تحذير أممي من «تدمير كامل» للسودان و«كارثة إنسانية»

دبلوماسي أميركي: الأطراف المتحاربة أثبتت أنها غير صالحة للحكم وعليها نقل السلطة إلى المدنيين

مارتن غريفيث (منصة إكس)
مارتن غريفيث (منصة إكس)
TT

تحذير أممي من «تدمير كامل» للسودان و«كارثة إنسانية»

مارتن غريفيث (منصة إكس)
مارتن غريفيث (منصة إكس)

حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارتن غريفيث، الجمعة، من أن الحرب والجوع يهددان بـ«تدمير» السودان بالكامل، ويدفعان المنطقة بأسرها إلى «كارثة إنسانية» تتمثل في اضطرار ما لا يقل عن مليوني طفل إلى ترك منازلهم منذ بدء النزاع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي»، وذلك وفقاً لأحدث تقديرات من صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».

وأدت الحرب التي بدأت في 15 أبريل (نيسان) الماضي إلى مقتل نحو خمسة آلاف شخص، وفقاً لمنظمة «أكليد» غير الحكومية. لكن الحصيلة الحقيقية أعلى من ذلك على الأرجح، لأن العديد من مناطق البلاد معزولة تماماً عن العالم، كما يرفض الجانبان الإبلاغ عن خسائرهما. ولم تفلح محاولات دبلوماسية للوساطة بين البرهان ودقلو، لاعتقاد كل منهما أن في وسعه حسم الحرب لصالحه.

«أبعاد هائلة»

وأفاد غريفيث في بيان من نيويورك، بأن «الحرب في السودان تثير وضعاً إنسانياً طارئاً ذا أبعاد هائلة». وأوضح أن «النزاع الذي يتسع، مع ما يخلفه من جوع وأمراض ونزوح سكاني، بات يهدد بإغراق البلاد بكاملها»، منبهاً إلى أنه «كلما طال أمد القتال، صار تأثيره أكثر تدميراً». وأشار إلى أن «بعض المناطق لم يتبق فيها أي طعام، ويعاني مئات آلاف الأطفال سوء التغذية الحاد، ويواجهون خطر الموت الوشيك إذا لم يحصلوا على العلاج».

هروب جماعي من الخرطوم مع استمرار القتال (أ.ف.ب)

وعبر غريفيث عن خشيته لأن المعارك الضارية التي اجتاحت العاصمة الخرطوم ودارفور امتدت إلى كردفان. وقال إنه «في كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، استُنفدت الإمدادات الغذائية بالكامل، في حين أن الاشتباكات وحواجز الطرق تمنع عمال الإغاثة من الوصول إلى السكان الذين يعانون الجوع»، فضلاً عن تعرض مكاتب منظمات الإغاثة للسرقة والنهب في الفولة، عاصمة غرب كردفان. وأضاف أنه «قلق للغاية» على سلامة المدنيين في ولاية الجزيرة، مع «اقتراب النزاع من سلة الغذاء السودانية».

كذلك، لفت كبير المسؤولين الأمميين في المجال الإنساني إلى أن الأمراض، مثل الحصبة والملاريا والسعال الديكي وحمى الضنك وغيرها «تنتشر في كل أنحاء البلاد ولا يحصل معظم الناس على العلاج الطبي»، بعدما «تسببت الحرب في تدمير القطاع الصحي، وخرجت معظم المستشفيات عن الخدمة».

المنطقة بأسرها

وفي إشارته إلى تقرير «اليونيسيف» الذي يفيد بأن نحو مليون شخص لجأوا من السودان إلى بلدان مجاورة بسبب الحرب، حذر غريفيث من أن «طول أمد النزاع في السودان يمكن أن يدفع المنطقة بأسرها إلى كارثة إنسانية»، مضيفاً أنه «آن الأوان لكي يضع جميع المنخرطين في هذا النزاع مصلحة الشعب السوداني فوق السعي إلى الاستحواذ على السلطة أو الموارد». وحض المجتمع الدولي على «الاستجابة بشكل عاجل بما يتناسب مع هذه الأزمة».

مئات الآلاف من أطفال السودان باتوا من النازحين (اليونيسيف)

 

في غضون ذلك، أفادت «اليونيسيف» بأن «ما لا يقل عن مليوني طفل أُجبروا على ترك منازلهم منذ بدء النزاع في السودان قبل أربعة أشهر»، أي بمعدل أكثر من 700 طفل نازح جديد كل ساعة. وأضافت أنه مع استمرار أعمال العنف، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.7 مليون طفل يتنقلون داخل حدود السودان، وأكثر من 470 ألف طفل عبروا إلى البلدان المجاورة. وأوضحت «اليونيسيف» أنه «في الوقت الراهن، هناك حوالي 14 مليون طفل بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني، ويواجه العديد منهم تهديدات متعددة وتجارب مرعبة بشكل يومي»، لافتة إلى أنه «بالإضافة إلى بؤر النزاع الساخنة مثل دارفور والخرطوم، انتشر القتال الضاري الآن إلى مناطق أخرى مأهولة بالسكان، بما في ذلك جنوب وغرب كردفان».

انعدام الأمن الغذائي

وقالت المنظمة إنه استناداً الى أحدث تقرير للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في السودان، فإن «20.3 مليون شخص سيعانون انعدام الأمن الغذائي بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) 2023، ومن المتوقع أن تتفاقم الحالة الصحية والغذائية لنحو عشرة ملايين طفل». وأكدت أن «العنف لا يزال يعيق تقديم الخدمات الصحية والغذائية، ما يعرض ملايين الأطفال للخطر»، بما في ذلك في الخرطوم ودارفور وكردفان، حيث «يعمل أقل من ثلث المرافق الصحية بكامل طاقته». وأوضحت أنه «في المناطق التي تشهد نزوحاً داخلياً مرتفعاً ونظماً صحية مجهدة، مثل ولايتي النيل الأزرق والأبيض، فإن تفشي الأمراض، بما في ذلك الحصبة، يعود إلى الظهور، مع تقارير تفيد بوفيات مرتبطة به».

المساعدات الدولية الإنسانية تمر عبر مدينة القضارف من ميناء بورتسودان إلى العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وأضافت المنظمة أن «المزيج المميت من الحصبة وسوء التغذية يعرض حياة الأطفال لخطر كبير للغاية إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة». وقالت إنه «مع استمرار النزاع في تدمير البلاد، فإن حوالي 700 ألف طفل ممن يعانون سوء التغذية الحاد الشديد معرضون بشدة لخطر الموت من دون علاج، ويواجه 1.7 مليون طفل خطر تفويت اللقاحات الأساسية المنقذة للحياة، ومن المرجح أن يفوت جيل كامل من الأطفال التعليم».

المتحاربون غير صالحين للحكم

وفي مناسبة مضي عام على وصوله إلى الخرطوم، قال السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري إن «جهودنا مع الشركاء السودانيين والدوليين لاستعادة الديمقراطية في السودان انقلبت رأساً على عقب بسبب الحرب التي تدمر البلاد الآن». وأضاف أن «المستقبل الذي يبنيه الشعب السوداني لا يمكن أن يتحقق إلا عندما يتم استعادة الأمن للمدنيين». وقال أيضاً إنه «يجب على الأطراف المتحاربة، التي أثبتت أنها غير صالحة للحكم، إنهاء النزاع ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية»، معبراً عن «امتنانه للشراكات التي نحافظ عليها بينما نعمل على تحقيق السلام والديمقراطية في السودان»، في إشارة الى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية والعديد من القوى الاقليمية والدولية لوقف الحرب الدائرة في هذا البلد العربي الأفريقي منذ أشهر.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

شمال افريقيا نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نزوح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين الماضي (الأمم المتحدة)

السودان: إدريس سيباشر مهامه من الخرطوم خلال الأيام المقبلة

قالت وزيرة شؤون مجلس الوزراء السودانية لمياء عبد الغفار اليوم الأحد إن رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس سيباشر مهامه من العاصمة الخرطوم في «غضون الأيام المقبلة».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية كافية في السودان لإيصال وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا نازحون سودانيون يقضون ليلة في مدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

«أطباء السودان»: «الدعم السريع» قتلت 200 شخص على أساس عرقي بشمال دارفور

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء على أساس عرقي من قبل «الدعم السريع» بمناطق أمبرو، وسربا، وأبوقمرة بولاية شمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
TT

علاء عبد الفتاح يثير أزمة في بريطانيا... و«شماتة» مصرية

الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)
الناشط المصري - البريطاني علاء عبد الفتاح مع عائلته بعد وصوله لندن (حساب شقيقته على فيسبوك)

أثار ترحيب رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر بوصول الناشط المصري- البريطاني علاء عبد الفتاح إلى لندن، بعد سنوات من سجنه في مصر، قبل صدور عفو رئاسي عنه، أزمة واسعة في بريطانيا؛ على خلفية تعرض ستارمر لانتقادات من سياسيين معارضين، وهو ما قوبل بـ«شماتة» مصرية ظهرت على منصات «السوشيال ميديا».

صورة أرشيفية للناشط علاء عبد الفتاح بعد حصوله على عفو رئاسي في القاهرة الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 (أ.ب)

وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر (أيلول) الماضي قراراً بالعفو عن عبد الفتاح، الصادر ضده في ديسمبر (كانون الأول) 2021 حكماً بسجنه لمدة 5 سنوات بتهمة «الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة».

وخلال فترة سجنه حصل عبد الفتاح على الجنسية البريطانية عن طريق والدته ليلى سويف بصفته من مواليد المملكة، وبعد أن أصبح «مواطناً بريطانياً» جرت اتصالات عدّة بشأنه بين الحكومتين المصرية والبريطانية، قبل أن يتم الإفراج عنه ورفع اسمه من قوائم «الإرهاب» والسماح له بالسفر خارج البلاد.

ووصل عبد الفتاح إلى لندن، الجمعة الماضي، بعد أيام من قرار النائب العام رفع اسمه من قوائم «المنع من السفر». وعقب وصوله كتب ستارمر عبر حسابه على منصة «إكس» تدوينة يرحب فيها بوصول عبد الفتاح، عادَّاً أن «قضيته كانت أولوية قصوى لحكومته منذ توليه المسؤولية، وموجهاً الشكر للرئيس المصري لإصدار قرار بالعفو عنه».

غير أن ذلك الترحيب قوبل بانتقادات بريطانية واسعة. وكتب وزير العدل في حكومة الظل عضو البرلمان روبرت جينريك رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ينتقد فيها ترحيب رئيس الوزراء بوصول عبد الفتاح إلى المملكة المتحدة، عادَّاً أن هذا الترحيب تجاوز كونه دعماً قنصلياً إلى تأييد سياسي علني غير مبرر.

وأشار إلى أن ذلك يتناقض مع تعهد الحكومة بمحاربة «معاداة السامية»، خاصة في ظل ما يصفه بسجل عبد الفتاح من «تصريحات متطرفة تحرّض على العنف ضد الإسرائيليين والشرطة»، مذكراً بتصريحات عدة سجلها الناشط المصري البريطاني عبر حساباته، ومتسائلاً عما إذ كان رئيس الوزراء البريطاني على علم بهذه التصريحات وما إذا كان يدين تلك التصريحات بشكل قاطع ومن دون أي تبرير.

ووصف نائب زعيم حزب الإصلاح البريطاني ريتشارد تايس بيان ستارمر بأنه «مثير للاشمئزاز» في تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك»، فبينما أكد بتدوينة أخرى على «إكس» عدم المسامحة على منحه الجنسية البريطانية قبل سنوات.

وانتقدت النائبة البرلمانية ساره بوتشين في تدوينة عبر «إكس» ترحيب رئيس الحكومة بالناشط المصري البريطاني، ومتسائلة عن كيفية الترحيب بشخص «يدعو للعنف ضد النساء والفتيات ويتحدث عن قتل رجال الشرطة».

ولاقى الجدل البريطاني تفاعلاً في مصر وسط تعليقات حملت «شماتة» في موقف الحكومة البريطانية ودفاعها خلال السنوات الماضية عن عبد الفتاح ومطالب الإفراج عنه.

وقال المحامي البريطاني والمختص بالقانون الدولي أمجد سلفيتي لـ«الشرق الأوسط» إن «الجدل في الداخل البريطاني مرتبط بحسابات انتخابية وسياسات حزبية»، مشيراً إلى أن «الجنسية الممنوحة لشخص يحمل جنسية أخرى يمكن سحبها وفق شروط متعددة، وهو أمر قد يتم اللجوء إليه بالفعل في حالة عبد الفتاح».

وأضاف: «القانون البريطاني نظم إجراءات سحب الجنسية من الحاصلين عليها بالاكتساب المباشر وفق شروط عدة، منها المصلحة العامة أو الإضرار بالأمن القومي، الأمر الذي يتم بناءً على قرار من وزير الداخلية ويناقش في مجلس الوزراء، وفي حال حدوثه يكون للمتضرر منه الحق باللجوء إلى القضاء من أجل الحسم النهائي ما إذ كان سيحتفظ بالجنسية أم ستسحب منه».

وعدّ الكاتب والمحلل البريطاني عادل مرزوق في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن قضية علاء عبد الفتاح «تعكس بوضوح حالة الارتباك التي تعيشها السياسة البريطانية في ظل لحظة استقطاب حاد»، موضحاً أن «عودة علاء إلى لندن من حيث الشكل، لا تمثل اصطفافاً آيديولوجياً من الحكومة البريطانية معه، لكنها تحوّلت في السياق السياسي المحتقن قراراً ذا كلفة داخلية مرتفعة».

ويشير عضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التعامل البريطاني مع ملف علاء عبد الفتاح جاء من دون إدراك طبيعة الأسباب التي سُجن من أجلها»، مشيراً إلى أنه «ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون، وثبت ذلك بأدلة واضحة وصدر بحقه حكم قضائي بالحبس، الأمر الذي تغافلت عنه الحكومة البريطانية خلال طلبات الإفراج عنه».

وعدّ أن «محاولة تقديمه بوصفه بطلاً قومياً أمر يعد بمثابة قلب للحقائق القانونية الراسخة»، لافتاً إلى أن «الجدل البريطاني المتأخر لقراءة ما قام به بالفعل وسجن على أساسه يعكس ما أوضح من مصر سلفاً».


الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)
نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

نزح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان، وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع».

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة الأحد إن أكثر من سبعة آلاف شخص فروا من أم برو وكرنوي في شمال دارفور اللتين سيطرت عليهما قوات «الدعم السريع» قبل أيام.

وفي جنوب كردفان فرّ أكثر من ثلاثة آلاف شخص من مدينة كادوقلي التي تحاصرها قوات «الدعم السريع»، ويسيطر عليها الجيش، بينما يعاني السكان من المجاعة، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي جنوب كردفان أيضاً، التهمت النيران 45 مأوى للنازحين بعد اشتعالها في منطقة أبو جبيهة.

وأعلنت قوات «الدعم السريع» الأربعاء السيطرة على مدينتي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، فيما أفادت مصادر محلية «وكالة الصحافة الفرنسية» بتقدم مقاتلي «الدعم السريع» باتجاه مناطق قبيلة الزغاوة على الحدود الشمالية الغربية للسودان، وتصاعد الاشتباكات بالمنطقة.

واشتدت المعارك في مدن كردفان خلال الأشهر الأخيرة منذ إحكام «الدعم السريع» قبضتها على كامل إقليم دارفور المجاور، بسيطرتها على مدينة الفاشر في أكتوبر (تشرين الأول).

ويتحارب الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع» بقيادة نائب البرهان سابقاً محمد حمدان دقلو منذ أبريل (نيسان) 2023 ما تسبب في «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، حسب الأمم المتحدة.

ومنذ بداية الحرب نزح أكثر من 11 مليون شخص داخل السودان وخارجه، يعيش جزء كبير منهم في مخيمات مكتظة أو مدن نائية تعاني من نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة.


الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
TT

الجزائر تُفعّل «التسوية المشروطة» بديلاً لملاحقة المتورطين في قضايا فساد

وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)
وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة (الوزارة)

شرعت الحكومة الجزائرية في اعتماد آلية قانونية تسمح بتأجيل الملاحقة القضائية لبعض الشركات مقابل استرجاع الأموال أو الأصول التي حوَّلتها أو تنازلت عنها خارج البلاد بطرق غير قانونية، فيما يُعرف باسم «مسار استرجاع الأموال المنهوبة»، والذي تم إطلاقه بعد سجن مسؤولين كبار عملوا في مرحلة الحكم السابقة.

وأعلن وزير العدل لطفي بوجمعة عن هذه الآلية خلال مؤتمر «الأمن القانوني كمحرّك للتنمية الاقتصادية» الذي انعقد بالعاصمة الجزائر، السبت، وشارك فيه الوزير الأول سيفي غريب وقضاة ومسؤولو الأجهزة الحكومية المكلفون بمحاربة الفساد.

الوزير الأول سيفي غريب ينتصف الصف الأول وعلى يمينه وزير العدل لطفي بوجمعة خلال مؤتمر الأمن القانوني والتنمية الاقتصادية (وزارة العدل)

وتتيح هذه الآلية، حسب بوجمعة، تسديد القروض البنكية وكل المستحقات والمبالغ التي تم الحصول عليها من ممارسات الفساد، بديلاً عن الملاحقة القضائية «مؤقتاً».

ولفت الوزير إلى أن ذلك لا يعني تخلي الدولة عن ملاحقة المتورطين في الفساد قضائياً، ولا إسقاط التهم عنهم، ولا منحهم عفواً، «بل هو تعليق مؤقت للإجراءات القضائية، ويبقى مشروطاً بالتزام الشركة محل شبهة فساد، بشكل كامل، بتنفيذ ما طُلب منها. وفي حال الإخلال بهذه الالتزامات تُستأنف المتابعة القضائية تلقائياً».

ويُعد هذا الإجراء بديلاً عن المتابعات الجزائية التقليدية، ويُطبق على الأشخاص المعنويين، أي الشركات، وليس بالضرورة على الأشخاص الطبيعيين؛ ويمكن متابعة المسؤولين بصفة فردية إذا ثبتت مسؤوليتهم الشخصية في الفساد، حسبما صرَّح بوجمعة.

وأشار وزير العدل إلى أن هذا «لا يشمل كل الجرائم، وإنما يقتصر على جرائم مالية واقتصادية محددة، خصوصاً تلك المتعلقة بتحويل الأموال إلى الخارج أو التصرف غير القانوني في الأصول».

اجتماع برلمانيين جزائريين مع مسؤولين بوزارة الخزانة الأميركية سنة 2023 في إطار مساعي استرداد «الأموال المنهوبة» (البرلمان الجزائري)

وفي مقابل الاستفادة من هذا الإجراء، يتم إلزام الشركة إما بإعادة الأموال المحولة إلى الخارج، وإما استرجاع الأصول محل المخالفة، وإما دفع قيمتها المعادِلة إذا تعذر الإرجاع، إضافة إلى تسديد الغرامات والضرائب وكل الحقوق المالية المترتبة عن أفعال الفساد المنسوبة إليها.

وقال بوجمعة: «في سياق تنفيذ الأحكام الجديدة لقانون الإجراءات الجزائية، أعطينا توجيهات للنيابة العامة بضرورة التطبيق السليم والموحد لإطار تحريك الدعاوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية، والمؤسسات الصناعية والتجارية العمومية».

استعادة الأموال «بسرعة»

إن الهدف من هذا التوجه، حسب قضاة مكلفين بملفات محاربة الفساد تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، هو تمكين الدولة من استرجاع الأموال بسرعة، والحفاظ على النشاط الاقتصادي ومناصب الشغل، وتشجيع الاستثمار، بدلاً من اللجوء إلى مسارات قضائية طويلة تؤدي في أحيان كثيرة إلى توقف المؤسسات وضياع الأموال خارج البلاد.

وقال أحد القضاة، مفضلاً عدم نشر اسمه: «يتمثل التوجه الجديد، حسب التوجيهات التي أسداها وزير العدل، في سعي الدولة إلى تحقيق توازن بين حماية المال العام، ومحاربة المخالفات من جهة، وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي، وعدم تعطيل المؤسسات المنتجة من جهة أخرى، مع التأكيد على أن هذا الإجراء يبقى مشروطاً بالالتزام الكامل، ولا يُعد تهاوناً مع الفساد».

وفي إطار التعاون مع دول غربية استقبلت أموالاً عامة حُوّلت من الجزائر، أفادت صحيفة إسبانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأن فندقاً يقع في مدينة برشلونة كان مملوكاً لرجل الأعمال الجزائري علي حداد، المحكوم عليه في قضايا فساد، أصبح ضمن أملاك الدولة الجزائرية.

فندق «إل بالاس» في برشلونة الذي استعادته الجزائر (صحف جزائرية)

ويتعلق الأمر، حسبها، بفندق «إل بالاس دي برشلونة»، الذي انتقلت ملكيته إلى «الصندوق الوطني للاستثمار» الجزائري خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، وذلك عبر آلية «الدفع مقابل الدين»، وفق ما أوردته الصحيفة.

وكان الفندق مملوكاً لحداد منذ سنة 2011، حيث اشتراه بمبلغ 40 مليون يورو، بحسب تحقيقات الأمن الجزائري. وصدر عليه حكم قضائي في 2020 بعقوبة سجن نافذة مدتها 10 سنوات بتهم تتعلق بـ«تبديد المال العام، وسوء استغلال النفوذ والفساد».

وسبق للقضاء الجزائري أن تقدم بطلب رسمي إلى السلطات القضائية الإسبانية لاسترجاع العقار، على أساس الاشتباه في أنه اقتُني بأموال تم تحويلها إلى الخارج بطرق غير قانونية.

إجراء «طوعي»

لم تنتقل ملكية الفندق عبر مسار قضائي أو تنفيذ حكم بالحجز، وإنما تم ذلك في إطار اتفاق رضائي مع علي حداد، وهو ما تؤكده طريقة التقييد في السجل العقاري بمدينة برشلونة، حيث سُجّل الإجراء على أساس «السداد مقابل الدين» وليس بوصفه تنفيذاً لأمر حجز صادر عن جهة قضائية.

وتعد آلية «السداد مقابل الدين» إجراءً طوعياً لا يتم إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية.

وفي العاشر من أكتوبر الماضي، صرّح الرئيس عبد المجيد تبون خلال خطاب ألقاه أمام القيادة العسكرية بأن الجزائر نجحت في استرجاع أصول تُقدَّر قيمتها بنحو 30 مليار دولار، ملمّحاً إلى فندق «إل بالاس» من دون أن يذكره بالاسم، قائلاً: «في إسبانيا، تمكنت السلطات من استعادة فندق 5 نجوم جرى اقتناؤه بطرق غير مشروعة».

وزير الطاق السابق شكيب خليل (الشرق الأوسط)

كما وجّهت الجزائر خلال عام 2022 طلبات إنابة قضائية إلى عشرات الدول بهدف استرجاع ممتلكات تعود لرجال أعمال ووزراء ومسؤولين عسكريين من العهد السابق، من بينهم وزير الطاقة السابق شكيب خليل المقيم في الولايات المتحدة، ووزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب المقيم في فرنسا، إضافة إلى علي حداد.

وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب (الشرق الأوسط)

وفي هذا السياق، احتُجزت وديعة بقيمة 1.5 مليون يورو في بنك سويسري تعود لبوشوارب الذي يخضع لمذكرة توقيف دولية صدرت عقب إدانته غيابياً بالسجن 20 عاماً في قضايا فساد، غير أن القضاء الفرنسي رفض تسليم الوزير السابق إلى الجزائر، بدعوى «عدم توفر ضمانات كافية لمحاكمته، وفق شروط المحاكمة العادلة».