حجر رشيد يعود للوطن... رقمياً

مجموعة من المصممين تسعى لإعادة الكنوز المنهوبة من خلال العالم الافتراضي

جانب من عرض مجموعة «لوتي» في بينالي فينيسيا للعمارة ()Andrea Avezzù, via Venice Biennale
جانب من عرض مجموعة «لوتي» في بينالي فينيسيا للعمارة ()Andrea Avezzù, via Venice Biennale
TT

حجر رشيد يعود للوطن... رقمياً

جانب من عرض مجموعة «لوتي» في بينالي فينيسيا للعمارة ()Andrea Avezzù, via Venice Biennale
جانب من عرض مجموعة «لوتي» في بينالي فينيسيا للعمارة ()Andrea Avezzù, via Venice Biennale

يمثل حجر رشيد للمتحف البريطاني ما تمثله لوحة الموناليزا لمتحف اللوفر. وكل يوم، تتدفق طوابير من الزائرين على المتحف المقام في لندن، ويستعينون بهواتفهم الذكية لالتقاط صور لحجر أسود جرى جلبه من مصر منذ أكثر عن 200 عام، ولم يعد قط منذ ذلك الحين. ومع ذلك، من المنتظر أن يعود حجر رشيد للوطن، الشهر المقبل ـ بصورة ما.

داخل قلعة قايتباي في رشيد، المطلة على الساحل الشمالي لمصر، سيتمكن الزائرون قريباً من الوقوف عند النقطة التي يعتقد أنه عثر عندها على حجر رشيد، ليركزوا هواتفهم الذكية على كود «كيو آر»، لتتاح لهم مشاهدة صورة الحجر تظهر على شاشات هواتفهم في إطار مشروع للواقع المعزز. وبذلك، تجري استعادة الحجر «رقمياً» من خلال جهود «لوتي»، مجموعة من المصممين المقيمين في لندن، والذين يعملون، حسب وصفهم، على إعادة الأعمال الفنية الموجودة بالمتاحف الغربية إلى أماكنها الأصلية التي سلبت منها أثناء الحقبة الاستعمارية.

تشيديريم نواوباني أحد مؤسسي مجموعة «لوتي» (Looty)

تأسست مجموعة «لوتي» عام 2021، على يدي تشيديريم نواوباني وأحمد أبوكور، واستوحيا الاسم من اسم كلب الملكة فيكتوريا الذي انتُشل من داخل أحد القصور الصينية المنهوبة. وتسعى المجموعة لأن تمنح الناس من أبناء المستعمرات السابقة والذين ليس بمقدورهم السفر إلى الغرب، فرصة الاطلاع على صورة ثلاثية الأبعاد ومعلومات عن كنوزهم المسروقة. ويهدفون من وراء ذلك لإنهاء احتكار المتاحف الغربية على السرد المتعلق بمثل هذه القطع، وإعطاء الجمهور العام صورة أوسع.

استعادة رقمية

مساء أحد الأيام القريبة، وقف نواوباني، الذي كان قد عاد لتوه من القلعة في رشيد، أمام حجر رشد البالغ عمره 2200 عام في لندن. وقال مشيراً إلى الحجر والتماثيل المحيطة به داخل قاعة عرض المنحوتات المصرية في المتحف البريطاني. وقال: «هذه القطع تذكرنا بغنائم الحرب والهزيمة والاستعمار».

وأضاف أن المتحف قدم وصفاً غير كامل للقطع الأثرية التي يجري عرضها داخل جوانبه، ولا يطرحها بالصورة التي كان من المفترض في الأصل عرضها بها. وأوضح أن هذه كانت في الغالب قطعاً ملكية أو دينية أو شعائرية، والتي لم يكن مقصوداً لها قط أن تعرض داخل صندوق عرض زجاجي. وعن أصحاب الأصول الأفريقية أمثاله، قال: «من الخطأ ألا تملك القوة لأن تروي قصتك».

واستطرد موضحاً أن: «ما تمكنت من فعله هو استقطاع جزء من هذه القوة».

ومن المقرر أن يتيح تركيب الواقع المعزز في رشيد للزائرين صورة عالية الدقة للحجر، مع وصف مفصل بالعربية والإنجليزية، وترجمة للنقوش التي يحملها الحجر، وشرح للكيفية التي خرج بها من مصر.

ومن خلال صنع نسخ رقمية للكنوز المنهوبة، سعى نواوباني لتحويل بعض الانتباه باتجاه المساحة الرقمية، وذلك بوصفها «فضاءً جديداً»، وفق قوله: «لم تلحق به القوانين بعد. لم يستعمر أحد الفضاء الرقمي، لذا يبدو فضاءً حراً».

سيعود حجر رشيد إلى مكانه الأصلي في قلعة قايتباي بمدينة رشيد المصرية عبر الواقع المعزز (Looty)

تعد «لوتي» جزءاً من مجموعة من نشطاء وفنانين وأكاديميين شباب من جذور أفريقية، عقدوا العزم على إعادة الأعمال الفنية المنهوبة من خلال صنع نسخ رقمية من تراثهم وعرض هذه النسخ عبر الميتافيرس، وفي إطار معارض دولية ـ مثل معرض حالي تنظمه «لوتي» داخل «بينالي فنيسيا للعمارة» ـ داخل الدول التي جاءت منها هذه القطع.

في هذا الصدد، قال دان هيكس، بروفيسور علم الآثار المعاصر بجامعة أوكسفورد: «يدور كل الحديث عن استعادة القطع الأثرية حول ما سيحدث لاحقاً، وثمة جيل جديد، على ما يبدو، ليس على استعداد للانتظار حتى تتحرك تروس المتاحف بالسرعة شديدة البطء التي غالباً ما تعمل بها».

وأضاف أن مجموعة «لوتي» عمدت إلى تحدي سيطرة المتاحف الغربية على الكنوز الأثرية والسرد المحيط بها، وتعمد إلى استغلال الإعلام الرقمي لإظهار أن القطع الأثرية «لم تمت»، وإنما مستمرة في كونها جزءاً حياً من ثقافتنا.

حجر رشيد

أما أحدث القطع الأثرية التي انصب عليها اهتمام «لوتي»، فهو حجر رشيد، وهو شظية حجرية يبلغ حجمها 3 أقدام و8 بوصات تضم النص ذاته منقوشاً بثلاث كتابات مختلفة، منها الهيروغليفية. وكانت هذه الشظية العنصر الوحيد الذي مكن العلماء من فك شفرة اللغة الهيروغليفية، ليولد من رحم هذه الجهود علم المصريات.

يرجع تاريخ اكتشاف الحجر إلى عام 1799، بعد عام من غزو نابليون بونابرت لمصر. وفي الوقت الذي كانت القوات الفرنسية منهمكة في بناء تحصينات لها، استعداداً لمعركة حاسمة، من المعتقد أنهم عثروا على الحجر داخل الجدار الخارجي لقلعة قايتباي المحطمة. وجرى إرسال الحجر إلى علماء في القاهرة، وبعد ذلك نقل إلى الإسكندرية عام 1801.

ومن ناحية أخرى، بدأت عملية الاستعادة الرقمية في مارس (آذار). صباح أحد الأيام، بعد أن فتح المتحف البريطاني أبوابه بقليل، توجه نواوباني وأبوكور وعالمة المصريات مونيكا حنا نحو الصندوق الزجاجي الذي يضم حجر رشيد، وأحاطوا بأجهزة آيباد، وتولوا عمل مسح له ثلاثي الأبعاد من جميع الزوايا. وكانوا يرتدون سترات سوداء وأقنعة «هوكي»، ويحملون حقائب متشابهة. وعندما اقترب منهم أفراد الحرس وسألوهم إذا كانوا في مهمة احتجاجية، أجابوا أنهم يتولون تصوير الحجر فحسب، ولا يقترفون أي شيء غير قانوني. وبالفعل، تركهم الحرس لحالهم.

تعمل حنا بروفيسور مساعد بكلية الآثار والتراث الحضاري، التابعة للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في أسوان بمصر. وقالت إن عمل مجموعة «لوتي» يأتي في إطار جهود دعم استعادة حجر رشيد، التي تحث رئيس الوزراء المصري على المطالبة باستعادة حجر رشيد، الذي وصفته بأنه كان غنيمة حرب، ودخل في حيازة بريطانيا بشكل غير قانوني. (في بيان له، أعلن المتحف البريطاني أن حجر رشيد جرى تسليمه لهم بوصفه «هدية دبلوماسية»).

وقالت حنا إن حجر رشيد «أيقونة التراث المصري والهوية المصرية، لكنه يمثل كذلك كيف فقدت هذه الهوية».

منحوتات بنين البرونزية

في الواقع، الفقدان كان ما عايشه نواوباني عندما كان طفلاً ولد ببريطانيا من أبوين نيجيريين. وأثناء فترة ترعرعه داخل وحول لندن، لطالما تميز بروح الابتكار، وانغمس في ممارسة هواية الرسم.

بمرور السنوات، أصبح نواوباني مصمم محتوى رقمي، يعمل بالتعاون مع علامات تجارية كبرى مثل «بيربري». عام 2020، قرر استخدام مهاراته في مجال التكنولوجيا الرقمية كي «يسترد» أعمال بنين البرونزية، وهي عبارة عن منحوتات تعود إلى مملكة بنين القديمة (نيجيريا اليوم)، والتي تنتشر في الوقت الحاضر عبر مختلف أرجاء متاحف الغرب.

جانب من عرض مجموعة «لوتي» في بينالي فينيسيا للعمارة ()Andrea Avezzù, via Venice Biennale

وتسعى مشاركة المجموعة في «بينالي فنيسيا» لطرح أعمال بنين البرونزية في إطارها الأصلي: داخل القصر الملكي بمدينة بنين الذي تعرض للنهب من جانب غارة عسكرية بريطانية عام 1897. وثمة صور ثلاثية الأبعاد وهولوغرام ونسخ بتكنولوجيا الواقع المعزز لآلاف القطع البرونزية. وشرح أبوكور أنه نظراً لوجود هذه القطع البرونزية في الكثير من المتاحف الغربية، «فإنه قد توجد 10 قطع هنا و15 هناك»، فإنه يصعب على الزائرين إدراك حجم النهب الذي حدث. وعليه، فإن هدف «لوتي» «سرد القصة بصرياً».

* خدمة نيويورك تايمز


مقالات ذات صلة

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

يوميات الشرق شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

وقّعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا وأكاديمية «دونهوانغ» الصينية شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والسياحي والتراثي بين المملكة والصين.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق الغرابة (SWNS)

تمثال غريب الشكل في الكويت يُحيِّر علماء الآثار

اكتُشف رأسٌ غريب الشكل لكائن غير معروف، من الفخار، يعود إلى آلاف السنوات خلال عملية تنقيب في الكويت، مما أثار حيرة علماء الآثار بشأنه.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
يوميات الشرق المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثّل في مصطبة لطبيب ملكي بالدولة المصرية القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدخل مقبرة بسقارة

مصر: اكتشاف مصاطب ومقابر أثرية تبوح بأسرار جديدة عن سقارة

ما زالت منطقة سقارة الأثرية تبوح بأسرارها، حيث اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية مصاطب ومقابر ودفنات تكشف مزيداً عن تاريخ هذه المنطقة الأثرية المهمة. …

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية بالقاهرة، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها.

منى أبو النصر (القاهرة )

«قوس تنين» في الفضاء تحوَّل إلى «قاعة مرايا بأبعاد كونية»

قاعة من المرايا بأبعاد كونية (ناسا)
قاعة من المرايا بأبعاد كونية (ناسا)
TT

«قوس تنين» في الفضاء تحوَّل إلى «قاعة مرايا بأبعاد كونية»

قاعة من المرايا بأبعاد كونية (ناسا)
قاعة من المرايا بأبعاد كونية (ناسا)

رصد تلسكوب «ويب» القوي، التابع لوكالة «ناسا»، أكثر من 40 نجماً قديماً في مجرّة بعيدة.

وأفادت دراسة، نشرتها دورية «نيتشر»، ونقلتها «سي بي إس نيوز»، بأنّ باحثين استخدموا تقنية تُسمَّى عدسة الجاذبية لتحديد النجوم. وتحدُث هذه الظاهرة عندما ينحني الضوء حول جسم سماوي كبير، ما يجعل الأجسام في الفضاء تبدو أقرب.

نجوم مثيرة للإعجاب (ناسا)

بفضل هذه التقنية، ألقى العلماء نظرة على 44 نجماً في «قوس التنين»؛ وهو جزء من مجموعة مجرّات «أبيل 370»، يبعد نحو 6.5 مليار سنة ضوئية عن الأرض. وأعلن «مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية» أنه دُون عدسة الجاذبية، فإنّ محاولة تحديد النجوم الفردية البعيدة ستكون مثل محاولة النظر إلى الغبار على القمر.

وحتى مع عمل عدسة الجاذبية مثل عدسة مكبّرة، لا يستطيع الباحثون عادةً أن يكتشفوا سوى نجم واحد أو عدد قليل من النجوم، كل مرّة، فأوضح المركز أن الضوء انحرف حول مجموعة المجرات، وحوَّل «قوس التنين»، الذي يكون عادةً على شكل حلزوني، إلى «قاعة من المرايا ذات أبعاد كونية». وسمح ذلك للباحثين برؤية العشرات من النجوم في وقت واحد.

في هذا الصدد، قال أحد المشاركين في الدراسة، فينغو صن، في بيان صدر عن المركز: «يُظهر هذا الاكتشاف الرائد، للمرّة الأولى، أنّ دراسة أعداد كبيرة من النجوم الفردية في مجرّة بعيدة أمرٌ ممكن، في حين وجدت دراسات سابقة، باستخدام تلسكوب «هابل» الفضائي، نحو 7 نجوم. الآن، أصبحنا قادرين على رصد النجوم التي كانت خارج قدرتنا سابقاً».

العالم الهائل (ناسا)

كما أنّ النجوم عينها مثيرة للإعجاب، فكثير منها كيانات عملاقة حمراء، مثل نجم «بيتلغوز» أو «منكب الجوزاء». وشرحت الدراسة أن المجرّة التي ضمَّتها تشكَّلت عندما كان عمر الكون نحو نصف عمره الحالي. وأشار الباحثون إلى أن مزيداً من الدراسات للمجرّة قد يتيح فَهْم هذه الأنواع من النجوم، ما يتيح للعلماء تعلُّم مزيد عن النجوم نفسها والكون الأوسع.