أسرة أميركية تنقذ ابنها من الانضمام لـ«داعش»

«إف بي آي» وجهت إلى خان اتهامات بالتآمر ومحاولة تقديم دعم مادي للتنظيم الإرهابي

أشر عبيد خان (واشنطن بوست)
أشر عبيد خان (واشنطن بوست)
TT

أسرة أميركية تنقذ ابنها من الانضمام لـ«داعش»

أشر عبيد خان (واشنطن بوست)
أشر عبيد خان (واشنطن بوست)

جلس أشر عبيد خان داخل مطار أتاتورك في إسطنبول يفكر في خطوته التالية - التي كانت إما الانتقال إلى سوريا للالتحاق بصفوف «داعش»، الجماعة المسلحة التي اجتذبته نحو إمكانية الموت في سبيل الله أو العودة إلى تكساس وأسرته التي استبد بها الخوف ويمتلئ بريده الصوتي بمناشدات منها.
وبعد أن حسم قراره، أمسك خان، 19 عامًا، بالهاتف وأخبر والده: «أريد العودة للوطن».
وفي غضون ساعات، استقل خان طائرة وعادة إلى موطنه، تحديدًا ضاحية هوستون داخل تكساس. ورغم أن أسرته نجحت في إنقاذه من مصير مجهول في سوريا، فإنه يواجه خطر المحاكمة داخل الولايات المتحدة.
بعد خمسة عشر شهرًا، تحديدًا مايو (أيار) 2015، وجه مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) اتهامات لخان بالتآمر ومحاولة تقديم دعم مادي إلى «داعش». وبدلاً من العيش تحت لواء الخلافة، يواجه خان الآن إمكانية السجن لمدة تصل إلى 30 عامًا.
بالنسبة لأسرته ومحاميه، لا يعدو خان كونه مراهقًا سقط ضحية سذاجته وتضليل «داعش» له. ويؤكد محاميه، توماس بيرغ، أن خان تراجع عن قرار لا رجعة فيه، وعاد منذ ذلك الحين إلى نهج ديني معتدل.
وأوضح بيرغ أنه: «عاد للوطن وفعل الصواب. وإذا كانت الحكومة ذكية، عليها استغلال هذا الأمر. مثلاً، يمكن له ارتياد المساجد والحديث عن عودته لصوابه».
وأضاف أنه حال تعرض بيرغ للسجن، فإنه لن يبقى بذلك حافز أمام الشاب التالي الذي تراوده أفكار الانضمام لـ«داعش» كي يحول مساره ويعود للوطن. وأشار إلى أن السياسة الحكومية لا تترك مجالاً للعودة.
جدير بالذكر أن بيرغ لم يسمح لموكله بالحديث إلى أي جهة صحافية.
في المقابل، فإن خان من وجهة نظر «إف بي آي» يمثل مصدر مخاطرة مجهولة العواقب من الأفضل الحد منها عبر تقديمه للمحاكمة. وتجسد هذه القضية التوجه الأميركي حيال مواجهة «داعش»، فبينما قررت بعض الدول الأوروبية التعامل مع الشباب الراديكالي العائدين من سوريا باعتبارهم متطرفين بحاجة لخوض برامج استشارية وتعليمية وتوظيفية للقضاء على التوجهات الراديكالية بداخلهم، تتعامل الولايات المتحدة مع مجندي «داعش»، حتى من لا يتجاوزون في رحلتهم إليها أعتاب المطار، باعتبارهم إرهابيين مشتبها بهم.
ومنذ تصنيف واشنطن لـ«داعش» كتنظيم إرهابي عام 2014. ألقى «إف بي آي». القبض على مشتبه بهم بصورة تكاد تكون أسبوعية على صلة بالتنظيم، ينتمي كثيرون منهم إلى سن الشباب وجرى اجتذابهم لأفكار راديكالية عبر الإنترنت. وقد وجهت اتهامات لأكثر من 60 شخصًا بتقديمهم دعما ماديا لـ«داعش» واتهامات أخرى.
وقد اعترف 12 منهم بالاتهامات الموجهة إليهم، بينهم فتى في الـ17 من عمره من فيرجينيا صدر ضد حكم بالسجن 11 عامًا ووضعه قيد المراقبة بقية حياته ومراقبة نشاطاته عبر الإنترنت.
جدير بالذكر أن مدير «إف بي آي»، جيمس بي. كومي، كان قد دعا الأسر والقيادات الدينية المسلمة للتعاون مع المكتب للحيلولة دون تحول الشباب المسلم إلى أفكار راديكالية، مؤكدًا أن «مصالحنا مشتركة».
بيد أن قضية خان - والعشرات مثلها - تترك لدى بعض أعضاء المجتمع المسلم داخل الولايات المتحدة انطباعًا بأنه لا بديل للسجن من وجهة نظر المحققين الفيدراليين و«إف بي آي».
وفي هذا الصدد، أعرب مصطفى تاميز، أحد القيادات المسلمة في هوستون، الذي تعاون مع وزارتي الخارجية والأمن الداخلي بخصوص مواجهة التطرف العنيف، عن اعتقاده بأنه: «لا يصبح أحد عميلا خاصا بارزا لمجرد حديثه إلى أب وأم حول أخطار الانضمام إلى تنظيم إرهابي، وإنما تحقق مكانة كبيرة فقط من خلال إلقائك القبض على مجرم خطير. لذا، علينا أن نغير نظام الإثابة».
واستطرد بأنه بينما ينبغي تحويل بعض القضايا إلى المحاكمة، فإن الولايات المتحدة «يجب أن نواجه الخطاب المتطرف وبناء القدرة على حماية هؤلاء الصبية وإبقائهم بعيدًا عن الجماعات الإرهابية. علينا إعادة النظر في التوجه الذي نتبعه».
في المقابل، قال مسؤولون أميركيون، رفضوا الكشف عن هويتهم لأنهم يناقشون تحقيقات جارية، إنه كانت هناك الكثير من القضايا التي تعاون خلالها العملاء الفيدراليون مع الأسر للحيلولة دون سقوط أبنائهم في براثن أفكار راديكالية، وبالفعل تم تجنب توجيه اتهامات جنائية للأبناء. وأضاف المسؤولون أن هناك مؤشرات مثيرة للقلق، وإن لم تكن قاطعة، بأن خان لم يتخل عن أفكاره الراديكالية بعد عودته إلى الولايات المتحدة.
وذكر مسؤولون لدى «إف بي آي» أن خان أخبر صديقا له بعد شهور من عودته من تركيا بأنه ينبغي عليه النظر إلى «داعش» بذهن منفتح. كما علم مسؤولو المكتب أن مخاوف تصاعدت داخل المسجد الذي يرتاده خان، حيث يتولى تدريس دراسات إسلامية لتلاميذ الصف السابع من التعليم خلال عطلات نهاية الأسبوع.
وبعد إلقاء القبض على خان في مايو تلقى إم. جيه. خان، الذي لا تربطه صلة بخان، ويتولى رئاسة الجمعية الإسلامية في هوستون الكبرى، رسالة عبر البريد الإلكتروني، حصلت «واشنطن بوست» على نسخة منه، من أحد القيادات الدينية بالمسجد يقول فيه: «أخبرني البعض بأنه كانت لديه بعض الأفكار أو التعاطف تجاه جماعات بعينها تعتبر غير صحية».
وذكر «إف بي آي» أن أفرادًا من المسجد أخبروا عملاء للمكتب أن خان يعتقد أن الولايات المتحدة تمثل «الدجال».
في المقابل، وصف عمران موتون، ناظر مدرسة الأحد، خان بأنه «فتى مثالي» التزم بالمنهج الدراسي المقرر. وقال إن أحدًا لم يذكر أبدًا أن خان أبدى تعاطفه تجاه «داعش».
يذكر أن والدي خان قدما إلى الولايات المتحدة من باكستان منذ أكثر من عقدين، واضطر الوالدان للعمل بثلاثة وظائف - بمحطة وقود و«بيتزا هت» و«وول مارت» - لإعالة أبنائهما الأربعة، وجميعهم من الذكور، الذين التحقوا بمدارس عامة. وكانت الأسرة ترتاد مسجد السلام، وهو مسجد ضخم يخدم قرابة 400.000 مسلم، وهو المجتمع المسلم الأكبر في الولاية.
ومن بين أصدقاء خان بالمسجد، مع اقترابه من التخرج في المدرسة الثانوية، فتى مكسيكي اعتنق الإسلام يدعى سيكستو راميرو غارسيا، وأصبح يطلق على نفسه عبد الله علي.
وبدأ غارسيا وخان في مشاهدة مقاطع فيديو راديكالية عبر الإنترنت، حسبما تذكر وثائق المحكمة. وبدأ خان يشدد على ضرورة ارتداء النساء الحجاب، وتوترت علاقته بأسرته، واعترض على قرار والديه العمل بأماكن تبيع الخمور.
في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 بعد شهور قلائل من تخرجه، سافر إلى سيدني بأستراليا للعيش مع أسرة عمه، وانضم إلى «حزب التحرير»، تنظيم إسلامي دولي يرمي لإقامة خلافة إسلامية. وبدأت تراوده فكرة الذهاب إلى سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».