كريم العراقي... مُعذَّب الشِعر والأرض

رحيل الشاعر الغنائي المُتألّم بالسرطان وما يتجاوزه

كاظم الساهر ورفيق دربه كريم العراقي المُغادر إلى الاستراحة الأبدية (مواقع التواصل)
كاظم الساهر ورفيق دربه كريم العراقي المُغادر إلى الاستراحة الأبدية (مواقع التواصل)
TT
20

كريم العراقي... مُعذَّب الشِعر والأرض

كاظم الساهر ورفيق دربه كريم العراقي المُغادر إلى الاستراحة الأبدية (مواقع التواصل)
كاظم الساهر ورفيق دربه كريم العراقي المُغادر إلى الاستراحة الأبدية (مواقع التواصل)

علا التصفيق خلال اللقاء الأخير لكاظم الساهر بجمهوره في بيروت، حين سأل الشفاء لرفيقه كريم العراقي. أخبر مَن صفّقوا بحرارة أنّ كاتب بعض أشهر أغنياته، من بينها رائعته «المستبدة»، يعاني عذابات المرض وقسوته على الجسد. قال: «ادعوا له»، وتعالى الرجاء على شكل هيصة. صمد الشاعر، ليغادر اليوم (الجمعة) نحو الاستراحة الأبدية.

اسمه كريم عودة، ولعشقه العراق، شاء التصاقهما فأصبح كريم العراقي. إن فتك السرطان وعجَّل الرحيل عن 68 عاماً، فإنّ الفَتْك الأعظم ألمَّ به جراء الأرض النازفة. خلَّف الوطن جرحاً أبى الالتئام، فتحالف مع المرض ليسرّعا نهايته. شهد على أرض تُستباح وأرواح تُزهَق، فتضخَّم هذا الجرح وأُصيب بالكثافة، مُصعِّباً جدوى العيش. بدت آلام المكان أشدّ هولاً من وحشية العوامل، كونها سيطرت وأذت وحفرت في الصميم ما يُشبه القعر المظلم.

كريم العراقي ممن يتركون مكانهم شاغراً بعد الرحيل (مواقع التواصل)
كريم العراقي ممن يتركون مكانهم شاغراً بعد الرحيل (مواقع التواصل)

كان مستشفى «كليفلاند» في أبوظبي آخر محطّات الجسد المُتعب، فأعلن الشاعر والمؤلّف المسرحي رحيم العراقي الخبر القاسي على أحبة شقيقه، من بينهم كاظم الساهر الذي نعاه بكلمات على خلفية سوداء تختزل حزن فراق «الصديق ورفيق الدرب». كتب الراحل أغنيات لكثيرين، من بينهم أصالة وحسين الجسمي وعاصي الحلاني وصابر الرباعي وماجد المهندس... إلا أنّ اللُّحمة مع الساهر مُعطَّرة بالفرادة. مسيرة من عذوبة تعبُر بالقصيدة إلى لحظتها الراهنة، لترتقي بالرجلين إزاء المعنى الباقي.

حصد جوائز، من بينها «جائزة أفضل أغنية إنسانية» سلّمته إياها منظمة «يونيسف» عن قصيدة «تذكر» بصوت الساهر، وهي محاكاة لوجع أطفال العراق (1997)؛ و«جائزة الملك فيصل العالمية» (2019)، كما كتب باقة أغنيات، قطف «القيصر» معظمها. مع ذلك، ورغم تجارب في المسرح والديوان والألبوم الصوتي، وشهرة ممتدّة على المساحات العربية؛ نغّص حزنٌ هناء النجاح وبهجة مراكمته.

في العراقيين شجن يقيم عميقاً، وهو في حالة كريم العراقي يستولي ويُفتِّت. صاحب قصيدة «الشمس شمسي والعراق عراقي»، مُكلَّل بأحزان تغذّيها جنائزية كل صوب، بمطاردتها سكينة الأوطان والأمل الإنساني. وهو حين كتب «لا الأحزان تكسرني»، فقد أراد، على طريقة الشعراء المُدركين حجم الهول، ضخّ ضوء في الأنفاق الطويلة، لعلّ العابرين يظنّون الاختناق كذبة. إعلان «براءته» من «ثوب اليأس»، هو عناد الشِعر المُجاهِر بالممكن على أنقاض الاستحالة.

التفجُّع لا يليق بمَن يسلّمون أجسادهم لحتمية الفناء، وأعمالهم للبقاء الطويل. الأثر هو العزاء، طالما أننا جميعاً سنُحال على النهاية. تحلّ لحظة انسلاخ النبض عن البدن، ليبقى الإرث بكامل اتّقاده وقيمته وتمكّنه من الامتداد إلى ما بعد المواراة في الثرى والانتهاء من تقبّل التعازي.

كريم العراقي ممن يثير سؤالاً حول مَن سيبقى بعد رحيل أمثاله. مِن كبار شعراء الأغنية، مكانه لا يُملأ لمجرّد المجيء باسم يشكّل إضاءة. ثمة أماكن لا يشغرها سوى أصحابها؛ إن رحلوا، اتّسع هول الفراغ. لا تَجبُّر على الموت؛ قدرُ كل حيّ، إنما الأسى مردّه سطوة الضحالة وتسيُّد السهل، فيما القامات تتساقط مُعلنة خريف المراحل.

خلَّد تقلُّب المزاج البشري بقصيدته «لا تشكُ للناس»، مُحذّراً من الطبع وفداحة التلوُّن. من بديع ما كتب: «وإن شكوتَ لمَن شكواكَ تُسعده/ أضفتَ جرحاً لجرحكَ اسمه الندم». عَبَر شِعره في نوازع النفس ولامس الحقيقة المُشبَّعة بالخير والشرّ. وبالعودة إلى قصيدته «الشمس شمسي والعراق عراقي»، فقد تعمّد تداخُل البُعدين الفردي والجماعي بالحديث عن الوطن والأخلاق. توّج التعلُّق بالعراق بـ«امتلاكه»؛ ورغم ما حلَّ، ظلّت السُمعة في منأى عما يشوبها: «ما غيَّر الدخلاء من أخلاقي»... ليبلغ ذروة التعبير عن الانتماء والنزاهة والنجاة من التلطُّخ.

ودّعه عاصي الحلاني بمشاركة قصيدته عن الوقوع والنهوض: «أنا مهرتي جرحي/ سفر عمري طويل/ أعثر وأرِد أنهض/ أضعف مستحيل/ زمني يعاندني ويخطف ما أريد/ وحزني كسر ظهري وقيّدني بحديد/ أوقع أصيح الله وأنهض من جديد». وشاركت أحلام صورته، مُترحِّمة عليه. حاتم العراقي وصف الروح بـ«الطيبة النقية الطاهرة»، وأصالة غنّت من جمالياته «لا تشكُ للناس»، أرفقتها بـ«وداعاً». ودّعت ديانا كرزون «ابن الرافدين»، ونعاه مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية في العراق عارف الساعدي.

يوم 18 فبراير (شباط) 1955، وُلد في منطقة كرادة مريم بالعاصمة العراقية، رجل سيمضي سنوات في التأليف والعمل الأدبي وصوغ الشعر الشعبي والأغنية والمسرحية. حصوله على دبلوم علم النفس وموسيقى الأطفال من «معهد المعلّمين»، مهّد لعمله أستاذاً في مدارس بغداد، قبل الانتقال إلى الإشراف التخصّصي في كتابة الأوبريت المدرسي. شغلته الكتابة وشكّلته، فصنع اسماً يتلألأ في مجالاتها، من أدب وثقافة وصحافة وغناء. كثّف فنانون شهرته وجعلوها تزدان بالوهج، إلا أنها لم تكن فحسب مُستمدَّة من أضواء الآخرين، بل من أهليته للضوء وامتلاكه موهبة استدعائه. أعطوه الانتشار، وأعطاهم الوزن الغنائي وما يبقى.

يُنقل جثمانه من العاصمة الإماراتية إلى بغداد، حبيبته. الأحد، يُقام عزاء في مسجد عودة السويعدي في «زيونة» البغدادية، لوداع جسد أنهكه السرطان وما يتجاوزه، لكنه ضمَّ روحاً بلغت بالشِعر ذروة جمالها.


مقالات ذات صلة

إلغاء الحفل الغنائي لهيفاء وهبي في الكويت

يوميات الشرق ملصق حفل هيفاء في الكويت

إلغاء الحفل الغنائي لهيفاء وهبي في الكويت

أعلن زيد عبد الرضا، مدير عام شركة «مركز الفنون للإنتاج الفني والتوزيع»، إلغاء حفل الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي في الكويت، دون إبداء أسباب.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
يوميات الشرق المغني الشهير جاستن بيبر (رويترز)

في منشور صريح... جاستن بيبر يكشف عن شعوره بأنه «محتال» و«غير مؤهل»

كشف المغني الشهير جاستن بيبر أنه يشعر باستمرار بأنه «محتال» أثناء حديثه مع متابعيه عن معاناته مع متلازمة المحتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق بورتريه نحتي لموسيقار الأجيال ومجموعة من مقتنياته الشخصية (الشرق الأوسط)

متحف عبد الوهاب يبرز رحلة «موسيقار الأجيال» في دنيا الفنون

بين شوارع «وسط البلد» في القاهرة، وفي مبنى تراثي يمتد تاريخ إنشائه لأكثر من 100 عام، يحكي متحف الموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب «أنشودة الفن».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق الحفل يتضمن أغنيات لفيروز وأسمهان ووردة الجزائرية (جاهدة وهبه)

جاهدة وهبه تحيي حفل «كوكب الشرق وأيقونات من الزمن الجميل»

خلال الحفل الذي ستحييه جاهدة وهبه سيلتقي الغناء بالشعر وذكرى الماضي بالحاضر.

فيفيان حداد (بيروت)
متحف الموسيقار محمد عبد الوهاب (وزارة الثقافة المصرية)

مصر تحتفي بذكرى ميلاد «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب

تحتفي مصر بذكرى ميلاد «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب التي تحل في 13 مارس (آذار) الجاري، بإقامة حفل غنائي كبير لأعمال الفنان الراحل.

محمد الكفراوي (القاهرة )

أكثر 3 أمور يتشاجر بشأنها الأزواج... وكيفية التعامل معها

هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
TT
20

أكثر 3 أمور يتشاجر بشأنها الأزواج... وكيفية التعامل معها

هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)
هناك 3 أسباب رئيسية للمشكلات بين الأزواج (أرشيفية - رويترز)

بعد أن أمضى الدكتور جيفري بيرنشتاين، المُدرب النفسي، أكثر من 30 عاماً في تقديم الاستشارات والتدريب للأطفال والمراهقين والأزواج والأسرة ككل، وجد أنه ليست هناك علاقة مثالية.

ووفقاً لما نشره موقع «سيكولوجي توداي»، المعني بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية، يقول بيرنشتاين إن الخلافات بين الأزواج واردة، لكن ما الأسباب الجذرية التي تُؤدي إلى خلافات متكررة بينهما؟

وبينما لكل زوجَيْن أسبابهما الخاصة، تبقى 3 مشكلات رئيسية في الكثير من العلاقات متعلقة بـ«المال، والأعمال المنزلية، واختلاف أهداف الحياة»؛ فكيف نتعامل معها؟ وكيف يمكن حلها؟

مشكلات متعلقة بالمال

ليس سراً أن المشكلات المالية تُسبّب توتراً في العلاقات. وتُظهر الأبحاث أن الضغوط المالية من أهم أسباب الخلاف بين الأزواج. فقد يشعر أحد الطرفَيْن بأنه مسؤول مالياً، في حين يُنفق الآخر بتهور، مما يُؤدي إلى توتر كبير، حيث يشعر أحدهما أن الآخر لا يأخذ مستقبلهما على محمل الجد، في حين يشعر الآخر بالضيق بسبب قلة الإنفاق.

والتعامل المثالي في هذا الوضع ليس تجنّب المشكلة، بل التواصل الصريح والصادق حولها؛ إذ لا بد للزوجَيْن أن يناقشا «قيمهما المالية» مُبكراً وبانتظام، ويتفاهما من أجل وضع «ميزانية تُناسب» الاثنين معاً.

مشكلات الأعمال المنزلية

تُعدّ الأعمال المنزلية من أكثر الأمور التي تُدمّر العلاقات بهدوء، فهي لا تقتصر على غسل الأطباق وترتيب الملابس، بل تشمل الاحترام والإنصاف والشعور بالتقدير. وعندما يشعر أحد الطرفَيْن بأنه يتحمّل العبء الأكبر، يتراكم الاستياء. وتُظهر الدراسات أن عدم المساواة في العمل المنزلي من أكبر أسباب الخلاف في العلاقات الحديثة.

والحل يكمن في عدم ترك الأعمال المنزلية تتراكم، وتحدُّث الطرفَيْن صراحة عن التوقعات والمسؤوليات، وتقاسم الأعباء، وألا ينسى الطرفان تقدير جهود بعضهما.

مشكلات «عدم توافق الأهداف»

مع مرور الوقت، غالباً ما يكتشف الأزواج اختلاف رغبات كل طرف في الحياة عن الطرف الآخر. وقد تؤدي هذه الاختلافات إلى صراعات حادة في الطموحات المهنية، أو الخطط العائلية، أو خيارات نمط الحياة. وقد تصبح العلاقة في مفترق طرق إذا لم يكن الطرفان على وفاق بشأن المستقبل.

ويتطلّب علاج هذا الأمر «نقاشات عميقة» حول ما يريده كل طرف في المستقبل. ولا يعني التنازل دائماً الالتقاء في منتصف الطريق، ولكنه يعني احترام أحلام كل من الزوجَيْن. وفي بعض الأحيان، يمكن للعلاج النفسي أن يساعد في سد الفجوة وتوجيه الحوار.

ومع أن هذه الخلافات السابقة كلها مشتركة، إلا أن كيفية التعامل معها تُحدث فرقاً كبيراً. فبدلاً من ترك التوتر يتفاقم، تعامل مع المشكلة بتعاطف وصدق واحترام. والعلاقات لا تقوم على تجنّب الخلاف، بل بتعلم كيفية تجاوزه معاً.