مدن ألمانية ترحب وأخرى غاضبة من وجود اللاجئين

مخاوف من تداعيات الأزمة على التركيبة السكانية للمدن

لاجئون لدى وصولهم إلى محطة القطار المركزية في مدينة ميونيخ الألمانية أمس (أ.ب)
لاجئون لدى وصولهم إلى محطة القطار المركزية في مدينة ميونيخ الألمانية أمس (أ.ب)
TT

مدن ألمانية ترحب وأخرى غاضبة من وجود اللاجئين

لاجئون لدى وصولهم إلى محطة القطار المركزية في مدينة ميونيخ الألمانية أمس (أ.ب)
لاجئون لدى وصولهم إلى محطة القطار المركزية في مدينة ميونيخ الألمانية أمس (أ.ب)

تباين شعور المواطنين الألمان بين التعاطف والفزع في صالة الألعاب الرياضية بمدرسة في مدينة إرفورت (عاصمة ولاية تورينغين)، حيث دعا مسؤولو المدينة سكان الأبراج المجاورة لمناقشة مسألة إيواء مجموعة من اللاجئين – معظمهم سوريون – في الحي.
أمسكت امرأة مسنة بالميكروفون، وسألت: «هل تبنون مسجدا لهم بعد ذلك؟ وهل سيوقظوننا بصلاتهم في الخامسة صباحا؟». وتساءل معلم: «كيف يمكننا حماية أطفالنا؟». ولم ينزعج شاب حتى من إعلانه أمام الجميع: «يجب أن يتوقف هذا الأمر»، بينما صفق البعض له.
شهدت المدينة تدفقا غير مسبوق للاجئين – معظمهم مسلمون – بعدما كان، حتى وقت قريب، يتسم جميع مواطنيها تقريبا بلونهم الأبيض لدرجة أنهم كانوا يطلقون اسم «أفريقي إرفورت» على رجل أسود في حزب الخضر المحلي.
في إرفورت، التي يبلغ تعداد سكانها 208 آلاف نسمة، والتي كانت ذات مرة موطنا للمصلح الديني الألماني ومؤسس المذهب البروتستانتي مارتن لوثر، ويُشار إليها أحيانا على أنها «روما تورينغين» لكثرة الكنائس بها، يعتبر سجق لحم الخنزير وجبة شعبية. وكان رئيس البلدية قدّر عدد المسلمين في المدينة بـ500 شخص حتى وقت قريب، لكن بحلول عيد الكريسماس قد يتوافد أربعة آلاف مهاجر، معظمهم من دول إسلامية، إلى المدينة.
وقال رئيس بلدية إرفورت أندرياس بوسوين إن «إرفورت تتغير»، فهناك منزل للمهاجرين بجوار منزله، وأصبح لطفلته الأصغر زميلة أفغانية في فصلها الدراسي تجلس على كرسي متحرك نتيجة إصابتها بـ«شظايا قنبلة»، وفقا لبوسوين. وحتى نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس البلدية لطاقم موظفيه إن أزمة المهاجرين كانت أكبر تحدٍ منذ إعادة توحيد ألمانيا. والآن يقول إنها أكبر تحدٍ منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن المتوقع أن يصل نحو 800 ألف طالب لجوء إلى ألمانيا بحلول نهاية العام الحالي، ما يدفع البلاد إلى خوض تجربة حياتية يعتقد كثيرون أنها قد تتسبب في تحويل ألمانيا بشكل أكبر حتى من سقوط الشيوعية.
وفي أعقاب موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المرحب بآلاف الفارين من الحرب والصراع في سوريا والعراق وأفغانستان والمناطق الأخرى، تتأقلم المدن الألمانية، مثل إرفورت، على نحو مفاجئ مع هذا الوضع الاستثنائي. وبدأت الآثار تظهر في الولايات والمدن والبلدات على عجل، نتيجة زيادة عدد المهاجرين من 100 كل شهر في يونيو (حزيران) إلى 300 كل أسبوع حاليا. وفي هذه المرحلة ينتظر الجميع رؤية إذا ما كانت التجربة ستبوء بالنجاح أو الفشل.
ومن أجل إنجاح التجربة، لا بد من توفير أسرّة وحمامات، ومترجمين ومعلمين، وإخصائيين اجتماعيين وضباط شرطة، ومنازل وفصول دراسية، وفرص العمل والمال. كما يجب إبداء التعاون من متوسط الألمان، الذين استقبل كثير منهم المهاجرين بسخاء، بيد أن الآخرين لا يزالون يشعرون بالقلق إزاء استقبال المهاجرين، ولا يزالون بحاجة إلى الاقتناع بأن الفوائد تستحق التكلفة والارتباك وإعادة تشكيل الهوية الألمانية.
في إرفورت والمدن الأخرى، لا يعتبر استقبال المهاجرين مسألة إدارة خدمات لوجيستية فحسب، وإنما أيضًا إدارة المزاج العام لدى المواطنين. وحتى الآن، تتأقلم إرفورت، التي تقع على حافة ألمانيا الشرقية سابقا في القلب الجغرافي لألمانيا الموحدة، مع الوضع. كما تعتبر إرفورت، التي تأثرت بالكاد بفعل الحرب، مدينة منسية في التاريخ، بها مركز عتيق مرصوف بالحصى، ومنازل من العصور الوسطى ملونة بالباستيل، وأبراج كنائس تعد من الأفضل في ألمانيا.
امتلأت الأسرّة الاحتياطية التي كانت موضوعة في 19 منزلا مخصصا للمهاجرين، مع جلب أسرّة جديدة. وتحول المبنى الذي استخدِم الليلة السابقة للقادمين السوريين الجدد، وكان بيت دعارة مهجورا، إلى مكان ملائم للاستخدام به غرف صغيرة وحمامات منفصلة. وقال جينز هينيج، أحد الإخصائيين الاجتماعيين الذين يديرون المكان: «إنه مثالي». وتم دهن الجدران بطبقة بيضاء بدلا من اللون الوردي القديم.
استقبل السكان الألمان قطارات المهاجرين بالتصفيق والتهليل. وتلقت المرافق السكنية التبرعات والمتطوعين نظرا لاكتمال غرف الإيواء. وعلى الرغم من أن بعض الألمان مثل هؤلاء الذين حضروا اجتماع صالة الألعاب الرياضية والاجتماعات الأخرى المشابهة أعربوا هذا الأسبوع عن قلقهم إزاء ارتفاع معدل الجريمة وزيادة الضرائب ووصول «مزيد من المسلمين» إلى المدينة، فإن آخرين نهضوا بشكل دوري لإبداء التعاطف مع المهاجرين.
وبدوره، أشار ستيفن راسلوف، وهو مؤرخ محلي شهير، إلى أن إرفورت استقبلت موجات متعاقبة من الهجرة الجماعية، بدءا من السلتيين والسلافيين وبناة الجسور الهولنديين إلى الجالية اليهودية المزدهرة في العصور الوسطى التي ساهمت في جعل إرفورت مدينة عالمية ثرية، فكانت الهجرة مفيدة في معظمها، على حد قول راسلوف. ومع ذلك، شهدت المدينة بعض التوترات عبر التاريخ، عندما تم طرد نحو 14 مليون ألماني من الأراضي الشرقية التي أصبحت جزءا من الكتلة السوفياتية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إذ جاء 670 ألفا منهم من خلال مخيمات الطوارئ في إرفورت. وذكر راسلوف: «وهذا كان بنفس اللغة ونفس الثقافة».
والآن، يظهر القلق جليا في مدينة لا تعتبر غريبة على التطرف الآيديولوجي، إذ يدير حزب اليسار، خليفة الحزب الشيوعي الشرقي، الجهاز الإداري للولاية، في ائتلاف مع الحزب الاشتراك الديمقراطي وحزب الخضر. كما أن الحزب الوطني اليميني المتطرف لديه ممثل في مجلس المدينة. وتم إضرام النار هذا الأسبوع في ثلاثة منازل، ما زالت غير مأهولة بالسكان، للمهاجرين في الجزء الشمالي من ولاية تورينغين.
وفي مبنى البلدية «سيتي هول» المصمم على نمط العمارة القوطية الجديدة، وهو معلم تذكاري يظهر الفخر البروسي في القرن التاسع عشر، أعرب ألكسندر هيلغ المسؤول بمدينة إرفورت عن قلقه. كان قد انتهى لتوه من لقاء مع مسؤولي الولاية. وكانت التقارير تفيد بأن عشرات الآلاف من المهاجرين الآخرين في طريقهم إلى ألمانيا من المجر. ومن كل مجموعة جديدة، سوف يرسل نظام الحصص الخاص بتوزيع طالبي اللجوء نسبة 2.5 في المائة إلى تورينغين، وواحد من كل 10 سوف ينتهي به المآل إلى إرفورت.
يتولى هيلغ، 38 عاما، تنسيق تجاوب المدينة مع أزمة المهاجرين. أصبح مكتبه غرفة للعمليات غير الرسمية. ولا يزال دفتر التقويم الملتصق على الجدار بالمكتب ثابتا على يوم الجمعة، عندما كان آلاف المهاجرين لا يزالون محتجزين في المجر. ومنذ أن استقلوا القطار المتجه غربا إلى ألمانيا، لم يمتلك أحد الوقت لإزالة أوراق التقويم ذي اللون الأحمر الذي يحدد التاريخ.
وصف هيلغ يوم الجمعة بأنه بالفعل بداية «حقبة أخرى». حينئذ، كان هيلغ يتلقى تحذيرات مفصلة عن القادمين: قوائم بالأسماء ومؤشرات عن الاحتياجات، مثل عدد الأمهات المرضعات والأطفال المرضى على وشك الوصول. والآن، يحصل هيلغ على كل القوائم مرة واحدة دون سابق تحذيرات مفصلة، وعادة ما يكون العدد خاطئا.
منذ يوم الاثنين، يلتقي فريق أزمات المدينة - المكون من رجال الإطفاء والإخصائيين الاجتماعيين والمسؤولين في المدارس والسلطات الصحية وأعضاء اللجنة المالية - في تمام الساعة التاسعة صباحا كل يوم. وكان على جدول الأعمال في إحدى الاجتماعات هذا الأسبوع: نقص وشيك في المأوى إذا استمر المهاجرون في القدوم.
وضع ويرنر أونجيويس، من الخدمات التعليمية، خطوطا عريضة لخطة أولية تتضمن استغلال 13 من أصل 68 صالة ألعاب رياضية مدرسية في المدينة. وقال: «سيتم إلغاء التربية الرياضية. ولم يعد للنوادي الرياضية إمكانية دخول هذه المنشآت». واستدار هيلغ في مقعده، وتحدث عن غضب الناس، قائلا: «سوف يثور أولياء الأمور على هذا». وحتى الآن، تتعلق إدارة الشعور العام بطلب المحليين بقبول المهاجرين كجيرانهم الجدد. وتابع هيلغ: «الآن نحن نقتحم حياتهم بشكل عميق. إننا نأخذ فصول أطفالهم الدراسية ونواديهم الرياضية».
*خدمة «نيويورك تايمز»



بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

بايرو للسعي إلى «مصالحة» بين الفرنسيين

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المكلف فرنسوا بايرو في صورة تعود لشهر مارس 2022 خلال الحملة الرئاسية الأخيرة (أ.ف.ب)

بعد أكثر من أسبوع من الترقب، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حليفه فرنسوا بايرو رئيساً للوزراء، على أمل تجاوز الأزمة الكبرى التي تعانيها فرنسا منذ حلّ الجمعية الوطنية في يونيو (حزيران) وإجراء انتخابات لم تسفر عن غالبية واضحة.

ويأتي تعيين بايرو، وهو سياسي مخضرم يبلغ 73 عاماً وحليف تاريخي لماكرون، بعد تسعة أيام من سقوط حكومة ميشال بارنييه إثر تصويت تاريخي على مذكرة لحجب الثقة دعمها نواب اليسار واليمين المتطرف في الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

وعبّر رئيس الوزراء الفرنسي الجديد عن أمله في إنجاز «مصالحة» بين الفرنسيين، لكنَّه يواجه تحدياً كبيراً لتجاوز الأزمة القائمة. وقال بايرو في تصريح مقتضب للصحافيين: «هناك طريق يجب أن نجده يوحد الناس بدلاً من أن يفرقهم. أعتقد أن المصالحة ضرورية».

وبذلك يصبح بايرو سادس رئيس للوزراء منذ انتخاب إيمانويل ماكرون لأول مرة عام 2017، وهو الرابع في عام 2024، ما يعكس حالة عدم استقرار في السلطة التنفيذية لم تشهدها فرنسا منذ عقود.

ويتعيّن على رئيس الوزراء الجديد أيضاً التعامل مع الجمعية الوطنية المنقسمة بشدة، التي أفرزتها الانتخابات التشريعية المبكرة. وقد أسفرت الانتخابات عن ثلاث كتل كبيرة، هي تحالف اليسار والمعسكر الرئاسي الوسطي واليمين المتطرف، ولا تحظى أي منها بغالبية مطلقة.

وقالت أوساط الرئيس إن على بايرو «التحاور» مع الأحزاب خارج التجمع الوطني (اليمين المتطرف) وحزب فرنسا الأبية (اليسار الراديكالي) من أجل «إيجاد الظروف اللازمة للاستقرار والعمل».