ثمة حراك نشط بين طهران وبغداد والسليمانية (شمال)، مع قرب انتهاء المهلة التي حددتها الحكومة الإيرانية لنزع سلاح معارضيها الكرد في إقليم كردستان، وإجلائهم إلى مخيمات بديلة وبعيدة، ودفعت تهديدات إيرانية جديدة باستهداف مواقع في شمال البلاد زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني للسفر إلى طهران - ليلاً وعلى وجه السرعة - لكسب مزيد من الوقت؛ لأن السلطات العراقية تواجه صعوبة كبيرة في تنفيذ جانبها من الاتفاق، الموقع في مارس (آذار) الماضي، وفقاً لمصادر كردية.
وتقع السلطات في بغداد وأربيل تحت ضغط كبير بسبب صعوبة احتواء المواقف المتباينة للأحزاب الإيرانية المعارضة، فيما تعهدت بتصفير نحو 100 كليومتر في العمق العراق، بعيداً عن الحدود الإيرانية، إلى جانب تسليم مطلوبين لطهران نفذوا عمليات «عدائية» داخل الأراضي الإيرانية، وفقاً لمسؤول أمني رفيع.
ويفترض أن تنتهي المهلة الإيرانية في 22 سبتمبر (أيلول) الجاري، وفقاً للمتحدث باسم وزارة الخارجية، ناصر كنعاني، لكن الحرس الثوري أعلن هذا الأسبوع أن المهلة ستنتهي في 19 من هذا الشهر.
وخلال اتصال هاتفي، السبت الماضي، أبلغ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن بلاده تعتبر «أي تحرك للمجموعات الإرهابية الانفصالية خطوة ضد أمن المنطقة غير قابلة للتحمل».
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الثلاثاء، إن وجود المسلحين في إقليم كردستان العراق وأعمالهم المناوئة لطهران «أمر خطير»، مشدداً على أنه لا يجوز لأي طرف المساس بأمن جيران العراق. وخلال لقائه بافل طالباني، طالب اللهيان الحكومة العراقية بتسريع الاتفاق الأمني بين البلدين.
بغداد تعول على المفاوضات
ورداً على التهديدات الإيرانية، أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أنه سيزور طهران الأربعاء. وقال حسين خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية النمساوي ألكساندر تشالنبيرغ الذي زار العراق، الثلاثاء، إنه يستبعد «لجوء إيران إلى استخدام العنف ضد الجماعات الكردية المعارضة لها والموجودة على أراضي إقليم كردستان، خاصة بعد تنفيذ أربيل وبغداد الاتفاق المتعلق بهذا الموضوع المبرم مع الحكومة الإيرانية». وأضاف حسين أن «العلاقة الإيرانية العراقية قوية وواسعة، وهي تاريخية جغرافية ثقافية وتجارية»، مبيناً في الوقت نفسه: «لكن هذا لا يعني أنه لا توجد هناك بعض المشاكل بين البلدين، غير أن هذه المشاكل يتم التعامل معها عن طريق المفاوضات».
ورغم أن طالباني أكد من طهران أن العراق «لن يسمح باستخدام أراضيه للإضرار بدول المنطقة، خاصة إيران»، بحسب وكالة «إيرنا»، فإن مصادر كردية متقاطعة قالت إن زعيم الحزب الكردي النافذ في مدينة السليمانية «متخوف من استهداف مناطق في المدينة، بسبب تقارير حكومية أفادت هذا الأسبوع بأن إجبار الأحزاب الإيرانية على تنفيد الاتفاق «شبه مستحيل».
وتحاول السلطات العثور على تسوية مع قوى المعارضة لكن تنافرها وعدم تنسيق المواقف فيما بينها يصعب من المهمة، وبحسب المصادر، فإن إيران على علم بهذا، واستخدمت سياسة التهديد بالقصف لزيادة الضغط على جميع الأطراف في العراق.
وقال رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، في وقت سابق: «سننتظر حتى أيلول (سبتمبر)، ونأمل أن تقوم الحكومة العراقية بمسؤوليتها، ولكن إذا مر هذا الموعد وبقي هناك مسلحون أو نفذوا عمليات، فإن عملياتنا ضد هذه الجماعات ستكون بالتأكيد أشد وسوف تتكرر بشكل أكبر»، حسب وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري».
إجراءات عراقية محدودة
والحال، أن الحكومة العراقية أبلغت طهران بخطواتها البطيئة والمحدودة، من بينها تشكيل قوة لحماية الحدود التي تمتد على نحو 700 كيلومتر، فيما تعتزم تسليم مطلوبين لطهران موجودين داخل أراضي الإقليم، لكن قيادياً في حزب كردي معارض شكك في ذلك، وقال إن «الأحزاب لا تضم عناصر متورطة بأعمال عنف، لأنها في الحقيقة لم تقم بذلك أصلاً».
ووفقاً للقيادي، الذي ادعى أنه «لا يزال يشغل مقره في أحد أطراف مدينة أربيل»، فإن الوقائع على الأرض تفيد بأن الاتفاق الأمني «مجرد ذريعة إيرانية لتصفية المعارضة بشكل نهائي؛ لأن طهران تعلم جيداً أن تنفيذه صعب على العراقيين».
وقال المسؤول الأمني العراقي لـ«الشرق الأوسط»، إن «العراق لديه 7 أيام فقط (...) لا أعتقد أنها كافية لفعل شيء، وبعد هذا التاريخ سيكون كل شيء وارداً».
وبحسب معلومات متقاطعة، فإن الأحزاب الإيرانية ترفض مسألتين أساسيتين، الأولى الانتقال إلى مخيمات خارج إقليم كردستان، وتسليم سلاحها إلى أي جهة، لأنه «سلاح خفيف ومتوسط يستخدم للدفاع عن النفس وليس مهاجمة إيران»، لكنه أشار إلى أن مجموعات «نُقلت بالفعل بعيداً عن الحدود الإيرانية».
وفي السياق، فإن القيادي الإيراني المعارض أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن السلطات لم تبلغ أحداً بأنها جهزت بالفعل مخيمات بديلة تقع تحت حمايتها، لتنتقل إليها أحزاب المعارضة في حال وافقت على ذلك، فيما أشارت المصادر إلى أن الوقت المتبقي حتى نهاية المهلة لا يكفي لتأمين لوجيستيات الانتقال.
ويفسر مسؤول حكومي كردي لـ«الشرق الأوسط» عدم تحديد أماكن المخيمات البديلة، بأن الحكومتين في بغداد وأربيل لم تتوصلا إلى اتفاق بهذا الشأن، لكنه «قيد البحث حتى اليوم»، مرجحاً «اللجوء إلى خيار الأمم المتحدة للتعامل مع جماعات توجد على الأراضي العراقية بوصفهم لاجئين سياسيين».