصاد الكونغولي، ما نجم عنه تآكل شعبية ساسو نغيسو وتزايد السخط الشعبي، وبالفعل، تصاعدت المطالبة بالديمقراطية وتنامت الاحتجاجات الشعبية، كما أجهض الرئيس انقلاباً عسكرياً ضد حكمه عام 1987، وتبنّى سياسات عنفية وقمعية ضد خصومه.

ومن ثم، وسط الأوضاع الاقتصادية السيئة وتراجع شعبية الرئيس، تخلى الحزب الحاكم رسمياً عن سياساته الماركسية اللينينية عام 1990. وهذه الخطوة ما كانت تبشر بالخير لساسو نغيسو، إذ تلاها إجراء أول انتخابات متعددة الأحزاب في البلاد خلال أغسطس 1992. وجرى إقصاء ساسو نغيسو في الجولة الأولى من التصويت بعدما حل ثالثاً، وانتُخب باسكال ليسوبا من حزب الاتحاد الأفريقي للتنمية الاجتماعية رئيساً.

عودة جديدة... بالقوة على الأثر، شكّل حزب ساسو نغيسو تحالف معارضة نظّم احتجاجات وعصياناً مدنياً ضد إدارة ليسوبا. ثم في عام 1993، اشتبكت الميليشيات الداعمة لساسو نغيسو مع القوات الحكومية، واستمر العنف المتصاعد في العام التالي وسقط جراءه عدد كبير من الضحايا. وبعد فترة هدوء نسبي عاد العنف ليستعر بين الجانبين في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1997، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية طالت لمدة سنتين، سقط فيها آلاف القتلى ونزح مئات الآلاف.

وبعد الحرب، في خريف عام 1997، أُجبر ليسوبا على مغادرة البلاد، وأُعلن ساسو نغيسو رئيساً للبلاد مرة أخرى. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار خلال عام 1999، واجه الرئيس العائد أعمال عنف لبعض الوقت في بعض مناطق البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، واجه مشكلات اقتصادية مستمرة ومزاعم بالفساد داخل الحكومة.

انتخابات ... بلا منافسين

أعيد انتخاب ساسو نغيسو عام 2002 في انتخابات شابها الجدل. وقاطع بعض مرشحي المعارضة السباق الانتخابي، زاعمين أن الإصلاح الديمقراطي لا يزال غائباً وأن الانتخابات لن تكون حرة ونزيهة. ونتيجة لذلك، لم يواجه الرئيس أي منافسة حقيقية، في حين شككت المعارضة في شرعية فوزه الساحق. وبعدها أعيد انتخابه في ظروف مشابهة عام 2009، ومجدداً، قاطع مرشحو المعارضة الأساسيون الانتخابات، وأُعيد انتخاب ساسو نغيسو بفارق كبير. لكن، على الرغم من ادعاء المعارضة وبعض المنظمات وقوع حوادث تزوير وترهيب، اعتبر المراقبون الدوليون من الاتحاد الأفريقي أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة.

تعديل الدستور

من جهة ثانية، على الرغم من أن الدستور يمنع ساسو نغيسو من الترشح لولاية أخرى للرئاسة، اتُّخِذت خطوات للتغلب على هذا القيد. وجرى طرح اقتراح لتعديل الدستور لإلغاء حدود الولاية ورفع الحد الأقصى لسن المرشح الرئاسي - وهي من التغييرات التي من شأنها السماح للرئيس بالترشح لفترة رئاسية أخرى - للاستفتاء في أكتوبر (تشرين الأول) 2015. ومرة أخرى، قاطعت المعارضة الاستفتاء في حين ذكرت السلطات الرسمية أن 3 أرباع الناخبين المسجلين أدلوا بأصواتهم، بنسبة تأييد للتعديلات المقترحة وصلت إلى 92 في المائة.

وبعد التعديلات، رُشّح ساسو نغيسو مرشحاً رسمياً عن حزب العمل الحاكم في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 20 مارس (آذار) 2016، وسط انقطاع للاتصالات، ما أثار انتقادات شديدة. ومن ثم، أعلن فوز الرئيس بالانتخابات، وادعى المسؤولون أنه فاز بحوالي 60 في المائة من الأصوات، الأمر الذي اعترضت عليه المعارضة، وأدى إلى نشوب أعمال عنف احتوتها السلطات الأمنية. وفي انتخابات مارس 2021، أُعيد انتخابه، وورد رسمياً أنه حصل على أكثر من 88 في المائة من الأصوات، وهذا على الرغم من تكرار الظروف نفسها التي حدثت عام 2016، حين قاطعت المعارضة الرئيسة الانتخابات، وعُطّلت خدمة الإنترنت في البلاد، وكانت النتيجة محل نزاع، وسط تكرار المزاعم بتزوير الانتخابات.

في هذا السياق، كتب فافا تامبا، الباحث الكونغولي في الشؤون الأفريقية، في مقال نشر في صحيفة «الغارديان» البريطانية بعد انتخابات عام 2021، إن ساسو نغيسو «حريص على إجراء الانتخابات الشكلية لأنها تمنحه شكلاً من الشرعية، حتى لو كانت مزوّرة ومعيبة بشكل صارخ وتشبه ارتداء الإمبراطور لملابسه الجديدة».

وتابع أن ساسو نغيسو «أمير الحرب الذي أطاح باسكال ليسوبا، المنتخب ديمقراطياً، ليعيد تنصيب نفسه رئيساً عبر حرب أهلية خلّفت آلافاً من القتلى وظلت جرحاً مفتوحاً في البلاد، يريد سلطة غير محدودة طوال حياته. إلا أنه يريد أيضاً الحصول على موافقة من القوى الدولية على ذلك».

اتهامات بالفساد

ما يستحق الذكر أن ساسو نغيسو اتهم عدة مرات بالاختلاس وإساءة استخدام الأموال العامة وغسل الأموال. وفي مايو (أيار) 2009، أعلنت محكمة فرنسية إجراء تحقيق في ما إذا كان الرئيس الكونغولي، ومعه زعيمان أفريقيان هما عمر بونغو رئيس الغابون (آنذاك)، وتيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو رئيس غينيا الاستوائية، نهبوا خزائن دولهم لشراء منازل وسيارات فاخرة في فرنسا.

أيضاً، اتُّهم نجل ساسو نغيسو، دينيس كريستيل، وكان وقتها عضواً في المجلس التشريعي الوطني ووزير التعاون الدولي في الحكومة، بتلقي 50 مليون دولار أميركي من الخزانة الوطنية بشكل فاسد. وكذلك اتُّهمت ابنته كلوديا ليمبومبا، عضو المجلس التشريعي الوطني ورئيسة مكتب الاتصالات الرئاسية، باستخدام 20 مليون دولار من أموال الحكومة لشراء شقة في أبراج ترمب في مدينة نيويورك، واتُّهمت ابنة ثانية هي جوليان بغسل الأموال.

وفي هذا الإطار، يتهم الباحث الكونغولي تامبا القوى الغربية بالصمت حيال الفساد وتزوير الانتخابات في برازافيل، لافتاً إلى أن نصف الشعب يعيش في فقر مدقع، رغم غنى وثراء البلاد. ويعدّ تامبا أن الدولة محكومة بالفساد، وأن أي معارضة حقيقية «يُصار إلى قمعها بالقوة، ويجري استهداف المعارضين بالسجن والنفي وغيرهما من أشكال العنف». كذلك يرى تامبا أن الكونغو لم تتخلص بعد من الاستعمار بسبب حكم ساسو نغيسو وعائلته، مشيراً إلى أنه «بحلول نهاية عام 2026، سيكون ساسو نغيسو قد أمضى في السلطة فترة أطول من فترة حكم جوزيف ستالين وديكتاتور جمهورية أفريقيا الوسطى جان بيديل بوكاسا مجتمعين». ومن ثم، يضيف أنه «منذ عهد الاتحاد السوفياتي، لم تكن الكونغو برازافيل، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، ومتوسط العمر فيها 17 سنة، ديمقراطية أو جمهورية من الناحية الليبرالية. بل يحكمها ساسو بقبضة من حديد».

ثم يشير إلى الحالة الاقتصادية السيئة المزمنة التي تعيشها البلاد حيث «يمضي موظفو الخدمة المدنية شهوراً من دون أجور ومعاشات تقاعدية. وتمر على المستشفيات أشهر من دون توفير الأدوية الأساسية».

أزمة انتقال السلطة في أفريقيا

أخيراً، ترى أماني الطويل، الباحثة المصرية في الشؤون الأفريقية، في حالة الرئيس ساسو نغيسو في الكونغو برازافيل، «تمثيلاً لمأساة كثير من الدول الأفريقية في ما يتعلق بالتحايل على عملية انتقال السلطة بشكل قانوني، وذلك عبر انتخابات شكلية مزورة والفساد واضطهاد المعارضين والمنافسين وإقصائهم أو عن طريق العنف المتمثل في الحروب الأهلية أو الانقلابات العسكرية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، رأت الطويل أن سيطرة رؤساء على السلطة بشكل غير قانوني يساهم في انعدام الاستقرار والأمن، وقد يؤدي إلى مزيد من الانقلابات العسكرية والحروب في أنحاء مختلفة من القارة. وتابعت: «على الاتحاد الأفريقي والقوى والمنظمات الدولية تبني مقاربات جديدة فاعلة تدعم عمليات تحوّل حقيقي للديمقراطية في القارة، والكفّ عن غض الطرف عن الانتخابات المزوّرة والفساد بكل أشكاله... لأن انعدام الأمن والاستقرار في أفريقيا يهدد الأمن العالمي».


مقالات ذات صلة

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أفريقيا نساء كينيات في مقاطعة سامبورو الشمالية (رويترز)

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أعلنت كينيا، الخميس، أن «العنف القائم على النوع» هو التهديد الأمني الأكثر إلحاحاً الذي تتعرض له البلاد، حيث قُتلت 100 امرأة في الأشهر الأربعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا مواطنون ماليون يحتفلون بعودة جنود من الجيش من معارك ضد الإرهاب (الجيش المالي)

جيش مالي يعتقل قيادياً في «داعش» ويقتل بعض معاونيه

نفذ الجيش المالي عملية عسكرية «خاصة» على الحدود مع النيجر، أسفرت عن اعتقال قيادي بارز في «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

يسعى قادة «إيكواس»، التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالبقاء في المنظمة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقَّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري والسفراء والممثلون الأفارقة لدى ليبيا في اجتماع بمقر البعثة الأممية (البعثة)

خوري تُطلع السفراء الأفارقة في ليبيا على تطورات العملية السياسية

في لقاء مع سفراء وممثلين أفارقة في ليبيا بحثت البعثة الأممية «العناصر الرئيسية للعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا والتي تهدف إلى إنهاء الجمود».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».