حظر «العباية» في المدارس يضع مسلمي فرنسا أمام جدل سياسي جديد

الإشكالية تفجرت على أبواب العام الدراسي

طالبات مسلمات طُردن من مدرستهن بسبب العباية (رويترز)
طالبات مسلمات طُردن من مدرستهن بسبب العباية (رويترز)
TT

حظر «العباية» في المدارس يضع مسلمي فرنسا أمام جدل سياسي جديد

طالبات مسلمات طُردن من مدرستهن بسبب العباية (رويترز)
طالبات مسلمات طُردن من مدرستهن بسبب العباية (رويترز)

يكشف الحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين، في النقاش العام الفرنسي، التهميش السياسي لأولئك الذين يُصار إلى تقديمهم على أنهم تهديد للتعددية الديمقراطية. والواقع أنه لا الثقل البشري والاقتصادي لهذه الجالية ولا محاولات التنظيم التي بادرت بها بعض الحكومات، كحكومة جان بيار شوفنمان وحكومة نيكولا ساركوزي، استطاعت أن تخرج الجالية المسلمة، خصوصاً الشمال أفريقية، من دائرة الوصم والتهميش التي تتخبط فيها منذ عقود. ولكن الفرنسيين استقبلوا الدخول المدرسي على وقع جدل سياسي كبير، بسبب قرار وزير التربية والتعليم، غبريال آتال، الأحد 28 أغسطس (آب) الماضي، حظر ارتداء «العباية» في المدارس بوصفها رمزاً دينياً. وكان الوزير الجديد، الذي تسلَّم حقيبة التربية والتعليم، أواخر يوليو (تموز)، قد صرح، في مقابلة مع قناة «تي إف أ» بأن «ارتياد المدرسة بالعباية مظهر ديني يرمي إلى اختبار مدى مقاومة الجمهورية، على صعيد ما يجب أن تشكله المدرسة من صَرح علماني... ولا يجوز تمييز ديانة التلاميذ من خلال الزي الذي يرتدونه في القسم»، مشدداً على سعيه لوضع «قواعد واضحة على المستوى الوطني» لمديري المدارس أخيراً.

في الرسالة التي بعث بها غبريال آتال، وزير التربية الجديد، إلى هؤلاء، أوضح أنه يجب إعطاء الأولوية «للحوار» مع التلميذات وأهاليهم، وتجنب طرد أي تلميذة إلا بعد استنفاد كل سبل التحاور. وكان القرار قد جاء على خلفية معلومات كشفت عنها وزارة التربية تفيد بأن نسبة «الانتهاكات» التي طالت «قانون العلمانية» في المدارس قد بلغت (منذ 2021) 120 في المائة، معظمها بسبب ما يُسمى بـ«العباية»، وهي فستان ذو كُمّ طويل وعريض متداوَل بشدة عند الفتيات المسلمات. ووردت هذه المعلومات في أعقاب تسجيل أكثر من 5000 بلاغ وصل لمصالح وزارة التربية، ويتعلق بنحو 513 مؤسسة تربوية، معظمها ثانويات، زُعم أن قوانين العلمانية قد انتُهكت فيها. وبالمناسبة، بلغ عدد البلاغات أرقاماً قياسية، بالأخص، خلال شهر رمضان وفي المناسبات الدينية التي يكثر فيها إقبال الفتيات على ارتداء هذا النوع من اللباس التقليدي.

غبريال آتال (أ ف ب)

تدابير حازمة

هذه المعطيات جعلت «مجلس حُكماء العلمانية وقيَم الجمهورية»، وهو الهيئة التي تراقب حسن تطبيق قانون العلمانية في المدارس، ينصح وزير التربية، اعتباراً من يونيو (حزيران) 2022، باتخاذ تدابير «حازمة» لتدارك الوضع، وهذا وفق مذكرة سرية كشفت عنها صحيفة «لوموند»، علماً بأن الوزير السابق، باب انداي، كان قد رفض حظر «العباية»، وهو الموقف الذي كلفه منصبه الوزاري، حسب بعض التقارير.

للتذكير، البرلمان الفرنسي كان قد صادق يوم 15 مارس (آذار) من عام 2004 بـ494 صوتاً مقابل 36 على قانون يمنع كل الرموز الدينية في المدارس الحكومية، ومنها الحجاب الإسلامي والقلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية، لكن الجدل تركز على الحجاب الإسلامي. ورغم القرار الوزاري، كشفت صحيفة «ليبراسيون» في عددها الصادر يوم 5 سبتمبر (أيلول) الحالي عن أن أكثر من 300 تلميذة قصدن المدارس وهن مرتديات «العباية»، وأن 67 منهن رفضن خلعها مفضلات العودة إلى بيوتهن.

في هذه الأثناء، قابلت نقابات المعلمين القرار بكثير من الحذر، وذكرت أن «هناك مشكلات أهم من العباية» في قطاع التعليم، كأزمة العجز في عديد الجهاز التعليمي، حيث ينقص المؤسسات التربوية الفرنسية سنوياً نحو 300 معلم.

اليمين يرحب بالقرار

سياسياً، خص الرئيس إيمانويل ماكرون قناة أحد المؤثرين الذين يحظون بشعبية كبيرة لدى الشباب بحوار ربط فيه بين اغتيال مدرس التاريخ والجغرافيا صامويل باتي عام 2019 والرموز الدينية في المدارس، وأردف: «أنا لا أوازي بين ارتداء الفتيات المسلمات لهذا الزي والإرهاب، لكنني هنا أؤكد أن تطبيق مبدأ العلمانية مهم بالنسبة لنا». وخلال زيارته لثانوية مهنية في أورانج بجنوب فرنسا قال: «لن ندع أي شيء يمر. نعلم أنه ستكون هناك حالات... ربما بسبب الإهمال... لكن علينا أن نكون حازمين».

بدورها، رفضت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، كل اتهامات «الوصم» والتمييز التي قد تستهدف المسلمين، فقالت على أمواج إذاعة «أر تي آل» موضحة: «أريد أن أوضح الأمور... ليس هناك أي محاولة للوصم. فلكل واحد من مواطنينا، أيّاً كانت ديانته، مكانه في بلادنا». وكذلك أدلى وزير الاقتصاد برونو لومير بدلوه الذي صرح لـ«إذاعة أوروب 1» قائلاً: «الإسلام السياسي يمتحننا ويمتحن حدودنا وقدرتنا على المواجهة منذ سنوات... شيء جيد أن يقول وزير مسؤول عن تربية الأطفال وتعليمهم وتكوينهم: كفى، للإسلام السياسي».

غير أن الترحيب الأكثر حرارة بقرار وزير التربية والتعليم بحظر العباية في المدارس جاء من الأوساط السياسية اليمينية، بدءاً بـ«العائلة السياسية» للوزير. وحقاً تلقى الوزير آتال دعماً واسعاً من قبل شخصيات كثيرة من اليمين الفرنسي، كالرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي هنّأه على قراره، مهاجماً في الوقت ذاته الوزير السابق باب انداي: «الذي ترك مديري المدارس يتخبطون في المشكلات بمفردهم»، حسب كلام ساركوزي. وتفاعل إيريك سيوتي، زعيم كتلة الجمهوريين، أيضاً مع قرار الوزير على منصة «إكس» («تويتر» سابقاً) فكتب: «الطائفية آفة تهدد الجمهورية، ولقد طالبنا مراراً بمنع ارتداء العبايات في المدارس... وأنا أُحيّي قرار وزير التربية». وبطبيعة الحال، أعلن قادة اليمين المتطرف دعمهم القوي، يتقدمهم إيريك زمور زعيم حزب «روكونكيت» (أو «الاستعادة») الذي أكد «تأييده الكامل»، وطالَب «بخطوات أكثر جرأة». إذ قال على منصة «إكس» أيضاً إن «حظر ارتداء العباية خطوة أولى جيدة إذا ما طُبقت فعلاً... نحن نذهب إلى أبعد من ذلك، فنطالب بتعميم الزي الرسمي لتفادي كل تحريض إسلامي في المدارس».

لم يختلف كثيراً موقف غريغوار دو فورناس، نائب «التجمع الوطني» اليميني المتشدد الذي ترأسه مارين لوبان، إذ استغل الجدل ليذكّر على المنصة نفسها بأنه «لم نكن لنبتهج بمنع ارتداء العباية لو لم نتبنَّ سياسة انفتاح واسعة تجاه الهجرة. هذه الخطوة بداية حسنة، إلا أنها أشبه بمحاولة إفراغ البحر بملعقة صغيرة... لأنها لم تحل المشكلة من العمق».

جيرالد درمانان (أ ف ب/غيتي)

تباين في مواقف اليسار...

في المقابل، جاء أبرز ردود الفعل المستنكرة من جان لوك ميلونشون، زعيم كتلة اليسار المتطرف «فرنسا الأبية»، الذي عبر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عن حزنه لأن «الدخول المدرسي أصبح عرضة للاستقطاب السياسي». وتابع ميلانشون أن «العلمانية يجب أن تكون عامل سلام وليس عامل انقسام... وما تقوم به الحكومة ليس إلا حرباً دينية سخيفة مصطنعة حول لباس نسوي».

وفي الاتجاه نفسه، عدّت ماتيلد بانو، زعيمة كتلة نواب «فرنسا الأبية»، في البرلمان أن الوزير الجديد آتال «مهووس بالمسلمين، وتحديداً بالمسلمات... بما أنه ترك كل المشكلات التي يعاني منها قطاع التعليم، كنقص المعلمين وانخفاض مستوى التلاميذ، وركز اهتمامه على الفتيات المسلمات ولباسهن». وأضافت زميلتها النائبة كليمونتين أوتان أن الوزير الجديد اخترع «شرطة للثياب». في حين أعلن منسق حزب «فرنسا الأبية»، إيمانويل بومبار، أنه يُحضّر لتقديم شكوى إلى مجلس الدولة لأن القرار غير «دستوري» ويتعارض مع الحريات الفردية.

غير أن معسكر اليسار الفرنسي لم يشهد إجماعاً بهذا الشأن (أي حظر العباية في المدارس) بل قسم الجدل آراء اليساريين، ذلك أنه في حين أبدى حزب «فرنسا الأبية» وحزب «الخضر» معارضتهما، أيد كل من الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي القرار الوزاري؛ إذ حيّا النائب الاشتراكي جيروم غادج قرار الوزير باسم العلمانية، وكذلك فعل زعيم الشيوعيين، فابيان روسيل.

قانون مناهضة

«الانفصال» الإسلامي!

الواقع أن الجدل حول ارتداء العباية ليس الأول من نوعه إبان ولاية الرئيس ماكرون، بل سبقه قانون أثار كثيراً من الجدل أيضاً، هو قانون «مناهضة الانفصالية» أو «التيارات الانعزالية». وهذا القانون عرضه وزير الداخلية جيرالد درمانان ابتداءً من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ثم تبناه أعضاء الجمعية الوطنية في فرنسا (البرلمان) بشكل نهائي في يوليو 2021.

اليوم يُعرف هذا القانون رسمياً بـ«قانون تعزيز مبادئ الجمهورية»، وجرى التعريف به أول مرة باسم «مكافحة الإسلام الانفصالي». ويومذاك طرحه درمانان على أنه القانون الذي «يقدم ردوداً ملموسة على الانعزال المرتكز على الهوية، وعلى انتشار التطرف الإسلامي، الذي يمثل آيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية». بيد أن المعارضين، لا سيما من اليسار، رأوا في هذا القانون استهدافاً للمسلمين ورؤية ضيقة للعلمانية. ومع هذا بررت الحكومة الفرنسية، في حينه، طرح المشروع بأنه «يعزز قيَم الجمهورية العلمانية»، تماماً كما بررت أخيراً قرار حظر ارتداء العباية، واعتبرت أن ارتداءها «يهدد علمانية الدولة».

«قانون تعزيز مبادئ الجمهورية» عده كثيرون تطوراً خطيراً، لكونه يقضي بتجريم المسلمين الذين يخالفون قوانين الجمهورية بعقوبة سجن 5 سنوات، وغرامات مالية قد تصل إلى 75 ألف يورو لكل مَن يهدد أو يعتدي على مسؤول أو موظف. ويعاقب بالسجن والغرامات أيضاً كل مَن يرفض اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض النساء الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيب، أو الرجال من قبل طبيبة، أو تنظيم أوقات مخصصة للنساء في المسابح، أو تقديم وجبات أكل خاصة في المدارس. بل ذهبت آني جنفار، وهي نائبة عن اليمين، إلى حد اقتراح إدراج الرقصات الشعبية المغاربية والأفريقية وحمل الأعلام الأجنبية في الأفراح ضمن قائمة لائحة المحظورات التي قد يعاقب عليها «قانون مناهضة الانعزالية الإسلامية».

على صعيد آخر، أثار هذا القانون ردود فعل غاضبة على المستوى الخارجي، لا سيما بعد خطاب ماكرون الذي قال فيه إن «الإسلام ديانة تعيش أزمة في كل مكان في العالم». ويذكر أن القانون كاد يتسبب في أزمة دبلوماسية بين باريس وأنقرة، حين وصفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه «ضربة مقصلة في حق الديمقراطية الفرنسية»، ونددت به عدة جمعيات حقوقية، كـ«منظمة العفو الدولية»، إذ عدّت الناطقة الرسمية باسمها، آن صوفي سيمبار، القانون، «تعسفياً».

أيضاً كشف موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقل أن هذا القانون تسبب إلى غاية الآن في وقف نشاطات عدة جمعيات خيرية ومحلات يديرها المسلمون، إضافة إلى إغلاق عدة مدارس قرآنية ومساجد، كما أخضعت آلاف المؤسسات الإسلامية للتحقيق، وأغلق نحو 900 منها، بالإضافة إلى مصادرة أكثر من 55 مليون يورو.

النموذج العلماني الفرنسي

جدير بالذكر أن فرنسا تنتهج شكلاً صارماً من العلمانية أُسّس في فترة مبكرة من تاريخها المعاصر حين كُرس في القانون عام 1905، وهذا بعد صراع ضد رجال الكنيسة (الإكليروس) الكاثوليك. وهذا الشكل مُصمم للفصل بين الدين والحياة العامة؛ إذ تنص علمانية الدولة على أن الأماكن العامة، سواء أكانت مؤسسات تعليمية أو وظيفية، يجب أن تكون خالية تماماً من كل الرموز الدينية.

غير أن ظاهرة تنامي الهجرة من بلدان إسلامية إلى فرنسا ساهمت في حدوث أزمات بخصوص كيفية التعامل مع التنوع الجديد الدخيل على المجتمع الفرنسي، فبرزت مقاربات فاقمت المشكلات في ظل تأسيسها على العداء للمهاجرين وتراجع الثقة بالمسلمين.

كذلك شكل هذا النموذج العلماني الصارم عائقاً أمام ممارسة بعض المسلمين لمعتقداتهم الدينية، على خلفية تمسكهم بتطبيق الشرائع الدينية، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة لمعهد «ستاتيستا» نشرت في مارس (آذار) 2023، جاء فيها أن 58 في المائة من الأشخاص الذين أعلنوا أنهم مسلمون يُطبقون الشرائع الدينية بانتظام مقابل 15 في المائة فقط من المسيحيين الكاثوليك. وكشفت الدراسة أيضاً أن 80 في المائة منهم مثلاً لا يتعاطون الخمر، وأن 60 في المائة مواظبون على صلاة الجمعة.

في هذا السياق، يقول الباحث جوزيف مسعد شارحاً إن «أزمة فرنسا مع الإسلام هي إرث 200 سنة من الوحشية الاستعمارية. وهي تقليدٌ فرنسي علماني مُتعارف عليه بين الفرنسيين منذ قديم الزمان»، ثم أشار إلى أن الرئيس الحالي ماكرون ليس أول حاكم فرنسي أراد «تحرير» الإسلام، بل سبقه نابليون بونابرت، عندما غزا مصر بحجة رغبته في تحريرها من استبداد المماليك.

وفعلاً، تُظهِر مقارنة بسيطة بين فرنسا و«جاراتها» من الديمقراطيات الغربية مدى الاختلاف والتنوع والتعارض مع الدول الأوروبية الذي تعيش فيه جاليات مسلمة كبيرة. ولعل الاختلاف يظهر بصورة واضحة في النموذج الأنجلوسكسوني، الذي يعترف بالكنيسة، لكنه لا يحظر الرموز الدينية في الفضاء العام أو الخاص.

حتى في إسبانيا، فإن «قانون 2010» الذي أرسى فيها مبدأ العلمانية يمنع استعمال الصليب في المدارس، لكن وزارة التربية لا تفرض أي قوانين، بل تترك للأقاليم الحرية في تنظيم شؤون سكانها. ونظراً للتقليد الديني القوي للإسبانيين وانتشار الكنائس، فالجدل المتعلق بالممارسات الدينية شبه غائب، ولم يُسمع إلا عن قضيتين هما لفتاة في مدريد عام 2010 وأخرى في إقليم الباسك عام 2014 مُنعتا من دخول المدرسة بسبب ارتداء الحجاب، والمشكلة حُلّت بالتحاقهما بمدرسة خاصة.

من جهة ثانية، فإن ألمانيا، بالنظر إلى تاريخها المعاصر، بلد حريص على احترام الأقليات، وليس هناك فصل بين الكنيسة والدولة، مقابل أن للأقليات الدينية الحقَّ في الطعن في أي قرار تراه تعسفياً. وكانت تقارير صحافية قد نقلت أخيراً قضية فتاة من مدينة هامبورغ تقدمت بشكوى وافق عليها القضاء الألماني بعدما مُنعت من أداء امتحان بسبب ارتدائها النقاب.

أما في السويد، فكل الرموز الدينية مُباحة في الحيز العام والخاص وفقاً لقانون يضمنه دستور البلاد. وكانت المحكمة العليا للسويد قد أدانت بلدية سكاني، بجنوب السويد، بعدما منعت البلدية نساء مسلمات من العمل بسبب ارتداء الحجاب. وغير بعيد عن السويد، تمنع الدنمارك تغطية الوجه بارتداء البرقع منذ 2018، وتفرض غرامة مالية على كل مَن يخالف هذا القانون. وفي النرويج وفنلندا البرقع محظور، علماً بأن الرابطة الوطنية لكرة القدم تمنح للفتيات المسلمات حجاباً رياضياً لتشجيعهنّ على ممارسة الرياضة.

حقائق

البرلمان الفرنسي كان صادق في 2004 بـ494 صوتاً مقابل 36 على قانون يمنع كل الرموز الدينية في المدارس الحكومية

أزمة عزلة المسلمين... أم أزمة فرنسا؟

> من جملة الانتقادات التي وُجهت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد ما أقرّ بأن «المسلمين يعيشون في عزلة قد تهدد مبدأ العلمانية»، فكرة أن السلطات الفرنسية هي مَن وضعت هذه الجاليات في عزلة.

وأليسَتْ هي مَن استقطبت الجاليات المغاربية والأفريقية للعمل في مناجم الفحم ومصانع السيارات، ووضعتهم في «غيتوهات» بضواحي المدن حريصةً على عدم اختلاطهم بالأوروبيين البيض؟ والأدهى، كما يلاحظ المراقبون، أنها (أي فرنسا) لم ترَ أن هذه الجالية قد توسعت وأصبح لها اليوم ثقل بشري واقتصادي مهم، بأجيال ثانية وثالثة من الهجرة يملكون، خلافاً لآبائهم، ثقافة مزدوجة، وأن هؤلاء مُتمسكون بمعتقداتهم الدينية، وأيضاً بالموطن الذي نشأوا فيه (أي فرنسا).

قرار منع العباية في المدارس أثار جدلاً واسعاً في فرنسا (أ.ف.ب)

بل، ربما لوحظ (كما يرى البعض) أن محاربة الإسلام أضحت خزاناً انتخابياً للسياسيين والمرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ إذ يُصار في كل مرة إلى احتلال الفضاء الإعلامي بالكلام التهويلي عن الإسلام والهجرة، من أجل تخويف الفرنسيين وكسب الأصوات في الانتخابات.

قرار منع العباية في المدارس أثار جدلاً واسعاً في فرنسا (أ.ف.ب)

ولذا فإن إشكالية حظر العباية في المدارس ليست إلا أحدث مثال على السياسيين الذين يتوددون إلى اليمين المتطرف، عبر التلويح بالتشدد ضد الإسلام في بيئة سياسية شعبوية على حساب الأقلية المسلمة، وهو أمر أكدته كثير من الدراسات، آخرها من إنجاز معهد «إبسوس» الذي كشف فيها أن 80 في المائة من الفرنسين يؤيدون قرار وزير التربية بحظر العباية في المدارس، بمن فيهم الفرنسيون ذوو الخلفيات اليسارية، حيث إن 65 في المائة منهم يؤيدون القرار أيضاً.

في أي حال، ورغم تهميشها، فالجالية المسلمة في فرنسا هي الأهم في أوروبا. إذ يُقدر تعداد المسلمين في هذا البلد بنحو 5 ملايين، معظمهم جاليات من المغرب العربي وأفريقيا الفرنكوفونية، إضافة إلى تركيا وجنوب شرقي آسيا، لا سيما الهند وباكستان، وهو ما يمثل نسبة 10 في المائة من سكان هذا البلد. وتعيش نسبة كبيرة من هؤلاء في منطقة الـ«إيل دو فرانس» (أي العاصمة باريس وضواحيها)، وكذلك ضواحي مرسيليا وليون ومدن أخرى في جنوب فرنسا. أخيراً، يشكو العديد من المسلمين الفرنسيين، منذ فترة طويلة، حسب تقرير لموقع ذي «إنترسبت»، من التمييز والتهميش الذي ساهم في فقرهم وعزلتهم داخل مجتمعاتهم. ويوضح تقرير آخر لموقع «ذا سوشياليست» أن المسلمين الفرنسيين يواجهون تمييزاً واسع النطاق، مع معدلات بطالة وفقر أعلى بثلاث مرات من المتوسط الوطني، ودخل سنوي أقل بنسبة 30 في المائة.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟