أكد الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن الإسلام الوسطي سينتصر، وسينتهي التطرف والغلو من دون رجعة، رغم التاريخ وما سجل من اعتداء على مقدسات الإسلام في بعض الدول.
وأضاف الوزير آل الشيخ، أن الإسلاموفوبيا استغلها ضعاف العقول وأعداء الإسلام أو بعض المسلمين الذين لا يمثلون الإسلام، إنما يمثلون بؤر الفتن والدمار للعالم أجمع بما فيها العالم الإسلامي، لافتاً إلى أن هناك وعياً من الجميع على مستوى الدول والشعوب لدحر مثل هذا التطرف.
وجاء حديث آل الشيخ، في أعقاب افتتاح المؤتمر الدولي «التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم» تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مكة المكرمة، بمشاركة 150 عالماً ومفتياً من رؤساء المراكز الإسلامية والجمعيات الإسلامية من 85 دولة حول العالم.
وعرج الوزير آل الشيخ إلى ما يحدث من هجوم على الإسلام المعتدل الوسطي، وتعاون أهل الشر على نثر بذور الفتن والفُرقة بين الناس، ونثر بذور الإلحاد والغلو والتطرف، موضحاً أن بلاده عملت على اجتثاث هذه «النبتات الفاسدة الخبيثة»، وأضاف: «نستمر في المتابعة، ولن يكون هناك شيء من هذه الأمور».
وكان الوزير قد تحدث عن المؤتمر بأنه يناقش مواضيع تهم العالم الإسلامي، كما أنه يحقق الأهداف النبيلة في نشر القيم الإسلامية الصحيحة المبنية على القرآن والسنة النبوية وفق فهم السلف الصالح، والتي تدعو إلى الاعتدال والوسطية والرحمة ونبذ العنف والتكفير والتشدد والغلو والإرهاب بأسبابها، وقال: «هذه رسالة السعودية التي تقوم بها، فشكراً للقيادة السعودية التي هيأت هذا المؤتمر الدولي الذي نال استحسان الجميع»، وزاد قائلاً: «السعودية متمسكة بدينها، معتزة بقيمها، وتدعو العالم أجمع لهذا المنهج الذي يحمل الخير والرحمة والدعوة والاعتدال ونبذ الغلو والتطرف والانحلال والإلحاد».
ولفت الوزير إلى أن التوظيف السياسي لدى بعض الجماعات الحزبية للعمل الإسلامي جعل الدين سلماً لتحقيق أهدافهم الحزبية ولو على حساب الدين الذي جعلوه ستاراً لباطلهم، معتبراً ذلك من الغلو في فهم الخطاب الديني، والبعد عن منهج الوسطية والاعتدال، ليصبح هاجساً لدى المخلصين الناصحين من أهل العلم في هذه الأمة، داعياً لتكثيف الجهود لمعالجة توظيف الدين للسياسة، وتخليص الأمة من هذا الداء العضال.
وأشار آل الشيخ إلى أن الحاجة اليوم للاجتماع تعظم في ظل نشوء البدع والمحدثات في الدين، ومحاولة تسطيح فهم الإسلام، وقصره على بعض الشعائر المخترعة ليكون أهله أبعد الناس عن حقيقة اتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بمنهج واضح يجمع بين متطلبات الروح والجسد وبين العمل للدنيا وعمارتها بالخير والبناء الحضاري، مستبشراً بالتجمع الذي احتضنته مكة المكرمة، الذي حضره رؤساء المشيخات والمفتون والمعنيون بالشأن الإسلامي متمثلين قول الحق سبحانه وتعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، ساعين بكل جد لنشر منهج الوسطية والاعتدال والرحمة والرفق للعالم أجمع.
ومن جهته، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، السيد حسين طه، إن استضافة السعودية هذا المؤتمر الهام تؤكد مكانتها كفاعل حقيقي في دعم التوجهات الإيجابية لأمتنا، والعمل على نهضتها، فالمملكة نجحت بما تملكه من مقومات وتراث إنساني وحضاري في أن تصبح قبلةً للتسامح والتعايش السلمي، وترجمة هذه القيمة الإنسانية نهجاً ملموساً يضاف لها ريادتها في تعزيز الحوار بين الأديان، مقدماً شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، على الجهد الكبير الذي يبذلانه في خدمة الإسلام والمسلمين.
وأضاف أن هذا الحدث الفكري والعلمي المتميز يتناول موضوعاً يقع في صلب المهمة الأساسية لمنظمة التعاون الإسلامي، ألا وهو تعزيز الوحدة بين الدول الإسلامية والعمل على رص صفوف الأمة، والدفاع عن قيمها الإسلامية، وتحقيق التكامل في ما بينها في كل المجالات التي تعود بالنفع على شعوبها.
ولفت إلى أن المؤتمر يأتي في ظل تحديات جمة تواجهها الأمة الإسلامية من تطورات جيوسياسية، وتحديات فكرية، ونزعات عدوانية لتشويه صورة الإسلام، ما يتطلب منا الوقوف في وجه هذه النزعات والتيارات المعادية، واسترجاع مفهوم الوحدة الإسلامية التي اتسمت بأنها وحدة حضارية ثقافية إنسانية تقوم على التعاون والتماسك والتفاعل وإثراء الحضارة الإنسانية في كافة المجالات من التعليم والثقافة إلى الفكر والاقتصاد.
إضافة إلى ذلك، شدد أعضاء الوفود الإسلامية، ويمثلون 85 دولة في أثناء أعمال مؤتمر «تواصل وتكامل» المنعقد في مكة المكرمة على أهمية وحدة الكلمة وتآلف القلوب، والعودة لمنهج الوسطية والاعتدال الذي تميز به الدين الإسلامي، مشددين على ضرورة نبذ الغلو والتطرف في الدين والانحلال والإلحاد. وأكدوا أهمية التواصل بين العلماء والمفتين والقادة الدينين والمسؤولين المعنيين في الخطاب الديني في العالم ليتشاركوا همومهم وأفكارهم، ويتبادلوا الخبرات والتجارب، ويتعاونوا في إطلاق المبادرات، وقال رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات، الدكتور محمد مطر الكعبي إن المؤتمر يأتي في خضم تحديات كبيرة ونوعية تعصف بمنظومة القيم الإنسانية التي دعت إليها الرسالات السماوية، وأقرتها المناهج التربوية القويمة. وأشار الكعبي إلى أن قيم الاعتدال والتسامح يتعرض لتحديات فكرية وسلوكية تقوم بها تيارات الإسلام السياسي التي تخطف المفاهيم الإسلامية الراقية، وتفسّر النصوص الدينية بتفسيرات متطرفة تغسل بها عقول أتباعها، وتحرضهم على العنف والإرهاب، وتدعوهم إلى التنمر على الآخرين، والخروج على ولاة أمر المسلمين، والتنكر لأوطانهم ومجتمعاتهم.
وتحدث مفتي جمهورية كازاخستان، الشيخ نوريز تاغانولي أوتبينوف، عن ما حدث في الأيام الأخيرة في عدد من الدول الأوروبية، من تكرار لحوادث حرق القرآن الكريم الذي يعد كتاباً مقدساً بالنسبة للمجتمع الإسلامي، داعياً إلى إصدار بيان مشترك لإدانة هذه الأحداث الدنيئة، كما قدم شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان على تنظيم هذا المؤتمر، متمنياً تحقيق الوحدة القوية والتواصل المثمر بين الجهات المختصة في الشؤون الإسلامية.
يشار إلى بدء أعمال اليوم الأول من المؤتمر الإسلامي المقام تحت عنوان «تواصل وتكامل»، الذي يهدف لتعزيز روابط التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم، وإبراز دورها في تأكيد ضرورة الاعتصام بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وخدمة الإسلام والمسلمين، ومحاربة الأفكار المتطرفة، وحماية المجتمعات من الإلحاد والانحلال.