الكرملين لا يتحمّل الضعفاء

اللفتنانت جنرال فلاديمير ألكسييف (يمين) مع بريغوجين في مقطع الفيديو من روستوف يناشد رئيس «فاغنر» في مقطع مصور سابق إعادة النظر في أفعاله (أ.ف.ب)
اللفتنانت جنرال فلاديمير ألكسييف (يمين) مع بريغوجين في مقطع الفيديو من روستوف يناشد رئيس «فاغنر» في مقطع مصور سابق إعادة النظر في أفعاله (أ.ف.ب)
TT

الكرملين لا يتحمّل الضعفاء

اللفتنانت جنرال فلاديمير ألكسييف (يمين) مع بريغوجين في مقطع الفيديو من روستوف يناشد رئيس «فاغنر» في مقطع مصور سابق إعادة النظر في أفعاله (أ.ف.ب)
اللفتنانت جنرال فلاديمير ألكسييف (يمين) مع بريغوجين في مقطع الفيديو من روستوف يناشد رئيس «فاغنر» في مقطع مصور سابق إعادة النظر في أفعاله (أ.ف.ب)

لا تنطبق مقولة «مات الملك عاش الملك»، على شركة «فاغنر» بعد مقتل مموّلها يفغيني بريغوجين. فالمرحلة المقبلة، هي مرحلة ما بعد كلّ من «فاغنر» وبريغوجين في الوقت نفسه. حتى إن مرحلة ما بعد التمرّد، كانت قد أنتجت «فاغنر» مختلفة عن «فاغنر» التي قاتلت في باخموت – أوكرانيا.

فالذي عيّن بريغوجين على رأس هرم «فاغنر»، هو أوّل من عانى بسبب خياراته. لكنّ رفض تنفيذ الأمر شيء، والتمرّد على القيصر شيء مختلف. فالعقل الروسي القيصريّ، كان قد تربّى على المثلّث الذهبيّ: «الأوتوقراطية، الأرثوذكسيّة كما القوميّة الروسيّة». فالكرملين لا يتحمّل الضعفاء، حتى مع من يحكمه بيد من حديد لا ترحم. المهمّ هي الأمة. وهنا، وحسب عقل بوتين ارتكب بريغوجين الخطيئة العظمى، عندما تمرّد على الدولة والأمة وهي في حالة صراع مصيريّة مع الغرب اللادينيّ.

ألم يصف الرئيس بوتين مموّل شركة «فاغنر» بالخائن؟ وألا يستلزم موت الخائن بطريقة فظيعة؟ ألم يُذكّر بوتين بريغوجين عَرَضاً، بما حصل ليميليان بوغاتشيف عندما تمرّد على كاترين الكبرى (1773 - 1775)؟ فهو قد أُعدم، أي بوغاتشيف، في ساحة موسكو بقطع الرأس وتقطيع الأوصال.

مهما كان سبب سقوط طائرة بريغوجين، فإننا حتماً لن نعرف محتوى العلبة السوداء (Black Box)، وحتماً لن نعرف تفاصيل التحقيق الجنائي حول سبب السقوط، أكان بواسطة صاروخ أرض-جوّ، وهذا أمر مستبعًد، أم إن كان بواسطة عبوة فُجِّرت على ارتفاع معين، أو عن بُعد، لأن هذا الأمر يتطلّب فحصاً جنائياً – مخبريّاً، أو إن كان سبب السقوط خطأ بشري أو تقنيّ.

بوتين يلقي كلمة بمناسبة الذكرى الثمانين لمعركة كورسك في الحرب العالمية الثانية (رويترز)

المهمّ الآن... ماذا بعد؟

تمارس شركة «فاغنر» أعمالها فعليّاً في 3 قارات: في أوروبا؛ أي الداخل الروسيّ، وعلى المسرح الأوكرانيّ، وفي بيلاروسيا لفترة وجيزة. وفي آسيا - الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا. وأخيراً وليس آخراً، في شمال أفريقيا، كما في عمقها. وبسبب هذا الانتشار، لا بد لهذه الشركة من هيكليّة تنظيميّة تتناول الأبعاد التالية: البُعد العسكريّ، الذي بدوره يتحوّل إلى بعد سياسي – جيوسياسيّ، والبعد الاقتصادي - الماليّ، الذي يقوم على استغلال ثروات البلدان التي توجد فيها «فاغنر»، هذا عدا الشركات الخاصة التي تُمرّر عبرها الأموال إلى روسيا بطريقة مواربة.

البُعد الإداري، من عديد: تطويع، وإدارة شؤون المقاتلين وإضباراتهم، والأمر بالدفع لهم، إلى مختلف الأمور الإدارية. أيضاً، لا بد من عملية القيادة والسيطرة لهذه الشركة: مَن يتخّذ القرارات الاستراتيجيّة الكبرى، ومَن يعطي الأمر النهائيّ؟ وكيف تُستغلّ هذه الشركة لخدمة الأهداف الجيوسياسيّة لروسيا؟ وما دور الفرع الاستخباراتيّ، وكيف يتم التنسيق مع أجهزة استخبارات الداخل الروسيّ؟ هذا إلى جانب القيادات العسكريّة في البلدان التي تنتشر فيها «فاغنر». وقد يمكن هنا إضافة البّعد الفني التقني، الذي يؤمّن الاتصالات، والخدمات السيبرانيّة. هذا عدا البُعد الإعلامي والبروباغندا. وأخيراً وليس آخراً، قد يبرز دور البُعد القانونيّ. هذا باختصار ما يجب أن تكون عليه هيكليّة شركة «فاغنر».

شرطيان روسيان أمام مقر «فاغنر» في سان بطرسبرغ (أ.ف.ب)

وعليه، وبعد مقتل مموّل الشركة بريغوجين، قد يمكن القول إن عمليّة إعادة هيكلة الشركة ستتمّ في كلّ الأبعاد التي تحدّثنا عنها، خصوصاً الماليّة، والاستخباراتيّة والعسكريّة. فالشركة كانت مرتعاً لبريغوجين، فمن الطبيعي أن يكون قد وضع الموالين والمخلصين له في الأماكن الحسّاسة. لكن بعد مقتله، سوف تكون إعادة الهيكلة عموديّاً وعلى الشكل التاليّ:

مَن سيكون المسؤول عن الشركة من الداخل الروسيّ؟ هل هي وزارة الدفاع، أم الاستخبارات الروسيّة العسكريّة الخارجيّة (GRU)، أم الاثنتان معاً؟ من المنطق أن تتولّى الاستخبارات العسكريّة هذه المهمّة لأنها تتطلّب ليونة عالية، وهذا أمر عادةً لا تتمتّع به القيادات العسكريّة التقليديّة.

سوف يُعيَّن المخلصون والموالون للكرملين في أهم محاور ومفاصل الهيكليّة الجديدة. وسوف تكون الإدارة عموديّة من أعلى إلى أسفل، وجامدة كجمود القيادة العسكريّة التي تظهّرت في الحرب الأوكرانيّة.

وعليه لن يتأثّر كثيراً المسرح الروسيّ، كالأوكراني، بعمليّة الهيكلة الجديدة لشركة «فاغنر». لكن الأكيد أنه تأثير شركة «فاغنر» في أفريقيا، سوف يتراجع خلال هذه المرحلة الانتقاليّة، خصوصاً في البلدان التي تعاني من عدم استقرار، وفي طليعتها مالي، وليبيا، والسودان، وجمهوريّة أفريقيا الوسطى.


مقالات ذات صلة

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

تُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
أوروبا أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز) play-circle 01:26

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
TT

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

ويقول الادعاء العام إنه يعتقد أن الرجل (37 عاماً) قام في أوائل عام 2017 باحتجاز المرأة التي يبلغ عمرها حالياً 33 عاماً، وإساءة معاملتها بطريقة وحشية، واغتصابها بشكل متكرر.

ويواجه الرجل اتهامات بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بسلب المرأة حريتها وإلحاق أذى بدني خطير ومتعمد وتهديدها واغتصابها. وأقر الرجل بالتهم الموجهة إليه في أول يوم للمحاكمة.

وحسب الادعاء، تعرف الاثنان على بعضهما عبر الإنترنت، وفي ليلة رأس السنة 2016، سافرت المرأة إلى مصر لبناء حياة مشتركة هناك. ويعتقد أن الاعتداءات بدأت تقريباً في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني) 2017؛ إذ أخذ الرجل هاتفها المحمول وجواز سفرها، وكان يحتجزها داخل الشقة عند خروجه.

ووفقاً لما قاله الرجل في المحكمة، فإنه كان يتناول بانتظام مسكناً للألم في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يتعاطى مع المسكن الحشيش أو مادة «كريستال ميث»، وأضاف: «عندئذ كان يبدأ التأثير الحقيقي»، فكان يبقى مستيقظاً بعدها لمدة يومين أو ثلاثة.

وتابعت صحيفة الدعوى أن معاناة المرأة انتهت في 17 مارس (آذار) 2017، عندما أنقذتها الشرطة المصرية بمساعدة المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية. ولا تتوافر معلومات بعد حول كيفية علم السلطات بوضع المرأة.

وحددت المحكمة الإقليمية في ميونيخ خمس جلسات للمحاكمة.

وتختص المحكمة بالنظر في القضية لأن آخر مكان إقامة للمتهم في ألمانيا كان في مدينة ميونيخ. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.