«يهودي مالطا»... معالجة درامية للصراع بين المبادئ والانتهازية

تُعرض في القاهرة ضمن فعاليات «القومي للمسرح»

كوميديا خفيفة على هامش المأساة (القومي للمسرح)
كوميديا خفيفة على هامش المأساة (القومي للمسرح)
TT

«يهودي مالطا»... معالجة درامية للصراع بين المبادئ والانتهازية

كوميديا خفيفة على هامش المأساة (القومي للمسرح)
كوميديا خفيفة على هامش المأساة (القومي للمسرح)

مسرحية «يهودي مالطا»، التي تعرض حالياً في القاهرة، هي معالجة مصرية جديدة لمسرحية الكاتب البريطاني كريستوفر مارلو، الذي يعدّ أحد أهم كُتاب المسرح العالمي على مر التاريخ، رغم أن إنتاجه لا يتجاوز 6 مسرحيات بسبب موته المبكر في سن 29 عاماً.

ومن هنا تأتي أهمية مسرحية «يهودي مالطا» التي تُعرض حالياً على مسرح «السامر» بحي العجوزة بالقاهرة ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري، التي تستمر حتى 14 من أغسطس (آب) الحالي. ويجسد العمل، الذي يشكل مع «د. فوستوس» أشهر أعمال مارلو، الصراع بين الانتهازية والمبادئ، لكن على نحو دموي هذه المرة.

مغامرات لا تتوقف (القومي للمسرح)

العنوان الكامل للمسرحية «المأساة الشهيرة ليهودي مالطا الثري»، وتدور أحداثها على خلفية التنافس التاريخي بين الإمبراطوريتين التركية والإسبانية في السيطرة على جزيرة مالطا، والذي ينتهي بانتصار الأتراك وتمكّنهم من فرض جزية على الجزيرة في هذا التوقيت. ويأتي الأمير التركي سليم كاليماث إلى مالطا ليطالب بالجزية المقررة لوالده؛ لكن حاكم البلاد فيريز لا يملك المال، فيقرر جباية المبلغ المطلوب من التجار اليهود. ويتضرر من هذا القرار التاجر الثري باراباس، ويرى فيه تعسفاً وظلماً وتهديداً لثروته المزدهرة. في البداية يناور محاولاً دفع نصف المبلغ فقط، لكن مناورته تبوء بالفشل.

ويقرر باراباس الانتقام من الحاكم فيحيك عدداً من المؤامرات، لكنه يتوسع في دائرة المستهدفين بالقتل ضمن سلسلة من المكائد. وتشمل قائمة الأعداء ماتياس الذي يتمسك بأخلاق الشرف والنبلاء ويهيم عشقاً بأبيجيل ابنة باراباس. ويجبر الأب القاسي ابنته أبيجيل على قبول خطبة ثري آخر هو لودويك ابن الحاكم، ثم يفتعل مكيدة تجعل الأخير يبارز ماتياس ويموت الاثنان في المبارزة. وتقرر أبيجيل التحول إلى راهبة وتسعى لتبديد ثروة أبيها الذي لا يتوانى عن دس السم لها فتموت. وفي النهاية يلقى الأب مصرعه بالطريقة نفسها، التي خطط لاصطياد غريمه الحاكم بها، وهي السقوط في حفرة تحتوي على سوائل تغلي.

صراع بين المبادئ والانتهازية (القومي للمسرح)

وحافظت المعالجة الدرامية أو «الدراماتورج»، التي أعدها جمال ياقوت، على الخطوط الأساسية للعمل الأصلي. ورغم الطابع المأساوي للأحداث، لم يخلُ العمل من بعض الإشارات الكوميدية التي تعتمد على المفارقة والتناقض الصارخ بين ادعاء الزهد وحب المال لدى بعض الشخصيات. وكان لافتاً أن «الحوار لا يدور فقط بالفصحى بين الشخصيات، بل إنه كثيراً ما يتخذ شكل الأبيات الشعرية الكاملة التي كتبها محمد مخيمر، وتنطلق على لسان الشخصيات في شكل شبه غنائي على إيقاع ألحان محمد شحاتة».

واستطاع مخرج العمل محمد مرسي تجسيد الحس المأساوي للأحداث عبر الإضاءة الخافتة، والرعب الذي يكسو ملامح الشخصيات، فضلاً عن تصاعد الموسيقى الجنائزية في بعض المشاهد.

وعلى صعيد الأداء التمثيلي، استطاع الفنان سامح بسيوني لفت النظر في تجسيده شخصية باراباس بهدوئه ونبرة صوته. وتأثر المشاهدون بدموع أبيجيل التي جسدت دورها الفنانة آثار وحيد.

حضور نسائي لافت (القومي للمسرح)

وبحسب الناقد المسرحي يسري حسان، فإن «المشكلة الأساسية التي يعاني منها العرض، هي أنه يكشف عن رؤيته بشكل مباشر من دون تمهيد فني، بمعنى أنه يفصح عن غرضه في تأكيد أن باراباس يتبع مذهب ميكافيللي (الغاية تبرر الوسيلة)، ثم أنه ينتهي كذلك بأن باراباس رغم التخلص منه فهو باقٍ وله امتداداته في الحياة».

وأضاف حسان لـ«الشرق الأوسط»: «بعيداً عن هذه المآخذ، فإننا أمام عرض مسرحي (مُحكم البناء) يضم عديداً من العناصر المهمة مثل الممثل الموهوب سامح بسيوني الذي لعب دور اليهودي بفهم جيد لطبيعة الشخصية، ومعه عدد من الممثلين أصحاب الموهبة، وبالتالي كان عنصر التمثيل من العناصر المهمة واللافتة التي نهضت بالعرض». وأوضح: «هناك أيضاً الديكور التعبيري الذي أبدعه وليد جابر، وكذلك إضاءة محمد الماموني واستخدامه الشاشة بشكل واعٍ أضاف كثيراً إلى صورة العرض، فضلاً عن استعراضات محمد ميزو».

سامح بسيوني يتألق في أداء الشخصية (القومي للمسرح)

وذكر حسان أن «محمد مرسي مخرج العرض، من الواضح أنه دائماً ما يحاول تقديم الجديد والمختلف الذي يحمل رؤية، وهو حين يهتم بالمضمون لا يغفل الشكل وصناعة صورة مسرحية نابضة بالحيوية، حيث اتسم العرض بجمالياته التي تم توظيفها بشكل جيد في خدمة الدراما».


مقالات ذات صلة

مصر: أدوية «ناقصة»... وبدائل «شحيحة»

شمال افريقيا صيدليات في مصر تشهد نقصاً في بعض الأدوية (نقابة صيادلة القاهرة)

مصر: أدوية «ناقصة»... وبدائل «شحيحة»

المواطن المصري عبد الحميد يضطر إلى القدوم لـ«صيدلية الإسعاف» مرة شهرياً لصرف العلاج لوالدته، الذي لم يعد متوفراً منذ فترة في أغلب الصيدليات الخاصة.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يستقبل سيجريد كاج كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة (صفحة الخارجية المصرية عبر فيسبوك)

وزير الخارجية المصري يؤكد ضرورة احتواء التصعيد في الضفة الغربية

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ضرورة احتواء التصعيد العسكري في الضفة الغربية، واضطلاع إسرائيل بمسؤولياتها في توفير الأمن للفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

مصر ترفض تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا بشأن «سد النهضة»

وجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا أحد أحياء وسط العاصمة المصرية القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

الحكومة المصرية تواجه «سرقة الكهرباء» بإلغاء الدعم التمويني

شددت الحكومة المصرية من إجراءات مواجهة «سرقة الكهرباء» باتخاذ قرارات بـ«إلغاء الدعم التمويني عن المخالفين»، ضمن حزمة من الإجراءات الأخرى.

أحمد إمبابي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

تطوّر اختبار «اللهجة الفلاحي» إلى «وصم اجتماعي» في مصر بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، مع انتشاره عبر مواقع التواصل.

محمد الكفراوي (القاهرة )

معرض فوتوغرافي يستعيد «الخضرة والوجه الحسن» في مصر 

حديقة الحيوان في الثمانينات (مركز بساط الثقافي)
حديقة الحيوان في الثمانينات (مركز بساط الثقافي)
TT

معرض فوتوغرافي يستعيد «الخضرة والوجه الحسن» في مصر 

حديقة الحيوان في الثمانينات (مركز بساط الثقافي)
حديقة الحيوان في الثمانينات (مركز بساط الثقافي)

تستعيد صور فوتوغرافية فكرة النزهة العائلية «المُفتَقَدة» في الحدائق العامة، التي طالما كانت متنفساً لأغلب الأسر المصرية، وهي ما تبدو أنها صارت بعيدة المنال مع تعرُض عديد من الحدائق العامة للإهمال، أو إخضاعها لخطط التطوير، أو تقلص مساحاتها مع ابتلاع الأرصفة لها، وهي نقاط ترددت أصداؤها ونقاشاتها في أروقة فعالية «أغسطس الأخضر» التي اختتم بها القائمون على «مركز بساط الثقافي» بالقاهرة شهر أغسطس (آب)، مع الدعوة لاستحضار ذكريات الحدائق وهوامشها الاجتماعية.

وبعد دعوة أطلقها «مركز بساط الثقافي» بالقاهرة، عبر مواقع التواصل، لاستقبال صور من الأرشيف العائلي الشخصي في الحدائق، فوجئت مديرة المركز، دعاء الشريف، بتدفق المشارَكات من الصور التي شاركها الجمهور مع القائمين عليه، في احتفاءٍ بذاكرة الحدائق والمتنزهات.

لقطة من حديقة الأزهر وسط القاهرة (مركز بساط الثقافي)

«كان الغرض من المعرض الفوتوغرافي بشكل رئيسي ملاحظة تغيّر ممارساتنا الاجتماعية في الحدائق، والمساحات التي تقلّصت. لاحظنا كثيراً من الأشجار التي اختفت، والحدائق التي لم نعد نعرف أسماءها، وذلك من خلال صور عادية شاركت معنا حكايات أصحابها الشخصية مع الحدائق، بعضهم دوّن اسم الحديقة مع تاريخ تصوير الصور، وآخرون لم يجدوا حدائق فقاموا بمشاركة صورهم داخل مساحات خضراء ضيقة أو حتى اكتفوا بتصوير ورود عبروا بجوارها، وهي توثق فترة تمتد من الخمسينات حتى هذا العام، بكثير من المشاعر التي افتقدها الناس بتقلص اللون الأخضر» وفق ما قالته دعاء لـ«الشرق الأوسط».

أطفال جيل الثمانينات (مركز بساط الثقافي)

ويمكن من خلال التجوّل بين الصور المعروضة، التقاط ملامح من حدائق الخمسينات، حيث الألفة تطغى على كادرات حديقة «الأندلس» العريقة، و«حديقة الحيوان» بالجيزة، التي ظهرت في أكثر من لقطة، ما بين لقطات لها في الخمسينات وأخرى في فترة الثمانينات، في استعادة لواحدة من أشهر حدائق مصر التي تم إغلاق أبوابها أمام الجمهور منذ عامين بعد إدراجها للتطوير، ويعود تأسيسها إلى عام 1891 وتعدّ أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.

لقطة عائلية في حديقة الحيوان (مركز بساط الثقافي)

وهناك صور خلت من العنصر البشري، اعتمد أصحابها على توثيق زياراتهم لها؛ مثل حديقة «قصر عابدين» الأثري، وصور مُلتقطة من داخل حديقة «الأورمان» بأشجارها وزهورها النادرة، علاوة على تكوينات أظهرت كثيراً من ملامح البهجة في حديقة «الأزهر» ما بين صور لأمهات يلتقطن أنفاسهن وسط اللون الأخضر، وصور بالأبيض والأسود لحديقة النباتات بأسوان (جنوب مصر)، وأطفال يطلقون العنان للعب.

وفي تعميق للارتباط المتجذر بين اللون الأخضر وذاكرة المدينة، دارت محاضرة «المياه والخضرة والوجه الحسن» ضمن فعاليات المعرض، التي تحدثت فيها المهندسة علياء نصار، مؤسسة «مدرسة خزانة للتراث»، التي تعدّ أن «إحياء ذاكرة الأماكن والتراث يبقيها حيّة حتى لو نالها التغيير، فليست فقط الحدائق التي يتم تقليصها لأغراض التطوير، ولكن حتى الشجر يُقطع من مكانه، وصار يختفي تدريجياً من الشوارع»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

حديقة الأندلس الشهيرة (مركز بساط الثقافي)

وتضيف أن «مسألة الاهتمام بالحدائق والمساحات الخضراء طالما ارتبطت تاريخياً بالاهتمام بالتخطيط البيئي للمدن، حيث كان هناك قديماً اتجاه حدائق بينية بين العمارات بمساحات مختلفة، فكانت تمثل متنزهات صغيرة للأهالي مثلما كان في شوارع شبرا، مروراً بالاهتمام بتخصيص كيانات للاهتمام بالزراعة والبستنة مثل (المعرض الزراعي الصناعي) الذي تأسس عام 1897، وكان حدثاً يفتتحه الملك، ثم صار يفتتحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد ظهر في فيلم (حب حتى العبادة) وهو من بطولة صلاح ذو الفقار وتحية كاريوكا».

اللون الأخضر يتسع للجميع (مركز بساط الثقافي)

وتعدّ المهندسة علياء نصار أن «ذاكرة السينما مصدر مهم لتتبع تاريخ الحدائق في مصر» على حد تعبيرها، وتقول: «السينما أرّخت لعديد من الحدائق التي لم نعد نعلم أسماء كثير منها، كما أنها احتفظت بذاكرة حدائق ارتبطت بقصص حب شهيرة في الخمسينات والستينات، وأشهرها حديقة الأسماك، وحديقة الحيوان، وحديقة الأندلس».