السلطات الإيرانية تمنع عائلة مهسا أميني من إحياء ذكراها

احتجزت والدها لفترة وجيزة ومنعته من زيارة قبرها

إيرانيون يحيون ذكرى مهسا أميني في ساحة البرلمان البريطاني يوم السبت (أ.ب)
إيرانيون يحيون ذكرى مهسا أميني في ساحة البرلمان البريطاني يوم السبت (أ.ب)
TT

السلطات الإيرانية تمنع عائلة مهسا أميني من إحياء ذكراها

إيرانيون يحيون ذكرى مهسا أميني في ساحة البرلمان البريطاني يوم السبت (أ.ب)
إيرانيون يحيون ذكرى مهسا أميني في ساحة البرلمان البريطاني يوم السبت (أ.ب)

منعت السلطات الإيرانية يوم (السبت) عائلة الشابة مهسا أميني من إحياء الذكرى السنوية الأولى لوفاتها، التي كانت شرارة احتجاجات واسعة في إيران، وذلك بإلزامها والدها البقاء في منزله بعد توقيفه لفترة وجيزة، وفق ما أفادت منظمات حقوقية. وأوقفت قوات الأمن الإيرانية والد مهسا، أمجد أميني، أثناء مغادرته منزله في مدينة سقز بمحافظة كردستان في غرب إيران، وأطلقت سراحه بعد تحذيره من إقامة مراسم إحياء الذكرى، وفق ما أفادت «الشبكة الكردية لحقوق الإنسان» و«منظمة حقوق الإنسان الإيرانية»، التي يوجد مقرها في النرويج، ومرصد «1500 تصوير».

أمجد أميني والد مهسا أميني (إيران إنترناشيونال)

إقامة جبرية

وأشارت هذه المنظمات إلى أن أميني مُنع من مغادرة منزله، وانتشر خارجه عدد من أفراد قوات الأمن. وأوضحت «منظمة حقوق الإنسان الإيرانية» أن «أمجد أميني قيد الإقامة الجبرية، وأن قوات الأمن تمنعه من زيارة قبر ابنته». ولم تُسجل مؤشرات لإحياء الذكرى السنوية الأولى عند قبر مهسا أميني في مقبرة آيجي بسقز. وقالت منظمات حقوقية إن القوات الأمنية منعت الوصول إلى المكان.

من جهتها، نفت وكالة «إرنا» الرسمية في طهران الأنباء عن توقيف أمجد أميني، عادّة أن نشرها يهدف إلى «تحريض السكان على الاحتجاج». وسبق لقوات الأمن الإيرانية أن استدعت أمجد أميني، الأسبوع الماضي، بعدما قال لوسائل إعلام صادرة بالفارسية خارج إيران إنه ينوي إحياء ذكرى وفاة ابنته، يوم السبت 16 سبتمبر (أيلول)، في مسقط رأس العائلة في سقز بغرب إيران الذي تقطنه غالبية كردية. وذكرت وسائل إعلام، من بينها إذاعة «راديو فردا» ومقرها في براغ، أن مسؤولين في الاستخبارات استدعوه بعد هذا الإعلان. لم يتم توقيفه، إلا أن خال أميني، صفا عائلي، أُوقف في سقز في الخامس من سبتمبر.

نساء يحملن صورة الشابة مهسا أميني التي توفيت رهن احتجاز الشرطة الإيرانية (رويترز)

احتجاجات سبتمبر

وكانت الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني توفيت عن 22 عاماً في 16 سبتمبر من العام الماضي بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق التي عدّت أنها انتهكت قواعد اللباس الصارمة في البلاد. وتقول عائلة الشابة إنها توفيت من ضربة تلقتها على الرأس، إلا أن السلطات تنفي ذلك. وسرعان ما أفضى الغضب على وفاتها إلى احتجاجات، قادتها النساء، واستمرت لأسابيع تم خلالها كسر محرمات، مثل قيام نساء بخلع أحجبتهن في تحدٍ صريح للسلطات. والاحتجاجات التي أعقبت وفاة أميني تعد من الأهم منذ تأسيس «الجمهورية الإسلامية» في عام 1979. لكن بعد أشهر عدة تلاشى زخمها مع حملة القمع التي أسفرت عن مقتل 551 محتجاً، بينهم 68 طفلاً و49 امرأة، على يد القوى الأمنية بحسب «منظمة حقوق الإنسان الإيرانية»، وتوقيف أكثر من 22 ألفاً، بحسب منظمة العفو الدولية. كما أُعدم 7 رجال بعدما أُدينوا في إطار قضايا مرتبطة بالاحتجاجات. وتفيد السلطات الإيرانية بأن عشرات من عناصر الأجهزة الأمنية قُتلوا أيضاً فيما تصفه بأنه «أعمال شغب» أتت بدفع من حكومات أجنبية ووسائل إعلام مناهضة.

الرئيس الإيراني مع ذوي أفراد أمن قُتلوا في احتجاجات إيران التي أشعلها مقتل الشابة أميني (إ.ب.أ)

زيارة رئيسي

وتزامناً مع ذكرى وفاة الشابة مهسا أميني، أفاد الإعلام الرسمي بأن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي التقى عائلات أفراد من قوات الأمن قضوا خلال الاحتجاجات، وذلك خلال زيارة قام بها إلى مشهد في شمال شرقي إيران.

وكانت الرئاسة الإيرانية أعلنت، يوم الخميس، أن رئيسي التقى أقارب اثنين من عناصر قوات الأمن قُتلا في طهران. وأشاد رئيسي بـ«الفشل الفاضح لمشروع الأعداء في إثارة الشغب في إيران ووقف الإنجازات الوطنية للنظام والثورة الإسلامية في العام الماضي». ونقل عنه الموقع الإلكتروني للرئاسة قوله إن «الأجواء الوطنية تبشّر بالإنجاز والتقدم في المجالات كافة، ويقع الأعداء في حالة الضعف والأفول رغم مساعيهم لإثارة الشغب في الوطن بغة وقف الحراك الإيراني نحو الأمام». ويزور رئيسي مشهد، حيث مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، ثامن الأئمة لدى الشيعة الاثني عشرية، في ذكرى مقتله. وهذه المناسبة التي تصادف السبت، هي يوم عطلة رسمية في إيران.

جانب من إحياء الذكرى السنوية الأولى في روما لمقتل مهسا أميني على أيدي الشرطة الإيرانية (أ.ب)

تجدد حملة القمع

وأفاد ناشطون بأن السلطات جددت حملة القمع قبيل ذكرى وفاة مهسا أميني، ممارسةً ضغوطاً على أقارب الذين قُتلوا في الاحتجاجات لمنعهم من الكلام. وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» ومقرها في نيويورك، «إن أفراداً من عائلات ما لا يقل عن 36 شخصاً قُتلوا أو أُعدموا خلال حملة القمع خضعوا للاستجواب أو أُوقفوا أو تمت مقاضاتهم أو صدرت أحكام سجن في حقهم في الشهر الماضي». وقالت تارا سبهري فر، كبيرة باحثي المنظمة والمتخصصة في شؤون إيران: «تحاول السلطات خنق أي معارضة لمنع الجمهور من إحياء ذكرى وفاة مهسا أميني، التي أصبحت رمزاً لقمع السلطات المنهجي للنساء، والظلم، والإفلات من العقاب».

وأُوقفت الصحافيتان اللتان قامتا بتغطية واسعة لوفاة أميني، نيلوفر حميدي وإلهة محمدي، منذ عام تقريباً. كما أُوقفت الصحافية نازيلا معروفيان التي أجرت مقابلة مع والد مهسا أميني مرات عدة. وذكرت منظمة «هنكاو» غير الحكومية التي تعنى بشؤون الأكراد، أن الحكومة أرسلت تعزيزات أمنية إلى سقز ومناطق أخرى في غرب إيران تحسباً لاشتعال أي احتجاجات.

صورة مهسا أميني على جدار مبنى بلدية ميلان في إيطاليا تضامناً مع نساء إيران (إ.ب.أ)

منزل عائلة أميني

وأفادت «هنكاو»، يوم السبت، بأن «قوات قمعية» نُشرت في محيط منزل عائلة أميني. ونشرت صوراً عبر منصة «إكس» تظهر مسلحين بلباس عسكري في شوارع سقز، فضلاً عن مقطع مصور لمتاجر مغلقة ومضربة تزامناً مع الذكرى، في سقز وسنندج ومدن أخرى في محافظة كردستان الإيرانية، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وبينما تستمر بعض النساء في الخروج علناً من دون حجاب، لا سيما في العاصمة طهران، ينظر البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون، في مشروع قانون يفرض عقوبات أقسى على مخالفة إلزامية وضع الحجاب. وفي هذا الصدد قالت سارة حسين رئيسة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول القمع الحاصل في إيران إن «السلطات الإيرانية تضاعف قمع مواطنيها، وتسعى إلى إقرار تشريعات جديدة وأقسى تقيّد حقوق النساء والفتيات في شكل أكبر». وشهدت بعض العواصم الغربية تجمعات من الشتات الإيراني لإحياء ذكرى وفاة أميني. وعشية الذكرى، فرضت الولايات المتحدة بالتنسيق مع حلفائها الغربيين، وبينهم المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات جديدة على إيران بسبب قمعها الاحتجاجات. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن عند إعلان العقوبات: «يقرّر الإيرانيون وحدهم مصير بلادهم، لكنّ الولايات المتحدة تبقى ملتزمة الوقوف إلى جانبهم». وندد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، يوم السبت، بالعقوبات الغربية، عادّاً أنها «استعراضات منافقة».

إيرانية تشارك في احتجاجات بإسطنبول ضد حكومة طهران في ديسمبر الماضي وتظهر صورة مهسا أميني في الخلفية (رويترز)

حالة الطوارئ

أعلنت السلطات الإيرانية حالة الطوارئ في عدد من المناطق الكردية في البلاد في الذكرى السنوي لوفاة أميني. وقالت وكالة أنباء «تسنيم» التي ينظر إليها بوصفها ناطقاً باسم «الحرس الثوري» الإيراني، إنه تم اعتقال عديد من الأشخاص في المناطق الكردية. وأضافت «تسنيم» أن عديداً من الأشخاص اعتُقلوا في الساعات الأولى من صباح السبت لالتقاط صور ومقاطع فيديو للمتاجر لمحاولة «خلق عدم أمن». وذكر شهود عيان أنه تم نشر قوات الأمن ووحدات عسكرية في البلدات المحيطة بمدينة سقز، مسقط رأس أميني.

وجرى تثبيت كثير من كاميرات المراقبة الجديدة أيضاً. كما تحدث سكان المناطق الكردية عن تفتيشات متزايدة. وانتشر شعار «امرأة، حياة، حرية»، خصوصاً بين الجيل الأصغر في إيران، بوصفه رمزاً للاحتجاج ضد السياسات القمعية للدولة. ولم تصدر دعوات للاحتجاجات في الفترة التي سبقت الذكرى السنوية لوفاة أميني، خوفاً من أن تستخدم قوات الأمن العنف مرة أخرى.


مقالات ذات صلة

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

شؤون إقليمية صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

كشفت مقابلات أجرتها «بلومبرغ» عن هوية «الزعيم العالمي لتجارة النفط الإيراني» الذي يلقَّب بـ«التاجر السري... هيكتور».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس (أرشيفية/أ.ف.ب)

إسرائيل تتهم خامنئي «الأخطبوط» بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية عبر الأردن

اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إيران بمحاولة إنشاء «جبهة إرهابية شرقية» ضد إسرائيل عبر الأردن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

الوكالة الدولية: إيران قريبة جداً من السلاح النووي

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مستويات الوقود النووي في إيران ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي لقطة من الوثائقي الإيراني لقناة «تي دبليو» لسليماني داخل قصر صدام play-circle 01:21

سليماني يعاين صدام حسين داخل قصره

أثار فيديو لقائد «قوة القدس» قاسم سليماني وهو يتجول في أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية المخرجة رخشان بني اعتماد (أ.ف.ب)

القضاء الإيراني يتهم مخرجة وممثلة لخلعهما الحجاب في مكان عام

وجّه القضاء الإيراني، اليوم (الأربعاء)، التهمة إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وابنتها الممثلة باران كوثري لظهورهما حاسرتي الرأس في مكان عام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

واشنطن تندد بإجراءات بكين  «التصعيدية» ضد الفلبين في بحر الصين الجنوبي

صورة تظهر اصطدام سفينة تابعة لخفر السواحل الصينية بسفينة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (ا.ف.[)
صورة تظهر اصطدام سفينة تابعة لخفر السواحل الصينية بسفينة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (ا.ف.[)
TT

واشنطن تندد بإجراءات بكين  «التصعيدية» ضد الفلبين في بحر الصين الجنوبي

صورة تظهر اصطدام سفينة تابعة لخفر السواحل الصينية بسفينة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (ا.ف.[)
صورة تظهر اصطدام سفينة تابعة لخفر السواحل الصينية بسفينة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (ا.ف.[)

قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن الولايات المتحدة نددت بالإجراءات «الخطيرة والتصعيدية» التي اتخذتها الصين ضد ما وصفتها بالعمليات البحرية المشروعة للفلبين في بحر الصين الجنوبي.

وقال ماثيو ميلر المتحدث باسم الوزارة، إن «سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني اصطدمت عمدا ثلاث مرات بسفينة تابعة لخفر السواحل الفلبيني أثناء ممارستها لحرية الملاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، مما تسبب في أضرار للسفينة وتعريض سلامة الطاقم على متنها للخطر».

وجاء في البيان أن هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة من الإجراءات الخطيرة والتصعيدية التي اتخذتها الصين في المنطقة طوال شهر أغسطس (آب).